المحاضرة الرابعة: خصائص المجتمع المسلم (4)

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا1.

الهدف:

بيان بعض الواجبات التي يجب على المسلمين التمسّك بها صوناً لمجتمعهم ولشأنهم العامّ.


237


المقدَّمة
وهناك الكثير من السمات التي لو تحقّقت في علاقات الأفراد لأصبح المجتمع مثالياً بكلّ المقاييس، ولكن للأسف يبقى الواقع الاجتماعيّ بعيداً بعض الشيء عن المثالية التي ينشدها الإسلام، ولذا نجد ظهور وانتشار كثير من المخالفات الشرعية والسلوكيات المنحرفة والمشاكل الاجتماعية التي تتطلّب منا الفهم ومحاولة العلاج.

المجتمع المسلم يعيش أفراده على الأمن والطمأنينة وحفظ الجوار وتأمين الجيران، والمعاملة الحسنة وتماسك الأسرة وتوطيد الروابط الأسرية والاجتماعية والعائلية وصولاً إلى تماسك المجتمع بأسره كما يعيش هذا المجتمع حسّ المسؤولية والوعيالديني والسياسي المطلوب والتبصر بأمور زمانه.


238


محاور الموضوع
1- التآلف القلبي:
قال تعالى:
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ2، فالمجتمع الإسلامي لا تربطه المصالح المتبادلة التي تنتفي العلاقات بانتفائها كما هو حال الكثير من المجتمعات اليوم، بل تربطه علاقة أخوية متينة مبنية على التآلف القلبي الذي لا يمكن لأيّ شيء في الوجود أن يؤدّي هذا الدور، ولذلك عبّر الله تعالى بقوله ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ3 لأنّ هذه المسألة ليست مسألة مادية يمكن نيلها بالأسباب المادية.

هذه العلاقة التي تستمرّ إلى يوم القيامة كما قال تعالى:
﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ4، فهؤلاء الذين قامت العلاقة والمودة بينهم في الدنيا على قاعدة الأخوة والإيمان استمرت هذه العلاقة وصمدت يوم تكشّفت


239


بقية العلاقات بل تحوّلت إلى عداوات وخصومات يوم لا يغني شيء عن شيء أبداً.

2- احترام الكبير والعطف على الصغير والضعيف والمسكين:
وأخصّ هذه القيمة دون سواها بالذكير بها لأنها من القيم التي يجب أن نحثّ المجتمع عليها، بل لعلّها من القيم التي تتبدّد في مجتمعاتنا شيئاً فشيئاً، ويبين الإمام السجّاد عليه السلام حقوق الكبير فيرسالة الحقوق فيعدّها سبعة حقوق فيقول: "وأمّا حقّ الكبير فتوقيره لسنّه وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك وترك مقابلته عند الخصام، أي عدم محاججته ولا تسبقه إلى طريق فتجعله بذلك تابعاً لك ولا تتقدمه أي تمشي أمامه ولا تستجهله، أي لاتعيره اهتمام وإن جهل عليك احتملته لحقّ الإسلام وحرمته"5.

وأمّا حقوق الصغير فيشير إليها الإمام السجّاد في رسالة الحقوق إلى خمسة حقوقٍ من حقوقه فيقول: "وأمّا حقّ


240


الصغير: رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له"6.

وفي هذه الرسالة نداء من الإمام السجّاد لا سيّما إلى الوالدين والمؤسّسات التربوية في ضرورة التعامل مع الصغار بمنتهى الرحمة واللين، وأنّ ذلك مسؤولية يتحمّل عواقبها كلّ من يقصّر بها أو يستهتر بها.

فمن أهمّ القيم في المجتمع الإسلامي احترام الكبير والعطف على الصغير والضعيف والمسكين فالمسلم لا يعيش وحده في المجتمع فحواليه أشخاص يحتاجون إلى احترامه وعطفه ومساعدته، ولذا ينبغي عليه أن يؤدّي هذا الدور لأنه سيأتي اليوم الذييصبح هو فيه محتاجاً للآخرين، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا"7. وعدّ الإسلام إحترام ذوي الشيبة من المؤمنين حقّاً من حقوقهم التي لا ينبغي التفريط بها، بل عدّ من يجهل حقّهم منافقاً، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة


241


لا يجهل حقّهم إلا منافق معروف بالنفاق: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل القرآن، والإمام العادل".

وكما حثّت الروايات الشريفة على احترام الكبار فإنها نهت عن الاستخفاف بهم ففي الرواية: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال المؤمن ذي الشيبة ومن أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ، ومن استخفّ بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه منيستخفّ به قبل موته"8.

واحترام الكبار يعني كذلك أصحاب المقامات العلمية والاجتماعية كرجال الدين ووجهاء الناس وأهل التدين والعرفان وأهل الإصلاح وحلّ المشاكل بين الناس وأهل السياسة المتفرغين لخدمة الناس وأهل المروءات والمنفقين في سبيل الله وغيرهم من الذين يشكّلون أعمدةً شامخة في بناء المجتمع وقوته.

3- الإحسان إلى الأقارب وصلة الرحم والإحسان إلى الجيران:
وهذه العلاقات الاجتماعية من أهمّ الخصائص


242


التي يتميز بها المجتمع الإسلامي من سواه من المجتمعات سيّما المادية التي لا تعير الرحم والعائلة والجوار أيّ اهتمام سوى ما يرتبط بالشأنالعامّ، في حين نرى أنّ الإسلام حدّد للأقارب والجيران حقوقاً كثيرة واعتبر أنه بدون تأديتها يظهر الخلل في اللبنة الأولى والقاعدة الأساسية التي يبنى المجتمع عليها.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وإن كان منه على مسيرة سنة فإنّ ذلك من الدين"9.

عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جل ذكره:
﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا10 قال: فقال: "هي أرحام الناس، إنّ الله عزّ وجلّ أمر بصلتها وعظّمها، ألا ترى أنه جعلها منه"11.


243


عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: "إنّ الرحم معلّقة بالعرش تقول: اللهمّ صِلْ من وصلني واقطع من قطعني، وهي رحم آل محمد وهو قول الله عزّ وجلّ: "الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل"12.

ومن بركات صلة الرحم ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعة: يصل رحمه، فيحبه الله تعالى، ويوسع رزقه، ويزيد في عمره، ويدخله الجنة التي وعده"13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "صل رحمك ولو بشربةٍ من ماء، وأفضل ما يوصل به الرحم كفّ الأذى، وصلة الرحم منسأة في الأجل محبة في الأهل"14.

وعنه عليه السلام: "صلة الرحم تزكّي الأعمال، وتنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسىء في الأجل"15.


244


وورد في حسن الأدب مع الجيران وحسن العلاقة معهم وعدم إزعاجهم بالأصوات العالية أو التعدي على حقوقهم، بل ينبغي تحمل أخطائهم ومساعدتهم قدر المستطاع.

فعن عليّ عليه السلام: "ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى"16.

وممّا وصّى به الإمام عليّ عليه السلام عند وفاته: "الله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورّثهم"17.


245


هوامش

1- سورة إبراهيم، الآيتان 24 - 25.
2- سورة الأنفال، الآية 63 .
3- سورة الأنفال، الآية 63.
4- سورة الزخرف، الآية 67.
5- الجامع للشرائع ، ص630 .
6- الجامع للشرائع ، ص630 .
7- الأدب المفرد، البخاري، ص82 .
8- الكافي، ج2، ص658 .
9- عدة الداعي، ابن فهد الحلي، ص80.
10- سورة النساء، الآية 1.
11- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 150.
12- المصدر السابق، ص151.
13- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج1، ص40.
14- الكافي، ج2، ص151.
15- المصدر السابق، ص157.
16- شرح أصول الكافي، ج11، ص154.
17- نهج البلاغة، ج3، ص77.