المجلس الأول

كَرْبَلا لَا زِلْتِ كَرْباً وَبَلَا
كَمْ عَلَى تُرْبِكِ لمَاَّ صُرِّعُوا
وَضُيْوْفٍ لِفَلَاةٍ قَفْرَةٍ
لَمْ يَذُوقُوْا المَاءَ حَتَّى اجْتَمَعُوْا
وَوُجُوْهٌ كَالمَصَابِيْحِ فَمِنْ
يَا رَسُوْلَ الله لَوْ عَايَنْتَهُمْ
مِنْ رَمِيضٍ يَمْنَعُ الظَّلَّ وَمِنْ
لَرَأَتْ عَيْناكَ مِنْهُمْ مَنْظَراً
لَيْسَ هَذَا لِرَسُولِ الله يَا
جَزَّرُوا جَزْرَ الأَضَاحِيْ نَسْلَهُ
قَتَلُوهُ بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُمُ
مَيِّتٌ تَبْكِيْ لَهُ فَاطِمَةٌ

مَا لَقِيْ عِنْدَكِ آَلُ المُصْطَفَى؟
مِنْ دَمٍ سَالَ وَمِنْ دَمْعٍ جَرَى؟!
نَزَلُوا فِيْهَا عَلَى غَيْرِ قِرَى
بِحِذَا السَّيْفِ عَلَى وِرْدِ الرَّدَى
قَمَرٍ غَابَ وَمِنْ نَجْمٍ هَوَى
وَهُمُ مَا بِيْنَ قَتْلٍ وَسَبَى
عَاطِشٍ يُسْقَىْ أَنَابِيْبَ القَنَا
لِلْحَشَىْ شَجْواً وَلِلْعَيْنِ بُكَا
أُمَّةَ الطُّغْيَانِ والبّغْيِ جَزَا
ثُمَّ سَاقُوا أَهْلَهُ سَوْقَ الإِمَا
أَنَّهُ خَامِسُ أَصْحَابِ الكِسَا
وَأَبُوْهَا وَعَلِيٌّ ذُو العُلَى

75


شعبي:

في الغاضرية وقف مهر الظامي احسين
قالوا اطفوف او نينوى والغاضرية
كم شاب روحه اتروح منّه القلب ظامي

اوظل عن اسمها ينشد أصحابه الطيبين
اوشط الفرات اوعقر يا حامي الحمية
كلنه نظل في هالأرض من غير تكفين


أبوذيّه:

برض الطف مهر احسين ما سار
إشارة بهالأرض للحرم ما سار
وكف وبوكفته لحسين ما سار
اومنها اتروح للطاغي هديّه

لمّا خرج الحسين عليه السلام من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة مرّ بمنزل يسمّى بقصر بني مقاتل, وكان ركب الإمام يسير والحُرّ يسير إلى جانبه بألف فارس حيث كان عبيد الله قد أرسله ليضيّق على الحسين ويجعجع به..

فبينا القوم يسيرون إذ خفق الحسين عليه السلام بخفقة وهو على


76


ظهر جواده, ثمّ قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون, والحمد لله ربّ العالمين, فأقبل عليه ولده عليّ الأكبر فقال له: أبه ممَّ حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بنيّ, إنّي خفقت خفقة فعنَّ لي فارس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم, فقال عليّ بن الحسين: أفلسنا على الحقّ؟ قال: بلى, والذي إليه مرجع العباد, قال: أبه, إذا لا نبالي أن نموت محقّين, فقال الحسين عليه السلام: جزاك الله خير ما جزى ولداً عن والده.

وعندما وصل إلى عذيب الهجانات قال لأصحابه: من منكم يعرف الطريق على غير الجادّة؟ فقال الطرماح بن عديّ: أنا يا بن رسول الله, فقال الحسين عليه السلام: سر على بركات الله, فأخذ الطرماح بزمام الناقة, وأنشأ يقول:

يَا نَاقَتِيْ لَا تَجْزَعِيْ مِنْ زَجْرِيْ                   
بِخَيْرِ رُكْبَانٍ وَخَيْرِ سَفْرِ                         
السَّادَةِ البِيْضِ الوُجُوْهِ الزُّهْرِ                            
ألضَّارِبِيْنَ بِالسُّيُوْفِ البُتْرِ                           
أَمْدِدْ حُسَيْناً سَيِّدِي بَالنَّصْرِ                             
وَامْضِيْ بِنَا قَبْلَ طُلُوْعِ الفَجْرِ
إِلَى رَسُوْلِ الله أَهْلِ الفَخْرِ
ألطَّاعِنِيْنِ بِالرِّمَاحِ السُّمْرِ
يَا مَالِكَ النَّفْعِ مَعاً وَالضُّرِّ
عَلَى الطُّغَاةِ مِنْ بَقَايَا الكُفْرِ

ولم يزل ركب الحسين عليه السلام يسير, وإذا بجواد الحسين عليه السلامقد وقف عن المسير فنزل عنه وركب جواداً غيره فلم


77


يسر فبعثه فلم ينبعث وزجره فلم ينزجر حتّى بدّل سبعة أفراس على بعض الروايات, فالتفت إلى أصحابه وقال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض الغاضريّة, قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمّى نينوى... العقر...شاطىء الفرات, قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمّى كربلاء, فقال عليه السلام: أرض كربٍ وبلاء, ثمّ قال: انزلوا هاهنا مناخ ركابنا, هاهنا تُسفك دماؤنا, هاهنا والله تُهتك حريمنا, هاهنا والله تُقتل رجالنا, هاهنا والله تُذبح أطفالنا, هاهنا والله تُزار قبورنا, وبهذه التربة وعدني جدّي رسول الله ولا خُلْفَ لقوله..

ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين وأنا معه, فوقف فسأل عنه فأخبر باسمه فقال: هاهنا محطّ ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم.

بَيْنَمَا السِّبْطُ بِأَهْلِيْهِ مُجِدٌّ فِي المَسِيْرْ
إِنَّ قُدَّامَ مَطَايَاهُمْ مَنَايَاهُمْ تَسِيْرْ
وَإِذَا الهَاتِفُ يَنْعَاهُمْ وَيْدْعُوْ وَيُشِيرْ
سَاعَةَ إِذْ وَقَفَ المُهْرُ الَّذِيْ تَحْتَ الحُسَيْنْ

78


فَعَلَا صَهْوَةَ ثَانٍ فَأَبَى أَنْ يَرْحَلَا
قِيْلَ هَذِي كَرْبَلَاءٌ قَالَ كَرْبٌ وَبَلَا
وَبِهَذِيْ مَيْتَمُ الأَزْوَاجِ مِنْ أَزْوَاجِها
وَتَهَاوَىْ أَنْجُمُ الإِشْرَاقِ عَنْ أَبْرَاجِها
فَدَعَا فِيْ قَوْمِهِ يَا قَوْمُ مَا هَذِي الفَلَا؟
خَيِّمُوْا إِنَّ بِهَذِي الأَرْضِ مَلْقَى العَسْكَرَيْنْ
وَبِهَذِيْ تَشْرَبُ الأَبْطَالُ مِنْ أَوْدَاجِهَا
غَائِبَاتٍ فِيْ ثَرَى البَوْغَاءِ مَحْجُوْبَاتِ بَيْنْ

وكما أخبر سيّد الشهداء عليه السلام جرت كلّ المصائب على هذه الأرض, ولذلك لمّا عاد الإمام زين العابدين عليه السلامومعه السبايا من الشام ومرّوا على كربلاء, أوّل ما التقى بجابر بن عبد الله الأنصاريّ جعل يخبره بما جرى على تلك الأرض قائلاً: يا جابر هاهنا قتل أبو عبد الله, يا جابر هاهنا ذبحت أطفال أبي, يا جابر هاهنا والله قُتلت رجالنا, وسُبيت نساؤنا, وأُحرقت خيامنا..

يجابر ما دريت اشصار بينه يجابر هالأرض بيها انولينه

79


يجابر وانذبح بيها ولينه
يگله والدمع فيّض الوديان
ظلت بس يتامه اوجمع نسوان
شگلك يجابر مالي لسان
حسبالهم بالكون وليان
يوم الرحت للشام مكتوف
يجابر ذبحوا واحد وسبعين
قتل خلصوا اعمامي ابهذا المكان
اوعندي الهالفواطم عدل ما تم
على وجهين فرّن النسوان
جابر يعمي ريتك تشوف
وعماتي تتراجف من الخوف

 

وَالَهْفَتا لِبَنَاتِ الطُّهْرِ يَوْمَ رَنَتْ
رَمَيْنَ بِالنَّفْسِ مِنْ فَوْقِ النِّيَاقِ عَلَى
إِلَى مَصَارِعِ قَتْلَاهُنَّ وَالحُفَرِ
 تِلْكَ القُبُوْرِ بِصَوْتٍ هَائِلٍ ذَعِرِ

يا الله


80