الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

الإمام الخمينيّ: "إنّ الأئمّة كانوا يصرّون ويؤكّدون على التجمّع والإجتماع, سواءٌكان للبكاء أو لغيره، لأنّه يحفظ كيان مذهبنا, ولا تتخيّلوا أنّنا نريد تحويل هذه المواكب التي تنطلق يوم عاشوراء إلى مجرّد مسيرات، نعم إنّها مسيرات، لكنّها مسيرات تحمل بُعداً سياسيّاً, لذلك يجب الاهتمام بها كما في السابق بل أكثر، إنّ عنوان ورمز انتصارنا إنّما هو هذا اللطم وهذا الرثاء, يجب أن تقام مجالس العزاء في جميع أنحاء البلاد, وعلى الجميع أن يقرأوا العزاء, وعلى الجميع أن يبكوا"1.

الإمام الخمينيّ: "هذا البكاء هو الذي حفظ سيّد الشهداء, وهذه المصائب واللوعات والآهات والندبيّات والمواكب واللطم هي التي حفظت مدرسته، ولو كان الحال أن يجلس كلّ عالم وكلّ متديّن داخل حجرة بيته ليقرأ زيارة عاشوراء وحده وهو يحرّك سبحته لما بقي لنا شيء من مدرسة أبي عبد الله الحسين عليه السلام, فالأمر يحتاج إلى حِراك، وكلّ مدرسة تحتاج إلى حِراك، فإنّ اللطم على الصدور


47


هو الذي يستطيع أن يؤسّس لها والمدرسة التي لا يؤسِّس لها البكاء واللطم على الرؤوس والصدور لا يمكن أن تبقى وتستمرّ، والذين لا يلتفتون إلى هذا الأمر هم مشتبهون ولا زالوا صغاراً"2.

الإمام القائد: "الآن ينبغي إقامة العزاء كما كان متعارفاً طوال القرون والعصور, وكما كان يشارك المتديّنون والعلماء، أي تشكيل مجالس العزاء وإيجاد مسيرات ومواكب العزاء التي يغلب عليها الحزن والشوق ومحبّة أهل البيت عليهم السلام، اسعوا ليكون النوح، والأشعار والمراثي ذات محتوى ومليئة بالمضامين الصحيحة, ومعتمدة على الآثار الواردة والمعتبرة عن الأئمّة عليهم السلام أو العلماء الكبار"3.

الإمام القائد: "نحن المعمّمين... والمبلّغين وجميع قرّاء العزاء، ينبغي أن نهتمّ بمسألة عاشوراء ومصائب الحسين بن عليّ عليه السلام بشكل جِدّيْ وأساسيّ, وبعيداً عن المظاهر والشكليّات والمجاملات. ولكنْ لو أردنا أن نهتمّ بهذه المسألة بشكل جِدّي، فما هو الطريق إلى ذلك؟ الشرط الأوّل: أن نقوم بتعرية الحادثة عن الشكليّات والتصويرات الضارّة. وهناك أمور أخرى تُعَدُّ في زمرة الشكليّات والتصويرات, إلّا أنّها ليست ضارّة ولا حتّى كاذبة, فجميع الأشخاص الذين يرغبون بتصوير مسألة بشكل فنّي، لا يذكرون مضمون ومتن الحادثة فقط. عندما تستمعون إلى شخص في ظروف خاصّة يُخرج من لسانه كلاماً معيّناً، يمكنكم أن تحدسوا بأحاسيسه ومشاعره, وهذا أمر قهريّ. فلو تحدّث إنسان بكلام ما في الصحراء وأمام جيش جرّار، مهما كان نوع هذه الكلمات- سواءٌ للدعوة أو الطلب أو التهديد أو غير ذلك- فالقاعدة تقتضي أن تكون الحالات الموجودة لدى هذا المتكلم في روحه وذهنه قابلة للحدس من قبل السامع العاقل, وقابلة للتوضيح والبيان من قبل المتحدّث الفنّان أيضاً, إنّ الحديث بمثل هذا لا إشكال فيه.


48


عندما نريد توضيح أحوال الإمام وأصحابه عليهم السلام في ليلة عاشوراء ويومها- وبذاك المقدار الذي قرأناه ووجدناه في الكتب المعتبرة- فستظهر من دون شكّ مجموعة من الخصوصيّات والملابسات, وعلى سبيل المثال: يمكننا توضيح كلام الإمام عليه السلام الذي توجّه به إلى أصحابه ليلة عاشوراء على النحو الآتي: في ظلام الليل أو في ظلام ذلك الليل المؤلم والحزين، وما شابه ذلك, هذه الأمور الشكليّة والتصويريّة ليست ضارّة وليست كاذبة, نعم هناك بعض الأمور الشكليّة والتصويريّة التي يمكن اعتبارها ضمن الأمور الكاذبة، وبعض ما ينقل يكون خلاف الواقع حتّى إنّ بعض ما دوّنته بعض الكتب ليس مناسباً ولا يليق بمفهوم ومعنى النهضة الحسينيّة. يجب التعرّف على هذه الأمور وعزلها. بناءً على ما تقدّم, فالمسألة الأولى أن نعمد إلى تصفية الحادثة، ثمّ نعمد إلى تلك الحادثة المصفّاة والتي أصبحت دقيقة ومتقنة، فنقدّمها بوساطة أنواع البيانات الأدبيّة, من الشعر والنثر وأساليب المراثي الخاصّة, فهذا عمل لا إشكال فيه, لا بل هو عمل مهمّ. يجب علينا أن نقوم بهذا العمل, وأولئك الذين لديهم خبرة وتسلّط في هذا المجال يجب أن يقوموا بهذا العمل, فلو تحدّثنا عن حادثة عاشوراء على طريقة أنّها كانت بنحو "ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة"- وهي عبارة أضحت اليوم واضحة المعنى والمفهوم- ولكن وجدنا ذلك المعنى والمفهوم ينتقض وأنّ عملاً ما يخالفه ويغايره، فإنّنا بذلك لا نقدّم خدمة للأهداف الحسينيّة ولحادثة عاشوراء, إذاً ينبغي أن نصفّي هذه الواقعة, ثمّ نقوم بتشريح أبعادها المختلفة للناس.

أنا لا أرغب بعرض بعض المطالب المتعلّقة بهذا الموضوع في جمع العلماء والمبلّغين والخطباء والقرّاء المحترمين, ونحن جميعاً من أصحاب المنبر والمراثي وذكر مصائب وفضائل سيّد الشهداء عليه السلام، ولكن أقول, وبشكل عامّ, إنّ هذه


49


الواقعة- باعتبارها أساس نهضتنا وثورتنا- ينبغي أن تكون مصدر عزّة وشرف وحركة, وأن تبقى قادرة صلبة, إذا تعاطينا مع العزاء اليوم كما كنّا نتعاطى معه في مرحلة ما قبل 50 سنة- أي نرى شيئاً ثمّ نعمد إلى الإحتمال الذهنيّ الذي يرجّحه, ثمّ ننقل ذلك للناس بهدف إبكاء المؤمنين وحصول القارىء, من جهة والمستمعين من جهة أخرى على الثواب- فقد نلحق الضرر بهذه الحادثة"4.

الأمر الأوّل - إقامة العزاء بالأسلوب التقليديّ

الإمام الخمينيّ: "إنّ شهري محرّم وصفر هما اللذان حفظا الإسلام, وإنّ تضحيات سيّد الشهداء عليه السلام هي التي حفظت لنا الإسلام حيّاً إلى يومنا هذا. فيجب أن يكون إحياء عاشوراء بوساطة العلماء والخطباء, وبذلك الوضع التقليديّ والنسق القديم, حيث كانت الشرائح المختلفة من الناس تتحرّك في مواكب العزاء الكبيرة المنظمة. عليكم أن تعلموا بأنّكم إذا أردتم حفظ ثورتكم هذه فيجب أن تحافظوا على هذه التقاليد"5.

الإمام الخمينيّ: "في نهاية خطابهم يجب أن يقرأوا العزاء الحسينيّ كثيراً, كما كان الأمر في الأزمنة الماضية، ويذكروا المراثي ويقرأوا الشعر والنثر, في فضائل أهل البيت وفي ذكر مصائبهم, حتّى يتهيّأ الناس ويكونوا موجودين في الساحة, ويعلموا أنّ أئمّتنا قد صرفوا حياتهم كلّها لنشر الإسلام, فلو أنّهم كانوا يقبلون بالمصالحة لكانت أسباب الرخاء المادّي متوفّرة لديهم, لكنّهم ضحّوا بأنفسهم لأجل الإسلام ولم يهادنوا الظالمين. يجب أن تعرّفوا الناس على واجباتهم ويُرجى من الناس أن لا تكون المسيرات وكأنّها مظاهرة, بل يجب أن تكون كمواكب، على غرار المواكب التقليديّة مع مراعاة الجوانب الشرعيّة الإسلاميّة. عليكم أن تُحيوا


50


عاشوراء فبإحياء عاشوراء لن يصيب بلادكم أيّ ضرر"6.

الإمام القائد: "إنّني, في الحقيقة, أخشى أن لا نتمكّن- لا سمح الله- من أداء تكليفنا في هذا العصر، الذي هو عصر ظهور الإسلام، وبروز الإسلام وتجلّي الإسلام وتجلّي فكر أهل البيت عليهم السلام, هناك بعض الأعمال التي يؤدّي الإلتزام بها إلى قرب الناس من الله والدين, ومن جملة هذه الأعمال، مجالس العزاء التقليديّة, عندما يطلب الإمام (الخمينيّ) أن نقيم العزاء بالأسلوب التقليديّ، فهو من أجل هذا الهدف. إنّ الحضور في مجالس العزاء، وقراءة المراثي، والبكاء، واللطم على الرأس والصدر والمشاركة في مواكب العزاء، كلّ ذلك من الأمور التي تثير العواطف اتجاه أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي أمور مهمّة جدّاً"7.

- مواكب العزاء

الإمام الخمينيّ: "... ويُرجى من الناس ألّا تكون المسيرات وكأنّها مظاهرة, بل يجب أن تكون كمواكب، على غرار المواكب التقليديّة مع مراعاة الجوانب الشرعيّة الإسلاميّة, عليكم أن تُحيوا عاشوراء, فبإحياء عاشوراء لن يصيب بلادكم أيّ ضرر"8.


الأمر الثاني - تبيين وتوضيح المعارف الدينيّة الأصيلة وربطها بالحاضر

الإمام القائد: "ينبغي أن تَملأ المراثي والنواحُ واللطمُ الأجواءَ بالمسائل الحسينيّة الحيّة- المعرفة والإدراك -, لعلّ البعض منكم يتذكّر, والبعض الآخر قد لا يتذكّر آخر محرّم في زمن حكومة الطاغوت, والذي قبله أيضاً - قبيل انتصار الثورة - حيث كانت المراسم على هذه الشاكلة, أي أنّ النواح الذي يقدّمونه, وبعض


51


 الأوقات من خلال التسجيلات التي ينقلونها إلى المدن المختلفة، كانت موجّهة ضدّ نظام الطاغوت, كنت في تلك المرحلة أعيش مبعداً وكانوا يأتون إليّ بهذه التسجيلات من شيراز ورفسنجان, استمعوا إلى ذلك العزاء، حيث يجب أن يكون اليوم على تلك الشاكلة.

تلك المجالس كانت موجّهة ضدّ نظام الطاغوت الذي كان يتولّى الأمور، أمّا اليوم وبحمد الله فقد زال ذلك النظام، إلّا أنّ هناك كلاماً آخر يجب أن يُقال, وهناك ألوية أخرى يجب أن تُرفع, إنّ جميع المفاهيم الأساسيّة التي يلتزمها نظام الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم- كالعدالة، والوقوف في وجه الإستكبار العالميّ ومواجهة الفساد، ومعارضة العنصريّة والاهتمام بأصحاب الكفاءات- هي مفاهيم أساسيّة في ديننا وجميعها مفاهيم حسينيّة، ويجب أن تحضر في اللطميّات, فهل تتلاءم هذه الأمور مع المراثي والبكاء والنواح؟ طبعاً! لأنّ جميع هذه العناصر موجودة في تلك الحادثة. إنّ تلك الحادثة عبارة عن مركَّب عجيب ذو عناصر متعدّدة, أمّا الأذهان الوقّادة، فتتمكّن من تجزئة هذه العناصر بشكل صحيح وتنتقيها من صفحة يوم عاشوراء, وليلة عاشوراء, وأيّام محرّم, ومن كلمات أولئك العظماء, ثمّ تقوم بعرضها"9.

الإمام القائد: "يجب التعرّف على واقعة الإمام الحسين عليه السلام، ولكن أين يمكن ذلك؟ هل في التاريخ؟ نعم، هذا جزء من ذلك، إلّا أنّ مسألة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن مسألة ذلك التاريخ فقط, فلو كان لها ارتباط بذلك المقطع التاريخيّ ومتعلّقة بذلك الزمان فقط ولا غير, لما كان لها كلّ هذه الآثار والتردّدات. وقد أشار الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقبلها, إلى أنّ عمله هذا هو نموذج ومثل أعلى، باعتبار أنّ كلّ ما يحصل عبر التاريخ ويشبه الظروف المحيطة بذلك


52


 الزمان، ينبغي التعامل معه كما فعل الإمام الحسين عليه السلام, ولذلك نجد من ناحية, أنّ الأئمّة عليهم السلام قد أحيَوْا من بعده هذه الحادثة وأكّدوا عليها، ومن ناحية أخرى فقد ظهرت من قِبَل الناس ردّات الفعل المباشرة لعمل الإمام الحسين عليه السلام ضدّ الحكومات الظالمة المستبدّة. طبعاً ليس في حادثة عاشوراء، بل في المئة سنة أو المئة وخمسين سنة أو الثلاثمائة سنة التي تلت حادثة عاشوراء, وهذا يدلّ على أنّ هذه الحادثة سيّالة موّاجة خالدة.

فإذاً, إنّ فهم حديث عاشوراء ليس في إطار التاريخ فقط، بل يجب التدقيق في كلّ زمان, لاكتشاف الموقع الذي يوجد فيه العناصر المؤلَّفة لـ "الهويّة اليزيديّة"، ثمّ استحضار العناصر المشكِّلة لـ "الهويّة الحسينيّة" في مقابلها، وهذا يحتاج إلى معرفة ووعي, إنّ هذه المسألة تُعتبر من أهمّ الأمور التي ينبغي أن تضطلع بها الهيئات والجلسات ومجالس العزاء"10.

الإمام القائد: "... إنّ من جملة الوظائف المهمّة الأخرى لهذه (الهيئات والجلسات ومجالس العزاء)، توضيحَ القرآن والدّين والمعارف التي ضحّى الإمام الحسين عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام بأنفسهم لأجلها, فيجب أن تُشير هذه المجالس إليها, وتدلّ عليها"11.

الأمر الثالث - البعد السياسيّ لمجالس العزاء

الإمام الخمينيّ: "أمّا الموضوع المرتبط بالسادة الخطباء, فهو أنّ عمق هذه المهمّة التي تضطلعون بها، وعمق قيمة مجالس العزاء لم يتَّضحا إلّا قليلاً، ولعلّهما لم يتَّضحا أبداً لدى البعض, وإنّ القيمة الكبيرة التي توليها رواياتنا لقطرة واحدة من الدموع لمظلوم كربلاء، بل وحتّى للتباكي والتظاهر بالبكاء، ليست من باب أن


53


 سيّد المظلومين بحاجة إلى ذلك، وليس من أجل أن تحصلوا أنتم ومستمعوكم على الثواب، وإن كان الثواب الكبير على ذلك ثابتاً، ولكن لماذا خصّص هذا الثواب وبهذا الحجم الكبير لهذه المجالس؟ ولماذا جعل الله تبارك وتعالى كلّ ذلك الثواب للدمع, بل وحتّى لقطرة واحدة منه, بل وللتباكي أيضاً؟ إنّ هذه القضيّة تتّضح شيئاً ما عندما ننظر إليها من ناحيتها السياسيّة، وسوف تتّضح أكثر من ذلك في ما بعد إن شاء الله, إنّ كلّ هذا الثواب للمرثيّات ومجالس العزاء والنواح والبكاء إنّما هو من أجل بُعدها السياسيّ المهمّ، بالإضافة إلى قيمتها العباديّة والمعنويّة"12.

1- استفادة أهل البيت من العزاء باعتباره أداة للمواجهة السياسيّة

الإمام الخمينيّ: "فإنّ الأبعاد السياسيّة لهذه الشعائر والمجالس تفوق في أهميّتها سائر الأبعاد والأمور الأخرى، ولهذا فليس من العبث ما كان يوصينا به بعض أئمّتنا من إقامة مجالس العزاء عليهم، وأمرهم لنا بالبكاء والإبكاء والتباكي، وأنّ من يفعل ذلك فإنّ له كذا وكذا من الأجر، فالمسألة في جوهرها ليست مجرّد مسألة البكاء والتباكي، وإنّما هي مسألة سياسيّة، كان الأئمّة يهدفون من ورائها, ومن خلال نظرتهم الإلهيّة للأمور, إلى تعبئة هذه الشعوب, وزيادة أواصر التلاحم في ما بينها، وذلك لئلّا تكون عرضة للأخطار في المستقبل.

إنّ أحكام الإسلام، هي أحكام سياسيّة، يغلب فيها الطابع السياسيّ على غيره من الأمور، فهذه الإجتماعات الحاشدة، التي دعا الإسلام إليها وأوجب بعضها وفرضه، واستحبّ الآخر وأكّد استحبابه جميعها، ذات طابع سياسيّ، فمسألة الحجّ ووجوب اجتماع الناس من كافّة أنحاء العالم الإسلاميّ سنويّاً في مكّة، مع التوحّد في اللباس والمظهر والأعمال التي يتمّ أداؤها، كلّ هذه المسائل ذات أبعاد سياسيّة, فالله سبحانه وتعالى غنيٌّ وغير محتاج لعبادتي وعبادتك، ولكنّه يريد


54


لأتباع الإسلام أن يجتمعوا ويطرحوا قضاياهم وقضايا الإسلام في ما بينهم ويتباحثوا حولها ويفكّروا بحلول لها، ولهذا أوجب عليهم الإجتماع هناك"13.

الإمام الخمينيّ: "إنّ ما أوصى به الإمام الباقر عليه السلام عند وفاته أن يوقف له من ماله كذا وكذا لنوادب يندبنه عشر سنين في منى14، ليس سببه أنّ الإمام الباقر عليه السلام بحاجة إلى ذلك، وليس لأنّه يعود بفائدة شخصيّة عليه، ولكن انظروا إلى طابعه السياسيّ, ففي منى وعندما يتوافد الناس من جميع أقطار العالم إلى هناك، ويجلس شخص أو أشخاص ليرثوا الإمام الباقر عليه السلام، ويذكر جريمة الأشخاص الذين عارضوه، وتسبّبوا مثلاً في شهادته، فإنّ هذه القضيّة ستنتشر في العالم انتشار النّار في الهشيم, ومع ذلك فإنّ البعض يستهتر بهذه المجالس الحسينيّة!"15.

2- الأهميّة السياسيّة للعزاء في الظروف الحاليّة

الإمام الخمينيّ: "لقد علّمنا سيّد الشهداء بعمله الذي قام به كيف نجاهد في ميدان الحرب وكيف نمارس تكليفنا خارج ذلك الميدان، وعلّمنا كيف يمارس المجاهدون جهادهم المسلّح، وكيف يكون التبليغ من وراء الجبهة وساحة الحرب, وعلّمنا كيف تواجه الفئة القليلة الفئة الكثيرة، وكيف تتحرّك الثورة بهذا العدد المحدود ضدّ الحكومة المتسلّطة على كلّ شيء. وقد علّم سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته الكرام وولده العظيم كيف نتصرّف عند نزول المصائب ووقوع البلايا، هل نستسلم؟ أو نتراجع؟ أو نقف ونصمد كما وقفت زينب عليهاالسلام بعد تلك المصيبة العظمى التي (تصغر عندها المصائب) وتحدّثت في مقابل الكفر والزندقة، وسجّلت مواقف مهمّة في كلّ موقع مناسب، وكذلك إمامنا عليّ بن الحسين عليه السلام


55


 بعمله التبليغيّ على أتمّ وجه, بالرغم من وضعه الصحّيِّ الخاصّ؟

نحن نواجه اليوم حجماً هائلاً من الإعلام العالميّ المعادي, نواجه كلّ هذا الإعلام المقروء وما تبثّه الإذاعات وما يردّده الخطباء والمتحدّثون وما تقوم به المنظّمات والمحافل الدوليّة... إنّنا نقف في مواجهة كلّ ذلك لأنّنا قضينا على مصالحهم وقطعنا أياديهم عن بلدنا، ولا بدّ من مواصلة نهجنا هذا للسير بالثورة قدماً, لقد منّ الله تعالى علينا بنعمه، ولا بدّ لنا من المحافظة على هذه النعمة... لقد عُدنا بالإسلام الذي كاد أن يُقضى عليه في عهد النظام البهلويّ المنحوس، إلى واقع الحياة, وتخلّصنا من أعدائه، وعلينا اليوم المحافظة على هذه النعمة... إنّ واجب الجميع يتمثّل في شكر هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها علينا, وذلك ببذل كلّ الجهود لحفظها وحمايتها التي منّ الله تبارك وتعالى بها علينا وصوناً لها"16.

الإمام الخمينيّ: "إنّ الجانب السياسيّ من هذه الأدعية وتوجّه جميع الناس إلى نقطة واحدة وإلى الله تعالى هو الذي يعبّئ الأمّة لتحقيق الهدف الإسلاميّ"17.

الإمام الخمينيّ: "أقول: لو شارك هذا الشعب (بتعداده البالغ خمسةً وثلاثين مليون نسمة) في شهر محرّم, وفي هذه الأيّام العشرة منه، وقام الخطباء بمعالجة وطرح مسائل وقضايا اليوم عليهم، وقرأوا لهم مجالس عزاء, وأبكوهم على سيّد الشهداء، لتحولّت هذه المجالس إلى واحدة من الشعائر والنداءات والهتافات الإلهيّة".

"إنّ من العبارات الخطيرة القول: لقد قمنا بالثورة وانتهى الأمر، ولا حاجة بعدُ للمجالس العاشورائيّة، وهذا يوازي تماماً القول: لقد قمنا بالثورة وانتصرنا، ولم يعد هناك حاجة لأن نصلّي. نحن نهضنا بالثورة لكي نحيي شعائر الإسلام، لا


56


لنقضي عليها ونميتها, فالحفاظ على عاشوراء حيّة، يعدّ من القضايا السياسيّة- العباديّة المهمّة، وإقامة العزاء على الشهيد الذي ضحّى بكلّ ما يملك في سبيل الإسلام وإعلاء كلمته، هي مسألة سياسيّة كان لها بالغ الأثر في تقدّم ثورتنا وانتصارها, إنّنا نستفيد من هذه المجالس والإجتماعات كما كنّا نستفيد من نداءات "الله أكبر". ولذا علينا أن نحفظ هذه النداءات والشعارات"18.

الإمام الخمينيّ: "علينا أن نرفع علماً لكلّ شهيد نفقده وننوح عليه ونبكيه ونصرخ لأجله, وهذا ما يفعله الآخرون أيضاً، فتراهم حين يُقتل أحدُهم من أيّ حزب كان, فإنّهم يجتمعون ويهتفون ويصرخون. إنّ هذه اللقاءات والهتافات هي لإحياء مدرسة سيّد الشهداء, إلّا أنّ البعض غير متنبّه لذلك, وليس لديهم التفات إلى هذه الأمور.
هذه المناخات هي التي حفظت هذه المدرسة إلى الآن، ومجالس العزاء هذه هي التي حفظتنا أحياءً، ودفعت بهذه الثورة إلى الأمام"19.

الإمام الخمينيّ: "ينبغي الحرص على تضمين النَّوْح والرثاء والمدائح المنظومة في أئمّة الحقّ عليهم السلام استعراضَ جرائم الظالمين في كلّ عصر ومصر وبأسلوب صارخ فيه نبرة التحدّي. ولمّا كان هذا العصر هو عصر مظلوميّة العالم الإسلاميّ على يد أمريكا والإتحاد السوفيتي وعملائهم... فيلزم الإشارة إلى ذلك بقوّة وصبّ اللعنات على أولئك الظلمة والتنديد بهم بشدّة"20.

3- محاربة الأعداء لمجالس العزاء بسبب بعدها السياسيّ
الإمام الخمينيّ:
"عليكم أن تدركوا أنّ هذه الشعائر والظواهر والأمور التي أوصانا بها الإسلام، ليست مجرّد قضايا سطحيّة يُراد منها أن نجتمع ونبكي


57


 وانتهى الأمر، كلّا، ليس الأمر كذلك، إنّما نحن أمّة البكاء السياسيّ، نحن أمّة تصنع من دمع مآتمها سيلاً عرمرماً يحطّم كلّ السدود التي تقف في وجه الإسلام, ولو كان البكاء أمراً معيباً، فلماذا أقام هؤلاء زمن رضا خان مجالس احتشدوا فيها يبكون هزيمة إيران على يد الإسلام؟ إن كان في البكاء ما يعيب، فكيف بكى هؤلاء؟ إنّهم كانوا يريدون بأعمالهم هذه أن يحيوا المجوسيّة وقوميّتهم التي يفتخرون بها، ولهذا كانت تقام هذه المجالس ويدار فيها الحديث، ويجري فيها الدموع، بسبب هزيمة المجوس على يد الإسلام؟ وإنّ هذه الأفكار الفاسدة لا تزال إلى الآن في أذهان البعض. إنّهم لا يريدون لكم أن تبكوا على شهيد الإسلام، ولكنكم لو بكيتم على هزيمة إيران على يد الإسلام عندها سيقولون: كلّا، البكاء شيء جيّد, فهؤلاء لا يريدون لكم أن تبكوا ذلك الشخص الذي ضحّى بكلّ ما يملك في سبيل نصرة الإسلام, إنّ هؤلاء لا يريدون لكم أن تُبقوا على حياة تلك الواقعة التي استطاعت تحطيم عروش الظلم والإستكبار، لأنّها ستلهمكم وتولِّد فيكم الكراهيّة للظلم والإستكبار، وهذا ما لا يرضون وقوعه. ومن المؤسف أنّ عمل هؤلاء المنحرفين المأمورين, هو نشر هذه الدعايات الباطلة والترويج لها, وقد نجحوا في خداع الكثير من شبابنا، بحيث إنّ بعضهم صدّق هذه الدعايات. فعلى شبابنا أن يدركوا أنّ أيّ دعاية فيها استهداف لواحدة من مظاهر الإسلام أو شعائره، إنّما هي من صنع أولئك الكبار الطامعين والذين ينفّذونها على أيدي عملائهم في الداخل وذلك لضرب الإسلام وإضعافه. على شبابنا المؤمن والفعّال والنشط أن يفكّر بالأسباب الكامنة وراء مخالفة ومعاداة هؤلاء لكلّ واحدة من تلك الشعائر الإسلاميّة, فما الذي تختزنه العمامة حتّى يحاربوها ويُعادوها بهذا الشكل؟ وما الذي يمكن أن تصنعه هذه المجالس الحسينيّة حتّى يعملوا جاهدين للقضاء عليها؟ إنّ ما يمكن أن تصنعه هذه المجالس، هو إيجاد اللحمة والوحدة


58


بين جميع أفراد الأمّة للخروج إلى الشوارع للهتاف واللطم؟ لو أنّهم فكّروا بهذه المسائل في وقت من الأوقات، ولو أنّ العلماء والخطباء المنتشرين بينهم، تواعدوا ونسّقوا معهم في تلك الأيّام على الخروج والتحرّك ضدّ قوّة ما، فما الذي يمكن أن يحدث عندها؟

إنّ كلّ خوفهم هو من هذا، فهم لا مشكلة لديهم مع البكاء، وأن تجلسوا لتبكوا وتلطموا، ولكن على أن تعطوهم نفطكم وثرواتكم! أقيموا من المجالس ما تشاؤون، لا مشكلة لديهم، ولكن لا تسخّروها ضدّهم! فهؤلاء يخافون هذه المجالس، بسبب أبعادها السياسيّة"21.

الإمام الخمينيّ:
"فقد أتوا به (رضا خان) لمحاربة الإسلام، وما محاربة المجالس الحسينيّة إلّا أحد مظاهر محاربة الإسلام.
ولا يحسبنّ شبابنا أنّ عدم إقامة مجالس العزاء والإمتناع عن البكاء على الحسين عليه السلام هما خدمة للوطن، كلّا علينا أن نبيّن هذه المظالم في كلّ مكان ليدرك الناس حقيقة الأمر، وعلينا أن نشير إلى هذا الأمر بشكل منتظم وفي كلّ يوم, لما لهذه القضيّة من أبعاد سياسيّة واجتماعيّة"22.


59



60


 

1- صحيفة نور، ج 10، ص 217، بتاريخ 29/8/58 هـ. ش.

2- كلام الإمام في جمع من وعّاظ وعلماء طهران 17/8/58 هـ. ش.

3- جواب عن رسالة إمام جمعة أردبيل حجّة الإسلام والمسلمين مروّج 27/3/73 هـ. ش.

4- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجماعة والجمعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.

5- صحيفة نور، ج 15، ص 204، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.

6- صحيفة نور، ج 15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.

7- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.

8- صحيفة نور، ج 15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.

9- من كلام الإمام القائد في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 19/2/80 هـ. ش.

10- من كلام الإمام القائد في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 19/2/80 هـ. ش.

11- المصدر نفسه.

12- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

13- صحيفة نور، ج 13، ص 154، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.

14- الكلينيّ, الكافي، ج 5، ص 117.

15- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

16- صحيفة نور، ج17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.


17- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

18- صحيفة نور، ج 13، ص 156، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.

19- صحيفة نور، ج15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.

20- صحيفة نور، ج 21، ص 173.


21- صحيفة نور، ج 10، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.

22- المصدر نفسه، ج 10، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش.