المحاضرة الخامسة: خصائص المجتمع المسلم (5)

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ1.

الهدف:

بيان بعض الواجبات التي يجب على المسلمين التمسّك بها صوناً لمجتمعهم ولشأنهم العامّ.


247


المقدَّمة
يعتبر مجتمع الرسول الكريم الذي أقامه في المدينة مقياساً لنجاح كلِّ مَنْ أراد الإصلاح في الأرض، فهو المجتمع الذي يُشكّل النموذج الذي تسعى الحركات الإسلامية اليوم لإعادته إلى المجتمعات التي انغمست في الكثير من العادات والقيم الغريبة عن مجتمعنا الدينيّ حتى باتت القيم الإسلامية إن وُجدت في بعض مجتمعاتنا فليست بالمستوى الذي يقدّم هذا المجتمع بالصورة الدينية والصبغة الإسلامية التي ظهرت في عهد رسول الله الذي أخرج ذلك المجتمع من الجاهلية إلى الإسلام. أمّا الناظر إلى حال المسلمين اليوم فسيجد التفريط الواضح في خصائص دينهم، وتشبّه بعضهم بالمجتمعات الغربية الكافرة، مما أدّى إلى الانفصام الظاهر بين الأمة ودينها، وقد عانت الأمة من هذا الانفصام على مدى عقود من الزمن. ذلك الانفصام كانت له نتائجه السيئة التي عانى منها ولا يزال يعاني منها المجتمع الإسلامي في كلّ مكان.. لقد كان من النتائج السيئة التي عانى ويعاني منها


248


المسلمون - بسبب تنصّلهم من تلك الخصائص -: الذلة والمهانة وتسلط الأعداء، والتبعية المفرطة لأنظمة الغرب وأفكاره، وبعض مظاهر حياته التي تخصّه، والتنكّر لثوابت الدين، ورمي الماضي بالتخلّف والجمود، والسخرية من شعائر الدين وسننه فضلاً عن القيام بها والاستقامة عليها، وغير ذلك..

محاور الموضوع
1- العفّة والطهارة السلوكية:
ومن خصائص المجتمع الإسلاميّ أنه مجتمع العفّة والطهارة لم يتمرّغ بأوحال الدنس والقذارة والإباحية، فالعفّة كما نصّت الأحايث الشريفة رأس كلّ خير وأفضل الشيم وزينة الفقر وصون النفس ونزاهتها عن الدنايا وزكاة الجمال، وهي أفضل ما يعيت به المأموم إمامه كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ألا وإنّ لكلِّ مأموم إمامًا، يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه


249


بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد"2.

فليس من سمات المجتمع المسلم التهتّك والتظاهر بالفاحشة والتجاهر بما يخدش الحياء والعفّة ويكون سبباً لتحريك الشهوات والرغبات على خلاف الشريعة، وقد شرّع الله الحدود لتكون روادع وزواجر للحيلولة بين المجتمع وبين تلك الموبقات والفواحش، ليبقى المجتمع عفيفا نظيفاً من كلّ مظاهر الفاحشة، وهذا ما لم تنعم به المجتمعات التي أصبحت تفاخر بالفاحشة والشذوذ على مستوى العالم، فأين هذا الطهر والسموّ والعفاف من المجتمعات الكافرة التي لا تدين بالإسلام؟!

إنّ خطورة هذه المسألة حدت بالشرع الحنيف إلى تحريم أبسط مصاديق عدم العفّة عندما حرّم الأسباب التي تدنّس المجتمع كالنظر إلى النساء الأجنبيات الذي يعدّ من الوسائل التي تؤدي إلى الفاحشة، ومن ذلك سماع الأغاني الماجنة


250


والسهرات اللهوية وارتياد أماكن الشبهة والاختلاط الفاضح وغير ذلك من الأسباب التي تؤدّي إلى سقوط المجتمعات وانهيارها. ومن هنا أكّد الإسلام على ضرورة التعفّف كفضيلة ومنقبة تشكّل مدخلاً لكثيرٍ من الفضائل والأخلاق السامية التي ينبغي على المؤمن التحلّيبها.

ومن أهمّ مظاهر العفّة في المجتمع عفّة البطن فلا يدخله حرام، وعفّة الفرج فلا يُقارب ما حرم عليه، وعفة اللسان فلا يتلفظ بالكلام البذيء أو السباب والشتم واللعن وما شاكل، وعفّة الملبس فلا يلبس ما يستثير الناس، وعفّة الحواسّ فلا ينظر إلى حرام ولا يسمع إلا ما أحلّ الله ولا يستطيب إلا ما أجازه الشرع المقدّس وأن تعين الناس بعضها البعض على هذا الأمر.

ومن جميل ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتشعّب من العفاف من مكارم الأخلاق أنه قال: "أمّا العفاف: فيتشعّب منه الرضا، والاستكانة، والحظّ، والراحة، والتفقّد، والخشوع، والتذكّر، والتفكّر، والجود، والسخاء"3.


251


وعن الإمام عليّ عليه السلام: "العفّة تضعف الشهوة"4.

ومن شواهد العفّة من حياة السيدة زينب عليه السلام ما حدّث يحيى المازني قال: جاورت أمير المؤمنين عليًّا عليه السلام في المدينة المنوّرة مدّة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه السيدة زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصًا، ولا سمعت لها صوتًا، وكانت إذاأرادت الخروج لزيارة جدّها صلى الله عليه وآله وسلم تخرج ليلا، الحسن عن يمينها والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين عليه السلام أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف، سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل، فسأله الإمام الحسن عليه السلام مرة عن ذلك، فقال: "أخشى أن ينظر أحدإلى شخص أختك زينب"5.

2- المحافظة على النظام العامّ:
وهي من أهمّ الخصائص التي يجب أن تتسم بالإحترام والالتزام في المجتمع، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ هذه الخاصّية من الخصائص التي يعاني منها مجتمعنا بشكلٍ كبير، بل لعلّ ثقافة المحافظة على


252


الشأن العامّ ما زالت ضعيفة وتحتاج مجتمعاتنا إلى الكثير من التأهيل والتنمية لمواكبة هذه الخاصّية التي تساهم في سعادة الناس، كما أنّ الاستهتار بها من أكبر عوامل جرّ المجتمعات إلى التخلّف الضياع.

ومن أهمّ مصاديق المحافظة على النظام العامّ الأمور التالية:
أ- المحافظة على الأملاك العامّة: وذلك من خلال دفع الرسوم المتوجّبة لشركات الكهرباء والهاتف والمياه، والضرائب المتوجّبة على العقارات والسيارات وما شابه وعدم التعدّي على حدود هذه المؤسّسات العامّة لما يؤدي ذلك من ضرر على أفراد المجتمع.

ب- رعاية النظافة العامّة:
كنظافة الطرقات العامّة والحدائق العامّة والساحات المشتركة والغابات ومواقف السيارات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تنظّفوا بكلّ ما استطعتم، فإنّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كلّ نظيف"6.


253


ج- التقيد بقوانين السير: والتي تهدف إلى تسهيل أمور الناس، ويعني ضرورة احترام إشارات المرور وعدم الوقوف في الطرقات العامّة، والإلتزام بركون السيّارات في الأماكن المحدّدة لها واحترام حقّ المشاة بالأرصفة والأماكن المحدّدة للعبور.

د- المحافظة على البيئة:
أي عدم تلويث الهواء والمرافق العامّة كالأنهار والسدود وشواطىء البحار ورؤوس الجبال والغابات العامّة، وإبعاد المصانع والمحلات الصناعية عن دور السكن والإكثار من زراعة الأشجار وعدم قطعها إلا عند الضرورة القصوى.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دخل عبدٌ الجنة بغصنٍ من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنها"7.

هـ- احترام حقوق الآخرين:
وعدم إيذائهم وذلك من خلال إحترام آداب المجلس وآداب الحوار والكلام وآداب السوق والبيع والشراء وآداب المائدة وتنظيم المساحات المشتركة بين الناس، بل ويقع في


254


احترام الحقوق السعي في قضاء حوائج الآخرينومساعدتهم وإدخال السرور على بيوتهم.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلق عيال الله، فأحبُّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيتٍ سروراً"8.


255


هوامش

1- سورة البقرة، الآية 208.
2- نهج البلاغة، ج3، ص70.
3- ميزان الحكمة، ص2009.
4- المصدر السابق، ص2008.
5- العقيلة والفواطم، الحاج حسين الشاكري، ص17-18.
6- ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3303.
7- سفينة البحار ، ج3 ، ص82 .
8- أصول الكافي ، ج2 ، ص164 .