القسم الثالث: مكانة المديح والإنشاد في مجالس ذكر وعزاء أهل البيت عليهم السلام

الإمام القائد: "اعلموا أنّ المدح والثناء على الأئمّة عليهم السلام هو في الحقيقة ثناء على الخير والمعنويّات والجهاد، هو ثناء على شمس الإمامة والولاية، شمس الحقيقة التي عملوا على حجبها، إلّا أنّ هذه الألسن الناطقة لم تسمح لهم بذلك. ليس الشعراء والمدّاحون وحدهم الذين لم يسمحوا لهم بذلك، بل كلّ الأشخاص الذين عملوا في سبيل المعرفة الدينيّة وجميع القلوب المليئة بمحبّة أهل البيت عليهم السلام خلال ثلاثة عشر أو أربعة عشر قرناً، هؤلاء لم يسمحوا بحجب هذه الشمس, وكانت الغيوم تزاح كلّ يومٍ من أمام تلك الشمس, حتّى وصلنا إلى يومنا هذا, ينبغي أن يستمرّ هذا العمل لتظهر حقائق أهل البيت عليهم السلام أكثر"1.

الروايات:

عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون, أنشدني في الحسين عليه السلام فأنشدته، فقال: أنشدني كما تنشدون- يعني بالرقّة- قال: فأنشدته:

 أمرر على جـدث الحسين  فـل لأعظـمه الزكيّة

قال: فبكى, ثمّ قال: زدني, فأنشدته القصيدة الأخرى, قال: فبكى, فسمعت


159


 بكاءً من خلف الستر, فلمّا فرغت قال: يا أبا هارون, من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنّة، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح الذباب كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة"2.

وعن أبي الصلت الهروي قال: دخل دعبل بن عليّ الخزاعيّ على الرضاعليه السلامبمرو, فقال له: يا ابن رسول الله، إنّي قد قلت فيكم قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك, فقال الرضا عليه السلام: "هاتها". فأنشده:

تجاوبن بالأرنان والزفرات  نوائح عجم اللفظ والنطقات


لمّا وصل إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكيّة   تضمّنها الرحمن في الغرفات


قال الرضاعليه السلامله: "أفلا أُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ قال: بلى يا ابن رسول الله, فقال عليه السلام:

وقبر بطــوس يــا لها من مصيبــة    توقد في الأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً       يفــــرج عنّـــا الهمّ والكـــربات


فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقــــال الرضـــاعليه السلام: "قبري، ولا تنقضي الأيّام والسنون حتّى تصير طوس مختلف شيعتي، فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له", ونهض الرضا عليه السلام وقال: لا تبرح, وأنفذ إليَّ صرَّة فيها مائة دينار"3.

عن الكميت بن زيد الأسديّ قال: دخلت على أبي جعفرعليه السلام فقال: والله يا


160


 كميت, لو كان عندنا مال لأعطيناك منه, ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسَّان بن ثابت: "لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا"4.

قال ابن طاووس: رُوي عن آل الرسول عليهم السلام أنّهم قالوا: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة.."5.


161


هوامش

1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
2- الحرّ العامليّ, وسائل الشيعة، ج 14، ص 595.
3- الأربلي, كشف الغمّة، ج 2، ص 323.
4- الكلينيّ, الكافي، ج 2، الحديث 19886.
5- المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 44، ص 288.