المجلس الثاني

كُلَّمَا تَعْذِلانِي زِدْتُ نَحِيبَا                          
يَا حَبِيبَ القُلُوبِ رُزْؤُكَ مَهْمَا                             
يَا وَحِيداً حَامَيْتَ دُونَ وَحِيدٍ                         
بِعْتَ نَفْساً نَفِيسَةً فَاشْتَرَاهَا                                 
إِنْ نَصَرْتَ الحُسَينَ غَيْرُ عَجِيبٍ                                      
يَا وَزِيرَ الحُسَيْنِ حُزْتَ مَقَاماً                                 
كَمْ عَنِ السِّبْطِ قَدْ كَشَفْتَ كُرُوبَاً                                        
إِنَّ يَوْماً أُصِبْتَ فِيْهِ لَيَوْمٌ                                              
يَا مُصَاباً أَصَابَ قَلْبَ حُسَيْنٍ                                        
يَا خَلِيلَيَّ إِنْ ذَكَرْتُ حَبِيبَا
ذَكَرَتْهُ الرَّاثُونَ شَقَّ القُلُوبَا
حَيْثُ لَا نَاصِراً يُرَى أَوْ مُجِيبَا
بَارِئُ الخَلْقِ مِنْكَ وَالرِّبْحُ طُوبَا
إِنْ تَخَلَّفْتَ عَنْهُ كَانَ العَجِيبَا
كُلَّ آنٍ يَزْدَادُ عَرْفاً وَطِيبَا
بَعْدَمَا قَدْ لَقِيتَ مِنْهُمْ كُرُوبَا؟!
فِيهِ طَهَ وَالمُرْتَضَى قَدْ أُصِيبَا
أَيُّ قَلْبٍ لِذِكْرِهِ لَنْ يَذُوبَا؟!

133


شعبي:

أويلي من گرب حتفه او تدانه
هوه وابن النبي انهدت اركانه
شبح عينه او عج الخيل ثاير
او گلبه امن العطش والطعن طاير
او صابوه العده ابگلبه ابزانه
وطاح البيرق المنصور كل دور
او دمه يسفح اعله الأرض فاير
لما رفرفت روحه او ظل معفور

أبو ذيّة:

اكفوف القدر يصحابي لونكم
تنهضون او تشوفون لونكم
احشمكم او روحي اتون لونكم
وحيد او حاطت العدوان بيه

عندما وصلت رسالة الإمام الحسين إلى حبيب قبّلها ووضعها على جبينه ثمّ أخذ الكتاب ودخل إلى داره فقالت له زوجته: من بالباب؟ فقال: رسول الحسين, فقالت: وما عنده؟ فقال:


134


إنّه خيّم بالطفوف ويدعوني إلى نصرته, قالت: الحمد لله الذي رزقني مواساة فاطمة, فقال لها: لن أذهب إلى كربلاء, فقالت له: اتق الله يا حبيب, والله لئن لم تذهب لأذهبنّ ولآخذنّ الولد والغلام إلى نصرة ابن الزهراء, قال لها: أمة الله, كنت أبكي سنينَ بين يدي رسول الله لأنّي لم استشهد, وكنت أبكي بين يدي أمير المؤمنين لأنّي لم استشهد وهما بشّراني بهذا اليوم الذي أخضّب شيبتي من دمي.

ثمّ نهض حبيب وقال لغلامه: خذ الجواد وانتظرني خارج البساتين, فذهب الغلام، ثمّ ودّع عائلته وجاء إلى ولده يقول له: الله الله في أمّك أنت الكفيل وأنت المعيل..

ودّع العيلة حبيب ودمعه بخده يسيل
وانه يبني ارد اروح كربلاء الليلة سريع
صاح بيهم وداعة الباري ترى حان الرحيل
بطلب طلوب المفاخر وبشتري فيها وببيع

ثمّ خرج حتّى إذا صار قريباً من غلامه سمعه يكلّم الجواد وهو يقول: يا جواد, لئن لم يأت إليك صاحبك لأعلونّك وأمضي بك لنصرة سيّدي الحسين عليه السلام, فلمّا سمع حبيب ذلك بكى وقال: بأبي أنت وأُمّي يا أبا عبد اللَّه, العبيد تريد نصرتك فكيف بنا؟, ثمّ


135


التفت إلى الغلام وقال له: اذهب أنت حرٌّ لوجه اللَّه, فوقع الغلام على قدميه وهو يقول: سيّدي يا حبيب, أيسرّك أن تمضي إلى الجنّة وأنا أمضي إلى النّار؟ لا كان ذلك أبداً, بل أمضي معك لنصرة سيّدي الحسين عليه السلام, فقال له: بارك الله فيك, فأردفه خلفه وجاء حتّى ورد كربلاء في اليوم الثامن من المحرّم، وكان الإمام الحسين قد قسّم الرايات على أصحابه وبقيت راية واحدة وكلّ واحد من أصحابه يقول: سيّدي مُنَّ عليّ بهذه الراية, والحسين يقول لهم: الآن يأتي صاحبها, بينا هم في الكلام وإذا بالغبرة قد ثارت فسأل الإمام الحسين: ما الخبر؟

قالوا: نرى غبرة ثارت من جهة الكوفة, قال: قوموا واستقبلوا شيخكم قوموا واستقبلوا عميدكم, لمّا وصل حبيب ونظر إلى الحسين ترجّل من على ظهر جواده وجثا على ركبيته, وهو يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله, الحمد لله الذي وفّقني لنصرتك, قال له الحسين: وعليك السلام عمّاه حبيب, ثمّ سلّمه الراية,

والله بين بنت النبي لو گطعوني
وذروا عظامي بالهوا وتالي نشروني
بالسيف والخطي وبالنار احرقوني
سبعين مرة هالفعل يجري عليه

136


والله يبو السجاد ما فارق جمالك
كل شيعه تلزمه ولا تهتك
روحي ومالي ولأهل كلها فدالك
والتفت لصحابه وعبراته جريه

ثمّ سلّم على الأصحاب وسلّموا عليه فارتفعت الأصوات...

وكانت مولاتنا زينب تسمع, فقالت: بنيَّ عليّ, من الذي جاء إلى نصرة الغريب؟ قال: عمّنا حبيب بن مظاهر الأسديّ قد وصل الآن, قالت: أبلغه عنّا السلام, جاء عليّ الأكبر وقال: عمّاه حبيب إنّ عمّتي زينب تقرؤك السلام, فأخذ حبيب من تراب كربلاء وصار يحثوه على رأسه ويلطم على وجهه, ويقول: من أنا ومن أكون حتّى تسلّم عليّ بنت أمير المؤمنين, سيّدي أبا عبد الله إئذن لي حتّى أسلّم على زينب, فأذن له الحسين. أقبل حبيب ودموعه تتقاطر على شيبته ووقف بإزاء خيمة الحوراء وهو ينادي: السلام عليكنّ يا أهل بيت النبوّة, وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل, السلام عليك يا زينب, وإذا بصوت من داخل الخيمة: وعليك السلام يا عمّ يا حبيب, يا عمّ أوصيك بهذا الغريب خيراً, لا تقصّر عن نصرته..


137


أوصيك يا عمي بالحسين
خايفة من هجمت البين
انصاره واهل بيته قليلين
على العبّاس يا عمي والحسين

قال: أبشري يا زينب, لأنعمنّك عيناً.
هذا موقف لحبيب مع زينب حينما وصل إلى كربلاء وهناك موقف آخر قبل أن يبرز إلى الميدان, أقبل حبيب وهو يقول: آه لوجدك يا زينب, يوم تحملين على بعير ضالع بغير وطاء يدار بك من بلد إلى بلد ومن مجلس إلى مجلس, فلمّا سمعت الحوراء زينب كأنّي بها صاحت:

يا عم وصوا بنا قبل الترحلون وقبلن على الغبره تنامون

يقول بعضهم كان حبيب بن مظاهر يوم عاشوراء وقبل أن يشتدّ الوطيس يبكي فقيل: يا حبيب مِمَّ بكاؤك؟ أتبكي على ولدك القاسم أم تبكي على أهلك؟ قال: أهلي فداء للحسين, إذاً ما يبكيك؟! فأشار إلى العقيلة, زينب وكانت واقفة على باب الخيمة, قال: أنا أبكي لحال هذه المرأة, فقد أخبرني أمير المؤمنين أنّها يدار بها من بلد إلى بلد ومن مجلس إلى مجلس...


138


الوجدك آه گام يصيح يا زينب المظلومه
وظعنك حرمله يباريه وراسي
وتروحين لابن زياد وتطبين ديوانه
يوم على الهزل تمشين متيسره ومهظومه
معلگ تشوفيه برگبته العوج يضرب بيه

ولمّا كان يوم عاشوارء من المحرّم وحمي الوطيس واشتدّ القتال وكان حبيب على ميسرة جيش الحسين شدّ على الأعداء كالليث إذا غضب, فقتل منهم مقتلة عظيمة وقد كثرت جراحاته واشتدّ به العطش, تزاحموا عليه من كلّ جانب وهو يردّد:

أَنَا حَبِيبٌ وَأَبِي مَظَّهَرْ
وَأَنْتُمْ ذَوُوْ عُدَّةٍ وَأَكْثَرْ
فَارِسُ الْهَيْجَا وَلَيْثٌ قَسْوَرْ
وَنَحْنُ مِنْكُمْ فِي الحُرُوبِ أَصْبَرْ

هجموا عليه من كلّ جانب, هجم عليه بديل بن صريم رافعاً سيفه, عظَّم الله أجوركم, آجرك الله يا أبا عبد الله, ضربه على رأسه ثمّ أتبعه تميمي آخر ضربه بالرمح في خاصرته, وقع على الأرض, أراد أن يقوم محتملاً جراحاته فشدّ عليه حصين بن نمير رافعاً سيفه وضربه على رأسه فسقط صريعاً منادياً: السلام عليك يا أبا عبد الله, جاء إليه الحسين محنيّ الظهر جلس عنده, صاح: حبيبي حبيب, رحمك الله يا حبيب


139


لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة, ثمّ أخذ يمسح الدم والتراب عن وجهه ودموعه جارية على خدّيه..

إِنْ يَهُدَّ الحُسَيْنَ قَتْلُ حَبِيبٍ
بَطَلٌ قَدْ لَقَى جِبَالَ الأَعَادِي
قَتَلُوا مِنْهُ لِلحُسَيْنِ حَبِيباً
فَلَقَدْ هَدَّ قَتْلُهُ كُلَّ رُكْنِ
مِنْ حَدِيدٍ فَرَدَّها كَالعِهْنِ
جَامِعاً فِي مَعالِيهِ كُلَّ حُسْن

ويلي:

إجاه احسين شافه ودمه مسفوح
جذب ونه ومنه راحت الروح
جلس عنده الشهيد حسين ودعه
گام وغمض عيونه السبط ودعه
وعاين بيرقه على الارض مطروح
بعد عنه ودمع العين منشور
حبيب اقعد حبيبك گوم ودعه
رجع ينحب وعبراته جريه

أقول: ما سقط أحد من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام إلّا ورأسه في حجر أبي عبد الله, ولكن أسفي عليك أبا عبد الله, قضيت نحبك ولكن ما حضر عندك أحد, نعم والله ما حضر عند مصرعه إلّا أخته زينب, حضرت إليه وهو جثّة بلا رأس مسلوب


140


عريان مقتول عطشان, جعلت تنادي: وامحمّداه, واجدّاه..

اخبرك يجدي احسين ذبحوه
او من فوگ ظهر المهر ذبوه
او راسه ابراس الرمح شالوه

وامن القفا للراس حزوه
ولا راقبوا جده ولا ابوه
او صدره ابجرد الخيل رضوه

ثمّ كأنّي بها تلتفت إلى أخيها الحسين عليه السلام وتناشده:

يا تالي هلي يحسين
يا بن امي حرمت الماي
خوي ما ريد العمر بعدك
انكان انت رحت يحسين
يا صبري على بلواي
عگبك لا شربت الماي
كلها وشلي بحياتي هاي
حزنك بالقلب ما راح

نَصَرُوا ابنَ بِنْتِ نَبِيِّهِمْ طُوبَى لَهُم                                                                                     نَالُوا بِنُصْرَتِهِ مَرَاتِبَ سَامِيَه

يا الله


141