الليلة السادسة

أنصار الإمام الحسين عليه السلام

تختص هذه الليلة في موضوعاتها ومصائبها بذكر أنصار الحسين عليه السلام، وما يؤدي إلى بيان مواقفهم يوم عاشوراء، مع ذكر تراجم البعض منهم.


أولاً: قصائد الليلة السادسة

تحفل القصائد الرثائية بعدد واضح من القصائد التي تعنى بذكر الأنصار ومواقفهم وتضحياتهم ومن هذه القصائد.

1- قصيدة السيد رضا الهندي رضوان الله عليه، ومطلعها1:

أوَ تجدَ أبيضَ القذالُ وشابا         أصبوا لوصل الغيدِ أو أتصابى‏

2- من قصيدة للسيد جعفر الحلّي، رضوان الله عليه ويختار من قول الشاعر2:

في معركِ قد ضاق في أهله‏         واتّسع الخرقُ ولاحَ الفنا

3- قصيدة للسيد رضا الهندي رضوان الله عليه ومطلعها3:

كيف يصحو بما تقول اللواحي‏     من سقته الهموم أنكد راحِ


169


ثانياً: العنوان المناسب لهذه الليلة

يمكن اقتطاع بعض المقاطع من خطب الإمام الحسين عليه السلام فيما يخصّ أنصاره وتقريظهم، مثل قوله عليه السلام:

"إني لا أعلم أصحاباً أوفى من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي".

أو قوله عليه السلام:

"والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمّه".

أو ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام فيهم:

"هم سادة الشهداء لم يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق".

وما يناسب ذلك من المعاني والعناوين.


ثالثاً: البحث


الموضوع الأول الذي يمكن طرحه في الليلة السادسة من محرم:

اختبار الحسين عليه السلام لأصحابه وإعدادهم ليوم المواجهة في عاشوراء.

قال سيد الشهداء عليه السلام:

"والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس4، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه".

بهذه العبارة الرائعة قيّم الحسين عليه السلام وبيّن صلابة أصحابه وذوبانهم في حركته، وتوطينهم لأنفسهم للقتل معه. وانظر إلى دقة تعابيره عليه السلام التي استخدمها في وصفهم وتقريظهم، (الأشوس) وهو الشديد الجري‏ء في القتال


170


مع شعور بالاستعلاء والنخوة،5 فهم شجعان قد امتلئوا فخراً وقوة واستعلاءً على أعدائهم.

دكّوا رباهم ثم قالوا لها        وقد جثوا نحن مكان الرُبى‏

ويا لهما من وصفين رائعين طمأن بهما الحسين عليه السلام قلب أخته الحوراء عليها السلام، ليلة عاشوراء لما سألته هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟!.

ولو توقفنا عند قول الحسين عليه السلام هذا، فإن هذا التقييم لأصحابه جاء بعد اختبار وابتلاء:

"والله لقد بلوتهم...".

لقد أراد الحسين عليه السلام أن يواجه عنجهية بني أمية، الذين تيقنوا من موت نخوة الإسلام في نفوس المسلمين، موت العزائم وخور الهمم، أراد الحسين‏ عليه السلام أن يهيئ أصحاباً أبطالاً يواجهون ذلك التحدي، ويثبتون معه إلى آخر الطريق، بلا تلكؤ ولا تردد، ولو أن شخصاً واحداً فقط من أصحاب الحسين عليه السلام أبدى تنازلاً وندماً، والتحق بالجيش الأموي، لاستخدمهُ الأمويون استخداماً سيئاً، ولما كانت واقعة كربلاء بذلك البهاء، وتلك البطولة والشموخ الأسطوريين.

نعم لقد أدخل الحسين عليه السلام الذين اتّبعوه في اختبارات متتالية:

﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 6.

لقد ذهبت بعض المصادر، إلى أن الذين لحقوا بالحسين عليه السلام من الأعراب ومن لقيهم في الطريق بلغوا ستة آلاف، وقد يكون هذا العدد مبالغ فيه، ولكنه يكشف ضخامة عددهم... فكيف انتهوا إلى ذلك العدد القليل من (72-145) كحد أعلى.


171


نعم. لقد قام الحسين عليه السلام بعدة اختبارات ومراحل تمحيص، حتى لم يبق معه إلا المخلصون الأوفياء. وأبرز هذه الاختبارات هي:


الاختبار الأول:

لما تأكد الحسين عليه السلام من استشهاد ابن عمه مسلم رضوان الله عليه ورسوله عبدالله بن بقطر، خطب الناس في زبالة:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فقد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل رضوان الله عليه وهاني بن عروة وعبدالله بن بقطر وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه حرج منا ولا ذمام".

فتفرق عنه الناس يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة ونفر يسير ممن انضموا إليه. وكان قد لحق به عليه السلام جمع غفير من الأعراب في الطريق، لظنهم أنه سيأتي إلى بلد قد استقامت له طاعة أهله.

كان عليه السلام دائماً ما يذكر ما جرى على يحيى بن زكريا عليه السلام، وكيف أن رأسه كان يحمل من بلد لآخر... وكان شبحُ الموت وما ينتظر ركبه من قتل، مخيماً على ذلك الركب. ولم تكن هناك أجواء توحي بالغلبة عبر تمنّيات يطلقها الحسين عليه السلام بل كان عليه السلام يؤكد ما يسمعه ممن يلقاه في طريقه من أن قلوب الناس معه وسيوفهم عليه!!.

الاختبار الثاني:

ولما وصل الحسين عليه السلام إلى كربلاء، قام خطيباً فيمن بقي من أصحابه بعدما جمع أهل بيته ونظر إليهم وقال:

"اللهم إنا عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدت علينا بنو أمية. اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين".


172


ثم جاء عليه السلام إلى أصحابه وقال:

"الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ‏َ الديّانون. أما بعد، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً"!!.

فهنا الحسين عليه السلام يعرض أمام أصحابه الموقف الجديد ويعلن فيه تصميمه على الموت!! فما يكون ردهم على هذه المقالة؟.

ولهذا بادر زهير قائلاً:

"سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين، آثرنا الموت معك على الإقامة فيها"!

ثم قام برير وقال:

"لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك".

وقام نافع بن هلال فذكر للحسين عليه السلام ما قاساه جده صلى الله عليه وآله وسلم وأبوه عليه السلام ثم قال:

"وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده وخلع بيعته، فلن يضرّ إلا نفسه والله مغنِ عنه! فسر بنا راشداً معافى مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً... وإنا على نياتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك"!.

إذن أدرك أصحاب الحسين عليه السلام أن مقالته لم تكن مجرد إخبار بحال معينة وإنما هي محاولة لاستنطاق مواقفهم ونياتهم.

إنهم على وعيهم وبصيرتهم، التي ترجموها بموقفهم العملي يوم عاشوراء،


173


حتى صرّح عدوهم عمرو بن الحجاج صارخاً بجماعته: "أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين". شجاعة، وعي، استماتة (تضحية). فهم لم يكونوا مجرد شجعان وأبطال بل كانوا إضافة إلى كل هذا واعين مدركين!.

والحسين عليه السلام كان يمارس عمليتين متضادتين ظاهرياً، ولكنهما تؤديان إلى اصطفاء هذه الثلة المخلصة، واستخلاص هذه المجموعة النقيّة. فقد كان عليه السلام تارة يدعو إلى نصرته (قبل يوم عاشوراء)، وتارة يطرح على من لحق به واتبعه أنهم غير ملزمين ببيعته... فلماذا يدعوهم أولاً، ولماذا يأذن لهم بالانصراف ثانياً؟.

إن الإمام الحسين عليه السلام كان يريد توسيع دائرة التفاعل مع ثورته، ومواجهة مخطط الأمويين في إماتة روح الجهاد والمقاومة، وكلما كثر الأنصار اتسعت هذه الدائرة، ولهذا كان يدعو إلى نصرته، أما لماذا يأذن لهم بالانصراف ويخيّرهم بين البقاء معه أو الابتعاد عنه فهذا لأنه لا يريد أتباعاً كيفما اتفق. أنهم كانوا في مستويات وعي واستعدادات للتضحية مختلفة، فلا بد أن يقوم بعملية غربلة وتمحيص، ثم انتقاء واصطفاء ضمن مواصفات يرتئيها!!.

الاختبار الثالث:

وكان هذا الاختبار ليلة عاشوراء، على أثر التغيّر الحاد الحاصل في موقف الجيش الأموي، إذ زحف لحربه عصر تاسوعاء، فاستمهلهم الحسين عليه السلام سواد ليلتهم تلك...

وهنا لا بد من معرفة مدى الاستعداد وتصعيد مستوى المواجهة. وهكذا نجد أن كل اختبار من هذه الاختبارات كان بعد تغيّر حاد في منحنى مسيرة الركب الحسيني، فالأول كان بعد التأكّد من تغيّر أوضاع الكوفة سلبياً، واستشهاد مسلم وهاني وعبدالله بن بقطر.


174


والاختبار الثاني، كان عند الوصول إلى كربلاء، وحبسه عن التحرك وإنزاله في أرض على غير ماء..

والاختبار الثالث، بعدما زحفت الجيوش لحربه عصر يوم تاسوعاء ومساء عاشوراء.

فقد جمع عليه السلام أصحابه قرب المساء، وحمد الله وأثنى عليه، وذكر نعمه تعالى عليه:

"اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين. أما بعد، فإني لا أعلم أصحاب أوفى ولا خيراً من أصحابي. ولا أهل بيت أبر ولا أوصل، من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً".

وبعد هذه المقدمة قال عليه السلام:

"ألا وأني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وأني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ. ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري"!.

والملاحظ أن هذا الخيار قد وصفهُ الحسين عليه السلام، أمام أهل بيته كما وضعهُ أمام أصحابه. لحراجة الموقف وغياب أي احتمال، إلا احتمال المواجهة والحرب المعروفة النتيجة مسبقاً.

إن الحسين عليه السلام يعطي خيار الانسحاب لأصحابه وأهل بيته، ليكشف هذا الاختبار عن عمق إيمان تلك النفوس، ومواقف أولئك الصفوة التي رددتها الأجيال ودرستها القرون.


175


فبعد أنّ ردّ أهل بيته وأكّدوا موقفهم وعزمهم، قام مسلم بن عوسجة وقال:

"أنحن نخلّي عنك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضرب بسيفي، ما ثبت قائمهُ بيدي".

ثم قال سعيد بن عبد الله الحنفي:

"والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا، ثم أحرق حياً، ثم أذرى يُفعل بي ذلك سبعين مرة، لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً".

وقال زهير:

"والله وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة، وأن الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك".

وهكذا صفت تلك النفوس وطهرت، ونجحت في الاختبار، وهكذا مدحهم أمام أخته الحوراء عليها السلام:

"والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني، استيناس الطفل إلى محالب أمّه".

مدح وثناء بعد عدة اختبارات وتمحيص وابتلاء.

وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام:

"ما أثنى الله تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إلا بعد ابتلائه".

فكرامات الله في الحقيقة نهايات، بداياتها البلاء!.


176


التخلص

‏وكانت النتيجة، تلك البطولة الفريدة وذلك الثبات الأسطوري، حتى قيل لرجل شهد واقعة الطف مع ابن سعد: ويحك أقتلتم ذرية رسول الله؟

فقال: عضضت بالجندل، أنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها على مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، تلقي نفسها على الموت، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين المنية، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً، لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أمّ لك!!!.

ومن عظم نفوسهم، أنهم لم يسمحوا بأي أذىً يمس سيدهم وإمامهم. بل ولا يمس أحداً من أهل بيته قبلهم، فكانوا السباقين للقتال والدفاع عن آل الله وآل رسوله يوم عاشوراء.

وتذكر كتب المقاتل أن الهاشميين يقدمهم أبو الفضل عليه السلام، والأنصار يقدمهم حبيب، جاءوا إلى الحسين عليه السلام يحتكمون، أيّهم يبدأ القتال. فسمع الحسين عليه السلام مقالة كل فريق. ولما رأى إصرار الأنصار على التضحية، دمعت عينه وقال:

"بل يبدأ بذلك أنصارنا".

فكبّروا ورفعوا سيوفهم عالياً...

"ولقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه..".

حيث أبلوا البلاء الحسن، وبرزوا إلى مصارع العزّ والإباء، باندفاع وإخلاص وشمم... وكل من أراد منهم الخروج إلى المعركة استأذن الحسين عليه السلام في الدفاع عنه والذبّ عن حرمه... وتهافتوا على الموت.

وكل يقول إذا أراد الاستئذان:

"السلام عليك يا أبا عبد الله..".


177


وهو يقول:

"وعليكم السلام ويقرأ قوله تعالى:
﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر".

حتى بقي الحسين عليه السلام وحيداً فريداً في ساحة كربلاء، ينادي عليهم بأسمائهم ولا من مجيب أو مغيث...(ثم ندخل في المصيبة باعتبار الأبيات المناسبة من فصيح وشعبي).


الموضوع الثاني الذي يمكن طرحه في الليلة السادسة من محرم:

دور المرأة المؤمنة، في واقعة الطف:

في ليلة الأنصار، نتعرض لمواقف بعض المؤمنات يوم عاشوراء حيث لا بد من تأكيد دور المرأة المؤمنة، في واقعة الطف، ونبدأ بآيات قرآنية ثم بمسيرة سريعة على بعض مواقف نسوة مؤمنات مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أمير المؤمنين‏ عليه السلام ونربط ذلك بواقعة كربلاء.

وهنا اخترنا (آية قرآنية) كعنوان لأول مرة في مجالسنا لمزيد من التنويع وتوسّيع مادة (العنوان) أمام الخطيب الحسيني.

بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ 7.

وردت هذه الآية بعد آيات ذكرت المنافقين والمنافقات، وعرّضت بهم وفضحت مكائدهم...

ثم جاءت هذه الآية لتعطي صورة رائعة عن فئة المؤمنين رجالاً ونساءً. ولتوضّح مدى العلاقة والولاية والمسؤولية التي تناط بكلا الفئتين... إنها


178


مسؤولية التصدي لأعداء الدين، والقيام بأكبر المهمات في المجتمع المسلم، ألا وهي مهمة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

والإسلام حينما يعطي للمرأة هذه المنزلة الخطيرة، ويقلّدها هذه المسؤولية العظيمة، ليشير إلى نظرته حول أهمية دور المرأة في المجتمع.... ويجب أن لا ننسى، أن هذه الآيات نزلت في عصور التخلف والجهل والاحتقار الكامل للمرأة.

فالحضارة اليونانية، تنظر إلى المرأة كمخلوق منحط لأنها نسل الشيطان.

والهنود يوجبون على المرأة أن تخاطب زوجها بخطاب الإله والملك ولا يحق لها التزوج عند موته. وكانت ظاهرة (الساتي) منتشرة، وهي حرق الأرامل مع أزواجهن عند موتهم.

واليابانيون، يوجبون أن تعيش المرأة تحت سيطرة رجل أبداً ولا يرون لها ميراثاً.

والصينيون، كان يحق لهم بيع نسائهم وحرقها، وهناك شاعر صيني يتحدث عن لسان امرأة فيقول: ما أقبح وآلم أن يكون الإنسان امرأة، إذ ليس في الأرض شي‏ء رخيص مثلها!!

والرومان يعتقدون أن المرأة هي المظهر الكامل لتجسد الشيطان وكل الأرواح المؤذية، بل وما تزال لحد الآن وفي أوروبا ومدنيتها الحديثة توجد بعض الدول التي لا ترى للمرأة حقاً في التملك والإرث...

ولنعود إلى الآية المباركة ونتساءل هل هناك مصاديق لهذا المفهوم القرآني الكبير والعظيم؟... فهل هناك نساء وقفن مواقف رسالية مع المؤمنين؟...

نعم، إن هناك نماذج إيمانية لنساء مؤمنات، لا زالت تشع عطاءً وروعةً. وتنير أمام نسائِنا وفتياتنا طريق الإيمان، ليكنّ لهنّ القدوة الصالحة، بدلاً من تعلق بعض فتيات المسلمين بالممثلات والمغنيات!! فيحفظن قصص حياتهن،


179


ومخازي علاقاتهن اللامشروعة، وما هو عدد الأفلام التي مثلْنَ والأدوار وإلخ... وقد حاول أعداء الإسلام أن يزيحوا النماذج الإيمانية من فكر وتطلعات المرأة المسلمة، لتنصب مكانها الصور المهزوزة والخبيثة لنساء ساقطات منحرفات.

إذن فلنرجع إلى تاريخنا الإيماني ونسائلُه، عن نماذجنا النسوية التي قامت بأدوارٍ مهمة في تربية الأجيال وشدّها نحو شرعة السماء. فهذه آسية بنت مزاحم، التي عاشت في بيت فرعون ذلك الطاغية الذي جعل من نفسه إلهاً دون الله... فبرغم شدة ظلم زوجها وإغراءات المنصب والأموال والمكانة الاجتماعية المرموقة، فقد آمنت بموسى عليه السلام ودينه. وقالت:

﴿رَبّ‏ِ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتَاً في الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ 8.

حتى تعرضت للتعذيب، ودقت المسامير في كفيها وقدميها، ما صدها ذلك عن دينها!.

وموقف آخر لا يقل روعة وعطاءً عن موقف آسية وهو موقف أم عُمارة (نسيبة بنت كعب المازنيّة) التي قال عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"إن موقفها خير من موقف فلان وفلان وأخذ يعدد رجالاً انهزموا وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وحده، يوم أُحُد".

نعم فهذه المرأة وقفت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن عقيدتها المتمثلة بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن موقفها كامرأة مؤمنة مهاجرة، حتى ضربت على عاتقها ضربة أجافتها، واستمرت في علاجها لمدة ستة أشهر... وكانت تحمل الماء وتسقيه للمقاتلين، وتحمل سيفاً تذب به عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم جاءت وهي تقود جملاً عليه ثلاث جنائز لزوجها وأخيها وابنها وقد أشاع المنافقون


180


مقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم (في واقعة أُحُد) لتثبيط عزائم المؤمنين وفلّ قوتهم، فاعتلاها الهمّ من هذه الإشاعة. ولكن لما رأت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: من هذا؟!.

الحمد لله الذي أراني وجهك يا رسول الله... قال: من أنت؟. وكانت تدفع الجمل وتقول: حلّ، حلّ، أنا أم عمارة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

"عظم الله لك الأجر بمن فقدت".

فقالت: الحمد لله الذي أراني وجهك يا رسول الله، كل مصيبة من بعدك جلل.

وهناك موقف لامرأة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وهي سوادة بنت عمارة الهمدانية، التي وفدت على معاوية بعد استتباب الأمر إليه، حيث تعرض حيُّها إلى هجوم واستباحة الطاغية بسر بن أرطأة، فجاءت معاوية تطالب بحقها وبحق قومها، ومهدت له حيث قالت: فإما عزلته شكرناك وإما لا عرفناك. فقال معاوية: إياي تهددين بقومك، لقد هممت أن أردك إليه، على قتب أشرس فينفذ حكمهُ فيك. فسكتت ثم قالت:

صلى الإله على روحٍ تضمّنه‏         قبر فأصبح فيه العدل مدفوناً
قد حالف الحق لا يبغي به ثمناً      فصار بالحق والإيمان مقروناً


قال: ومن ذلك! قالت: علي بن أبي طالب. قال: ما أرى عليك منه أثراً...
قالت: بلى، أتيته يوماً في رجلٍ ولاّه صدقاتنا، فكان بيننا وبينه ما بين الغث والسمين، فوجدتُهُ قائماً يصلّي، فانفتل من الصلاة وقال برأفة وتعطف: ألك حاجة؟ فأخبرته خبر الرجل، فبكى ثم رفع يديه إلى السماء فقال:

"اللهم إني لم آمرهم بظلم خلقك وترك حقك".

ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب فكتب فيها:

"بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءَهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين


181


بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك، حتى يأتي من يقبضه منك والسلام" فعزله.

فقال معاوية: اكتبوا لها بالإنصاف لها والعدل عليها. فقالت: إليّ خاصة أم لقومي عامة؟ قال: وما أنت وغيرك. قالت: والله إذن هي الفحشاءُ واللؤم، إن كان عدلاً شاملاً وإلا يسعني ما يسع قومي، قال: هيهات علمكم ابن أبي طالب الجرأة. وغرّكم قولُه:

لقلت لهمدان ادخلي بسلام        ‏ولو كنت بوّاباً على باب جنةٍ

اكتبوا لها حاجتها!!! وهناك عدة نساء تعرضن لترويع معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام.

وأما النساء اللواتي ساهمن في ثورة الحسين عليه السلام، وسطّرن مواقف الإباء والثبات في زمن تهرب فيه الرجال عن مسؤولياتهم، رغم طلب الحسين عليه السلام لهم بالمشاركة والنصرة... ولكنه زمن الخنوع وأيام الوهن وضعف الإرادة وتكالب الناس على الدنيا وحطامها الزائل...

نعم تطالعنا مواقف لنساء المبدأ، اللواتي شاركن في أحداث الطف الدامية، التي ما تزال تضخ عطاءً للأجيال...

فهذه دلهم بنت عمرو، زوجة زهير بن القين التي قالت لزوجها عندما حطوا رحالهم في زرود، وجاء إليه رسول الحسين عليه السلام، فتحير ووجم ولم يعرف جواباً فبادرته قائلة: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تجيبه؟ ما ضرّك لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت؟.

فكان موقفها سبباً لتحوّل زهير إلى معسكر الحسين عليه السلام.

ولما فارقها بكت وقالت له مودعة: "خار اللهُ لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام".


182


وهذه امرأةُ علي بن مظاهر أخ حبيب، يراها زوجها متكئة على عمود خيمتها شاردة الذهن مفكرة.

فقال لها: أنت في حِلّ‏ٍ مني، فإنه لا بد من قتل الحسين‏ عليه السلام وأنصاره وأنا منهم. فما كان منها إلا أن انتفضت وهي تقول متسائلة عن مصير بنات الرسالة والنبوة فيخبرها ببقائهن وتعرضهن للسبي، فقالت: "أيسرك أن ترى بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا وأنا لستن معهن؟ لا يا علي أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء".

فذاقت الشهادة وذاقت السبي ولو إلى أمد قصير قياساً بالهاشميات...

وحينما يثب أبو وهب عبيد الله بن عمير الكلبي يجاهد دون الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وكان جديد عهد الزواج وقد التحق بركب الحسين عليه السلام في الطريق مع أمّه وزوجته، فقامت إليه زوجته وتعلّقت به وهي تقول: لا تفجعني في نفسك فإنّا جديد عهد بالزواج! وإذا بأمه تقول له: "بني لا تسمع كلامها وامضي لنصرة الحسين عليه السلام وبيَض وجهي عند جد الحسين"!.

وهكذا برز وقتل رجلين وعاد يترجز للحسين عليه السلام، وإذا بزوجته قد حملت عمود خيمة وهي تقول: "لا أدعك حتى أقتل معك..".

فتعجب من تغيّر موقفها، وقال لها: "كنت تمنعيني عن القتال والآن جئت تقاتلين معي"!.

فقالت له: "لا تلمني إن واعية الحسين كسرت قلبي".

قال: "ما الذي سمعتيه منه؟".

فقالت: "رأيته في باب الخيمة ينادي: وا قلة ناصراه"!.

ولما قُتل زوجها ذهبت إليه وجلست عند رأسه، وهي تقول، هنيئاً لك الجنة ثم ضُربت بعمود من حديد فماتت قرب زوجها... وهي أول امرأة قتلت من أنصار الحسين عليه السلام ...


183


ثم خرجت أمه حاملة عموداً وقيل سيفاً وبرزت إلى الأعداء، حتى أدركها الحسين عليه السلام وأرجعها إلى المخيم وهو يقول لها:

"لا يخيّب الله رجاءك"!.


التخلص:


وينحني التاريخ إجلالاً أمام امرأة لم تعرف للعطاء حداً، وهي تشارك بأعظم ما يمكن أن تكون المشاركة يوم الطفوف، حيث يسقط زوجها شهيداً مخضباً بدماء الرسالة معطراً بأريج الفداء في الحملة الأولى التي سقط فيها خمسون رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام.

فلما رأت هذه المرأة قلة أصحاب الحسين عليه السلام شيئاً فشيئاً، والحسين‏ عليه السلام يدير طرفه رافعاً صوته:

"أما من مغيث يغيثنا أما من ناصر ينصرنا أما من ذاب يذب عنا".

جاءت إلى صبي لها لم يبلغ الحلم بعد، وهو عمرو بن جنادة الأنصاري. وقالت له: "ألم تسمع استغاثة سيدك الحسين؟".

قال: "بلى يا أماه".
قالت: "إذن ما وقوفك عندي؟".
قال: "أخشى أن يرجعني سيدي".

قالت له: لا عليك، فقامت إليه قصّرت ثيابه وشدّت حمائل السيف، فمشى الغلام مسروراً. فلما رآه الحسين عليه السلام اغرورقت عيناه بالدمع، وقال:

"هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأولى ولا أحب أن أجمع على أمه مصيبتين في يوم واحد!".

فقال له:

"امض بني وارجع إلى أمك!".


184


فقال: "سيدي إن أمي هي التي ألبستني لامة حربي..".

فقال عليه السلام:

"ارجع إليها لعلها تأنس بكَ!!".

فرجع الغلام باكياً إلى أمه، فلما سألته أجابها بأن الحسين عليه السلام أرجعه فقالت: "لعله استصغر سنك يا نور عيني". فجاءت به إلى الحسين عليه السلام وهي تمسكه من كتفيه وقالت: "سيدي يا ابن رسول الله أتفجع امك الزهراء بولدها ولا أفجع بولدي؟ دع ولدي يقاتل بين يديك".

فأذن له الحسين عليه السلام فبرز وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير ‏    سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه           فهل تعرفون له من نظير


مع إيراد الشعر المناسب لهذه المصيبة وهو متوافر وبصورة مؤثرة.


الموضوع الثالث الذي يمكن طرحه في الليلة السادسة من محرم:

بعض الدروس والعبر المستفادة من مواقف أنصار الحسين عليه السلام:

وهو مجلس يمكن أن يقسّم إلى مجلسين وذلك حسب وقت المجلس وظرفه، وللخطيب أن يأخذه بأجمعه إذا كان أمامه متسع من الوقت.

قال الإمام الحسين عليه السلام:

"إني لا أعلم أصحاباً خيراً ولا أوفى من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي".

ما زالت مواقف تلك الثلة المؤمنة في نصرة الحسين عليه السلام وأهله يوم عاشوراء محطة للتأمل والتفكر والاعتبار.

ويا لها من كلمة لإمامهم وسيدهم حينما قال:

"إني لا أعلم أصحاباً خيراً ولا أوفى من أصحابي، وقد قال فيهم


185


من قبل أمير المؤمنين عليه السلام: (هم سادة الشهداء لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق) لقد حازوا قصب السبق ونالوا ذروة المجد وشمخوا على قمة العظمة والإباء".

يقف على مصرعهم الإمام الصادق عليه السلام ويزورهم:

"السلام عليكم يا أنصار الله وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيضاً أمير المؤمنين وأيضاً فاطمة عليها السلام وأنصار الحسن عليه السلام وأنصار الحسين‏ عليه السلام السلام عليكم يا أنصار الإسلام!!".

فكيف وصل أولئك الشهداء إلى تلك المنزلة واتخذوا تلك المواقف وحازوا تلك الكرامة:

﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

لو تتبعنا ترجمة شهداء الطف من الأنصار لوجدنا غالبيتهم العظمى ممن نال تربية خاصة وإعداداً معيناً وخاضوا معاناة وصبروا على إيمانهم حتى توفقوا لنيل درجة الشهادة صحيح أن البعض منهم من وفقهم الله وكانت نفوسهم طاهرة للانجذاب بسرعة مذهلة نحو دائرة الجذب الحسيني كزهير بن القين ذي الميول العثمانية قديماً أو وهب الكندي الذي تذكر بعض المصادر أنه كان نصرانياً فأسلم على يد الحسين عليه السلام مع زوجته وأمه، أو الحر في آخر اللحظات، إنها حالات نادرة وقليلة.

أما الخط العام للشهداء فهم ممن لاقوا تربية وإعداداً وتهيئة خاصة لنيل هذه الدرجة وبلوغ هذه المنزلة...

نجد منهم ثلة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين عايشوا إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين عليه السلام وثواب من ينصره وعظمة أولئك الأنصار فمن هؤلاء الصحابة:

1- الأدهم بن أمية العبدي البصري رضوان الله عليه، يروي عن البخاري وسكن


186


البصرة وكان من الذين يجتمعون في دار مارية بنت منقذ العبدية تلك الدار التي أحتضنت مجموعة من شيعة البصرة الذين لحقوا بالحسين‏ عليه السلام.

2- أنس بن أبي سحيم ألكاهلي الأنصاري رضوان الله عليه الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام في حجره صلى الله عليه وآله وسلم:

"إن ابني هذا يقتل بأرض العراق فمن أدركه منكم فلينصره".

ولما سمع بخروج الحسين عليه السلام من مكة سار حتى التحق به في كربلاء وقتل معه وكان من أصحاب بدر.

3- عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري رضوان الله عليه ممن روى حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"من كنت مولاه فهذا علي مولاه".

4- إضافة إلى مجمع بن زياد الجهني رضوان الله عليه حيث أنه لما خرج الحسين‏ عليه السلام من المدينة مرّ بمنازل جهينة وهم حول المدينة فالتحق به وبقي معه حتى استشهاده.

وصحابة آخرون صحبوا علياً بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعاشوا مدرسته وترشفوا توجيهاته وعاشوا فكره ومن أولئك الصحابة الذين صحبوا علياً عليه السلام:

- حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه.
- مسلم بن عوسجة الأسدي رضوان الله عليه.
- هاني من عروة المرادي رضوان الله عليه.
- شوذب بن عبد الله الهمداني رضوان الله عليه (وهو غير شوذب مولى شاكر) صحابي شارك مع علي عليه السلام في حروبه الثلاث وكان حافظاً للحديث.

- شبيب بن عبدالله الكوفي رضوان الله عليه صحابي شارك مع علي في حروبه الثلاث.

5- جابر بن عروة الغفاري رضوان الله عليه بدري قتل يوم عاشوراء وكان شيخاً كبيراً.


187


6- نصر بن أبي نيزر رضوان الله عليه من أولاد النجاشي أسلم على يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعاش مع علي وأولاده عليهم السلام حتى استشهاده في كربلاء.

ألا تلحظ البعد التاريخي في الجهاد والولاء لأصحاب الحسين عليه السلام الذين شاركوا علياً في كل حروبه!! هنيئاً لتلك المنزلة العظيمة ولا تتصور أن كل من كان في عهد علي عليه السلام كان له شيعة بحق فكم ممن سبب له المعاناة والمحن!! وكم ممن انقلب بعد دوران الأمر إلى تيار بني أمية!!.

نعم ثبت المخلصون الذين تربوا تحت منبر أمير المؤمنين عليه السلام وعاشوا توجيهاته وتعليماته وواصلوا تلك التربية مع ولديه الحسن والحسين عليهما السلام .

ومن هؤلاء الذين اتخذوا التعاليم الأولى من صحبتهم ومتابعتهم لعلي عليه السلام ومدرسته:

1- سعيد بن عبدالله الحنفي رضوان الله عليه: الذي شارك في معارك أمير المؤمنين‏ عليه السلام وكان من المعترضين على صلح الحسن عليه السلام ومن رسل الكوفة وحاملي كتبهم إلى الحسين عليه السلام ويعتمد عليه في إرجاع أجوبتهم ومن أرسله الحسين عليه السلام إلى الكوفة قبل مجي‏ء مسلم لتهيئة الأمر له وهو ممن بعثه مسلم رضوان الله عليه كتابه إلى الحسين وبقي مع الحسين من مكة إلى كربلاء حتى استشهاده فدائياً يدرأ السهام والرماح والحجارة عن الحسين عليه السلام !. فيا لها من حياة جهادية رائعة ختمت بالاستشهاد.

2- وثلاثة أخوة: قاسط، مقسط وكردوس هم أبناء لعبد الله التغلبي كانوا من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وممن شاركه في حروبه فهم من بيت ولاء وانقطاع لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التحقوا بالحسين ليلة عاشوراء من شهداء الحملة الأولى.

3- جون مولى أبي ذر حيث التحق بعلي عليه السلام بعد أبي ذر ثم الحسن ثم الحسين حتى استشهاده يوم عاشوراء.


188


4- الحارث بن النبهان رضوان الله عليه مولى الحمزة بن عبد المطلب عليه السلام التحق بعلي وأولاده حتى استشهاده في عاشوراء.

5- عباس بن أبي شبيب الشاكري رضوان الله عليه قديم التعلق بعلي عليه السلام ومدرسته وهو الشجاع المقدام، فلما أراد أن يستأذن في النزال للحرب قال للحسين عليه السلام: "أشهد أني على هداك وهدى أبيك..". إنه عمق الامتداد لخط الولاء...

6- الحجاج بن مسروق الجعفي رضوان الله عليه كان يقاتل ثم يرجع إلى الحسين عليه السلام وهو مخضب بالدماء ويقف أمامه وبجانبه:

اليوم ألقى جدك النبيا           ثم أباك ذا الفدى عليا                

              ذاك الذي نعرفه الوصيا

7- شوذب مولى بني شاكر رضوان الله عليه كان بيته مألفاً للشيعة يذكرون فيه فضائل ومآثر أهل البيت عليهم السلام.

وقد شدني كثيراً شهيدان من شهداء الطف ذوا تاريخ إيماني وجهادي ومواقف يقف أمامها المرء متأملاً متفاعلاً ممتلئاً إحساساً بالنشوة والفخر لانتمائه إلى مدرسة خرجت مثل هذه النماذج الرائعة:

أولهما: زاهر بن عمرو الكوفي رضوان الله عليه من أهل بيعة الشجرة، صحب علياً عليه السلام وشاركه في حروبه ثم كان من جماعة عمرو بن الحمق المنتفضة على حكومة معاوية وواليها على الكوفة زياد، فألقي القبض على حجر وأصحابه واختفى عمرو بن الحمق الخزاعي ومعه زاهر حتى وصلا إلى الموصل ثم عرف مكان اختفائهما وجهز والي الموصل عثمان بن الحكم مجموعة لقتالهما فألقى القبض على عمرو بن الحمق حتى قتل وحمل رأسه وهو أول رأس حمل في الإسلام إلى دمشق.

وأما زاهر بن عمرو الكندي فقد استطاع الإفلات منهم وبقي متخفياً حتى


189


سمع بخروج الحسين إلى مكة فالتحق به وبقي معه حتى استشهاده!! في الحملة الأولى.

وثانيهما: عمرو بن جندب الحضرمي رضوان الله عليه الذي حضر مع علي عليه السلام الجمل وصفين وكان من جماعة حجر بن عدي الكندي ولما ألقي القبض على حجر بعد تلك الانتفاضة اختفى وتوارى عن الكوفة وعاش في مكان آخر حتى هلاك زياد فرجع إلى الكوفة ولما جاء مسلم بن عقيل رضوان الله عليه بايع مسلماً وبقي معه إلى أن تفرق الجمع ولما أرادوا حبسه مع من حبس في الكوفة من شيعة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه هرب واخترق الحصار والتحق بالحسين عليه السلام في الطريق ومضى معه حتى استشهاده!!.

يا لهما من مجاهدين تحملا أعباء الدفاع عن دينهما وعقيدتهما وتحملا من أجل كل هذه المعاناة ففرق كبير بين من يعيش على العقيدة وبين من يعيش لها ويضحي من أجلها.

انظر إلى التربية القديمة والالتزام وبناء الإنسان كيف أنتج هذا النتاج الرائع في تلك المواقف الحرجة... ومنهم من جرح في معارك مع علي عليه السلام وهو أسلم بن كثير الأزدي رضوان الله عليه الذي صحب علياً وأصيب يوم الجمل بسهم في رجله فكان يعرج. بعدها خرج من الكوفة وأدرك الحسين عليه السلام في كربلاء وقاتل معه.

وأكثر ما يشد من مواقف أولئك الثلة الصالحة التي رضخت للولاء في كيانها وسلوكها وفكرها رجل كان من أصحاب علي عليه السلام ويحمل لواء أزد البصرة في معارك علي عليه السلام واسمه هفهاف بن المهند الراسبي رضوان الله عليه هذا الرجل ولعله جاء من البصرة وصل إلى كربلاء يوم العاشر من المحرم وكانت الحرب قد وضعت أوزارها وجسد الحسين عليه السلام قد رضته الخيول ودماء الثلة الطاهرة تروي رمال كربلاء بالنجيع فلما وصل الرجل ورأى ما حدث صرخ وا إماماه وا حسيناه، ثم حمل سيفه وأخذ يضرب في أعداء الله حتى قتل رجالاً


190


وجرح آخرين ثم اجتمعوا عليه فأردوه قتيلاً، الله أكبر يا له من موقف ويا لها من شهادة ويا له من وسام!!.

فهكذا يصنع الولاء العميق والتاريخ الإيماني والتربية القديمة في النفوس فتخرج لنا هذه البطولات الرائعة والمواقف العظيمة.

إذن فغالبية الشهداء كانوا ممن تلقوا تربية وإعداداً مسبقاً... أفصحوا عن عميق تربيتهم وتدينهم والتزامهم في ساحة الطف، في حين ابتعد وهرب الذين التحقوا بالحسين عليه السلام في الطريق فما أحرانا أن نأخذ هذا الدرس الرائع من أولئك الشهداء. أن نهتم بمسألة التربية والإعداد، أن نجهد أنفسنا ونتعبها من أجل تربية الآخرين وهدايتهم.

الدرس الثاني الذي يمكن استفادته من شهداء وأنصار الحسين عليه السلام هو انك تجد فيهم شرائح مختلفة ومستويات متباينة وصوراً عديدة، تجد فيهم الشيخ الكبير الصحابي البدري (كأنس بن كاهل وجابر بن عروة الغفاري رضوان الله عليهما) وتجد فيهم الغلام والذي لم يبلغ الحلم كعمرو بن جنادة بن عبد الله الأنصاري، تجد فيهم المرموق اجتماعياً كزهير وحبيب وهانى‏ء بن عروة، وتجد فيهم من لم يعرفوا إلا يوم عاشوراء كجون وأسلم وأبو وهب (عبد الله بن عمير الكلابي) وزوجة وهب، تجد فيهم الحجازي والبصري والكوفي وتجد فيهم كبار الفقهاء كحبيب وبرير شيخ القراء في جامع الكوفة وتجد بينهم الكلبي الذي كان نصرانياً وأسلم على يد الحسين عليه السلام مع زوجته وأمه.

فالحسين عليه السلام كان يرحب بالجميع يرحب بالحر ويقول له:

"لقد أصبت خيراً وأجراً".

ويرحب بالشابين الغفاريين وهما عبدالله وعبد الرحمن من أبناء عروة الغفاري أبو همان من الشيعة وأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ويقول لهما:

"إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين".


191


يطلب حبيب بن مظاهر من الحسين عليه السلام الإذن في دعوة حي من أحياء بني أسد كانوا نازلين قريباً من كربلاء، الى نصرته فيجيبه الحسين عليه السلام ويذهب حبيب بالفعل ولكن الخبر يتسرب إلى ابن سعد فيهيئ جيشاً لحربهم وإرجاعهم.

الحسين عليه السلام يستولي على قافلة هدايا من والي اليمن إلى يزيد ويخير أصحاب الجمال بين الانصراف واصطحابه.

لماذا كل ذلك الحسين عليه السلام يحاول أن يفتح المجال أمام كل طاقة يحاول استثمار كل جهد لا يستهين بأي قدرة، لا يهتم بفئة من المجتمع دون فئة، لا يهتم بالتجار فقط دون الفقراء، لا يهتم بأبناء البيوتات العريقة دون المسحوقين، لا يهتم بأصحاب الدراسات العالية ويترك أصحاب المستويات المتواضعة علمياً.

الحسين عليه السلام فسح المجال أمام الجميع وبرزوا بأجمعهم واختلطت دماؤهم بهدف واحد اختلطت دماء غنيهم مع فقيرهم عالمهم مع بسيطهم وجيههم مع عبيدهم!!.

هناك قول رائع للإمام الباقر عليه السلام:

"ولا تحقرن أحداً من أولياء الله فإن الله قد أخفى أولياءه بين عبيده، فتكون قد حقرت ولياً من أولياء الله".

قد ترى إنساناً بسيطاً متواضعاً حبيباً ولكنه في واقعه ولي من أولياء الله إخلاصاً وتديناً واستقامة...

الدرس ثاني وما أكثر الدروس من واقعة كربلاء أن نهتم بكل الطاقات ولا نفرط بأي منها فلكل دوره ولكل موقعه ولهذا يقف عليهم جميعاً الإمام الصادق عليه السلام في زيارة وارث:

"بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم فوزاً عظيماً".


192


التخلص

‏يتقدم جون، وكان شيخاً كبيراً عبداً أسوداً كان غلاماً لأبي ذر رضوان الله عليه ثم انتقل لخدمة علي عليه السلام والى علي عليه السلام حتى جاء مع الحسين عليه السلام إلى كربلاء، فبرز يطلب الإذن من الحسين عليه السلام قال له:

"إنما تبعتنا طلباً للعافية".

أي للسلامة فلم يكن قد عرف بأن يقتل العبد دون سيده أو أن يجبره سيده على ذلك فله الخيار كما فعل بشر بن سمعان الذي لم يبارز ولم يقتل ونجد من واقعة الحرب.

فانكب على قدمي الحسين عليه السلام فقال: "أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم لا والله حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم أهل البيت‏ عليهم السلام" فبرز والحسين عليه السلام يشاهده فلما سقط مضرجاً بدمائه جلس الحسين عليه السلام عند رأسه ودعا له:

"اللهم بيض وجهه وطيب ريحه وأحشره مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعرف بينه وبين آل محمد عليهم السلام".

فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة طيبة.

إلى أن جاء دور حبيب فبرز وقاتل حتى قتل جمعاً كثيراً ثم طعنه رجل برمحه وضربه آخر ضربة على رأسه فسقط وجاء تميمي فاحتز رأسه (فهّد مقتله الحسين عليه السلام).

وهذا تعبير تتفق عليه جميع المقاتل

واسترجع الحسين عليه السلام كثيراً وقال:

"عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي..".

حتى إذا اشتد القتال أخذ أصحابه يستأذنونه بقولهم: "السلام عليك يا أبا عبدالله السلام عليك يا بن رسول الله".


193


ويجيبهم عليه السلام:

"وعليكم السلام أبلغوا عني جدي رسول الله السلام وقولوا له أن حسيناً في الأثر!!".

حتى إذا نفض يديه من أحبته أجال النظر إلى تلك المصارع إلى تلك الأجساد التي تضطرب بدمائها:

فجاءهم سبط الرسول منادياً        ‏أحبائي قوموا فالمنام حرام‏
رضيتم بأن أبقى وحيداً وأنتم      ضحايا على وجه الصعيد نيام‏


194


هوامش

1- الدر، ص‏10 - الرياض، ص‏134.
2- الرياض، ص‏234.
3- الرياض، ص‏137 - الدّر، ص‏87.
4- الأقعس: وهو الثابت الشديد الذي يمشي وصدره بارز وقد التصق ظهره بصدره.
5- وتشاوس الرجل، أي نظر بمؤخر عينه تكبّراً أو تغيظاً.
6- آل عمران: 141.
7- التوبة: 71.
8- التحريم: 11.