الليلة الثالثة

الحسين عليه السلام في مكة وخروجه منها إلى العراق‏

أولاًً: القصيدة

حيث تختار القصائد التي تشير إلى خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة، وهي قصائد قد تكون قليلة، ولهذا يمكن للخطيب إيراد القصائد التي تشير إلى ذكرى الحسين عليه السلام وإقامة المآتم عليه، وحزن المؤمنين لأجله، وما يناسب هذه المعاني.

1- قصيدة السيد جعفر الحلّي رضوان الله عليه، وهي من القصائد المشهورة في هذه الليالي، والتي مطلعها1:

وجهُ الصباح عليّ‏َ ليل مظلم        وربيعُ أيامي عليّ محرّم

ملاحظة: هذه القصيدة من القصائد الطويلة وأنشأت أساساً لرثاء أبي الفضل العباس عليه السلام ولكن يمكن الاستفادة من مقدمتها الطويلة في هذه الليلة أو الليلة السابقة لها، إذا توقفنا عند بيتي الشعر:

وقد انجلى من مكة وهو ابنها        وبه تشرّفت الحطيمُ وزمزمُ‏
خرج الحسين من المدينة خائفاً      كخروج موسى خائفاً يتكتمُ‏

وذلك على التوالي.

2- قصيدة السيد جعفر الحلّي أيضاً، والتي مطلعها2:

اللهُ أيّ‏ُ دمِ في كربلا سفكا       لم يجرٍ في الأرض حتى أوقفَ الفَلَكا


61


3- قصيدة الشيخ صالح التميمي رحمه الله، ومطلعها:

أما أن تركي موبقاتِ الجرائمِ‏     وتنزيه نفسي عن غويّ‏ٍ ولائمِ


ثانياً: العنوان المناسب لهذه الليلة

يمكن الاستهلال ببعض الأحاديث وخطب الإمام الحسين عليه السلام بما يناسب هذه الليلة وموضوعها مثل المقاطع من:

"من أصبح باذلاً فينا مهجته موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله".

"كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء".

"من لحق بنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح".

كما ويمكن الاستفادة من عنوان الليلة السابقة إذا لم يستعمل هناك وهو من وصيته عليه السلام لابن الحنفية:

"إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً..".

"شاء الله أن يراني قتيلاً وشاء الله أن يراهن سبايا".


ثالثاً: البحث

الموضوع الأول الذي يمكن طرحه في الليلة الثالثة من محرم:


آخر مجريات أحداث المدينة والوصول إلى مكة والتوقف عند أبرز أحداثها وتطوّراتها:

بعد أن استطاع الخطيب الحسيني، أن يجعل روّاد مجلسه مستوعبين للأحداث التي جرت آخر أيام معاوية، وسعيّه لتنصيب ولده يزيداً والتطورات التي


62


حدثت في المدينة بعد ذلك، حتى خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة، ولا بد في هذه الليلة أن نكمل آخر مجريات أحداث المدينة والوصول إلى مكة والتوقف عند أبرز أحداثها وتطوّراتها، حتى تكتمل الصورة ويتضح الموقف والله المستعان.

لمّا قصّ الإمام الحسين عليه السلام رؤياه على أهله، وبكوا لذلك وحزنوا، ثم أنه‏ عليه السلام أخبرهم عن عزمه على ترك المدينة متوجهاً إلى مكة، وهنا سجّل لنا التاريخ مواقف بعض الشخصيَّات، والتي يفهم من خلالها، أن المحبّين للحسين‏ عليه السلام كانوا يخافون عليه كشخص ووجود يرتبط بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والسالفين من آله عليهم السلام، في حين كان الإمام الحسين عليه السلام يبدي خوفه على دين جدّه، ويجد نفسه المقدّسة رخيصة من أجل الله وشريعته وسنّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد أجاد الشاعر3 حينما حكى عن لسانه عليه السلام:

إن كان دين محمد لم يستقم‏      إلاّ بقتلي يا سيوفُ خذيني‏

فقد روى عمر بن علي عليه السلام المعروف بالأطرف وقال: "لما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلتُ عليه فوجدته خالياً، فقلت له: جُعلت فداك يا أبا عبدالله، حدّثني أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه عليه السلام، ثم سبقتني الدمعة، وعلا شهيقي، فضمّني إليه وقال: أحدّثكَ أني مقتول؟ فقلت: حوشيت يا ابن رسول الله، فقال سألتك بحق أبيك، بقتلي خبّرك أبي؟ فقلت: نعم، فلولا تأولّت وبايعت، فقال: حدثني أبي عليه السلام:

"أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بقتله وقتلي، وأن تربتي تكون بقرب تربته، فتظنّ أنك علمتَ ما لم أعلمه؟ وإني لا أعطي الدنيّة من نفسي أبداً، ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيتْ ذريتُها من أمتّه، ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها"
4.


63


وفي صباح آخر نهارٍ للإمام الحسين عليه السلام في المدينة أقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية وقد غلبه الأسى والحزن وطغى عليه القلق والخوف على حياة الإمام الحسين عليه السلام وقد قلب أوجه التفكير في الأمر ورأى أن يقدم النصيحة بين يدي أخيه، فلما استقر به المقام، قال: "يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحدٍ من الخلق الا لك، وأنت أحق بها، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك لن ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروتك ولا فضلك، إني أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار، فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضاً، فإنك خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلها أهلاً".

فقال له الحسين عليه السلام:

"فأين أذهب يا أخي؟".

قال: "انزل مكة، فإن اطمأننت بك الدار بها فسبيل ذلك إن نبتْ بك لحقت بالرمال، وشعب الجبال، وخرجت من بلدٍ إلى بلد، حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه، فإنك أصوب ما تكون رأياً، حين تستقبل الأمر استقبالاً"5.

فقال له الحسين عليه السلام:

"يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأً ولا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية، أبداً. وقد قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم لا تبارك في يزيد.."".

فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى، فبكى معه الحسين عليه السلام ساعة، ثم


64


قال: "جزاك الله يا أخي عنّي خيراً، لقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا أرجو أن يكون إن شاء الله رأيك موفّقاً مسدّداً، وأني قد عزمت على الخروج إلى مكة، وقد تهيأت لذلك وأنا وأخوتي وبنو أخوتي وشيعتي، وأمرُهم أمري ورأيُهم رأيي، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عيناً عليهم، ولا تخفِ عليّ‏َ شيئاً من أمورهم".

ثم دعا بدواة وبياض، وكتب6 هذه الوصية لأخيه محمد:

"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أمضى به الحسين بن علي بن أبي طالب، إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفيّة، أن الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنّة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور...

وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر، حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب"
.

ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمد، ثم ودّعه وخرج في جوف الليل7.

ثم أن أم المؤمنين أم سَلَمَة رضوان الله عليها أتته فقالت: يا بني لا تحزنِّي بخروجك إلى


65


العراق، فإني سمعت جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء، فقال لها، يا أمّاه والله أعلم ذلك، وإني مقتول لا محالة، ليس لي من هذا بدّ، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها وإني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي..."8.

وسجّل الرواة قيامه عليه السلام من عند أخيه محمد بن الحنفية ودخوله المسجد وهو يعتمد على رجلين كانا معه، وهو يتمثّل بقول الشاعر9:

لا ذعرتُ السوّام في فلق الصبح‏      مُغيراً ولا دعيتُ يزيداً
يوم أعطي من المهانة ضيماً         والمنايا يرصدنني أن أحيدا


ثم أن خروج الحسين عليه السلام كبُر على نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة، فمشى إليهن الحسين عليه السلام وأسكتهنّ، وقال: أنشدكن الله أن تبدين في هذا الأمر معصية لله ولرسوله.

فقلن: ولمن نستبقي النياحة والبكاء؟. فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله وعلي وفاطمة... فننشدك الله، جعلنا الله فداك من الموت، يا حبيب الأبرار من أهل القبور،.. فصبّرهن الحسين عليه السلام.


وخرج الحسين من المدينة المنورة ليلة الأحد ليومين بقيا من شهر رجب سنة ستين للهجرة، ومعه بنوه وأخوته وبنو أخيه الحسن عليه السلام وأهل بيته وهو يقرأ قوله تعالى:

﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبّ‏ِ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 10.

وقد سلك الحسين عليه السلام الطريق الأعظم في خروجه من المدينة إلى مكة، ولم يتنكب الطريق إلى طريق فرعي كما فعل ابن الزبير.


66


واقترح عليه بعض أهل بيته، وهو مسلم بن عقيل عليه السلام أن يتنكّب الطريق كما فعل ابن الزبير، فقال له الحسين عليه السلام:

"لا والله لا أفارقهُ حتى يقضي الله ما هو قاضٍ".

وفي الطريق التقى عبد الله بن عمر بالحسين بن علي عليهما السلام وبعبد الله بن الزبير فقال لهما: "اتقيا الله ولا تفرّقا جماعة المسلمين"11.

وسار الحسين عليه السلام حتى دخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان (سنة 60 ه) وهو يقرأ:


﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ 12.

إن وصول الحسين عليه السلام إلى مكة ومغادرته للمدينة أحدث إرباكاً شديداً عند السلطة الأموية من جهة، وشدّ أهل المدينة وأهل مكة إلى حركة الحسين‏ عليه السلام أولاً ثم المعتمرين والحجّاج بعد ذلك من جهة أخرى، ثم وصلت آثار حركته إلى العالم الإسلامي ولا سيما الكوفة حيث سيبدأ التفاعل الواسع مع موقف الحسين عليه السلام.

وكان ابن الزبير قد وصل إلى مكة قبل الحسين عليه السلام وكان أثقل شي‏ء عليه وجود الحسين عليه السلام في مكة لأن الناس لا يمكن لهم أن يقارنوا بينه وبين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول الطبري: "ودخل ابن الزبير مكة ولزم الكعبة، يصلّي عندها عامّة النهار، ويطوف ويأتي حسيناً فيمن يأتيه، ويشير عليه الرأي، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، وقد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه أبداً ما دام الحسين‏ عليه السلام بالبلد، وأنّه أعظم في أعينهم وأنفسهم منه وأطوع في الناس منه"
13.


67


وينقل الشيخ المفيد أن الحسين عليه السلام لما وصل إلى مكة "نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير قد لزم جانب الكعبة فهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتوالين ويأتيه بين كل يومين مرّة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير..."14.

إن ابن الزبير نموذج من نماذج أصحاب المطامع الذاتية وطلاب المجد الشخصي، ولا يهتم إلا الاستيلاء على مقاليد الأمور، ولو كان صادقاً في معارضته للأمويين لانضمّ إلى الحسين عليه السلام ولالتحق بنهضته المباركة، فهو صاحب مشروع خاص به، لا يهمّه إلا مصالحه.

وابن الزبير هذا هو الذي امتنع عن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين جمعة بعد أن آل الأمر إليه، ولما لاموه على ذلك، أجاب أنه يفعل ذلك نكاية بأهل بيته‏ عليهم السلام لأنهم يرفعون رؤوسهم إذا ذُكر جدّهم صلى الله عليه وآله وسلم ...

وكان ابن الزبير معروفاً بأنه صاحب طموح ذاتي وبهدف دنيوي يسعى إليه لا يهمه الدين ولا مصلحة الأمة.

فقد طلبت زوجة عبد الله بن عمر(وهي أخت المختار الثقفي) من زوجها أن يحدثها ويذكر عندها صلاح ابن الزبير وعبادته... فقال لها ابن عمر: أرأيتِ تلك البغال الشهب التي كان يأتي بها معاوية معه إلى الحج؟، فقالت: نعم. قال: فإن ابن الزبير يريد تلك البغال لا غير!!!.

إذن كان الناس يعلمون أن وصول الحسين عليه السلام إلى مكة واستقراره بها، سلب الأضواء عن ابن الزبير، وكان الحسين عليه السلام أعلم الناس بذلك...

فلما قرر الحسين عليه السلام ترك مكة متجهاً إلى العراق في اليوم الثامن من ذي


68


الحجة وهو يوم التروية (وإنما سمّي بذلك لأنه اليوم الذي يأخذ فيه الحجيج ما يحتاجونه من الماء فيرتوون قبل يوم عرفة) جاء ابن الزبير ليتظاهر أنه يريد من الحسين عليه السلام عدم الخروج من مكة، وإذا بالحسين عليه السلام يواجه ابن الزبير بقوله:

"إن أبي حدثني أن بمكة كبشاً (كناية عن رجل مهم) به تُستحل حرمتُها، فما أحب أن أكون ذلك الكبش، ولئن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أن أقتل فيها، وأيْم الله لو كنتُ في ثقب هامّة من هذه الهوام، لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ‏َ حاجتهم، والله ليُعتدنّ عليّ كما اعدتِ اليهودُ في السبت".

ولما خرج من عند ابنُ الزبير، قال الحسين عليه السلام لمن حضره عنده:

"إنّ هذا ليس شي‏ء من الدنيا أحبّ إليه من أن أخرجَ من الحجاز، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي، فودّ أني خرجتُ حتى يخلو له"15.

وكان الحسين عليه السلام يقول لابن الزبير: أنه هو الذي سيُقتل في الكعبة، فتُستحَلّ‏ُ به حرمتها.


التخلص:

(للخطيب الحسيني أن يتوقف عند موقف الإمام الحسين عليه السلام هنا، ويعلّق على مقالته عليه السلام بأن الله تعالى، جعل كربلاء كعبة لقلوب المؤمنين إلى يوم القيامة، حتى ورد أن الله تعالى ينظر إلى زوار الحسين عليه السلام يوم عرفة قبل ان ينظر إلى الواقفين في ساحة عرفة).


69


ثم يورد الأبيات المناسبة وأفضلها في هذا المقام قصيدة الشيخ محمد حسن سميسم ومنها:

وأن قصد الحجّاج بيتاً بمكّة           وطافوا عليه والذبيح جريحُهُ‏
فإني بوادٍ الطف أصبحتُ مُحرماً      أطوفُ ببيتٍ والحسين ذبيحه‏


ولما استقر الحسين عليه السلام بمكة، سمع بذلك أهل الكوفة، فبدأت كتبهم ورسائلهم ترد عليه، حتى بلغت اثني عشر ألف كتاب، مما ملئ بها خرجين.

وهنا لا بد من التأكيد على مسألة قد يقع البعض في سوء فهم لها، حيث يتصوّر بعض الناس أن الحسين عليه السلام إنما خرج من المدينة الى مكة استجابة لكتب أهل الكوفة ولكن الصحيح أن تحرّك الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة هو الذي حرّك الكوفيين.

ثم إن الحسين عليه السلام أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام إلى الكوفة ليستعلم حال الناس بها... فوصله كتاب مسلم:

"إن الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي"16.

هذا التطور رافقه تطوّر آخر، وهو تعيين والٍ جديد على مكة والمدينة وهو عمر بن سعيد بن العاص حيث أمره يزيد ان يفتك بالحسين عليه السلام أينما وجد وورد بعض الروايات "ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة"17.

ف "عزم على الخروج من مكة قبل إتمام الحج، واقتصر على العمرة، كراهية أن تستباح به حرمةُ البيت"18.


70


فقرر الحسين عليه السلام ترك مكة باتجاه العراق، فخطب عليه السلام قبل خروجه وهو يقول:

"الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلا بالله، وصلى الله على رسوله، خُطّ الموت على ولدِ آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي، اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّرُ لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات (الفلاة) بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لُحمتُه، بل هي مجموعة له في حظيرة القُدُس، تقرُّ بهم عينُه، ويُنجز بهم وعدُه.

ألا من كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسَه، فليرحل معنا فإني راحل مُصبِحاً إن شاء الله تعالى"
19.

وارتاع من حضر من أهل البيت عليهم السلام في مكة، لخبر عزم الحسين عليه السلام على الخروج منها.

فأتى محمد بن الحنفية في الليلة التي سار الحسين عليه السلام في صبيحتها إلى العراق، وقال له: "عرفت غدر أهل الكوفة بأبيك وأخيك، وإني أخاف أن يكون حالك حال من مضى. فأقم هنا فإنك أعزُّ من في الحَرم وأمنعُه".

فقال الحسين عليه السلام:

"أخاف أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي تُستباح به حرمة البيت".


71


فقال محمد: "فإن خفتَ ذلك فمرّ إلى اليمن أو بعض نواحي البرّ، فإنك أمنعُ الناس به، ولا يقدر عليه أحد".

فقال له الحسين عليه السلام:

"أنظر فيما قلت"20.

التخلص:

ولما كان وقت السحر، بلغ ابن الحنفية شخوص الحسين عليه السلام إلى العراق، وكان يتوضأ فبكى حتى تساقطت دموعه في الطست، وأسرع إلى الحسين‏ عليه السلام وأخذ بزمام دابّته وقال له: "يا أخي ألمْ تعدني النظر فيما سألتك؟".

فقال الحسين عليه السلام:

"بلى، ولكن أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما فارقتك، وقال لي: يا حسين أخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلاً".

فبكى ابن الحنفية ثم قال للحسين عليه السلام: ""إنا لله وإنا إليه راجعون" فما معنى حمل هؤلاء النساء والأطفال، وأنت على مثل هذا الحال؟".

فأجابه عليه السلام:

"شاء الله أن يراهنّ سبايا"21.

وخرج الحسين عليه السلام من مكة مع رحله، وبقي ابن الحنفية غارقاً بدموعه وحسرته (وهنا يمكن أن نختم المجلس، ببقاء ابن الحنفية بالمدينة ينتظر أي خبر عن أخيه الحسين عليه السلام، حتى وصل الناعي عند رجوع الإمام زين العابدين‏ عليه السلام مع عماته وأخواته، وسماع ابن الحنفية بالضجة وخروجه إلى أطراف المدينة واستقباله للسبايا العائدين إلى المدينة).


72


الموضوع الثاني الذي يمكن طرحه في الليلة الثالثة من المحرم


مراسلة الإمام الحسين عليه السلام لرؤساء أهل البصرة.

يمكن أن نقسّم الفترة الزمنية التي قضاها سيد الشهداء عليه السلام في نهضته إلى مراحل عدة:

1- منذ إعلانه رفض بيعة يزيد في 26 من رجب عام 60ه حتى مغادرته المدينة ليلة 28 من رجب (أي 3 ليال).

2- الرحلة من المدينة إلى مكة 28 رجب إلى 3 شعبان (أي خمسة أيام).

3- مدة بقائه عليه السلام في مكة منذ 3 شعبان إلى 8 ذي الحجة (يوم التروية) أي 125 يوماً.

4- مدة الرحلة من مكة إلى كربلاء من 8 ذي الحجة إلى 2 محرم (أي 24 يوماً).

ومن خلال نظرة أولية للمدد أعلاه يتضح البعد الزمني الكبير الذي قضاه الحسين عليه السلام في مكة المكرمة، وهي أكبر مدة زمنية في طول الرحلة الحسينية نحو الشهادة، ومع ذلك فإنه قلما يتم التأكيد عليها من قبل الخطباء الحسينيين رعاهم الله.

ويمكن أن نقول أن أهم النشاطات التي نهض بها الإمام الحسين‏ عليه السلام أيام إقامته بمكة المكرمة هي كما يلي:

أ- لقاؤه عليه السلام بأهل مكة وبالمعتمرين أولاً ثم الحجيج ثانياً، والذي من خلاله استطاع سيد الشهداء عليه السلام تحويل كل هؤلاء إلى رسل ومبلّغين لنهضته عندما يعودون إلى بلدانهم وأقوامهم.
ب- تحرّك الحسين عليه السلام نحو مراسلة رؤساء أهل البصرة الذين يتوقع منهم نصرته ومؤازرته في نهضته.
ج- استقطاب عدد لا يستهان به من الأنصار والمؤيدين الذين سمعوا


73


بتحركه من المدينة ومكّة، وهم سيكونون العدد الأبرز من أنصاره يوم عاشوراء، حتى ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق "أن الحسين لما خرج من مكة كان معه ستون رجلاً من شيوخ أهل الكوفة قتلوا معه بأجمعهم يوم عاشوراء"22.

إضافة إلى بعض شيعته من البصرة التحقوا به في الطريق بمنطقة الصفاح، وبعض بني عبد المطلب الذين لم يخرجوا معه عليه السلام حينما خرج من المدينة، إن التحاق هذا العدد من الأنصار بركب الثورة الحسينية كان أحد ثمار بقاء الحسين عليه السلام هذه المدة الطويلة بمكة.

د- بداية مهمة مسلم بن عقيل عليه السلام بعدما تكاثرت كتب الكوفيين حتى بلغت اثني عشر ألف كتاب، حيث ارتأى الحسين عليه السلام إرسال ابن عمه إلى الكوفة لدراسة الموقف على الأرض.

ه- فترة تأمل ودراسة وتخطيط لاحتمالات الموقف ووضع الخطط المناسبة لها.

وسنؤكّد في مجلسنا هذا على النقطة (ب) وهي مراسلة الإمام الحسين‏ عليه السلام لرؤساء أهل البصرة.

إن هناك جملة أمور يمكن أن تثار في هذه النقطة منها:

إن هذه المراسلة تعتبر مبادرة من الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل البصرة فيما نجد أن أهل الكوفة هم الذين راسلوا الإمام عليه السلام، فما الذي حدى به عليه السلام إلى هذه الخطوة؟

إن البصرة آنذاك لم تكن من المدن التي تحسب على خط الولاء لأهل البيت‏ عليهم السلام، ومع ذلك فقد ابتدأ الإمام الحسين عليه السلام بهذه الخطوة المبادرة.


74


إن كان الإمام الحسين عليه السلام قد راسل البصرة وهي كما عرفنا أعلاه، فهل أن المحتمل أن يكون الحسين عليه السلام قد راسل شيعة له في أمصار أخرى ومدن غيرها، مثل أهل اليمن حيث شيعة أبيه عليه السلام وأهل مصر والتشيع كان فيها معروفاً؟

إن التاريخ لم ينقل لنا دليلاً على ذلك.

إن الحسين عليه السلام كان قد راسل أهل الكوفة كردٍ على كتبهم وليس مبادرة منه عليه السلام فهل أن اهتمام الحسين عليه السلام بالبصرة من أجل إنجاح حركته باتجاه الكوفة، باعتبار البصرة هي المدينة التوأم مع الكوفة وهي أبرز مدن العراق آنذاك على الإطلاق بل أبرز المدن الإسلامية كذلك.

حتى أن القبائل العربية التي انتقلت أيام الفتوحات استقر بعض أبنائها في البصرة واستقر البعض الآخر بالكوفة... أي أن من التفسيرات التي يمكن أن ترد هنا أن الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يجعل العراق كله مستجيباً ومتفاعلاً مع حركته باعتبار البصرة تعتبر عمقاً وامتداداً أساسياً للكوفة.

هل كان الإمام الحسين عليه السلام يسعى لإرباك الحكم الأموي عبر إرسال هذه الرسل إلى البصرة وربما غيرها من المدن، إذ أن وصولها لا شك أنه سيُحدث حركة واختلافاً في وجهات النظر وتغييراً للمواقف.

لقد راسل الإمام الحسين عليه السلام رؤساء أهل البصرة والوالي آنذاك عليها هو عبيد الله بن زياد العدو اللدود والظالم الغشوم، مما يجعل من مسألة استجابة هؤلاء للإمام الحسين عليه السلام تحظى باحتمالات غير مشجعة.

هذه بعض الإثارات التي يمكن تصوّرها في موضوع مراسلة الإمام الحسين‏ عليه السلام إلى رؤساء أهل البصرة،(وهنا لا بد من التأكيد على الأخوة الأعزاء من خطباء المنبر الحسيني أيدهم المولى أن يولوا كتب المقاتل والسّيَر من جهة وكتب العلماء والمفكرين الذين بحثوا في الثورة الحسينية


75


وأبعادها واعماقها ودروسها من جهة أخرى، اهتماماً بالغاً حتى يمكن لهم أن يشبعوا المنبر بمجالس ومحاضرات، تضم المعلومة التاريخية الموثّقة والتحليل المناسب من أجل إيصال مفاهيم النهضة الحسينية الخالدة إلى الأمة بكل فئاتها).

إن التاريخ سجّل حتى خروج مسلم بن عقيل رضوان الله عليه من مكة حيث ذكر أنه في منتصف شهر رمضان 60 ه ووصوله إلى الكوفة في الخامس من شهر شوال، ولكن التاريخ لم يسجل لنا متى راسل الإمام الحسين عليه السلام أهل البصرة، وهل أن ذلك تمّ بعد وصول كتب أهل الكوفة (وهو الأرجح) أم قبلها (وهو الاحتمال الأضعف)، من خلال سرعة تجاوب الكوفيين معه بدأ خروج الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة، ومبادرتهم لعقد اجتماع تاريخي لتمحضّ عنه مراسلتهم الكثيرة.

سنذكر ذلك في مجالس تالية إن شاء الله تعالى، نعم، يمكن لنا أن نستنتج من تاريخ إرسال هذا الكتاب ومن خلال حدث آخر سجّله التاريخ لنا وهو أن الطاغية ابن زياد، الذي كان والياً على البصرة، قد أمر بصلب رسول الحسين‏ عليه السلام إلى أهل البصرة، في عشية الليلة التي ترك فيها ابن زياد البصرة متوجهاً إلى الكوفة لمعالجة حركة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه التي وصلها قبل ذلك، ووصل نبأ وصوله إلى دمشق، ثم جاءت أوامر يزيد إلى ابن زياد أن يضمّ إلى ولايته على البصرة ولاية جديدة هي الكوفة، وقد وصل ابن زياد الكوفة في أوائل ذي الحجة سنة 60 ه.

وبهذا يكون من المرجّح جداً، أن الحسين عليه السلام أرسل رسوله (سليمان) إلى أهل البصرة بعد خروج مسلم بن عقيل عليه السلام باتجاه الكوفة والله أعلم.

وعلى كل حال فإن الإمام الحسين عليه السلام كان قد اختار رجلاً موثوقاً من شيعته، وممن خرج معه من المدينة المنورة وقد ذكر اسمه وهو سليمان وقيل هو


76


مولىً للحسين عليه السلام 23 وأنه يكنّى بأبي رزين24 بل يقال أن الحسين بعث الكتب إلى أهل البصرة مع رجل اسمه ذراع (أو زراع) السدودسي25 "ويقال أن رزين هو اسم أبيه، أما أمه فاسمها كبشة، وكانت جارية للحسين عليه السلام، فتزوجها رزين فأولدها سليمان"26.

ومهما يكن من أمر، فإن الحسين عليه السلام اختار رجل ليكون رسولاً من قِبَله إلى رؤساء الأخماس27 من أهل البصرة، وإلى بعض شرفائها.


ملاحظة: على خطيب المنبر الحسيني أن يسعى جاهداً لمعرفة كل لفظة قد تبدو غريبة، وغير متداولة في حياتنا وثقافتنا، إذا مرّت عليه في مصدر تاريخي أو بيت شعر أو غير ذلك، وسيتولد من كل ذلك نماء في مستواه اللغوي وإحاطة بمعاني الكلمات..

لاحظ كلمة الخميس الواردة في هذا البيت من الشعر:

ولاقى خميساً يملأ الأرض زحفه‏     بعزم له السبعُ الشداد تميدُ

إن التاريخ لم يوضّح لنا، الأسباب والدوافع التي حدت بالإمام الحسين عليه السلام أن يراسل أهل البصرة دون غيرها من الأمصار28.

واتفق أهل التاريخ أن الحسين عليه السلام أرسل كتاباً واحداً وبعدة نسخ إلى هؤلاء الرؤساء والأشراف29. وكان نصه كما يلي:

"بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ‏

أمّا بعد، فإن الله اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من خلقه (على خلقه) وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه (مكرّماً)، وقد نصح


77


لعباده وبلّغ ما أرسل به، وكنا أهله وأولياءَه وأوصياءَه وورثته، وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفُرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقُ بذلك الحق المستحقّ علينا ممّن تولاّه30.

(تضيف بعض المصادر جملة:

"وقد أحسنوا وتحرّوا الحق فرحمهم الله وغفر لنا ولهم".

وقد تكون جملة غريبة عن الكتاب ومدخولة عليه، ويمكن أن تكون إذا صحّت تأليفاً لقلوب البصريين لأن أغلبهم كان يميل إلى الخلفاء السابقين، والله أعلم).

وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيّه، فإن السنّة قد أميتت، وأن البدعة قد أحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
.

(ملاحظة: يمكننا أخذ مقاطع من هذا الكتاب كالمقطع الأخير منه كعنوان لمجلس هذه الليلة إذا أريد التحدث عن هذا الكتاب والوضع في البصرة).

وكان الحسين عليه السلام قد أرسل رسوله بهذا الكتاب إلى كل من:

1- الأحنف بن قيس، وهو كان قد اتخذ موقفاً محايداً في حرب الجمل وقد بعث إلى علي عليه السلام يقول له إما أن يأتيه بمائتي فارس أو يكف عنه ستة آلاف سيف من بني سعد، فأمره علي عليه السلام بالاعتزال وكف هؤلاء حتى


78


لا يشاركوا مع أهل الجمل. وله مواقف مع معاوية بعد استشهاد الإمام علي ‏عليه السلام. والأحنف هو زعيم بني تميم بالبصرة.

وقد ردّ على كتاب الحسين عليه السلام لما وصله بكتاب هذا نصّه:
"أما بعد ﴿فَاصْبِرْ إِنّ‏َ وَعْدَ اللهِ حَق وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ"31.

وكان كتاباً مختصراً، يدل على توقفه عن نصرة الحسين عليه السلام وعدم استعداده لها.

2- مالك بن مسمع البكري: وكان يميل إلى الأمويين، وقد لجأ إليه مروان بن الحكم بعد انتهاء واقعة الجمل بانتصار أمير المؤمنين عليه السلام، كما كان يدعو الناس إلى بيعة يزيد بعد واقعة كربلاء32. وهذا الرجل لم يرد على كتاب الحسين عليه السلام.

وهذا يجعلنا نرجّح أن الحسين عليه السلام أراد إرباك الوضع العام للأمويين عبر إرساله رسائله إلى أشخاص لهم ميول أموية واضحة...

3- قيس بن هيثم السلمي: رجل خرج مع قومه لنصرة عثمان حينما كان محاصراً ثم رجع لما سمع بقتله، وكان واليه على خراسان، ولي شرطة البصرة على عهد معاوية، ثم صار مع جيش مصعب بن الزبير في قتال المختار الثقفي33. وما قيل في مالك بن مسمع يقال هنا في هذا الرجل. ولم يرد هذا الرجل كذلك على كتاب الإمام الحسين عليه السلام.

4- مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي: كان قائداً لقبيلته الأزد في جبهة الناكثين في واقعة الجمل، وقد لجأ إليه عبيد الله بن زياد حينما تحرّك المختار في الكوفة ووصل أثره إلى البصرة حيث كان ابن زياد هناك،


79


وبقي ابن زياد عنده ثلاثة أشهر ثم أرسل معه مائة رجل حتى أوصلوه إلى الشام وذلك بعد موت يزيد...

وهذا الرجل كصاحبيه السابقين أخفى كتاب الحسين عليه السلام ولم يجبه ويحتمل فيه ما احتمل صاحبيه السابقين.

5- تضيف بعض المصادر اسماً خامساً وهو: عمرو بن عبيد الله بن معمر، وهو ممن كتم كتاب الحسين عليه السلام ولم يردّ عليه34.

6- وأما التصرف الأكثر لؤماً وخيانة من أؤلئك الرؤساء الذين راسلهم الإمام الحسين عليه السلام فكان للمنذر بن الجارود العبدي وهو ممن ولاّه علي‏ عليه السلام بعض النواحي فخان المسلمين واتخذ مالاً كثيراً منهم، وقد ورد ذمّه في نهج البلاغة (الكتاب 71) 35.

وكان علي عليه السلام قد حبسه، ثم شفع فيه صعصعة بن صوحان العبدي حتى خلّصه36 وكانت ابنته (هند) وقيل (بحرّية) زوجة لعبيد الله بن زياد.

فلما وصله كتاب الحسين عليه السلام، أخذ الرسول (سليمان بن رزين) وسلّمه إلى ابن زياد الذي أمر بصلبه بالبصرة في عشية الليلة التي تركها فيها واتجه إلى الكوفة لقمع حركة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه فيها.

ولما ليم على ذلك وعنّف اعتذر بأنه كان يخاف أن يكون دسيسة (جاسوساً) من ابن زياد عليه37.

إن رسول الحسين عليه السلام إلى أهل البصرة (سليمان بن رزين أو ابن أبي


80


رزين) يعتبر أول شهيد من شهداء نهضة الحسين عليه السلام، إذ استشهد قبل استشهاد مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروة رضوان الله عليه كما هو واضح.

وأن تسليم المنذر بن الجارود العبدي لرسول الحسين عليه السلام إلى ابن زياد، يعكس لؤماً وخيانة من جهة، كما يعكس جانباً من حالة الخوف والذعر التي كان قد أشاعها ابن زياد والأمويون معه في الأمة حتى يخاف المنذر بطش صهره...

7- بينما كانت أفضل ردة فعل في البصرة، وأحسن استجابة لكتاب الحسين‏ عليه السلام إلى أهلها، هو موقف يزيد بن مسعود النهشلي رحمه الله، وكان من شيعة علي عليه السلام وكانت أخته ليلى بنت مسعود النهشلية زوجة لأمير المؤمنين عليه السلام ولدت له بكر بن علي وقد استشهد يوم عاشوراء مع أخيه الحسين عليه السلام 38.

فلما وصل إليه كتاب الحسين عليه السلام قام يزيد بن مسعود بدعوة بني تميم وبني حنظلة وبني سعد في مؤتمر واحد، فلما حضروا خطبهم فقال:

"يا بني تميم، كيف ترون موضعي فيكم، وحسبي منكم؟

فقالوا: بخٍ بخٍ، أنت والله فِقرةُ الظهر، ورأسُ الفخر، حلَلت في الشرف وسطاً، وتقدمت فيه فُرُطاً.

قال: فإني قد جمعتكم لأمرٍ، أريدُ أن أشاوركم فيه، وأستعين بكم عليه..

فقالوا: " إنّا والله نمخُلُ النصيحة، ونحمدُ لك الرأي، فقل حتى نسمع.

فقال: إن معاوية قد مات، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً، ألا وانه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضت أركان الظلم، وقد كان أحدث بيعة


81


عقد بها أمراً ظنّ أنه قد أحكمهُ، وهيهات الذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخُذل، وقد قام من بعده يزيد شارب الخُمور ورأس الفجور، يدّعي الخلافة على المسلمين ويتأمّر عليهم، مع قصر حلم وقلة علم، لا يعرف من الحق موطأ قدميه، فأقسمث بالله قسماً مبروراً لجهادُه على الدين أفضل من جهاد المشركين.

وهذا الحسين بن علي، وابنُ رسول الله ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر، لسابقته وسنّهِ وقِدمه وقرابته، يعطف على الصغير ويُحسن إلى الكبير، فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قومٍ، وجبت للهِ عليه الحجة، وبُلّغت به الموعظة، فلا تعشْوا عن نور الحق، ولا تسكّعوا في وَهدَةِ الباطل، وقد كان صخرُ بن قيس (أحد رؤسائهم) انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته، فوالله، لا يقصّر أحد عن نصرته، إلا أورثه الله الذُّلّ في ولده، والقلّةَ في عشيرته..

وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، وادّرعتُ لها بدرعها، مَنْ لمّ يُقتل يمتْ، ومن يهرب لم يفُتْ فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.


فتكلمت بنو حنظلة فقالوا: يا أبا خالد نحنُ نبلُ كِنانتَك وفُرسانُ عشيرتك، إن رميت بنا أصبتَ، وإن غزوت بنا فتحتَ، لا تخوضُ والله غَمرةً إلاّ خضناها، ولا تلقى والله شدّة إلا لقيناها، ننصُرك بأسيافنا، ونقيك بأبداننا، إذا شئت.

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أبا خالد، إن أبغض الأشياء إلينا خلافُك، والخروج عن رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال (يوم الجمل) فحمدنا أمرنا، وبقي عزنا فينا، فامهلنا نراجعُ المشورة، ونأتيك برأينا.


82


فقال ابن مسعود: والله، يا بني سعد، لئن فعلتموها لا رفع اللهُ السيف عنكم أبداً، ولا زال سيفكم فيكم..

ثم كتب إلى الحسين عليه السلام كتاباً مع الحجّاج بن بدر السهمي، وكان هذا الآخر قد تهيأ للمسير إلى الحسين عليه السلام جاء فيه:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فقد وصل إليّ كتابُك، وفهمت ما ندبتني إليه، ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك، والفوز بنصيبي من نُصرتك، وإن الله لم يُخلِ الأرض قط من عامل عليها بخير، أو دليل على سبيل نجاة، وانتم حُجّة الله على خلقهِ، ووديعتُه في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية، هو أصلُها، وأنتم فرعُها، فأقدم سُعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشّد تتابُعاً في طاعتك، من الإبل الظِماء لورود الماء يوم خَمسها39، وقد ذلّلت رقاب بني سعد، وغسلتُ دَرن صدورها، بماء سحابة مُزنٍ حين استهل برقُها فلمع".

وجدّ الحجاج بن بدر السهمي، حتى وصل إلى الحسين عليه السلام وهو في ساحة كربلاء، وبأمس الحاجة إلى من ينصرُه ويذبّ عن حريمه40.

فلمّا قرأ الحسين الكتاب قال عليه السلام:

"ما لكَ، آمنك اللهُ يوم الخوف، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر"41.

ولما تجهز يزيد بن مسعود النهشلي لنصرة الحسين عليه السلام وتهيأ للمسير إليه، بلغه قتله عليه السلام فاشتدّ جزعُه، وكثر أسفُهُ لفوات السعادة بفوت الشهادة بين يديه عليه السلام 42.


83


وأما رسوله الحجاج السهمي فقد فاز بنصرة الحسين عليه السلام والشهادة بين يديه...

(وهنا يمكن للخطيب أن يعرّج على حال الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وقلة أنصاره واستغاثته واستنصاره وهو وحيد فريد والشعر المناسب لهذا الموقف).

إن يزيد بن مسعود النهشلي على رغم صدقه وحسن استجابته لدعوة الحسين عليه السلام إلاّ أنه لم يوفق للحوق بركبه والفوز بالشهادة معه، وقد يكون العامل الزمني هو السبب، حيث تأخر بعض الشي‏ء أو أنه لم يحسب أن المسألة ستحسم بهذه السرعة.

وقد فاز خمسة من أهل البصرة بنصرة الحسين عليه السلام، والفوز بالشهادة معه، حيث كان يجتمع بعض شيعة البصرة في دار امرأة من الشيعة من عبد القيس واسمها مارية بنت سعد أو منقذ، وكان منزلها مألفاً للشيعة يتحدثون فيه، فلما بلغهم وصول كتاب الحسين عليه السلام إلى البصرة ورؤسائها، قام يزيد بن نبيط العبدي (أو ثبيت) وكان له عشرة من البنين، فقال لهم: أيكم يخرج معي، فانتدب معه ابنان له، وهما عبد الله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت هذه المرأة: إني قد أزمعت على الخروج وأنا خارج. فقالوا له: إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد. فقال: إني والله لو قد استوت أخفافها بالجدد، لهان عليّ طلبُ من يطلبني43.

ثم استوى على جواده مع ولديه، وصحبه مولاه عامر وسيف بن مالك والأدهم بن أميّة وساروا حتى لحقوا بركب الحسين عليه السلام وهو بالأبطح من مكة، وحط رحله مع رحال الحسين عليه السلام، ثم خرج إلى رحل الحسين عليه السلام ليسلّم عليه، فقيل له أن الحسين عليه السلام قد خرج إلى منزلك، فرجع إلى منزله


84


فوجد الحسين عليه السلام جالساً ينتظره، فلما رآه تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُون 44، ثم سلّم على الحسين‏ عليه السلام، وأخبره بما جاء من أجله فدعا عليه السلام له بخير، وبقي هؤلاء الخمسة مع الحسين عليه السلام حتى وصلوا معه إلى كربلاء، ثم كان ولداه من شهداء الحملة الأولى يوم عاشوراء من أنصار الحسين عليه السلام.


التخلص:

(وهنا يمكن إنهاء المجلس أخي الخطيب أيدك الله إما بالتعريج على شهداء كربلاء ومواقفهم يوم عاشوراء، أو بخصوص مجي‏ء عامر بن يزيد بن نبيط وابنته (غروة) إلى كربلاء وكيف رثت أباها وأخويها بأبيات مناسبة جداً لهذا الموقف) والتي منها45:

يا غرو قومي فاندبي       خير البريّة في القبور
‏قتلوا الحرام من الأئمة     في الحرام من الشهور


الموضوع الثالث المقترح في الليلة الثالثة من المحرّم‏


أهم الأحداث منذ نزول الحسين عليه السلام بمكّة حتى خروجه منها:

لقد وصل الإمام عليه السلام إلى مكة في الثالث من شهر شعبان 60 ه، وبقي فيها مائة وخمس وعشرين يوماً حيث غادرها إلى العراق يوم التروية من ذي الحجة من نفس السنة، نزلها وهو يتلو:

﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ... 46.


85


إن وصول الحسين عليه السلام ومعه أهله ومواليه وقليل من أصحابه، إلى مكة، أحدث تطوّراً كبيراً وشكّل حدثاً شديد البروز والأهمية آنذاك، جعل أهل مكة يتوافدون على محل إقامته حيث نزل عليه السلام في منزل للعباس بن عبد المطلب، لأنه المنزل الوحيد المتبقي لآل هاشم بمكة.

"فأقبل أهلها يختلفون إليه، ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق"47.

ويذكر ابن كثير في تاريخه: "وعكف الناس بمكّة يغدون إليه، ويجلسون حوله، ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يريدون عنه"48.

وينقل ابن الصبّاغ المالكي: "فأقبل الحسين حتى دخل مكة المشرّفة ونزل بها، وأهلها يختلفون إليه ويأتونه، وكذلك من بها من المجاورين والحجّاج والمعتمرين من سائر أهل الآفاق"49.

أما ابن أكثم فقد أضاف أن "أهل مكة فرحوا به عليه السلام فرحاً شديداً، وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشياً"50.

هذا الاحتفاء والاهتمام بقدوم الإمام الحسين عليه السلام إلى مكة، قابله قلق وخوف من جهتين:

الجهة الأولى: هي السلطة الأموية حيث جاء والي مكة عمرو بن سعيد الأشدق مذعوراً إلى مقر إقامة الإمام عليه السلام فبادره سائلاً: "ما أقدمك؟"، فأجابه الإمام عليه السلام:

"عائذاً بالله، وبهذا البيت"51.


86


وعمرو بن سعيد الأشدق هذا صار هو والي الحجاز أي أن يزيد ضمّ إليه ولاية المدينة مع ولاية مكة، وذلك بعد أن كتب مروان بن الحكم إلى يزيد يخبره بما فعله والي المدينة الوليد بن عتبة مع الحسين عليه السلام وكيف عامله بإجلال واحترام وعدم تضييق، حتى خرج الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة، فجاء جواب يزيد سريعاً بعزل الوليد عن ولاية المدينة وضمها إلى إدارة عمرو بن سعيد الأشدق والي مكة آنذاك.

ثم أن الرسائل راحت تروح وتغدو بين مكة، حيث مقر إقامة الحسين عليه السلام، وبين دمشق، حيث مركز الحكومة من الأموية وعاصمة يزيد.

أما الجهة الثانية: التي أبدت تخوفّها وتضايقها من وجود الحسين عليه السلام بمكة، فكان عبدالله بن الزبير، السياسي المراوغ المتربّص للفرص حتى ينقضّ على السلطة ويشبع نهمه الذاتي ورغبته الشخصية الضيقة.

صحيح أن ابن الزبير كان يأتي الحسين عليه السلام ويزوره مع من كان يأتيه من أهل مكة ومن كان فيها من المعتمرين والزائرين والحجاج.

ولكن ابن الزبير يعلم أنه لا مكان له مع وجود الحسين عليه السلام بمكة، وهذه مسألة يعرفها الحسين عليه السلام وبنو هاشم بل وأهل مكة بأجمعهم.

فلما علم ابن الزبير أن الحسين عليه السلام قرر السفر من مكة إلى الكوفة جاءه وقال له: "أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها"، ثم خشي أن يتهمه فقال: "أما أنك لو أقمت بالحجاز، ثم أردت هذا الأمر ها هنا ما خولف عليك إن شاء الله".

ولما خرج من عند الإمام عليه السلام قال: "إن هذا ليس شي‏ء يؤتاه من الدنيا، أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي شي‏ء، وان الناس لن يعدلوه بي، فودّ أني خرجت منها لتخلو له".

وفي يوم التروية - وهو اليوم الذي قرر فيه الحسين عليه السلام مغادرة مكة، التقى


87


ابن الزبير به بين الحجر والباب، فبادر ابن الزبير قائلاً: إن شئت أقمت، فوليّت هذا الأمر آزرناك وساعدناك ونصحناك وبايعناك، فقال له الحسين‏ عليه السلام:

"إن أبي حدّثني أن بها كبشاً تستحلّ به حرمتها، فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش".

فقال ابن الزبير: "فأقم إن شئت، وتوليني أنا الأمر فتُطاع، ولا تُعصى".

فقال عليه السلام:

"وما أريد هذا، ثم أنهما أخفيا كلامهما"
52.

فابن الزبير لم يصبر حتى طرح نفسه بديلاً عن الحسين عليه السلام في معارضة الأمويين، وكشف عن مكنون نفسه ورغبته المحبوسة في الخلافة.

ثم أن الحسين عليه السلام "طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وقصّ من شعره، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة"
53.

ولما أصر عليه السلام على الخروج من مكة، دار بينه وبين ابن عباس كلام سنأتي على ذكره بعد قليل إن شاء الله فلما آيس ابن عباس من صرف الحسين‏ عليه السلام عن عزمه من مغادرة مكة إلى العراق، قال للحسين عليه السلام:

"لقد أقررت عين ابن الزبير بخروجك من الحجاز وتخليتك إياه، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك، والله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أني إن أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علينا الناس ما أطعتني، لفعلت ذلك".

ثم خرج ابن عباس من عند وهو يقول، واحسيناه فمر بعبد الله بن الزبير، فقال له ابن عباس: قرّت عينُك يا ابن الزبير، ثم أنشد:


88


يا لك من قبّرة بمعمر        خلا لك الجوُ فصيحي واصفري

             ‏ونقّري ما شئت أن تنقّري‏

هذا الحسين يخرج إلى العراق، ويخلّيك والحجاز54.

إذن كان عبدالله بن الزبير متضايقاً من وجود الحسين عليه السلام بمكة لأنه لا مكان له مع الحسين عليه السلام.

وأما الأمويون فقد كانوا مذعورين لحركة الحسين عليه السلام ولالتفاف الناس حوله بمكة، ثم بداية تحركّه عبر رسائله إلى وجهاء أهل البصرة، وتواتر الأخبار عن وصول كتب أهل الكوفة ورسلهم إلى مكة ولقائهم بالإمام عليه السلام.

وقد قام الأمويون بعدة خطوات هي:

1- عزل والي المدينة كما سبق ذكره وضمها إلى ولاية عمرو بن سعيد الأشدق والي مكة، وهذا الأشدق كان قد بادر يزيد بكتاب أرسله إليه لما وصل الحسين عليه السلام إلى مكة واستقرّ بها والتفّ الناس حوله، حذّره فيه من استقرار الحسين عليه السلام بمكة واجتماع الناس عليه وما في ذلك من خطر على خلافته، أرسل له هذا الكتاب وبعد ذلك الحوار الذي جرى بينه وبين الحسين عليه السلام وقد ذكرناه آنفاً أول هذا المجلس.

فرق كبير بين هذا الوالي الجديد المتعطش للدم وذلك الوالي الوليد الذي كان محترماً للحسين عليه السلام وحافظاً لحرمته، وقد بقي الوليد على موقفه حتى بعد أن عزله يزيد عن ولايته مكة، ثم سمع أن الحسين عليه السلام قد تركها متوجهاً إلى العراق، فبادر وأرسل كتاباً إلى عبيد الله بن زياد الوالي الجديد للكوفة بعد أن كان والياً على البصرة قبلها، جاء فيه: "أما بعد، فإن الحسين قد توجّه إلى العراق، وهو ابن فاطمة، وفاطمة بنت


89


رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء، فتهيج على نفسك وقومك أمراً في هذه حديثاً، لا يصدّه شيئ، ولا تنساه الخاصة والعامّة، أبداً ما دامت الدنيا"55.

وطبيعي أن ابن زياد لم يلتفت إلى هذا الكتاب ولم يترتب عليه أثراً.

2- توجّه الوالي الجديد إلى المدينة المنوّرة وتهديد أهلها، وكان قد قدم إليها في شهر رمضان، فصلّى بالناس صلاة العشاء، وخرج في الصباح على الناس وعليه قميص أحمر وعمامة حمراء، فرماه الناس بأبصارهم مستنكرين ما هو عليه، فصعد المنبر وخطبهم قائلاً: "يا أهل المدينة، ما لكم ترموننا بأبصاركم كأنكم تقروننا سيوفكم؟ أنسيتم ما فعلتم؟ أما لو انتقم في الأولى ما عدتم إلى الثانية، أغركم أن قتلتم عثمان فوجدتموه صابراً حليماً، وإماماً، فذهب غضبه وذهبت ذاته، فاغتنمتم أنفسكم، فقد وليكم إمام بالشباب المقتبل البعيد الأمل، وقد اعتدل جسمه، واشتد عظمه، ورمى الدهر ببصره، واستقبله بأسره، فهو إن عضّ لهس، وإن وطى‏ء فرس، لا يقلقه الحصى، ولا تفزغ له العصا".

ثم ذكر ابن الزبير وقال: "والله لنغزونّه، ثم لئن دخل الكعبة لنخرقنها عليه، على رغم أنف من رغم"56.

وإذا به يرعف وخرج الدم من أنفه، وهو على المنبر، فألقى إليه رجل عمامة فمسح بها دمه، فقال آخر من خثعم: "ودم على المنبر في عمامة. فتنة عمّت وعلا ذكرها، ورب الكعبة"57.

3- مراسلة يزيد لعبد الله بن العباس..

لم يكتف يزيد بعزل الوليد وتنصيب والٍ متعطش للدماء على الحجاز


90


من جهة وهو الأشدق، ومن ثمّ والٍ آخر أجرأ منه على الدم الحرام على الكوفة وهو ابن زياد، لم يكتف بذلك بل راح يحاول الضغط على الحسين عليه السلام من خلال رؤساء البيت الهاشمي مثل عبد الله بن العباس حيث وصله كتاب من يزيد يقول فيه: "أما بعد، فإن ابن عمك حسيناً، وعدو الله ابن الزبير، التويا ببيعتي ولحقا بمكة، مرصدين للفتنة، معرضين أنفسهما للهلكة، فأما ابن الزبير فإنه صريعُ القنا، وقتيل السيف غداً، وأما الحسين فقد أحببت الأعذار إليكم أهل البيت مما كان منه، وقد بلغني أن رجالاً من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم، ويمنّونه الخلافة، ويمنّيهم الإمرة، وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام، وقد قطع ذلك الحسينُ وبتّه، وأنت زعيم أهل بيتك، وسيد بلادك، فألقه فارددُه عن السعي في الفتنة، فإن قبل منك وأناب، فله عندي الأمان، والكرامة الواسعة، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أؤديك، وأنقد ضمانك، وأقوم له بذلك وله عليّ الأيمان المغلّظة، والمواثيق المؤكّدة، بما تطمئن به نفسه، ويعتمد في كل الأمور عليه، عجّل بجواب كتابي، وبكلّ حاجة لك قِبلي والسلام...

وختم كتابه بهذه الأبيات ومنها:

يا أيها الراكبُ العادي مطيته‏         على غذاقرةٍ في سيرها فحمِ‏
أبلغ قريشاً على نأي المزار بها      بيني وبين الحسين الله والرحمِ‏


... إلخ"

فكان جواب ابن عباس: "أما بعد، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة، فأما ابن الزبير فرجل منقطع عنّا برأيه وهواه، يكاتمنا مع ذلك أضغاناً يسرها في صدره، يوري علينا وري الزناد، لا فك الله أسيرها....


91


وأما الحسين، فإنه لمّا نزل مكة وترك حرم جدّه، ومنازل آبائه، سألته عن مقدمه فأخبرني أن عمالك بالمدينة أساؤوا إليه، وعجلوا عليه بالكلام الفاحش، فأقبل على حرم الله مستجيراً به، وسألقاه فيما أشرت إليه، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة، ويطفى‏ء به النائرة، ويخمد به الفتنة، ويحقن به دماء الأمة، فاتق الله في السر والعلانية، ولا تبيتن ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة، ولا ترصدهُ بمظلمة، ولا تحفر له مهراة (حفرة) فكم من حافر لغيره حفراً وقع فيه، وكم من مؤمّل أملاً لم يؤت أمله وخذ بحظك من تلاوة القرآن، ونشر السنّة، وعليك بالصيام والقيام، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها، فإن كلّ ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى، والسلام"58.

4- محاولة عرقلة تحرك الحسين عليه السلام من مكة...

لما خرج الحسين عليه السلام من مكة يوم التروية مع أهله وأنصاره، بعث الوالي عمرو بن سعيد الأشدق، أخاه يحيى بن سعيد ومعه الشرطة لمحاولة منع الحسين عليه السلام من الخروج منها، وتضاربوا بالسياط ولم يقدروا على منع الحسين عليه السلام وركبه، وامتنع الحسين عليه السلام وأصحابه عليهم امتناعاً قوياً، فقالوا له: يا حسين، ألا تتقي الله، تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمة...

فقال عليه السلام:

"لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل وأنا بري‏ء مما تعملون" ومضى في طريقه متوجهاً نحو العراق59.

ثم إن الحسين عليه السلام لما أعلن عزمه على الخروج من مكة، أشفق عليه أحباؤه


92


من بني هاشم وغيرهم، وجهدوا محاولين ثنيه عن مقصده، وإن هؤلاء كانوا يخافون على الحسين عليه السلام أن يقتل جسداً، وكان هو عليه السلام يخاف على دين جده وشريعة أمته...

ولما وصل آخر كتاب من الحسين عليه السلام إلى من بقي من بني هاشم بالمدينة، وهو من أقصر الكتب وأشدها ضغطاً للكلمات وبُعداً في المعاني:

"من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح والسلام"60.

فقد التحق محمد بن الحنفية وأسرع إلى مكة، وكذلك جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومعه ولداه عون ومحمد، وقد وجد الحسين عليه السلام خارجاً من مكة، فأرسل إليه ولديه ومعهما كتاب منه إلى الحسين عليه السلام يقول فيه:

"بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي من عبد الله بن جعفر، أما بعد: فإني أنشدك الله أن تخرج من مكة، وأسألك الله لما انصرفت عن هذه الوجهة حيث تنظر كتابي هذا، فإني أخاف عليك من هذا الأمر، الذي أزمعت عليه، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، فإنّي آخذ لك الأمان من يزيد، ومن جميع بني أميّة، لنفسك ولمالك ولأولادك وأهلك، وإني على أثر الكتاب، والسلام".

فأجابه الحسين عليه السلام بكتاب جاء فيه:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنّ كتابك ورد عليّ فقرأته وفهمت ما فيه، إعلم أني رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامي، فأخبرني بأمر أنا ماضٍ له كان لي الأمر أو عليّ‏َ، فوالله يا ابن عمّ لو كنت في ثقب هامة من هوامّ الأرض لأستخرجوني منها حتى يقتلوني، والله ليعتدنّ‏َ عليّ، كما اعتدت اليهود في يوم السبت والسلام"61.


93


ثم إن عبدالله بن جعفر صار إلى أمير مكة عمرو بن سعيد الأشدق، فسأله أن يكتب أماناً للحسين عليه السلام وأهل بيته.

إن إشفاق أهل بيت الحسين عليه السلام وأهله عليه، لم يكن ليصدّ الحسين عليه السلام عن حركته التاريخية وأما الأمان فإن الأمويين كانوا يسرعون إلى أي محاولة من شأنها أن تبقي الحسين عليه السلام في مكة ولا يخرج منها، لأنهم يستطيعون القضاء عليه وعلى حركته وإخمادها في مكانها، أما إذا خرج الحسين عليه السلام واتصل بالأمة واتسعت دائرة حركته، فإن الوعي سوف يتسع والرفض لسياسة الأمويين سوف يتعمق...

ولهذا نجدهم يبادرون لكتب أمان للحسين عليه السلام فهم من جهة يمنّون بذلك على أرحام الحسين عليه السلام، ومن جهة يقولون أننا بذلنا جهدنا لئلا يخرج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق، ومن جهة ثالثة هي محاولة تبذل من أجل قمع حركة الحسين عليه السلام وتحجيمها.

كيف لا وقد وجدنا يزيد نفسه يبعث بأمان من عنده دون أن يطلب منه أحد ذلك، في كتابه الذي أرسله إلى عبدالله بن عباس، لما بلغه نبأ وصول الحسين‏ عليه السلام إلى مكة ونيته الخروج منها إلى الكوفة (راجع ذلك في بداية المجلس).

على كل حال، فإن والي المدينة، الذي حاول عبر أخيه يحيى وشرطته منع الحسين عليه السلام عن الخروج حتى تضارب الفريقان بالسياط، كتب أماناً من عنده وبعثه مع أخيه يحيى نفسه وجاء معه عبد الله بن جعفر كمحاولة أخيرة لإرجاع الحسين عليه السلام إلى مكة بعدما خرج منها، وقد جاء في هذا الأمان: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أمّا بعد: فإني أسأل الله أن يصرفك مما يوبقك وأن يهديك لما يُرشدك، بلغني أنك توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد


94


بعثت إليك عبدالله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل عليّ معهما، فإن لك عندنا الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار، لك الله عليّ بذلك بشهيد وكفيل ومُراع ووكيل السلام عليكم".

فلحقه عبدالله ويحيى مسرعين وسلماه الكتاب، وجهدوا به في الرجوع، فأبى الحسين عليه السلام عليهما، وقال:

"إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرني بأمرٍ أنا ماضٍ له".

فسأله عبدالله عن الرؤيا، فقال عليه السلام:

"ما حدّثتُ بها أحداً، وما أنا محدّث بها حتى ألقى ربي".

فلما أيس عبدالله منه أمر بنيه عوناً ومحمداً، بالمسير معه والجهاد بين يديه، ورجع هو ويحيى إلى مكة.

وكتب كتاباً في ذلك إلى عمرو بن سعيد: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنه لم يشاقق الله ورسوله، من دعا إلى الله عز وجل وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة، فخيرُ الأمان أمان الله، ولن يؤمن الله يوم القيامة، من لم يخفه في الدنيا، فنسأله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي، فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة والسلام"62.

نعم إن الحسين عليه السلام كان مصراً على الخروج من مكة وتوسعة دائرة نهضته، وإيصال صرخته إلى أكبر مساحة ممكنة، لمواجهة الردة الجاهلية الأموية، ولا شك أن عواطف أهله وخوفهم عليه وإشفاقهم كان يشكّل ضغطاً نفسياً وعاطفياً عليه عليه السلام63.


95


وهكذا رجع عبدالله بن جعفر وترك ولديه مع الحسين عليه السلام حتى استشهدا يوم عاشوراء وقال قبل ذلك لأخيه محمد بن الحنفية:

"شاء الله أن يراني قتيلاً وشاء الله أن يراهن سبايا".

أما عبدالله بن عباس الذي بذل جهوداً استثنائية في محاولته منع الحسين‏ عليه السلام من الخروج إلى العراق، حيث اقترح ابن عباس بدائل أخرى عن العراق، وكل ذلك لم يفلح في تغيير إرادة سيد الشهداء عليه السلام.

فكانت آخر محاولات ابن عباس دخوله على الحسين عليه السلام وخطابه له: "يا ابن عمّ، إني أتصبّر ولا أصبر، أقمّ في هذا البلد، فإنك سيد أهل الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم، فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثم أقدم عليهم، فإن أبيت إلا أن تخرج، فسر إلى اليمن، فإن بها حصوناً وشعاباً، وهي أرض عريضة طويلة، لأبيك بها شيعة فتكتب إلى الناس، وتبث دعاتك، فإني لأرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية".

فقال له الحسين عليه السلام:

"يا ابن عمّ، إني لأعلم أنك ناصح مشفق، ولكن قد أزمعتُ وأجمعتُ على المسير، وهذه كتب أهل الكوفة ورسلهم، فقد وجبتْ عليّ إجابتهم، وقام لهم العذر عند الله سبحانه.

يا ابن عم، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله عن وطنه وداره وقراره، وتركوه خائفاً مرعوبا، لا يستقر في قرار، ولا يأوي إلى بوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمه، وهو لم يشرك بالله شيئاً، ولا اتخذّ دونه وليّاً ولم يرتكب منكراً ولا إثماً؟".

فقال ابن عباس: ما أقول فيهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله، ثم قال: جُعلت فداك يا حسين، إن كان ولا بدّ من المسير إلى الكوفة، فلا تسرْ بأهلك ونسائك، وصبيتك، فوالله إني لخائف، ان تُقتل وهم ينظرون إليك...


96


(يمكن إنهاء المجلس هنا كذلك.. بأن تقول: وهكذا أيس ابن عباس من منع الحسين عليه السلام، حتى خرج من مكة ووصل إلى كربلاء ولما جاء يوم عاشوراء وبدأت الضحايا والشهداء تسقط فيه، وقف الحسين عليه السلام وهو يقول: "لله در ابن عباس كأنه ينظر من حجاب رقيق" قالها الحسين عليه السلام وهو ينظر يميناً وشمالاً ليس له من ناصر ولا معين وإيراد الشعر المناسب لهذه المصيبة).

فقال الحسين:

"يا ابن عم أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامي وقد أمرني وأنا لا أقدر على خلافه، وأنه أمرني بأخذهنّ معي، يا ابن العم إنهن والله ودائع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا آمن عليهن أحداً، وهن لا يفارقنني".

فسمع ابن عباس بكاءاً من ورائه، وقائلة تقول:

"يا ابن عباس، تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا ها هنا ويمضي وحده، لا والله، بل نحيا معه، ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟".

فبكى ابن عباس بكاءاً شديداً وقال: يعزّ عليّ والله فراقك يا ابن العم...

ثم خرج ابن عباس وهو يقول: "واحسيناه"64.

التخلص:

(وننهي المجلس هنا أما بالحالة التي نصوّر فيها علاقة زينب عليها السلام بأخيها الحسين عليه السلام التي لم تفارقه، فكيف حالها يوم عاشوراء أو ليلة الحادي عشر أو لما رجعت إلى المدينة ودار الحسين عليه السلام خالية... والشعر المناسب لكل مصيبة مما ذكرنا).


97


أو نقول لقد بكى ابن عباس والحسين عليه السلام أمامه وعنده اخوته وبنوه وبنو عمومته وهو ينزل في حرم الله الآمن إذن ما تقول يا ابن عباس لو نظرت إلى ابن عمك الحسين عليه السلام في عاشوراء وحيداً فريداً، أو أي مصيبة مناسبة أخرى.

أو نقول: بكى ابن عباس لما سمع صوت زينب عليها السلام لا تريد مفارقة أخيها وعندها أخوتها وأبناؤها ومعها عشيرتها، فما تراه يفعل ابن عباس لو رآها يوم عاشوراء تقوم من مصرع إلى مصرع... والشعر المناسب.

أو رآها ليلة الحادي عشر بين الضحايا والنساء الثواكل والأطفال اليتامى مع الشعر المناسب.

أو وهي أسيرة من بلد إلى بلد... والشعر المناسب.


98


هوامش

1- راجع الرياض، ص‏239 - الدرّ، ص‏287.
2- راجع الرياض، ص‏230 - الدرّ، ص‏227.
3- الشاعر: هو الشيخ محسن أبو الحَبْ الكربلائي.
4- اللهوف، ابن طاووس، ص‏11.
5- الإرشاد: ص‏153 -الطبري وغيرهما.
6- فتوح ابن أكثم، 32/5 وكذلك مقتل الخوارزمي وغيرهما.
7- فتوح ابن أكثم، 34/5 - الخوارزمي، 188/1 - البحار، 329/44.
8- البحار، 327/44 - مقتل العوالم، ص‏47.
9- الشاعر: هو يزيد بن مفزّع أو مفرّغ.
10- القصص: 31.
11- تاريخ الطبري، 191/6.
12- القصص: 22.
13- تاريخ الطبري، 6/ 196-197.
14- إرشاد الشيخ المفيد، 185-184.
15- تاريخ ابن الأثير، 16/4.
16- تاريخ الطبري، 224/6.
17- مثير الأحزان، لابن نما، ص‏89، اللهوف، ابن طاووس، ص‏26، ينابيع المودة، القندوزي، باب61.
18- الطبري، 177/6، مثير الأحزان، ابن نما الحلّي، ص‏89.
19- اللهوف، ابن طاووس، 33، مثير الأحزان ص‏6.
20- تاريخ الإسلام للذهبي، 342/1 البحار، 44.
21- اللهوف، ص‏35 - الدر المسلوك، 109/1.
22- تاريخ ابن عساكر، 71/13.
23- الطبري، 200/6.
24- اللهوف، ص‏21.
25- مثير الأحزان، ابن نمار، ص‏12.
26- اللهوف، ص21.
27- الأخماس جمع خمس وهو اسم للجيش. لأن الجيش آنذاك كان مؤلفاً من خمسة أقسام وهي: المقدّمة والمؤخرة والقلب والجناحان.
28- راجع الاثارات المتقدمة.
29- راجع مقتل ابن مخنف - تاريخ الطبري وغيرهما.
30- الطبري، 357/5 - فتوح ابن أكثم، 42/5 وغيرهما.
31- الروم: 60.
32- سير الإمام لابن سلار، الذهبي، 200/3 - مثير الأحزان، لابن نما، ص‏13.
33- هامش كتاب الغارات، للمرحوم السيد عبد الله الحسيني، ص‏266.
34- واقعة الطف، لأبي مخنف، تحقيق الشيخ هادي اليوسفي، ص‏106.
35- راجع الطبري، 520/5 - واقعة الطف، ابن مخنف، ص‏106.
36- البحار، 333/34.
37- تاريخ الطبري، 358/5 - اللهوف ص‏32.
38- جمهرة أنساب العرب، ص‏218.
39- الخَمس: معناه: إن العرب كان من عادتها أن تمنع الجمال عن الماء أربعة أيام ثم تسقيها في اليوم الخامس، قال الشاعر في قصيدة في رثاء العباس عليه السلام: وأرى الخوامس في الهواجر كلّما حنّتْ لِوِردٍ فهي دون حنيني‏.
40- مقتل الحسين، السيد محمد تقي بحر العلوم، ص‏149.
41- اللهوف، ص‏18 - مثير الأحزان، ص‏13.
42- اللهوف، ص‏18 - مثير الأحزان، ص‏13.
43- تاريخ الطبري، 198/6، والمعنى أنه إذا ركب فرسه ولامست قوائمها الأرض وأسرعت في مشيها لما تمكّن أحد منه.
44- يونس: 75.
45- راجع إبصار العين في أنصار الحسين، للعلامة السماوي، ص‏190 - ووسيلة الدارين في أنصار الحسين، للعلامة الزنجاني، ص‏212.
46- القصص: 22.
47- تاريخ الطبري، 196/6.
48- تاريخ ابن كثير، 153/8.
49- الفصول المهمة، ابن الصبّاغ، ص‏183.
50- فتوح ابن اكثم، 26/5 - إعلام الورى، ص‏223.
51- تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ص‏237.
52- الطبري، 6/ 316-317، أنساب الأشراف، للبلاذري ص‏164.
53- الإرشاد، للشيخ المفيد، ص‏201 - تاريخ ابن كثير، 166/8.
54- تاريخ الطبري، 384/5 - تاريخ ابن الأثير، 276/3 - مروج الذهب للمسعودي، 65/3 وغيرهما - والرجز للشاعر الجاهلي طرفة بن العبد.
55- البحار، 368/44 - فتوح ابن أكثم، 121/5.
56- تاريخ الإسلام، الذهبي، 268/2.
57- سمط النجوم العوالي، د 57/3.
58- تذكرة الخواص، ص‏248-250 - تاريخ ابن عساكر، 70/13.
59- الطبري، 385/5 - ابن الأثير، 276/3 - ابن كثير، 166/8.
60- كاملة الزيارات، ص‏75.
61- مقتل الخوارزمي، 218/1 - تاريخ الطبري، 388/5 - إرشاد المفيد.
62- تاريخ الطبري، 388/5 - ابن الأثير، 276/3 - ابن كثير، 163/8 - ومصادر أخرى.
63- يمكن للخطيب أن ينهي المجلس هنا، بأن يقول أن ابن جعفر كان ينتظر خبراً عن ابن عمه وابنيه حتى وصول نبأ الفاجعة، حيث أقام مأتماً على الحسين حضره أهل المدينة (راجع كتب السيّر).
64- اللهوف، ص‏14 - الطبري، 384/5 - ابن الأثير، 276/3.