المحاضرة الثانية: خصائص المجتمع المسلم (2)

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ1.

الهدف:

بيان بعض وجوه البِرّ التي يجب أن ينعم بها الناس في ظلّ المجتمع الاسلامي.


221


المقدّمة
لكلّ مجتمع من مجتمعات الأرض خصائصه التي يتميَّزُ بها من غيرِهِ من المجتمعات، وللمجتمع الإسلامي خصائص نادرة لا تُوجَدُ في مجتمع غيره، بل لعل أعظم فرق بين المجتمع الإسلامي ومجتمعات الأرض الأخرى أنّ المجتمع الإسلامي يستمدُّتصوره ومنهجه من السماء، عن طريق الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تكفَّلَ الله بحفظِهِ إلى قيام الساعة، فإذا ما اتضح لنا هذا الأمرُ تبيّن لنا الفرقُ الهائل بينه وبين مجتمعات الأرض الأُخرى التي تستمدُّ تصوّرها للكون والحياة وقوانينهاالتي تحكم أمور حياتها من العقل البشريِّ الضعيفِ، الذي لا يعرف ما يدور حوله من عالم الغيب، وما يحويه عالم الشهادة من الأسرار التي تجهلها تلك العقولُ القاصرة عن تحقيق مصالحها بنفسها. إنّ الذي خلق هذا الكون الفسيح هو الذي يعلم ما يجريفيه، أفلا يستحقّ ربّنا الخالق الكريم أن يوجِّه الخلق إلى ما يصلح حياتهم ليعيشوا في مجتمعات يملؤها الرضا التامّ من قبل السماء؟!
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ2


222


محاور الموضوع
التعاون على البِرّ والتقوى:
ومن خصائص المجتمع الإسلامي أنه مجتمع متعاون متعاطف متآلف كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى......."3.

والمجتمع الاسلامي ينطلق من قول الله (وتعاونوا) فيحفّز المسلمين على مساعدة المحتاج وتنفيس الكرب عنه وتذليل الصعاب أمامه كتيسير القرض، وكالترغيب في الهدية والصدقة والوقف والهبة والرهن، والحوالة والعارية وإنظار المعسر، وغيرذلك من صور البِرّ والإحسان، التي شرّعها الإسلام لإزالة المشقّة بين المسلمين، وتيسير أمورهم والإسهام في رفع الهمّ والغمّ والكرب عنهم، وإدخال السرور عليهم. وقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه القيم والأخلاقيات ورغّب في غرسها وتفعيلها بين المسلمين.


223


وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ4، يؤكّد أنّ هناك فئات من أفراد المجتمع يتعرّضون لظروف اجتماعية قاسية، تجعلهم في حاجة ماسّة لمساعدة الآخرين، وبدون توفير هذه المساعدة قد تضطرهم الظروف إلى الانحراف والإضراربأمن المجتمع وسلامته. فهم التحدي الأكبر للمقتدرين على اختلاف أنواع قدراتهم.

ومن أبرز مصاديق التعاون بين أفراد المجتمع أشكال التكافل التي دعا الإسلام إليها معتبراً أنّ عدم تحسّس أوضاع الآخرين وحاجاتهم ومسائلهم نقصٌ في الإيمان، بل لعله نفي لحقيقة الإيمان وفق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع، وما من أهل قريةٍ يبيتون وفيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة"5.

وقد زخرت كتب الأحاديث بهذه النصوص التي نورد بعض وجوه البِرّ على اختلاف أبوابها:
أ- الإطعام والسقي: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من


224


أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم"6.

ب- إكساء المؤمن:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت، وأن يوسّع عليه في قبره، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، وهو قوله تعالى فيكتابه:
﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ7".

ج- قضاء حاجة المؤمن:
عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثه للمفضّل: "يا مفضّل إسمع ما أقوله لك، واعلم أنه الحقّ وافعله، وأخبر به عليّة إخوانك، قلت: جعلت فداك: وما عليّة إخواني ؟ قال: الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثم قال: من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله عزَّ وجلَّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة، من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك يُدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة"8.


225


د- إدخال السرور على المؤمنين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أحبّ الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على المؤمنين"9.

ه- تفريج الكرب: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة.."10.

و- حب الخير للناس: وهو من أسمى وجوه البِرّ سيّما للذين لا يقدرون على خدمة الآخرين، فمن الأسباب التي تنشر الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع وتقضي على أسباب الصراع الاجتماعي هو حبّ الخير للآخرين، فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا يستكمل عبد الإيمان، حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"11.


226


بل دعا الإسلام إلى ما هو أكبر من أن تحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك حين دعا إلى الإيثار وتقديم احتياجات الآخرين على احتياجات النفس بل وحتى ولو كانت هذه الحاجة ضرورية لنا معتبراً أنّ من أخلاق الفرد المسلم الصالح أن يؤثر الآخرين على نفسهحتى ولو كان محتاجاً، ولو انتشر هذا السلوك في المجتمع، لاختفت من المجتمع ظواهر الفقر والحاجة، يقول سبحانه ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ12.

فمن حديث للإمام الباقر عليه السلام: "إنّ لله جنة لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم على نفسه بالحقّ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله"13.


227


هوامش

1- سورة المائدة، الآية 2 .
2- سورة الملك، الآية 14.
3- ميزان الحكمة، ج4، ص 2837.
4- سورة المائدة، الآية 2 .
5- ميزان الحكمة، ج1، ص 488.
6- الأمالي، ص 387.
7- الكافي، ج2، ص 204.
8- المصدر السابق، ص 193.
9- المصدر السابق، ص 189.
10- كنز العمال، ج6، ص 444.
11- ميزان الحكمة، ج1، ص 196.
12- سورة الحشر، الآية 9 .
13- مشكاة الانوار، الطبرسي، ص364.