الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

الأمر الأوّل - اكتساب لياقة الإنتساب إلى أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "الأخوة الأعزّاء, إنّ وظيفتنا أن نعمل لنكسب لياقة الإنتساب إلى أهل البيت عليهم السلام, طبعاً الإنتساب إلى آل بيت الرسالة والتبعيّة لهم والالتزام بولايتهم، ليس أمراً سهلاً, فما نقرأه في بعض الزيارات (وأنتم معروفون بولايتكم ومحبّتكم) يلقي على عاتقنا مسؤوليّة مضاعفة.

نحن ينبغي لنا أن نعمل لنقرّب أنفسنا من مركز النور، ومن جملة لوازم الاقتراب من مركز النور هو تحقيق النورانيّة, ينبغي أن نصبح نورانيّين من خلال العمل, وليس من خلال المحبّة الخالية، العمل الذي يملي علينا المحبّة والولاية والإيمان, لذلك ينبغي أن نصبح بهذا العمل جزءاً من آل البيت والمتعلّقين بهم, ليس من السهل أن نصبح كقنبر في منزل عليّ عليه السلام, وليس من السهل أن نصبح مصداق "سلمان منّا أهل البيت"1, نحن مجتمع موالي وشيعة أهل البيت عليهم السلام نتوقّع من أولئك العظماء أن يجعلونا جزءاً منهم ومن حاشيتهم. نحن نتمنّى أن


225


 يكون حكم أهل البيت عليهم السلام فينا على هذا النحو. وهذا ليس بالأمر السهل؛ لأنّ هذا الأمر لا يحصل من خلال الإدّعاء فقط، بل يتطلّب عملاً وتضحية وإيثاراً وتشبّهاً بهم وبأخلاقهم"2.

الإمام القائد: "إنّ جميع هذه الفضائل، لا تحصل إتفاقاً، "يا ممتحنة, امتحنكِ الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة"3, فالله تعالى قد امتحن هذه المرأة المميّزة الزهراء الطاهرة, فالعطاء الإلهيّ هو عطاء محسوبٌ ومكتوب, فهو تعالى عندما شاهد إيثار هذه الأَمَة الخالصة له مع صبرها وتضحياتها لخدمة الأهداف الإلهيّة, جعلها مركزاً لفيوضاته وبركاته وعناياته, ونحن ينبغي أن نقتفي هذا المسير, وينبغي لنا أن نكون أصحاب إيثار وتضحية وطاعة وعبادة, ألا نقول أنّهما كانت تعبد الله "حتّى تورّم قدماها"4، حيث وقفت في محراب عبادة الله إلى هذا المستوى! نحن ينبغي لنا أيضاً أن نقف في محراب العبادة, ونقوّي محبّة الله في قلوبنا, ونسعى وفي جميع حالاتنا لإحقاق الحقّ, ولا نخشى أحداً. ألا ندّعي بأنّ شخصاً تمكّن من الصمود أمام مجتمع كبير في عصره؟ ونحن ينبغي أن نكون مثله حيث قال عليه السلام: "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله"5، ينبغي أن نسعى ولا نخاف من عددنا القليل عند مواجهة عالم الظلم والاستكبار. ألا ندّعي بأنّ ذلك العظيم قد عمل ما أدّى إلى نزول سورة الدهر فيه وفي زوجته وأبنائه؟ كانوا يمتلكون أعلى درجات الإيثار والتضحية ومساعدة المحرومين
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ6, ونحن ينبغي لنا أيضاً أن نقوم بالعمل نفسه.


226


هذا لا يمكن من خلال الكلام فقط، لا يمكن أن نتحدّث عن محبّة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ونحن نعلم أنّها منعت الطعام عن نفسها وعن أعزّائها- كالحسن والحسين عليهماالسلام وأبيهما عليه السلام- وقدّمته لذلك الفقير، ليس ليوم ولا ليومين بل لمدّة ثلاثة أيّام! نحن ندّعي أنّنا أتباع فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ولكنّنا ليس فقط لا نمنع الطعام عن أنفسنا لنقدّمه للفقراء، بل نأخذه من أفواه الفقراء!"7.

الإمام القائد: "ينبغي أن نثبت جدارتنا (بالولاية والتشيّع), ألا نقول بأنّ أثاث بيت تلك العظيمة كان عبارة عن أشياء لو سمع بها الإنسان لسالت عيناه دموعاً؟! ألا نقول بأنّ تلك المرأة العظيمة لم تكن تقيم أيَّ وزن للدنيا وزينتها؟! هل من المقبول أن تزداد يوماً بعد آخر كماليّاتنا وتجمّلاتنا ووسائل الحياة الكماليّة التافهة, وكذلك مهور بناتنا؟!...

... لماذا تحدّثت معكم بهذه الكلمات؟ لأنّكم تزاولون مهنة المدح والإنشاد, فينبغي أن تحدّثوا الناس بهذه الأمور في مجالس مدحكم ومجالس فاطمة الزهراء عليهاالسلام, حاولوا, ومن خلال الفنّ والذوق والصوت الجميل واللحن المطلوب وطريقتكم المؤثّرة في الإنشاد, تقريبَ قلوب مستمعيكم من هذه الحقائق, فلو قرأنا أبياتاً في مقامات فاطمة الزهراء عليهاالسلام المعنويّة ولم يتمكّن المستمع من فهمها، فمن غير المعلوم أن يحقّق ارتباطاً وتعلّقاً بفاطمة الزهراء عليهاالسلام. ينبغي لنا أن نزداد ولاءً لأهل البيت عليهم السلام يوماً بعد يوم, وحينها تستطيع أمّتنا تأدية رسالتها, وإيصال ذلك النداء العظيم إلى العالم كلّه"8.

الأمر الثاني - التجديد على خطى أساتذة الفنّ

الإمام القائد: "أوصي الشباب أن لا يتخلّوا كلّياً عن أساليب أساتذة هذا الفنّ.


227


 أنا أوافق على التجديد، والتجديد لا إشكال فيه. ولكن إذا أردتم بلوغ الكمال في هذا التجديد، فينبغي أن يكون هذا التجديد امتداداً لأسلوب المتقدّمين, "العلياء محظورة إلّا على من بنى فوق بناء السلف", فقد أتت مجموعة ورفعت بناءً, وعليكم البناء فوق ذلك البناء، ثمّ يأتي من يبني فوق بنائكم حتّى يرتفع البناء. وأمّا أن يأتي البعض ويبني طبقة ثمّ تأتون أنتم لتخرّبوها وتبنوا طبقة، ثمّ يأتي من يخرّب ما بنيتم ويبني طبقةً له، فإنّ البناء لن يرتفع أبداً لأكثر من طبقة واحدة. ينبغي أن تتعلّموا من أساتذة هذا الفنّ المخضرمين، ثمّ تضيفوا إليه بعض الأساليب الجديدة، وبهذا النحو تجري الأمور بشكلها الصحيح"9.


228



229


هوامش

1- عن الإمام عليّ عليه السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمان منّا أهل البيت" (الصدوق, عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 64).
2- من كلام له في لقاء في مجموعة من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/10/70 هـ. ش.
3- الطوسيّ, تهذيب الأحكام، ج 6، ص 10.
4- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتّى تورّم قدماها". (المجلسي, بحار الأنوار، ج 43، ص 84).
5- نهج البلاغة الخطبة 201.
6- سورة الحشر الآية 9.
7- من كلام له في لقاء مجموعة من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/10/70 هـ. ش.
8- المصدر نفسه.
9- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.