الفصل التاسع: التبليغ في مواجهة الاستكبار

تمهيد
لقد كان جُلّ سعي إمامنا العزيز{ والأشخاص الذين كانوا يرافقونه في نهضته - على اختلاف مراتبهم وعلى حسب إمكانياتهم ومستوياتهم - هو أن يعلم العالم الإسلامي ومجتمع إيران الإسلام وقاعدة الحق والعدالة ما هو الخطر الأكبر الذي يحدق بهم وما هو العدو الأكثر تهديداً لهم، واليوم كسائر ما مضى فإن الهجمة العظمى والخطر الجارف ينشأ من الهيمنة العالمية والقوى الكافرة والمستكبرة. هذا أكبر الأخطار التي تهدد وجود المسلمين... لا ينبغي لنا أن نشتبه، يجب أن تكون مسيرة المجتمع الإسلامي في الاتجاه المخالف للاستكبار والهمينة العالمية والتي تسود هذه الأيام على العالم الإسلامي... القوى العظمى تعادي الإسلام ويقظة المسلمين. إنهم يحاربون إيران الإسلام بسبب إسلاميتها، وإن كل سعيهم لإخماد الحركة الإسلامية في العالم، وبالطبع فإن أميركا هذه الدولة المتجبرة والمعتدية تقف على رأس قائمة أعدائنا ويتلوها


117


 سائر القوى الصغيرة والكبيرة التي لها خصومة تاريخية وتضاد مع الإسلام، إن خصومتهم مع إيران الإسلام ناشئة من انطلاق الصحوة الإسلامية من هذا المكان، فجميع الشعوب الإسلامية وفي كل أرجاء الدنيا تستمد اليوم آمالها من هذه الحركة والثورة المنتصرة وترسخ خطواتها وتتقدم. فلو استطاع الأعداء والعياذ بالله - أن يهزموا الإسلام في هذه النقطة من العالم فإنهم سيحققون أكبر نصر لهم مقابل الصحوة الإسلامية العالمية. هذه حقيقة ملموسة اليوم لا ينبغي أن نخطىء في تشخيص عدونا ولا ينبغي توهم أن العدو قد صرف النظر عن عدائه للإسلام والمسلمين.1

المؤامرة على الدين والعلماء

إن إحدى السبل التي ينتجها العدو سيما في أجواء الجامعات هي التعرض للعلماء، وهذا لا يرتبط بالظرف الراهن، فمنذ اليوم الأول الذي تولى فيه النظام البهلوي الحكم أدرك الأعداء أنهم لو أرادوا السيطرة على هذا البلد، فعليهم القضاء على شيء في هذا البلد إسمه "الدين" وحتى يتم ذلك يجب القضاء على فئة العلماء. فما دام العلماء موجودين وما دامت المؤسسة الدينية المركزية موجودة ومعروفة لدى الناس، وما دام الناس يصغون إليها، فلا يمكن محو الدين من حياة وقلوب وأذهان الناس.2


118


مؤامرة عزل العلماء عن المجتمع:
عندما جاء رضا خان، كانت أهم واجباته القضاء على العلماء وبالتالي محو الدين من المجتمع، ولهذا عندما تولى السلطة بدأ بين عامي (1934- 1935) بتنفيذ مؤامراته، لكنه ظنَّ أن بإمكانه فعل ذلك بالقوة، فمنع لبس العمامة واللباس الطويل وإطلاق إسم "عالم الدين"، وعمل ما بوسعه في القضاء على العلماء وعزل حوزة قم ومشهد عن المجتمع، لكنه فشل في ذلك، بل صنع رجالاً أمثال إمامنا العظيم، فإمامنا العزيز كان من طلبة العلوم الدينية في عصر كبت وقهر رضا خان، لقد سمعت بنفسي الإمام رحمه الله يقول: "كنا نخرج من المدرسة أو البيت في الصباح الباكر إلى بساتين سلارية بقم والتي تبعد عن مركز المدينة فرسخاً واحداً آنذاك، ونشتغل بالدرس والمباحثة والمطالعة، وكنا ندرس في الشوارع وتحت الأشجار، وعندما يحل الظلام والليل نرجع إلى المدرسة كي لا ترانا الشرطة".3

محاصرة العلماء من خلال المؤسسات الدينية:
لقد عمد - رضا خان - إلى تنفيذ مؤامرة أخرى بالاستعانة بالعديد من المفكرين والأدباء والمنظرين الموجودين في جهازه، حيث إن جهاز رضا خان لم يكن يتكون من شخص رضا خان، لقد


119


 عقد هؤلاء اجتماعات وطرحوا فكرة أخرى بدعم وإدارة وإشراف مباشر من رضا خان، كانت عبارة عن إيجاد مؤسسة في طهران بإسم "مؤسسة الوعظ والخطابة" وهذه المؤسسة تعود إلى الأعوام (1937 - 1938) أي بعد مؤامرة إزاحة العلماء بعامين أو ثلاث، كان هدفهم من هذه المؤسسة جعل العلماء عملاء لرضا خان وفي خدمة السياسات الاستكبارية، وذلك بإجبار من ينوون الالتحاق بركب العلماء على تسجيل أسمائهم في مؤسسة الوعظ والخطابة، وكان لهذه المؤسسة أساتذة بارزون، ولقد طالعت نشرات هذه المؤسسة بين الأعوام (1959 -1960) تقريباً من أولها إلى آخرها، فكانت تحتوي على مواضيع قيّمة في مجالات الدين والمعرفة الدينية والأديان الماضية والحالية، لهذا لم يُشاهد نقص من ناحية المواضيع نظراً لوجود أساتذة بارزين كل ذلك كان للقضاء على العلماء.4

نهضة العلماء ومعاداة الاستكبار
لقد نهض الطلبة والعلماء في مختلف أنحاء البلاد مستعينين باعتقاد الناس بهم وقاموا بالتبليغ للثورة والإمام والجهاد والجمهورية الإسلامية ومعاداة الاستكبار، وإلا لم يعرف الناس من هي أميركا، فقد كان الشعب الإيراني بعيداً عن السياسة سنوات متمادية. لكن هؤلاء الطلبة الشباب وهؤلاء العلماء هم الذين ذهبوا إلى أطراف


120


 البلاد، وبيّنوا هذه الحقائق للناس. فكم من الشباب الجامعي ممّن استفاد من تبليغ العلماء آنذاك. لقد كانوا يقولون للعلماء المؤثرين الذين تواجدوا في الجامعات آنذاك: إنكم تعملون على إغواء الشباب!! الإغواء عندهم هو سوق الشباب الجامعي نحو الكفاح. وهكذا كان تأثير العلماء.5

التحامل على العلماء يثلج قلب أميركا والصهاينة:
إن كل من يتحامل على العلماء اليوم فقد أثلج أفئدة ميركا والصهاينة أكثر من الآخرين، ألا ترون كيف ترتفع أصوات الأبواق الصهيونية بالتشجيع والاستحسان إذا ما ارتفع صوت شخص في مكان ما من البلاد، لماذا كل هذا التشجيع؟ إنهم يأملون في إزاحة العلماء والقضاء عليهم. فالتحدث بهذا الشكل وفهم الحقائق بالصورة المقلوبة ونشرها كله فتنة.6

تطبيق الإسلام يتكفّل مواجهة الاستكبار
أعزائي! على علماء الدين أن يدركوا أن النظام والمجتمع الإسلامي إذا تمكن من صقل نفسه بالشكل الذي أراده الإسلام وأوجد في داخله هذه العوامل فسوف لا يمكن لأي قوة في العالم - سواء المادية أو العسكرية - أن تواجهه. يهددوننا دائماً بإرسال


121


 الطائرات والضواريخ، أفيمكنهم أن يفعلوا ذلك؟ هددونا لثمان سنوات ونفذوا تهديدهم أيضاً فأي حماقة تمكن عملاء الاستبكار من ارتكابها بحق هذه البلاد حتى يغدو بإمكانهم ارتكابها بعد هذا اليوم؟ إن الاستكبار حالياً قد استنفر ليتمكن من خلال الفكر والثقافة والسبل العلمية أن يزعزع أسس التفكير الإسلامي وسوف يفشل في هذا المجال أيضاً إذ كيف يمكنه بلوغ ذلك؟! طبعاً لا يمكنه ذلك فيما لو عملتم بما يريده الإسلام: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.7

نهضة العلماء إحياء للإسلام:
الثورة وتشكيل الجمهورية الإسلامية ليس أمراً سهلاً، فهو يعني تهديداً لجميع القوى الكبرى في العالم، وانتصار الثورة يعني صحو أكثرمن مليار مسلم من نوم مئات السنين، يعني أن تنهض جماعة من العلماء المسلمين وجماهير الشعب فجأة ويشدون القبضات ويطرحون شعار إحياء الإسلام فهذا هو انتصار الثورة، إن انتصار الثورة ليس قيام أربعة ضباط بانقلاب عسكري فيطيحون بحكم ويأتون بحكم آخر، ثم يأتي شخص آخر يطيح بهذا الحكم ويأتي بذلك الحكم...8


122


هدر كرامة العلماء هدر لكرامة الجمهورية الإسلامية:
تلاحظون أن الأشخاص الذين يريدون هدر كرامة الجمهورية الإسلامية، عن طريق التهم والكذب من أجل إضاعة قدسية وجهود العلماء، فينشرون الأخبار الكاذبة والحوادث المفتعلة ويضخمون الأشياء الصغيرة من أجل هدر كرامة العلماء، فيتضح أن الكرامة هذه لها أهمية لديهم، حيث يعرفون مقدار أثر هذه الكرامة إذا كانت موجودة أو غير موجودة. ويقوم البعض باستنساخ ذلك وتغليفه بلباس علمي ولباس البحث الاستدلالي، وإنهم يقومون ببحث علمي، فيقولون إِنه ليس هناك علم وتقوى في الحوزة العلمية !9

ضرورة التهيؤ لمواجهة أعداء الإسلام:
عليكم أن تعلموا أنكم حين تعملون على رفع الظلم عن المظلوم، فإن الظالم سوف يحمل في قلبه حقداً عليكم، وهذا أمر قهري. وعندما تكونون قادرين على إثارة شعب من أجل مواجهة الظلم القائم، فيجب أن تعلموا أن الظالمين سوف يرفضونكم ويقومون بأي عمل يستطيعونه ، وهم طبعاً عقلاء ماديون وليسوا عقلاء واقعيين، وهم أذكياء ويبدأون بأسهل الطرق، فيحاولون أولاً إغراءكم ليبعدوكم عن طريقهم، وإلا بالتهديد، وإذا لم يحصل ذلك فبالعمل، وإذا لم ينجحوا فبالإعلام، وإذا لم يحصل ذلك فبالتصفية


123


 الجسدية، وإذا لم يتحقق ذلك يقومون بالتصفية الروحية، وعلى أي حال فهم يريدون تفريغ سمومهم، وهذه مواجهة بينكم وبينهم، ليس فيها مزاح. إِعلموا أن أعداء الإسلام اليوم يعارضون العلماء بشدة ويقومون بأية محاولة ممكنة، وهم مخالفون للإسلام قبل عدائهم لكم، فإن تمكنوا من فصلكم عن الإسلام والوظيفة الإسلامية ارتاح بالهم وعند ذلك لا تعودون خطراً عليهم.10


124


هوامش

1- نهضة الإمام الحسين عليه السلام وتشخيص الواجب 28 محرم 1413هـ
2- العلماء حصون الأمّة 15 ربيع الآخر 1416 هـ.
3- العلماء حصون الأمّة 15 ربيع الآخر 1416 هـ.
4- العلماء حصون الأمّة 15 ربيع الآخر 1416 هـ.
5- العلماء حصون الأمّة 15 ربيع الآخر 1416 هـ.
6- العلماء حصون الأمّة 15 ربيع الآخر 1416 هـ.
7- عوامل بقاء الإسلام 26-12-1416 هـ.
8- مسؤولية العلماء والمبلّغين 22 شعبان 1413 هـ.
9- مسؤولية العلماء والمبلّغين 22 شعبان 1413 هـ.
10- مسؤولية العلماء والمبلّغين 22 شعبان 1413 هـ.