الليلة الثانية

خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة

أولاً: القصيدة

نختار القصائد التي تشير إلى خروج الحسين عليه السلام من المدينة وهجرته منها إلى مكة المكرمة، أي أن تكون آخر أبيات القصيدة تذكر هذا الموضوع.

ومن هذه القصائد على سبيل المثال:

1- قصيدة السيد مهدي الأعرجي، والتي مطلعها:

رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي     ‏إلاّ بحسن تصبري وفؤادي‏

والقصيدة أساساً في رثاء الإمام الكاظم عليه السلام، ولكن يمكن الاستفادة من أبياتها الأولى (31 بيت) التي تشير إلى دار الإمام الحسين عليه السلام 1.

2- قصيدة الشيخ كاظم سبتي، والتي مطلعها2:

قوم المجد من مضرٍ سراةُ          سرتْ تحدو بعيسهمُ الحُداةُ

3- كما يمكن الاستفادة في الليالي الأربع الأولى من المحرّم، من كل قصيدة تؤكد على إقامة المآتم وإحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام وعاشوراء، مثل القصيدة المعروفة للشيخ عبد الحسين الأعم، والتي مطلعها3:

قد أوهنتْ جلَدي الديارُ الخالية     من أهلها ما للديار وماليه‏


31


ثانياً: العنوان المناسب لهذه الليلة

وتبحث في هذه الليلة، السيرة التي من شأنها أن تمهّد لبدايات حركة الإمام الحسين عليه السلام ورفضه بيعة يزيد، وسيكون المجلس الأول لهذه الليلة حول بعض ما ذكرته المصادر التاريخية عن يزيد وما عرف به، وكيف كان أبوه معاوية مهتماً بتنصيبه على رؤوس المسلمين، وموقف الإمام الحسين عليه السلام إزاء ذلك، والمجلسان الآخران في مجريات الأمور بعد وفاة معاوية حتى خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة مهاجراً إلى مكة المعظمة.

ويُختار هنا عنوان للمجلس مستلهم من أحد أقوال الإمام الحسين عليه السلام التي أطلقها في المدينة قبل الخروج منها، حتى نبقى في أجواء هذه الليلة وموضوعها.

وكأمثلة نقول:

1- قال سيد الشهداء عليه السلام:

"وعلى الإسلام السلام إذ بُليَت الأمة براعٍ مثل يزيد".

2- قال الحسين عليه السلام:

"إنّا أهل بيت النبوة معدن الرسالة ومختلفُ الملائكة، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب للخمرِ، معلن بالفسق، قاتل للنفسِ المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله".

3- من وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية:

"إني لم أخرجْ أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي، وأبي علي بن أبي طالب".


32


ثالثاًً: البحث

الموضوع الأول الذي يمكن طرحه في الليلة الثانية من محرم:


معاوية وولاية عهد ولده الفاسق يزيد:

لم يكتف معاوية باستيلائه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحكّمه بأمور المسلمين وسيطرته على مقدراتهم، بل راح يخطط ويسعى لكي يحوّل الخلافة إلى ملك عضوض، ووراثة لبني أمية، فهو لم يكتف بما قام به من موبقات في حياته فأراد أن يكون له نصيب من كل انتهاك لحُرم الإسلام وكرامة المسلمين من بعده، عبر خلفاء بني أمية وملوكهم.

يقول الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهما، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلاف ابنه بعده سكّيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادّعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"الولد للفراش وللعاهر الحجر".

وقتله حُجُراً وأصحابه، ويل له من حُجُرٍ وأصحابه...4.

وذكرت بعض المصادر التاريخية، أن بداية هذا الانقلاب الخطير في الإسلام وأهله، كان باقتراح وتهيئة من المغيرة بن شعبة، والذي كان والياً لمعاوية على الكوفة، الذي سمع أن معاوية يريد عزله عنها وتنصيب سعيد بن العاص الأموي مكانه، فما كان من المغيرة إلاّ أن ركب إلى دمشق ليقدم استقالته قبل استلامه أمر العزل ليحافظ على كرامته ومنزلته، وفي دمشق راح المغيرة يفكّر في أمر يثبته في مركز والي الكوفة ويقرّبه إلى معاوية فجاء بفكرة ولاية العهد ليزيد، وراح يتكلم فيها مع يزيد الذي فرح لذلك وقال متسائلاً: "أترى ذلك يتمْ؟". فقال له المغيرة: "نعم".


33


فانطلق يزيد إلى أبيه معاوية ليخبره بما طرحه عليه المغيرة، فسرّ معاوية بذلك أيما سرور، وبعث إلى المغيرة ليسمع منه مباشرة، فأكّد المغيرة ما قاله لولده يزيد قبله، ثم بادره بالقول: "يا أمير المؤمنين لقد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلافات بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فإن حدث بك حدث كان كهفاً للناس، وخلفاً منك، ولا تُسفك دماء ولا تكون فتنة".

فتحرك معاوية مبدياُ قلقه من صعوبة هذا الأمر فقال للمغيرة: "من لي بهذا؟". فقال المغيرة: "أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك".

فاستحسن معاوية رأيه وشكره وقرّبه وأقره في منصبه بالكوفة، بل وأمره بالعودة إليها لتنفيذ الخطة.. فراح المغيرة يتبسم وهو يقول لخاصته: "لقد وضعتُ رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد وفتقت عليه فتقاً لا يُرتق"5.

وهكذا ومن أجل أمر شخصي والحفاظ على مكسب ذاتي أدخل الأمة في هذه الفتنة العمياء..

وكان معاوية يدرك تماماً أوصاف ولده يزيد وسوء خلقه وهبوط مستواه الإيماني وغياب سلوكه الديني.

فقد أورد ابن كثير في تاريخه، كان يزيد صاحب شراب، فأحبّ معاوية أن يعظه في رفق، فقال: "يا بني، ما أقدرك على أن تصل حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروتك وقدرك، ويشمت بك عدّوك، ويسي‏ء بك صديقك، ثم قال يا بنيّ إني منشدك أبياتاً فتأدّب بها، واحفظها، فأنشده:


34


إنصبْ نهارك في طِلاب العلا    واصبرْ على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الليلُ أتى بالدُجى ‏      واكتحلتْ بالغمضَ عينُ الرقيبْ
‏فباشر الليل بما تشتهي‏         ‏فإنما الليلُ نهارُ الأريبْ‏
كم فاسقٍ تحسبهُ ناسكاً          قد باشر الليل بأمر عجيبْ‏
غطّى عليه الليل أستارهُ         فبات في أمنٍ وعيش خصيبْ‏
‏ولذةُ الأحمق مكشوفة           يسعى بها كلّ‏ُ عدوٍّ مريبْ


وقال: وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات6.

ثم أن معاوية راح يتحرك في مشروعه، فطلب من زياد بن أبيه وكان واليه على البصرة، أن يأخذ البيعة من المسلمين في البصرة لولده يزيد، فاعترض عليه زياد وقال: "ما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبّغات، ويدمن الشراب ويمشي على الدفوف؟ وبحضرتهم الحسين بن علي وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر؟. ولكن تأمره يخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين، فعسانا أن نموّه على الناس"7.

فأمر معاوية ولده يزيد أن يخرج مع الجيش الغازي لبلاد الروم، فتثاقل يزيد واعتلّ وأمسك عنه أبوه8 أي تركه.

ثم أن المسلمين أصابهم حمّى وجدري في بعض بلاد الروم ويزيد حينذاك كان مصطبحاً بدير حرّان مع زوجته هند بنت عبدالله بن عامر المعروفة بأم كلثوم، فلما بلغه خبرهم أنشد قائلاً:


35


إذا ارتفقتُ على الأنماط مصطبحاً      بدير حرّان عندي أم كلثوم‏
فما أبالي بما لاقت جنودهمُ‏             ب(الغذقدونة) من حمّىً ومن سوم
9-10

فلما بلغت معاوية أبيات يزيد هذه، غضب من سوء مقالة ولده وأمره بأن يلحق بهم وهدده بخلعه عن ولاية العهد فلحق بهم، وقد كتب إليه معاوية:

تجنّى لا تزال تعدّ ذنباً            ‏لتقطع حبل وصلك من وصالي‏
فيوشك أن يريحك من بلائي     نزولي في المهالك وارتحالي
11

وفي مرة أخرى أخذ معاوية ولده يزيد معه إلى الحج، ويقال بل أرسله وحده، فجلس يزيد بالمدينة على شراب، فاستأذن عليه عبد الله بن العباس والحسين بن علي عليهما السلام، فأمر بشرابه فرفع، وقيل له: إن ابن عباس أن وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه ولم يأذن له، وأذن للحسين عليه السلام لأنه لم يكن يعرف رائحة الخمر، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب.

فقال عليه السلام: ما هذا يا بن معاوية؟
فقال: يا أبا عبدالله هذا طيب يصنع لنا بالشام...


ثم وثب الحسين عليه السلام وزجره وخرج من عنده بعد أبيات قالها يزيد12.

وعلاقة يزيد بالخمر وما نظم فيها من الشعر، أمر طفحت به كتب السيّر والأدب والتراجم ومن أشعاره في ذلك:

معشرَ الندمان قوموا      واسمعوا صوت الأغاني


36


واشربوا كأس مُدامٍ‏ ‏       واتركوا ذكر المثاني‏13
شغلتني نغمة العيدان‏      عن صوت الآذانِ‏
وتعوضت من الحور       عجوزاً في الدنانِ
14

ومن أبياته المعروفة في الخمر:

أقول لصحب ضمت الكأس شملهم‏     وداعي صبابات الهوى يترنمُ‏
خذوا بنصيب من نعيم ولذةٍ           فكل وإن طال المدى يتصرمُ
15

ومن أبياته المعروفة كذلك:

دع المساجد للعبّاد تسكنها           واجلس على دكّة الخمّار واسقينا
ما قال ربُّك وي للأولى شربوا       بل قال وي للمصلّينا


(وقد انعكس هذا الأمر على شعراء العصر الحديث كأمثال أنور الجندي وبولس سلامة وللمزيد من الإطلاع)16.

وروى صاحب الأغاني وقال: "كان يزيد بن معاوية أول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء، وآوى المغنين وأظهر الفتك، وشرب الخمر وكان ينادم عليها سرجون مولاه والأخطل الشاعر"17.

ويقول البلاذري: "كان يزيد بن معاوية، أول من أظهر شرب الشراب، والاشتهار بالغناء والصيد، واتخاذ القيان والغلمان، والتفكّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة"18.


37


ويؤكد المسعودي بقوله: "وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته، ويطرح له متكأً وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذلّلت لذلك بسرج ولجام، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة، فيما يرى بعض الأيام سابقاً"19.

ويروي البلاذري عن هذا القرد بقوله: "كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله بين يديه ويكنّيه أبا قيس، ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع"20.

واشتهر يزيد بمنادمة القرود حتى قال فيه شاعر من بني تنوخ21:

يزي صديق القرد ملّ جوارنا     فخفّ إلى أرض القرود يزيدُ
فتبّاً لمن أمسى علينا خليفةً       صحابته الأدنون منه قرودُ


ونختم بقول ابن كثير: "اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور والغناء والصيد، واتخاذ القيان والكلاب، والنطاح بين الأكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلاّ ويصبح فيه مخموراً،... وكان إذا مات له قرد حزن عليه، وقيل أن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته"22.

ومع كل هذا وغيره كثير، نجد أن معاوية كان مصراً على أن يأخذ البيعة لولده الفاسق يزيد، فكان قد ذهب إلى الحج والتقى بوجوه المسلمين في مكة والمدينة ومعه الأموال والجوائز والمغريات وهو يدعو إلى بيعة ولده بعده بكل صلافة وجرأة، فلاقى مواجهة عنيفة.

فقد قال له عبدالله بن عمر: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب ويشرب الخمر ويظهر الفسوق، ما حجتنا عند الله؟.


38


وقال عبدالله بن الزبير: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أفسد علينا ديننا".

وأما الحسين عليه السلام فقد قال له:

"كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا كان احتويته لعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد في ما أخذ من استقرائه الكلاب المهارشة، عند التحارش، والحمام السّبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً ودع عنك ما تحاول".

هذه الأقوال، أما المواقف، فقد بايع عبدالله بن عمر بعد ذلك ليزيد بعد موت معاوية، وراغ عبدالله بن الزبير وترك المدينة هارباً إلى مكة دون أن يواجه الأمويين بفعل ولا قول..


التخلص:

وأما الحسين عليه السلام فقد قال بكل قوة ووضوح لوالي المدينة الوليد بن عتبة ومعه مروان بن الحكم، وهو يصرخ بوجهه: "أيها الأمير... إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة...".

ثم قرر الحسين عليه السلام مغادرة مدينة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تلك المدينة التي عاشها طفلاً صغيراً بين أحضان جدّه وأبيه وأمه، ودرج فيها صبياً، غادرها وكان حريصاً على وداع جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقصده في تلك الليلة...

ثم يؤتى بالأبيات المناسبة لوداع الحسين عليه السلام لقبر جدّه، ويمكن أن يضاف وداع الحسين عليه السلام لقبر أخيه الحسن عليهما السلام، أو وداعه لقبر أمه فاطمة الزهراء عليها السلام.


39


الموضوع الثاني الذي يمكن طرحه في الليلة الثانية من محرم:


العلاقة بين الإمام الحسين عليه السلام ومعاوية:


(العنوان يمكن استفادته مما سبق بيانه، في بداية البحث، أو أي عنوان مناسب آخر).

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يمثل العقبة الكبرى في نظر معاوية في مواجهة مشروعه بولاية عهد ولده يزيد، لأن معاوية يعلم قبل غيره من هو الإمام الحسين عليه السلام، من حيث منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه عليه السلام، أو من حيث سلوكه ومواقفه الرسالية، وكبر منزلته في عيون المسلمين، وعظم موقعه في صدورهم، يضاف إلى كل ذلك العهد الذي أمضاه معاوية مع الإمام الحسين عليه السلام في وثيقة الصلح، من أن الذي يتولى أمر المسلمين بعد معاوية هو الإمام الحسن عليه السلام فإن لم يكن موجوداً فإن الإمام الحسين عليه السلام هو من يتولى هذا الموقع.

ولم تكن مواجهة معاوية في ولاية عهد ولده يزيد مقتصرة على الإمام الحسين عليه السلام فقط بل قد واجهه وجوه المسلمين وأبرز المهاجرين والأنصار وأبنائهم، وقد سلك معاوية عدة طرق في تمهيد الأمر لولده من بعده، ومن تلك الطرق، الاغتيال السياسي، لبعض زعماء المسلمين، الذين كان وجودهم يشكل تهديداً واضحاً لمشروعه.

ومن هؤلاء الذين اغتالهم معاوية:

أ- سعد بن أبي وقاص الصحابي المعروف23.

ب- عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان معاوية قد بعث إليه مائة ألف درهم فردها عليه، وقال: لا أبيع ديني بدنياي ولم يلبث أن مات فجأة بمكة24.

ج- عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وقد أحس معاوية بخطره في عملية


40


استقراء لموقعه في أهل الشام حينما سألهم معاوية عمن يعقد البيعة له بعده، وإذا بهم يقولون لمعاوية: رضينا بعبد الرحمن بن خالد.. فشق على معاوية ذلك وأخذ يخطط للتخلّص منه ودس له السم عن طريق طبيب يعالجه25.

وقد سبق كل هؤلاء الإمام الحسن عليه السلام في حادث اغتيال بالسم المشهور.

وكانت نبرة الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة معاوية ومشروعه تتعاظم فكان ذلك يقلقه أيما قلق.

وأثناء حج معاوية، قام بدعوة وجوه المسلمين الذين عارضوه ووضع على رأس كل واحد منهم رجلين بسيفهما فإذا عارض أحدهم معاوية وهو يدعو إلى بيعة ولده، عالجاه بسيفهما.. وهكذا أخذ البيعة بالإكراه وغادر مكة26.

وهذا هو منطق الطغاة، بالقوة والقهر والتسلط على الرقاب، وقد دعا معاوية أهل الأمصار للحضور إلى عاصمته دمشق ليرتب أمر ولده، ولما اختلفت هذه الوفود وأبدى الكثير معارضتهم لذلك، قام يزيد بن المقفع وهو يحكي بلسان حال السلطة الحاكمة قائلاً: "أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا، وأشار إلى السيف؟".

فاستحسن معاوية كلامه وقال له: "اجلس فأنت سيد الخطباء وأكرمهم".

وشاع بين المسلمين موقف الحسين عليه السلام الرافض لبيعة معاوية لولده يزيد، ولمّا كان الحسين عليه السلام يمثّل ذلك الامتداد الرسالي لجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه المرتضى عليه السلام وأخيه المجتبى عليه السلام فقد أخذت الوفود تنزل عليه في المدينة من مختلف مناطق المسلمين تستغيث به وتؤيد موقفه الرافض لمشروع الأمويين.


41


وكان والي المدينة آنذاك مروان بن الحكم، ففزع لذلك وأخبر معاوية بهذه التطورات المخيفة لهم ولمشروعهم..

"أما بعد، فقد كثر اختلاف الناس على الحسين، والله إني لأرى لكم منه يوماً عصيباً"27.

فرد عليه معاوية: "اترك حسيناً ما تركك، ولم يظهر لك عداوته، ويبد صفحته، واكمن عنه كمون الشُرى إن شاء الله، والسلام".

ثم أن مروان اقترح على معاوية إبعاد الإمام الحسين عليه السلام عن المدينة ونفيّه إلى الشام ليكون تحت مراقبة أجهزة السلطة ورجالاتها.

ولكن معاوية كان يدرك موقع الحسين عليه السلام في الأمة وخطورة مثل هكذا خطوة فردّ على مروان بكتاب جاء فيه: "أردت والله أن تستريح منه وتبتليني به، فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره، وإن أسأت إليه قطعت رحمه.."28.

ثم أن معاوية عاش هواجس الخوف والهلع من تحرّك الأمة باتجاه الحسين‏ عليه السلام وبرمزيته كأبرز معارض لمشروعه، فراسل الحسين عليه السلام برسائل عدة منها:

"أما بعد: فقد أنهيت إليّ عنك أمور إن كانت حقاً فإني لم أظنها بك رغبة عنها، وإن كانت باطلة فأنت أسعد الناس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد الله توفي، فلا تحملني على قطيعتك والإساءة إليك، فإنك متى تنكرني أنكرك، ومتى تكدني أكدك فاتق الله يا حسين في شق عصا الأمة وإن تردهم في فتنة"29.

غريب هذا الكلام أن يصدر ممن شق عصا هذه الأمة ويسعى لأن يبقيها في فتنة إلى يوم القيامة!!..


42


ووجد الحسين عليه السلام كتاب معاوية هذا، فرصة لمواجهته وتذكيره ببعض جرائمه بحق الأمة ومجاهديها وحملة الرسالة فيها، وكان الحسين عليه السلام يؤكد أنه لا يريد مع معاوية مواجهة مباشرة في تلك المرحلة.

"أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه قد انتهت إليك عني أمور أنت عنها راغب، وأنا بغيرها عندك جدير، وأن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلا الله تعالى.

أما ما ذكرت أنه رقي إليك عني، فإنه إنما رقاه إليك الملاّقون المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون، ما أردت لك حرباً، ولا عليك خلافاً، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك، ومن الإعذار فيه إليك، وإلى أوليائك القاسطين حزب الظلمة.

ألست القاتل حُجُر بن عُديْ أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم؟، ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكَّدة، جراءة على الله واستخفافاً بعهده؟.

أولست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، العبد الصالح، الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه، فقتلته بعدما أمّنته وأعطيته ما لو فهمته العصم
30 لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعمّداً وتبعت هواك


43


بغير هدىً من الله ثم سلطته على أهل الإسلام يقتل ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

أولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياداً على أنه على دين علي كرم الله وجهه فكتبت إليه: أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلتهم، ومثّل بهم بأمرك، ودين علي هو دين ابن عمّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه.

ولولا ذلك لكان شرّفك وشرّف آبائك تجشّم رحلتين، رحلة الشتاء والصيفّ وقلت فيما قلت: أنظر لنفسك ودينك ولأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واتق شق عصا هذه الأمة، وأن تردّهم إلى فتنة، واني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعطي لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله، وأن تركته فإني أستغفر الله لديني، وأساله توفيقه لإرشاد أمري...

فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أن لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التهم، ونفيّك إياهم من دورهم إلى دار الغربة وأخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب ما أراك إلا قد خسرت نفسك وبترت دينك (الهلاك) وغششت رعيتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقي والسلام"
31.


44


إن هذا الكتاب يعتبر من أكثر وثائق حركة الحسين عليه السلام أهمية في تقييمه للوضع وتحليله للمواقف.

(يمكن للأخوة خطباء المنبر الحسيني أيدهم الله، أن يأخذوا بعض مقاطع هذا الكتاب كعنوان لمجالس الليالي، ولأن المجلس ولا سيما مجالس هذه الليلة، والتي تليها، كما يمكن اعتماده موضوعاً كاملاً لمجلس حيث تشرح فقرات هذا الكتاب أو بعضها مع ذكر الشواهد والأرقام المطلوبة).

ولا بد أن نذكر هنا أن الإمام الحسين عليه السلام لم يقف مكتوف الأيدي تجاه مخططات الأمويين ومشاريعهم لحرف الأمة عن دينها، ونسيانها لقادتها وزعمائها ومجاهديها فدعا الإمام الحسين عليه السلام إلى مؤتمر إسلامي عام بمكة المكرمة عام 59ه أي قبل موت معاوية بسنة، دعا إليه من بقي من المهاجرين والأنصار والتابعين ووجوه الأمة وأبرز شخصيّاتها وعلمائها...وذلك في موسم الحج..

ونادى الحسين عليه السلام في موسم الحج ذاك:

"لا تدعوا أحداً حجّ العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروفين بالصلاح والنسك إلا اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق، عامتهم من التابعين، ونحو مائتي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن هذا الطاغية يعني معاوية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم، وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شي‏ء فإن صدْقت فصدّقوني، وإن كذْبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا، فإني أتخوّف أن يدرس هذا الأمر ويُغلب
﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".


45


فما ترك عليه السلام شيئاً مما أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ وتراه وفسّره، ولا شيئاً مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أبيه وأخيه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه.

وكل ذلك يقول الصاحبي: "اللهم نعم، قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أصدقّه وأئتمنه من الصحابة".

وقال عليه السلام:

"أنشدكم الله ألا حدثتم به من تثقون به وبدينه"32.

إن عقد هذا المؤتمر وفي موسم الحج وحيث اجتمع مائتي صحابي وخمسمائة تابعي، يعتبر تظاهرة سياسية إعلامية معارضة قوية، أحرجت الأمويين وأثارت الوعي في الأمة وحفّزت المجاهدين على الالتحاق بحركة الحسين عليه السلام ونهضته بعد ذلك.

وكانت أصداء هذا المؤتمر قد بلغت حيث ما بلغ حجّاج ذلك العام وانتشروا في بقاع العالم الإسلامي وأرجائه.

وكثرت كتب أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام في تلك المرحلة حاملةً فيها البيعة والاستعداد للبذل والعطاء مع الإمام عليه السلام ولكنه عليه السلام لم يكن يرى أن التحرّك في تلك الأيام مناسباً، لأن الأمر لا يحتاج إلاّ مزيداً من الوعي والدراسة وتغيّر بعض الظروف الموضوعية.

(يمكن للخطيب أن يطرح موضوعاً حول الأسباب التي دعت الإمام الحسين‏ عليه السلام إلى عدم إعلان ثورته أيام حكم معاوية)33.

فكان ردّ الحسين عليه السلام على تلك الكتب أو الوفود التي أمّته:

"... فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا


46


من الظنّة ما دام معاوية حيّاً، فإن يُحدث الله به حدثاً وأنا حي، كتبت إليكم برأييّ والسلام"34.

ثم قام الحسين عليه السلام بعد خطوة المؤتمر، بخطوة جريئة أخرى، أعلن من خلالها تحدّيه للحكم الأموي من جهة، وأعطى درساً للأمة أن تكون جريئة، في مواجهة الطغاة، وأعلن من خلاله عن عدم شرعية أموالهم، حيث قام عليه السلام بالاستيلاء على أموال جزيلة مرّت بالمدينة منطلقة من والي الأمويين باليمن في طريقه إلى خزائن معاوية وليصرفها في شراء الذمم والمواقف، مع حاجة الأمة وفقرها، نعم سيطر عليها الإمام الحسين عليه السلام وأمر أن توزّع على المحتاجين من بني هاشم وغيرهم وكتب كتاباً بشأنها إلى معاوية، لتتم الحجة، وتكتمل الخطوة جرأة وقوة...

"من الحسين بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد: فإن عيراً قد مرت بنا من اليمن تحمل مالاً وحلالاً وعنبراً وطيباً إليك، لتودعها خزائن دمشق، وتعمل بها بعد ذلك بني أبيك، وأني احتجت إليها فأخذتها والسلام"35.

فكتم معاوية غيظه لحراجة موقفه ولموقع الحسين عليه السلام في الأمة وهنا تجسد لنا مدى خوف معاوية وجزعه من موقف الحسين عليه السلام على مستقبل الحكم بعده ولا سيما ولي عهده يزيد... وهذا ما انعكس بشكل واضح على الكتاب الأول الذي وصل إلى والي المدينة من يزيد بن معاوية بعد موت أبيه واستلامه مقاليد الخلافة الأموية.

"أما بعد: فخذ حسيناً، وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام"36.


47


وفي نص آخر: "إذا أتاك كتابي فأحضر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ‏َ برؤوسهما..."37.

وفي ثالث: "أن ادع الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي.."38.

ولما وصل الكتاب إلى الوليد ضاق به ذرعاً، فأرسل إلى مروان بن الحكم يستشيره في الموقف، رغم الجفاء الذي كان بينهما لأن مروان كان يتوقع أن تكون إمارة المدينة له، بل أنه كان يطمع لأن يكون هو الخليفة لا يزيد...

ويذكر أهل السير أن الوليد بن عتبة بن أبي معيط والي المدينة، كان رجلاً يؤثر السلامة ولا يحب سفك الدم، كما كان يحترم الحسين عليه السلام.

ولما سأل مروان كيفية التصرف في هذا الموقف، فإن الأخير أشار عليه، باستدعاء الحسين عليه السلام وابن الزبير وابن عمر ليلاً، قبل أن يشيع خبر وفاة معاوية، وتحدث تطورات لا يستطيع الأمويين معرفة أبعادها.

فقد قال مروان للوليد: ابعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوا، قدّمهم واضرب أعناقهم، قبل أن يدروا بموت معاوية، فإنهم إن علموا ذلك، وثب كل رجل منهم فأظهر الخلاف، ودعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قتلهمْ ما لا قِبَل لك به، إلاّ عبدالله بن عمر فإنه لا ينازع في هذا الأمر أحداً، مع أني أعلم أن الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد، ولا يرى له عليه طاعة، والله لو كنت في موضعك، لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته، كائناً في ذلك ما كان.


48


وعظم ذلك على الوليد، وهو أحنك بني أميّة وأملكهم لعقله ورَشده فقال لمروان: يا ليت الوليد لم يولد ولم يكن شيئاً مذكوراً...

فسخر منه مروان وراح يندد به وهو يقول له: "لا تجزع مما قلتُ لك، فإن آل أبي تراب، هم الأعداء من قديم الدهر، ولم يزالوا، وهم الذين قتلوا عثمان بن عفان، ثم ساروا إلى أمير المؤمنين أي معاوية فحاربوه".

ونهره الوليد فقال له: "ويحك يا مروان عن كلامك هذا، وأحسِن القول في ابن فاطمة، فإنه بقيّة النبوّة"39.

ولما وصل رسول الوالي إلى الحسين عليه السلام وكان جالساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ابن الزبير ويقال مع ابن عمر أيضاً، فتحاور القوم في سبب هذا الاستدعاء في وقت لا يجلس فيه الوالي عادة، فقال الحسين عليه السلام:

"أني أرى أن طاغيتهم هلك!!".

أما عبدالله بن الزبير فقد خرج في تلك الليلة ومعه أخوه من المدينة وسار على غير الطريق العام باتجاه مكة...

وأما الحسين عليه السلام فإنه عاد إلى بيته، اغتسل ودعا الله تعالى، وأمر أهل بيته بلبس السلاح والخروج معه، فحفوا به محدقين وأمرهم بالجلوس على باب الدار، وقال لهم: اني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليّ بأجمعكم.

فلما دخل الحسين عليه السلام وأخبره الوليد بموت معاوية، استرجع عليه السلام، ثم طلب منه الوليد البيعة ليزيد، فردّ عليه السلام عليه:

"ان مثلي لا يبايع سراً ولا يجتزئ بها مني سراً، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة، دعوتنا معهم، كان الأمر واحداً..".


49


فأذن الوليد للإمام الحسين عليه السلام بالانصراف، ولكن مروان أمره بحبس الحسين عليه السلام فإما أن يبايع أو يُقتل، فوثب الحسين عليه السلام مخاطباً مروان:

"يا بن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟ كذِبتَ واللهِ ولؤمتْ"40.

ثم أقبل على الوليد مخاطباً له: "إنا أهلُ بيت النبوة ومعدن الرسالة.." فلما سمع أهل بيته وأخوته صوته مرتفعاً، دخلوا البيت وفي أيديهم سيوفهم وأخرجوا الحسين عليه السلام باعتزاز ومنعة...


التخلص:

أقول فأين منه أخوته وأهل بيته يوم عاشوراء وهو يستغيث ولا يُغاث ويستنصر ولا يُنصر... إلخ.

ويختم المجلس بأبيات شعر مناسبة لذلك. أو يأتي بنهاية أخرى تناسب الليلة، مثل خروج الحسين عليه السلام مع أهله وعياله بعد توديعه قبر جده وأمه وأخيه. وبقاء طفلته فاطمة العليلة في داره التي أمست موحشة خالية بعد أبيها وبعد أهل بيتها... ثم أشعار مناسبة لذلك حتى تشبَع فقرة المصيبة.


الموضوع الثالث الذي يمكن طرحه في الليلة الثانية من محرم:


بين موت معاوية وبيعة يزيد:


ذكر المسعودي في مروج الذهب، وذكر غيره، أن معاوية دخل ذات يوم الحمام فلما رأى ضعف جسمه بكى لفنائه وأنشد يقول:

أرى الليالي أسرعت في نقضي‏     ‏أخذت بعضي وتركت بعضي
حنَيْنَ طولي وحنيَن عرضي         أقعدتني من بعد طول نهضي‏


50


وأخذ معاوية يبدي ندمه على ما فرط منه في حياته، ثم اشتدت عليه علته وآيس من برئه، فأخذ يقول:

فيا ليتني لم أكْنَ في الملك ساعة     ولم أك في اللذات أعشى النواظرِ
وكنت كذي طمرين عاش ببلغةٍ       من الدهرِ حتى زار أهل المقابر


وقال لولده يزيد في مرضه الذي توفي فيه: يا بُني أني قد كفيتُك الشدّ والترحال، ووطّأتُ لك الأمور، وذلّلتُ لك الأعداء، وأخضعتُ لك رقاب العربُ، وانظر أهل الحجاز فإنهم أصلُك واكرمُ من قَدم عليك منهم وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإنّ‏َ عزل عاملٍ أيسرُ من أن يُشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك41 فإن رابك من عدوّك شي، فانتصر لهم فإن أصبتهم، فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم تغيّرت أخلاقهم، وأني لست أخف عليك أن نازعك في هذا الأمر إلاّ أربعة من قريش: الحسين بن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر. فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقذته العبادة، فإذا لم يبق أحد غيره بايعك، وأما الحسين بن علي فلن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه فإن خرج وظفرت به، فاصفح عنه فإن له رحماً ماسّة وحقاً عظيماً وقرابة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليس له هِمة إلاّ في النساء واللهو، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب، فإن أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها فظفرت به، فقطّعه إرباً إرباً، واحقن دماء قومك ما استطعت42.


51


(ويلاحظ في هذه الرواية، ورود اسم عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو رجل كان معاوية قد دسّ إليه السم قبل موته، ولهذا يفضل للخطيب عدم ذكر اسمه او يعلّق بهذا التعليق إذا ذكره).

ويقال أن يزيد كان غائباً، حينما مات أبوه معاوية، وان معاوية أحضر اثنين من ثقاته وهما الضحّاك ابن قيس، ومسلم ابن عقبة المرّي فأمرهما أن يؤديا هذه الوصية لولده يزيد، وهو الأصح من الروايات كما يبدو.

وكان يزيد بحوارين من قرى حلب، فكتبوا إليه يحثّونه على المجي‏ء ليدركه، فقال يزيد شعراً:

جاء البريد بقرطاسٍ يخبّ به      ‏فأوجس القلبُ من قرطاسه فزعا
‏قلنا لك الويل ماذا في كتابكم      قال: الخليفة أمراً مثبتاً وبِعا


فلما وصل يزيد إلى دمشق كان قد دفن أبوه معاوية فجاء وصلّى على قبره43.

ولما بويع يزيد بالخلافة، كتب إلى الوليد بن عتبة يخبره بموت معاوية، ومعه كتاب آخر صغير، وصفته بعض المصادر به (أذن فأرة) يقول فيه:

"أما بعد: فخذ حسيناً وعبدالله بن عمر وابن الزبير للبيعة أخذاً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام"44.

وكانت وفاة معاوية في شهر رجب عام 60 ه كما ذكر الطبري وغيره، فلما وصل كتاب يزيد إلى المدينة، وأتى الوليد بنعي معاوية ففُظع به، وكبُر عليه وبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه، وكان مروان والياً على المدينة قبل الوليد، فلما استلم الوليد إمارتها كان مروان يختلف إليه (يزوره) متكارهاً، فلما رأى الوليد ذلك منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان فانقطع عنه.


52


ولم يزل مصارماً له45 حتى جاء نعي معاوية، فلما عظُم على الوليد هلاكه، وما أمر به من بيعة هؤلاء النفر، استدعى مروان فلما قرأ الكتاب الواصل من دمشق بموت معاوية، استرجع مروان وترحم عليه، واستشاره الوليد كيف يصنع؟. فقال: أرى أن تدعوهم الساعة وتأمرهم بالبيعة، فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم، وإن أبوا ضربتَ أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن علموا بموته، وثب كل رجل منهم بناحية، وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه.. عدا ابن عمر فإنه لا يرى القتال، إلا أن يدفع الأمر إليه عفواً.

فأرسل الوليدُ عبدالله بن عمرو بن عثمان، وهو غلام حدَث، إلى الحسين‏ عليه السلام وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، فقال: أجيبا الأمير، فقالا: انصرف الآن نأتيه.

فقال ابن الزبير للحسين عليه السلام: ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟.

فقال الحسين عليه السلام:

"أظن أن طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا في الناس الخبر".

فقال: وأنا ما أظن غيره، فما تريد أن أصنع؟.

قال عليه السلام :

"اجمع فتياني الساعة ثم أمشي عليه(إليه)"
46.

فقال ابن الزبير: إني أخاف عليك إذا دخلت.. فقال عليه السلام:

"لا آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع".


53


فدعا الحسين عليه السلام جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وفي رواية انه عليه السلام أمر أهل بيته بلبس السلاح والخروج معهم، ويبدو أن أهل بيته ومواليه خرجوا معه معاً إلى دار الإمارة.

ثم قال عليه السلام لهم:

"إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن أن يكفلني منه أمراً لا أجيبه إليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي فإذا دخلت إليه، فاجلسوا على الباب، فإذا سمعتم صوتي قد علا(أو دعوتكم) فادخلوا عليه لتمنعوه مني".

ولما دخل الحسين عليه السلام على الوليد وجد مروان عنده، وكانت بينهما قطيعة فأمرهما الإمام عليه السلام بالتقارب والإصلاح، وترك الأحقاد، فقال لهما:

"الصلة خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا اصلح الله ذات بينكما".

ولم يجيباه بشي‏ء فقد علاهما صمت، وبادر الإمام عليه السلام بقوله:"هل أتاك من معاوية خبر؟ فإنه كان عليلاً وقد طالت علته، فكيف حاله الآن؟".

"آجرك الله في معاوية فقد كان لك عماً صدوقاً، وقد ذاق الموت، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد..".

فاسترجع الحسين، ثم قال له:

"لماذا دعوتني؟".

فقال الوليد: دعوتك للبيعة.

فبادره الحسين عليه السلام:

"إن مثلي لا يبايع سرّاً، ولا يجتزئ بها مني سرّاً، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة، دعوتنا معهم، كان الأمر واحداً".


54


فقال الوليد: أجل.

فقال الحسين عليه السلام:

"فتصبح وترى رأيك في ذلك".

فقال الوليد: انصرف إذا شئت على اسم الله، حتى تأتينا مع جماعة الناس.

وكاد الأمر ينتهي عند هذه النقطة لولا تدخل مروان بلؤمه وحقده، فبادر قائلاً: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع، لا قدرت منه على مثلها أبداً، حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك وقال:

"يا ابن الزرقاء47 أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله ولؤمت (أو أثمت)"48.

وأقبل عليه السلام على الوليد مخاطباً:

"أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل للنفس المحرمة (أو المحترمة)، معلن الفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبحُ وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينّا أحقُ بالخلافة والبيعة".

فقال الوليد للحسين عليه السلام وكان يحب العافية: انصرف على اسم الله.

ولما سمع أهل بيته وموالوه صوته عليه السلام قد ارتفع دخلوا حتى أخرجوه معهم...


55


فالتفت مروان إلى الوليد وقال له: عصيتني. لا والله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً!!.

فرد عليه الوليد: "ويحك، أشرت عليّ‏َ بذهاب ديني ودنياي، والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها، وإني قتلتُ حسيناً، سبحان الله، أأقتل الحسين أن قال: لا أبايع، والله ما أظنّ أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكي وله عذاب أليم"...

فسخر منه مروان، وشتان بين المنطقين: إذا كان هذا رأيك فقد أصبت49!!.

يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه50.

وروى شهراشوب في المناقب أن عدد من دخل من أهل بيت الحسين عليه السلام كانوا تسعة عشر رجلاً دخلوا وقد انتضوا خناجرهم، ولما وصل الخبر إلى يزيد عزل الوليد وعين مروان مكانه51.

هذا ما كان من أمر الحسين عليه السلام أما ابن الزبير، فإنه قال لهم: الآن آتيكم، ثم أتى داره فكمن فيها ثم بعث إليه الوليد فوجده قد جمع أصحابه واحترز، فألحّ عليه الوليد وهو يقول: أمهلوني، فبعث إليه الوليد مواليه فشتموه وقالوا له: لتأتين الأمير أو ليقتلنك. فقال لهم: والله لقد استربت لكثرة الإرسال فلا تعجلوني حتى أبعث إلى الأمير من يأتيني برأيه.

فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير وقال للأمير: يرحمك الله كفّ عن عبدالله فقد أفزعته وذعرته، وهو يأتيك غداً، إن شاء الله تعالى، فمرْ رسلك فينصرفوا عنه.
فبعث إليهم فانصرفوا، وخرج ابن الزبير من ليلته، فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر، ليس معهما ثالث وساروا نحو مكة52.


56


فلما أصبح الوليد سرّح في أثره الرجال، فبعث راكباً من موالي بني أمية في ثمانين راكباً، فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا53.

فتشاغلوا ذلك اليوم بابن الزبير عن الحسين عليه السلام حتى أمسوا.

وأما الحسين عليه السلام فإنه لما رجع مع أهل بيته ومواليه إلى بيته، خرج في تلك الليلة إلى أن أتى قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

"السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلفتني في أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله، أنهم خذلوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك، ولم يزل راكعاً وساجداً حتى الصباح"54.

وأرسل الوليد من يتعرف له خبر الحسين عليه السلام، وحيث لم يصبْهُ الرسول في منزله، اعتقد أنه خارج من المدينة، فحمد الله على عدم ابتلائه به ..

فهناك فرق واضح بين تعامل الوليد مع الحسين عليه السلام بكل إجلال وتقدير وبين معاملة ابن الزبير المراوغ.

وأصبح الحسين عليه السلام فخرج من منزله يستمع الأخبار، فلقيه مروان فقال له: يا أبا عبدالله إني لك ناصح فأطعني ترشُد.

فقال الحسين عليه السلام:

"وما ذاك قل حتى أسمع".

فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك.

فقال الحسين عليه السلام:

"إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأمة


57


براعٍ مثل يزيد.. وقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان"55.

وانصرف مروان مسرعاً إلى الوليد فأخبره بمقالة الحسين عليه السلام له.

وراسل الوليد دمشق بما جرى له مع الحسين عليه السلام فجاءت أوامر يزيد بكتاب إلى الوليد: "من عبد الله يزيد أمير المؤمنين، إلى الوليد بن عتبة، أما بعد: فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة، بتوكيد منك عليهم، وذر عبدالله بن الزبير فإنه لن يفوت أبداً، ما دام حياً، وليكن مع جوابك إليّ رأس الحسين بن علي، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنة الخيل، ولك عندي الجائزة والحظ الأوفر والنعمة والسلام.."56.

فلما كان آخر النهار، بعث الوليد الرجال إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع، فقال لهم الحسين عليه السلام:

"أصبحوا ترون ونرى، فكفّوا تلك الليلة عنه، ولم يلحّوا عليه"57.


التخلص:

وأما الليلة الثانية وهي الليلة الأخيرة للحسين عليه السلام في المدينة، فقد توجه فيها مرة أخرى إلى قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حزين كئيب وهو يناجي ربه أمام قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم:

"اللهم ان هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني احب المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام، بحق هذا القبر ومن فيه، إلاّ ما اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك رضا".


58


ثم جعل يبكي عند القبر، حتى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة، عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه، فجاء وضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره، وقبّل بين عينيه وقال:

"حبيبي يا حسين، كأني أراك عن قريب مرملاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كربلاء، بين عصابة من أمتي، وأنت في ذلك عطشاناً لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أتاهم الله شفاعتي.

حبيبي يا حسين: إن أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ، وهم إليك مشتاقون، وأن لك في الجنة لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة"
.

فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جدّه ويقول:

"يا جداه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا بدّ لك في الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنّة".


التخلص:

(وهنا يمكن للخطيب إنهاء المجلس بإيراد الشعر المناسب لهذا الموقف وإشباعه بما يناسب من أبيات الرثاء).

ثم أنه عليه السلام انتبه من نومه، ثم بادر إلى قبر أمه عليها السلام وأخيه عليه السلام فودعهما في جوف الليل.

بعد ذلك عاد الحسين عليه السلام إلى بيته فقصّ رؤياه على أهل بيته، وبني عبد


59


المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق الأرض ولا في مغربها قوم أشدّ غمّاً من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أكثر باكٍ وباكية منهم.

(وهنا يمكن للخطيب أن ينهي المجلس بطريقة أخرى، حيث يقارن الخطيب بين حزن أهل البيت عليهم السلام في هذا الموقف والحسين عليه السلام معهم ومعه نجوم الأرض من آل عبد المطلب)، فكيف سيكون حال من بقي من أهل البيت يوم عاد الإمام زين العابدين عليه السلام بعمّاته وأخواته وبشر بن حذلم ينادي في المدينة:

إلخ..

أو يقول الخطيب، وهكذا عزم الحسين عليه السلام بعد هذه الرؤيا على الخروج من مدينة جدهم وخرج معه اخوته وأبناؤه وأبناء عمومته وبنو أخيه...

وودعت أم البنين أبناءها وأوصتهم بنصرة أخيهم الحسين، وبقيت هذه المرأة تنظر أي خبر عن الحسين عليه السلام وأولادها حتى دخل الناعي إلى المدينة..

ثم تعرّج على أحوال أم البنين وبكائها على الحسين عليه السلام.

وطريقة ثالثة لإنهاء المجلس:

أن يقول الخطيب: وهكذا خرج الحسين عليه السلام من المدينة ومعه أهله وإخوته وفي مقدمة أهل بيته كبيرة البيت الهاشمي زينب العقيلة، وهي تودع دار أخيها ومحاريب إخوتها وقبر جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ولكن كيف رجعت زينب إلى المدينة لا إخوة ولا أهل ولا عشيرة وهي مع بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصرخة وعويل:

مدينة جدنا لا تقبلينا    فبالحسرات والأحزان جينا

ثم دخلت دار أخيها الحسين عليه السلام الموحشة..

وأورد ما يناسب من الشعر الرثائي الحزين.


60


هوامش

1- راجع الرياض، ص‏755.
2- راجع أدب الطف للسيد شبّر، ج‏9، ص‏73.
3- راجع الدر النضيد، ص‏332.
4- الطبري، ج‏6، ص‏257، ومصادر أخرى.
5- التاريخ الكامل، لابن الأثير، ج‏3، ص‏249.
6- تاريخ ابن كثير، ج‏8، ص‏228.
7- تاريخ اليعقوبي، ج‏2، ص‏220.
8- التاريخ الكامل، لابن الأثير، في حوادث سنة 49ه، 181/3.
9- تاريخ اليعقوبي، 229/2، راجع الأغاني للأصفهاني 33/16، وأنساب الأشراف للبلاذري، 32/4.
10- ارتفقتُ أي وضعت يدي على المرفقة وهي المخدّة، الأنماط: الوسائد، الغذقدونة: القسطنطينية (اسطنبول حالياً)، السوم: الجدري.
11- مجمع البلدان، الحموي.
12- الأغاني، ج‏14، ص‏61 تاريخ ابن الأثير، ج‏4، ص‏ 50.
13- المثاني: هي سورة الفاتحة.
14- تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ص‏164.
15- تاريخ الطبري.
16- راجع ملحمة الغدير، ص‏227.
17- الأغاني، ج‏16، ص‏68.
18- أنساب الأشراف، البلاذري، 1/4.
19- الأغاني، ح‏16، ص‏68.
20- المسعودي، مروج الذهب، ج‏3، ص‏67.
21- أنساب الأشراف، البلاذري، ج‏4، ص‏21.
22- ابن كثير، ج‏8، ص‏436.
23- راجع مقاتل الطالبيين.
24- راجع الاستيعاب لابن عبد البرّ.
25- راجع الاستيعاب.
26- ابن الأثير، 252/3 البيان والتبيين، للجاحظ، 300/1.
27- أنساب الأشراف، البلاذري، 1/1.
28- العقد الفريد، ابن عبد ربه، 116/2.
29- أنساب الأشراف، 1/1، عن ابن كثير، 162/8.
30- العصم: الطيور الجارحة المستعصمة برؤوس الجبال.
31- الإمامة والسياسة، ابن قتيبة، 1م، ص‏284.
32- روايات الإمام الحسين عليه السلام، القرشي، 228/2.
33- راجع كتاب ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية للشيخ محمد مهدي شمس الدين وكتب أخرى.
34- راجع أخبار الطواى للدينوري، ص‏203، أنساب الأشراف للبلاذري، 1/1.
35- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 37/4.
36- الطبري 84/6، أنساب الأشراف، ج1، 1/124.
37- اليعقوبي، 215/2.
38- ابن عساكر، 68/13.
39- فتوح بن أكثم 5/12.
40- التاريخ الكامل، ابن الأثير، 1608/8، راجع تاريخ الطبري والأخبار الطوال.
41- العيبة هي الصندوق.
42- مروج الذهب، المسعودي، 49/3.
43- الكامل،ابن الأثير، 5/4 -9.
44- الطبري، 188.
45- مقاطعاً.
46- الكامل، ابن الأثير، 14/4.
47- كان يقال لمروان وبنيه: بني الزرقاء، لمن أراد ذمهم وعيبهم، والزرقاء هي بنت وهب جدّة مروان بن الحكم لأبيه، وكانت من ذوات الروايات التي يُستدل بها على بيوت البغاء، فلهذا كانوا ينعتون بها (ابن الأثير 160/4). ويقال أن اسمها مارية ابنة موهب وكان قيناً (أي عبداً مملوكاً) (أنساب الأشراف، 126/5).
48- الطبري، س‏190/6.
49- الطبري، 190/6.
50- الإرشاد، المفيد ص‏182.
51- مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب، 240/3.
52- ابن الأثير، 16/4.
53- الإرشاد، الشيخ المفيد، ص‏183.
54- مقتل العوالم، ص‏52 البحار، 172/24.
55- مثير الأحزان، ابن نما، ص‏14، اللهوف، ابن طاووس، ص‏9 فتوح ابن أكثم مقتل الخوارزمي.
56- فتوح بن اكثم، 2524/5.
57- اللهوف، ابن طاووس، ص‏19.