الليلة العاشرة
هِيَ لَيلَةٌ كَانَتْ بِرَغمِ سَوادِهَا بيضَاءَ تَبعَثُ في الهُدَى تَغرِيدَا
رَاحَ الحُسينُ السِبطِ يُصلِحُ سَيفَهُ فِيهَا لِيَهزِمَ بِالشِفَارِ حُشودَا
وَيقولُ أفٍّ يا زَمَانُ حَمَلْتَ لِي هَمَّاً وَكَيْداً خَالَفَ التَنْكِيدَا
وَالأمرُ لِلرَحمَنِ جَلَّ جَلالُهُ كَتَبَ المُهَيمِنُ أنْ أموتَ شَهيدَا
سَمِعَتْ عَقيلَةُ هَاشِمٍ إنشَادَهُ فَأتَتهُ تَلطِمُ بِالأَكُفِّ خُدودَا
وَتَقولُ وَآثُكلاهُ لَيتَ مَنِيَّتِي جَاءَتْ وَشَقَّتْ لي فِدَاكَ لُحُودَا
اليومَ مَاتَتَ يابنَ أمِّي فَاطِمُ وَاليومَ أصبَحَ وَالِدِي مَلحُودَا
فَأجَابَهَا: كُلُّ الوُجُودِ إلى الفَنَا إلَّا الذي وَهَبَ الحيَاةَ وُجُودَا

65


شُدِّي العَزَائِمَ واستَعِدِّي لِلعَنَا وَدَعِي الرِسَالَةَ تَبلُغُ المَقصُودَا
لا يَستَقيمُ الدِينُ إلَّا في دَمٍ مِن مِنحَري إنْ سَالَ يَخضِبُ جِيدَا
لا تَجزَعِي أُختَاهُ صَبرَاً واعلَمِي أَنِّي سَألقَى في الجِنانِ خُلودَا
لا تخمُشِي عَليَّ وَجهَاً إنْ أتَى حَتفِي وَصِرتُ عَلى الثَرَى مَمدُودَا
والخَيلُ تَمشِي في حَوَافِرِها على ظَهرِي وَتَحتَزُّ السُيوفُ وَريدَا

 

ويَّ الدهر يحكي ويذكر إله أفعاله وگفت ابجانب خيمته كفيلة اعياله
عرفت الحوراء مگصده بحكيه الگاله دخلت اعليه وعيونه بمدمع تسيله
گلها يزينب ليش مرتاعة اوتبكين گالت بعد إلمن تخفِّي ادموعها العين
إنكان ما تبكي عليك اليوم يا حسين تبكي عليمن يا سبط طه وخليله
خويه وصّيت مَنْ يا حسين بينا أومن تهجم الغارة علينا
وصّوا بنا گبل اليرّحلون وگبل العَلَى الرمضه تنامون

كفيلة حرم يا حسين تدرون

... يقول الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام : "بينما أنا جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي


66


زينب تمرّضني, إذ اعتزل أبي في خباء له, وعنده جون مولى أبي ذرّ الغفاريّ رضوان الله تعالى عليه , وهو يعالج سيفه ويصلحه, وأبي ينشد تلك الأبيات:

يَا دَهرُ أُفٍ لَكَ مِن خَلِيلِ كَمْ لَكَ بِالإِشرَاقِ وَالأَصِيلِ
مِن طَالِبٍ وَصَاحِبٍ قَتيلِ وَالدَهرُ لا يَقنَعُ بِالبَديلِ
وَكُلُّ حَيٍ سَالِكٌ سَبِيلِ مَا أقرَبَ الوَعدُ مِنَ الرَحِيلِ..

وإنَّمَا الأمرُ إلى الجَليلِ

فأعادها مرّتين أو ثلاث، فخنقتني العبرةُ فرددتها ولزمت السكوت, وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعت... لم تملك نفسها فَعَدَت تجرّ ثوبها, حتّى انتهت إليه ونادت "واثكلاه... ليت الموت أعدمني الحياة... اليوم ماتت أمّي فاطمة عليها السلام وأبي عليّ عليه السلام وأخي الحسن عليه السلام يا خليفة الماضين وثمّال الباقين".

فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال: "أخيّه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان" فقالت: "بأبي أنت وأمّي... نفسي لك الفداء".

فردّت عليه بغصّة، وترقرقت عيناه بالدموع ثمّ قال: "لو تُرِكَ القطا ليلاً لغفى ونام".


67


فقالت: "يا ويلتاه، أفتغتصب نفسك اغتصاباً, فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي"، وخرَّت مغشيّاً عليها، فقام إليها الحسين عليه السلام وأسندها, حتّى أفاقت, فقال لها: "يا أختاه تعزّي بعزاء الله, فإنّ سكّان السماوات يفنون، وأهل الأرض يموتون, وجميع البريّة يهلكون"... إلى أن قال: "جدّي خير منّي... وأبي خير منّي... وأمّي خير منّي... وأخي خير منّي... ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة".

صاحت يا بدر عزنه وسعدنه يا خوية من تروح شيظل عدنه
يا خويه للمدينة إسدر وردنه گبل ما نصبح إلهاالگوم مغنم
جاوبها وتهل عبرات عينه امنين انرد يزينب للمدينه
الدروب كلها اتلزمت علينه خيل اعداي دارت بالمخيم

ليلة عاشوراء مضت عليهم بالأسى والحزن، فكيف بهم يوم العاشر, لقد أضحى وحيداً فريداً لا ناصر ولا معين، ولقد عزم على التضحية بنفسه في سبيل الله, وازداد شوقُه إلى لقائه، فجاء إلى خيمة النساء ليودّعهن, راحلاً عنهنَّ, وقلبه كالجمر من لظى المصاب... (أيّ مصاب في قلبه؟ مصيبة ما يرى من أشلاء أنصاره


68


 وأولاده وبني عمومَتِهِ؟ أم مصيبة ترك حرائر الرسالة من بعده بلا كفيل؟ والمصائب شتىّ في قلب سيّدنا عليه السلام ).

ينظر إليهنّ ويرى حالهنّ من البكاء, وهنّ لائذات بحميّهنّ, ويرونه يريد تركهنّ بعين الله, وهو إليه ذاهب، فلمّا نظر إلى زوجته الرباب, وفي حجرها طفله عبد الله الرضيع, فتناوله الحسين عليه السلام من حجرها, ووضعه في حجره وهو يقبّله, فدمعت عينه لحاله, لمّا رآه قد أغمي عليه من العطش، فحمله على صدره ووقف أمام الجيش وقال: "يا قوم قتلتم إخوتي... قتلتم أهل بيتي... لم يبق عندي سوى هذا الرضيع، اسقوه جرعة من الماء, فقد جفّ اللبن عن صدر أمّه".

فَدَعَا الأقوَامَ يَاللهِ مِن خَطبٍ فَظيع نَبِّئُونِي أَأَنَا المُذنِبُ أَمْ هَذا الرَضِيع
لاحِظُوا فَعلَيهِ شِبهُ الهَادِي الشَفِيع لا يَكُنْ شَافِعُكُم خَصمَاً لَكُم في النَشأَتَين

فاختلف الجيش فيما بينهم، منهم من قال: إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار، ومنهم من قال: لا تبقوا من أهل هذا البيت باقية.

خاف ابنُ سعد وقوع الفتنة، فصاح يا حرملة, إقطع نزاع القوم، يقول حرملة: حكّمت السهم في كبد القوس، جعلت أنظر إلى الطفل أين أرميه، بينما أنا كذلك إذ هبّت ريح كشفت البرقع


69


عن وجه الرضيع، فنظرت إلى رقبته تلمع على عضد أبيه الحسين عليه السلام , كأنّها إبريق فضّة, فرميته, فذبحته من الوريد إلى الوريد، قيل له: ويلك, أما رقّ قلبك لهذا الطفل، قال: بلى لقد رقّ قلبي في مورد واحد، قالوا وكيف، قال: لأنّ الرضيع كان مغمىً عليه من شدّة الظمأ، فلمّا أحسّ بحرارة السهم, أخرج يديه من قماطه, واعتنق رقبة أبيه الحسين عليه السلام , لمّا نظر الحسين عليه السلام إلى الطفل, تجري دماؤه من رقبته بسط كفّه, تحت منحره حتّى إذا امتلأت دماً، رمى بها نحو السماء, فلم تسقط منه قطرة على الأرض.

قال عليه السلام : "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله". ثمّ عاد به نحو المخيَّم, وقد أخفاه تحت ردائه، سكينة واقفة تنتظر على باب الخيمة, لمّا رأت أباها مقبلاً هرولت نحوه قائلة: أَبَه, لعلّك سقيت أخي ماءً, وجئتنا ببقيّته, فأخرجه الحسين عليه السلام من تحت ردائه مغسّلاً بدمائه.
هذا أخوك قد سَقَوهُ سهمَ بَغيٍ عِوَضَ الماءِ المَعين..

ما حال سكينة... ما حال الرباب... العلويّات...

و ساعد الله حال زينب والحريم والرباب امن انفكد منها الفطيم
لا أم اسماعيلها وام الكليم شابهنها ابنوح واصياح وندب

70


هاي ابنها رد ليها امن الرضاع مكتفي أولا گلبها اتروّع او لاع
او هاجر اسماعيل رد ليها ابساع مرتوي من بارد الماي العذب
لاچن مصيبة رباب أعظم وأشد ما جرت سابگ مثلها على أم ولد
شال ابنها احسين منها امن المهد راح ردّه ابدم وريده مختضب
يا بني التسر گلبي بشرته كسر خاطري مذبوح شفته
عطشان ولسانك دلعته شنهو الذنب يا بني العملته

 

وَمُرضِعَةٍ هَبَّتْ بِهَا لِرَضِيعِهَا عَوَاطِفُ أُمٍّ أَثكَلَتْ طِفلَهَا صَبْرَا
فَلَمْ تَرَ إِلَّا جُثَّةً فَوْقَ مَذْبَحٍ بِهَا عَلُقَ السَّهمُ الذِي ذَبَحَ النَّحْرَا
وَضَمَّتهُ مَذبُوحَ الوَريدِ لِصَدرِهَا وَمِنْ دَمِهِ المسفُوحِ خَضَّبَت الصَّدْرَا

71