الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

الأمر الأوّل - جبرائيل يذكر المصيبة لآدم عليه السلام
روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: "
﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ1 أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة عليهم السلام فلقّنه جبرئيل قل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان, فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي, وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه وا قلّة ناصراه، حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدّخان، فلم يجبه أحد إلّا بالسيوف، وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه، وينهب رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى"2.


21


الأمر الثاني - عزاء إبراهيم عليه السلام في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام
عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: "لمّا أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه, تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده, وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه, ليرجع إلى قلبه ما يرجع قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده بيده, فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب, فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟ فقــــال: يا ربّ, ما خلقــــــــت خلقاً هـــــو أحبّ إليّ من حبيبــــك محـــــمّدصلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا إبراهيم أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟ قال: بل هو أحبّ إليَّ من نفسي, قال: فولده أحبّ إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده, قال: فذبح ولده ظلماً على أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا ربّ, بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي, قال: يا إبراهيم, فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ستقتل الحسين عليه السلام ابنه من بعده ظلماً, فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا إبراهيم, قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل, لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب, فذلك قول الله عزَّ وجلَّ:
﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ"3.

الأمر الثالث - ذكر عظمة مصاب الإمام الحسين عليهم السلام في الحوار بين الله تعالى وموسى الكليم عليه السلام
في حديث مناجاة موسى عليهم السلام وقد قال: "يا ربّ,لم فضّلت أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضّلتهم لعشر خصال، قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: الصلاة،


22


 والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والجمعة، والجماعة، والقرآن، والعلم، والعاشوراء، قال موسىعليهم السلام: يا ربّ, وما العاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبـــــط محـــــمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والمرثيّة والعزاء على مصيبة ولد المصطفى، يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان، بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفىصلى الله عليه وآله وسلم: إلّا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها، وما من عبد أنفق من ماله في الدرهم بسبعين درهماً، وكان معافى في الجنّة، وغفرت له ذنوبه، وعزّتي وجلالي، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره، قطرة واحدة إلّا وكتب له أجر مائة شهيد"4.

الأمر الرابع - الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذكر المصيبة

عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال: "نظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً، ثمّ قال عليه السلام: بأبي قتيل كلّ عبرة، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلّا بكى"5.

عن ابن عبّاس قال: قال عليّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً؟ قال: إي والله, إنّي لأحبّه حبّين, حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له, وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول الله حتّى جرت دموعه على صدره, ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي"6.


23


الأمر الخامس - تنبؤ وبكاء أمير المؤمنين عليه السلام في كربلاء
عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام قال: "مرّ عليّ بكربلا في اثنين من أصحابه, قال: فلمّا مرّ بها ترقرقت عيناه للبكاء, ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وههنا تُهراقُ دماؤهم، طوبى لكِ من تربة عليكِ تُهراقُ دماء الأحبّة"7.

الأمر السادس - بكاء السيّدة الزهراء عليهاالسلام على الإمام الحسين عليه السلام

رُوي أنّه لمّا أخبر النبي ّصلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن, بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: "يا أبت, متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال منّي ومنك ومن عليّ، فاشتدّ بكاؤها وقالت: يا أبت فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبيّ: يا فاطمة, إنّ نساء أمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل، في كلّ سنة, فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال, وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة, يا فاطمة! كلّ عين باكية يوم القيامة، إلّا عين بكت على مصاب الحسين فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة"8.

الأمر السابع- ذكر السيّدة زينب الكبرى عليها السلام للمصيبة في كربلاء

الإمام القائد: "هذا (ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام) هو النبع المتدفّق منذ زوال يوم عاشوراء، عندما صعدت زينب الكبرى- كما ينقل- التلّ الزينبيّ


24


وخاطبت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "يا محمّداه صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمّل بالدّماء، مقطّع الأعضاء، مسلوب العمامة والرداء..."9 ، وأخذت تقرأ مصيبة أبي عبد الله وتذكر بصوتٍ عالٍ تلك الواقعة التي أرادوا إخفاءها، لقد قامت أخت الإمام العظيمة عليها السلام سواء في كربلاء أو الكوفة أو الشام أو المدينة, ببيان حادثة عاشوراء بصوتٍ عالٍ، ومنذ ذلك اليوم أخذت تغلي وتتدفّق ولا زالت إلى يومنا هذا على ذلك التدفّق والغليان, هذه هي واقعة عاشوراء"10.

الأمر الثامن - الإمام السجّاد عليه السلام وذكر المصيبة

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "بكى عليّ بن الحسين على أبيه الحسين بن عليّ عليهماالسلام عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاماً إلّا بكى على الحسين، حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله, إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله, وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك"11.

وأشرف مولى لعليّ بن الحسين عليهما السلام وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا عليّ بن الحسين, أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه فقال: "ويلك (أو ثكلتك أمّك)، والله لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ ممّا رأيت حين قال: "يا أسفي على يوسف" وإنّه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي"12.

الأمر التاسع- وصيّة الإمام الباقر عليه السلام إقامة العزاء


25


الإمام الخمينيّ: "إنّ الإمام الباقر عليه السلام قد أوصى عند وفاته أن يوقف له من ماله كذا وكذا لنوادب يندبنه عشر سنين في منى, فأيّ نوع من المواجهة هذا؟ وهل إنّ الإمام الباقر عليه السلام كان بحاجة إلى البكاء؟ وماذا أراد عليه السلام من البكاء وإقامة العزاء ومراسم الرثاء في أيّام الحجّ وفي منى؟ هذه نقطة أساسيّة، سياسيّة، نفسيّة، إنسانيّة، إنّ البكاء في ذلك المكان عشر سنين، يعني أن يأتي الناس ليسألوا: ما الخبر، ما القضيّة؟ فيأتي الجواب: القضيّة كذا وكذا, فهذا يلفت انتباه الناس إلى هذا الخطّ وهذا النهج، وهذا من شأنه أن يحطّم الظالم وينصر المظلوم. نحن قدّمنا الشباب، كربلاء قدّمت الشباب، وعلينا حفظ مسيرتهم, فليست المسألة بهذه البساطة, فهل تتخيّلون أنّها مسألة بكاء؟ لا، ليست بكاءً، إنّما هي مسألة سياسيّة، نفسيّة، إجتماعيّة"13.

الأمر العاشر - أمر الإمام الصادق عليه السلام بإقامة العزاء

الإمام الخمينيّ: "نحن نقيم مجالس العزاء منذ ذلك الوقت الذي أمر إمامنا الصادق عليه السلام بذلك وأوصى أئمّتنا عليهم السلام به"14.

الإمام الخمينيّ:
"لقد صدرت هذه الروايات في ذلك اليوم الذي كانت فيه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأمويّ، وفي أغلب الحكم العبّاسيّ، وكانت هناك أقليّة قليلة للغاية في مواجهة القوى الكبرى آنذاك، ومن أجل تنظيم النشاط السياسيّ فقد قامت هذه الأقليّة بإيجاد طريق- هو بحدّ ذاته عمل تنظيميّ- منقول عن مصادر الوحي من أهل البيت عليهم السلام، بأنّ هذه المجالس وهذه الدموع لها كلّ هذه العظمة والفضيلة والثواب، فكان الشيعة يجتمعون على قلّتهم آنذاك، ولعلّ الكثير منهم لم يكونوا يعلمون ما هي القضيّة، ولكن القضيّة كانت هي تنظيم


26


 مجموعة من هذه الفئة القليلة أمام تلك الفئات الكثيرة"15.

عن ابن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كنّا عنده فذكرنا الحسين بن عليّ عليهماالسلام، وعلى قاتله لعنة الله، فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا، قال: ثمّ رفع رأسه, فقال: قال الحسين بن عليّ عليهما السلام: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا بكى"16.

الأمر الحادي عشر- العزاء في العصر الحاضر

الإمام الخمينيّ: "وهكذا كانت هذه المجالس, طيلة التاريخ, تنظيماً عامّاً في البلاد- البلاد الإسلاميّة- وفي إيران التي هي مهد التشيّع والإسلام والشيعة، كانت مجالس العزاء هذه، وهذه المواكب تقف في وجه أنظمة الحكم التي توالت, وكان هدفها القضاء على الإسلام, والقضاء على أساس علماء الدّين, فالشيء الوحيد الذي كان يقف لهم بالمرصاد ويخيفهم هو هذه المجالس وهذه المواكب الحسينيّة"17.

الإمام القائد: "إنّ العزاء اليوم أفضل وأكثر حماساً من العزاء أيّام شبابي، وهذا يعني إنتشار هذه الأجواء أكثر فأكثر في أيّامنا هذه، إلّا أنّه يجب الحفاظ على وجود تلك البركات"18


27


 


28


هوامش

1- سورة البقرة الآية 37.
2- المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 44، ص 223.
3- الصدوق, عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 209، المجلسي, بحار الأنوار، ج 12، ص 125.
4- المحدّث النوريّ, مستدرك الوسائل، ج 10، ص 319.
5- المحدّث النوريّ, مستدرك الوسائل، ج 10، ص 318.
6- المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 44، ص 288، نقلاً عن أمالي الصدوق.
7- المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 44، ص 258.
8- المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 44، ص 37.
9- ابن طاووس: اللهوف على قتلى الطفوف ص 133.
10- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
11- ابن قولويه, كامل الزيارات، ص 107.
12- المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 46، ص 110.
13- صحيفة نور، ج 10، ص 217، بتاريخ 29/8/58 هـ. ش.
14- المصدر نفسه، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش.
15- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
16- المحدّث النوريّ, مستدرك الوسائل، ج 10، ص 312.
17- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
18- كلام القائد في لقاء مسؤولي هيئات العزاء في أنحاء إيران، 19/2/80 هـ. ش.