المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين, وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

يعتبر إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام في أيّام أحزانهم وأفراحهم, العلامة التي تظهر مكنون محبّتهم, والشاخص الذي يدلّ على عظيم مودّتهم, وذلك التزاماً بما ورد عنهم عليهم السلام في وصف شيعتهم ومحبّيهم أنّهم: "يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا".

وتعدّ مجالس العزاء من أهمّ أشكال ذلك الإحياء, حيث اتّخذت عبر التاريخ - ولا تزال- أهميّة خاصّة, لا سيّما مجالس الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في شهري محرّم وصفر.. فإنّ أحداً لا يسعه الإنكار أو التشكيك في المكانة التي تحتلّها هذه المجالس في الفكر والوجدان الشيعيّ العامّ, والآثار والبركات التي خلّفتها على مستوى الفرد والمجتمع الشيعيّ خاصّة والإسلاميّ عامّة.

ومن هنا نجد الإمام الراحل قدس سره كثيراً ما كان يؤكّد على هذه البركات والآثار العظيمة ويردّد القول: "إنّ كلّ ما عندنا هو من بركات عاشوراء, وهذه المجالس في شهري محرّم وصفر", كما لا زال الإمام الخامنئيّ دام ظله يشدّد على أهميّة هذه المجالس وضرورة إحيائها والاعتناء بشأنها وتعظيم أمرها.

وقد تلمّس هذان القائدان العَلَمان ومن خلال موقعهما المتميّز في إدارة شؤون الأمّة, ومعرفتهما العميقة بنهج أهل البيت عليهم السلام وخطّهم, تلمّسا الكثير من الفوائد والنتائج والدروس والعبر, التي قلّما يلتفت إليها غيرهما, ممّا انعكس بشكل واضح على خطاباتهما ومواقفهما وكلماتهما النورانيّة, المستقاة من فكر ونهج وكلمات أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم أجمعين.

ولهذا كان من الضروريّ لكلّ مشاركٍ ومساهمٍ في إحياء أمرهم عليهم السلام أن يرجع إلى روايات الأئمّة عليهم السلام, ليرى إرشاداتهم وتوجيهاتهم أوّلاً, وما أرادوه من شيعتهم ومحبّيهم في هذا المجال, سواء المدّاح أو الراثي, والمستمع أو الباكي, والداعي أو الساعي, وأيّ شخصٍ له دور على هذا الصعيد.

ثمّ إنّه من الضروريّ ثانياً, أن يعود إلى كلمات وتوجيهات وإرشادات الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله, والتي أدليا بها في مناسبات مختلفة, ومجالس متعدّدة, واحتوت على فوائد عظيمة تصلح أن تكون برنامجاً عمليّاً لكلّ من أراد أن يصل, بهذه المناسبات والإحياءات, إلى مرحلة تصبح نهجاً ومدرسة يتخرّج منها الأجيال التي تمهّد الأرض ليومها الموعود بظهور حجّة آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

هذا الكتاب:

وفي هذا السياق, فقد قام الإخوة في المكتب الثقافيّ لفخر الأئمّة عليهم السلام (دفتر فرهنگي فخر الأئمّة عليهم السلام) في مدينة قمّ المقدّسة, وتحت إشراف سماحة الشيخ أحمد پناهيان حفظه الله, بجمع كتاب يحتوي على نبذة من الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين عليهم السلام, كما يحتوي على مقتطفات مهمّة من كلمات وخطابات وتوجيهات وإرشادات الإمام الراحل قدس سره ووليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظله, وهي تتعلّق بمكانة العزاء ومجالس ذكر وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام, وموقع المنبر ودوره في عمليّة التبليغ الدينيّ, وكذلك مكانة القرّاء وخدّام أهل البيت عليهم السلام رثاءً ومدحاً وشعراً ونثراً, وما يرتبط بهذه العناوين من فروع, وما يتصل بها من أمور..

وحيث وجدنا في معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ أهميّة ما يحتويه هذا الكتاب من فائدة على مستوى الخطابة والتبليغ, والمنبر الحسينيّ وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام, وبعد أن أجازنا سماحة الشيخ بناهيان مشكوراً بتعريبه- حيث كان الأصل باللغة الفارسيّة- قمنا بهذه المهمّة, فعمدنا إلى تعريبه وتقديمه للإخوة الخطباء والقرّاء الأعزّاء, ليتسنّى لهم الإطّلاع على محتواه, والغوص في رحابه ومداه, وقد أسميناه: "أحيوا أمرنا، من كلمات المعصومين عليهم السلام وتوجيهات الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله".

عملنا في الكتاب:

وقد جاءت حصيلة عملنا في هذا الكتاب على الشكل الآتي:
1- حافظنا في التعريب -قدر المستطاع- على المضمون الأصليّ نفسه, بدون أيّ تغيير يُذكر إلّا ما تقتضيه قواعد اللغة وفنون الأدب.
2- تمّ تخريج كلّ المصادر والمراجع المذكورة للروايات الشريفة, وكذلك المناسبات والتواريخ التي وردت فيها كلمات وخطابات الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله.
3- احتوى الكتاب على ثلاثة أقسام رئيسيّة وفصول عديدة ضمن كلّ قسم.
4- خرّجنا في الهامش تعريفاً مقتضباً لأسماء بعض الشخصيّات الواردة في المتن, والتي قد تكون غريبة بعض الشيء عن المجتمع العربيّ.
5- أجرينا بعض التعديلات على الترقيم الذي كان متّبعاً, في الأصل, وذلك لضرورات فنيّة.
6- أضفنا بعد كلّ فصل مشجّراً صغيراً, ثمّ أضفنا بعد كلّ قسم مشجّراً كبيراً يتضمّن عناوين ما ورد في الفصول, بما يصلح أن يكون برنامجاً عمليّاً لكلّ من يعمل في سبيل إحياء أمرهم عليهم السلام.

وفي الختام:

نسأله تعالى أن يجعل عملنا هذا مفيداً للإخوة القرّاء والخطباء وخدّام أهل البيت عليهم السلام وموجّهاً لهم في سبيل إحياء أمر النبيّ وأهل بيته عليهم السلام, وأن يثيب العاملين فيه من كريم فضله وعظيم منّه, وأن يوفّقنا جميعاً لمرضاته ويحشرنا مع النبيّ وآله, إنّه نعم المولى ونعم النصير.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ