الليلة الرابعة
للهِ أقمَــارٌ أَفَـــلْنَ بـكِــربَلا وَلَهَا بِيَثرِبَ والمُحَصَّبِ مَطلَعُ
أَنِسَت بِهِم أَرضُ الطُفوفِ وَأَوحَشَتْ هَضَبَاتُ يَثرِبَ وَالمَقَامُ الأرفَعُ
طِفَا بِي على أَرضِ الطُفوفِ وَقُل لَهَا مُستَعبِرَاً أَعَلِمتِ مَن بِكِ مُودَعُ
فِيكِ الإمامُ أَبو الأئِمَّةِ وَالذَي هُوَ لِلنُبُوَّةِ والإمَامَةِ مَجمَعُ
فِيكِ الذَي أشجَى البَتولَ وَنَجلَها وَلَهُ النَبِيُّ وَصِنوُهُ مُتَفَجِّعُ
مَولَى بِتُربَتِهِ الشِفَاءُ وَتَحتَ قِبَّتِهِ الدُعَا مِن كُلِّ دَاعٍ يُسمَعُ
فَحيَاةُ أَصحَابِ الكِسَاءِ حَيَاتُهُ وَبيَومِ مَصرَعِهِ جَميعاً صُرِّعُوا
للهِ سِبطُ مُحمَّدٍ ظَامِي الحَشَا يَبغِي الوُرودَ إلى الفُراتِ فَيُمنَعُ

27


دَمُهُ يُبُاحُ وَرَأسُهُ فَوقَ الرِمَاحِ... وَشِلوُهُ بِشَبَا الصِفَاحِ مُوَزَّعُ
لَهفِي لِآلِكَ كُلَّمَا دَمِعَتْ لَهَا عَينٌ بِأطرَافِ الأسِنَّةِ تُقرَعُ

 

خويه يضربوني واشقف بديّه أنا شبيدي إعلى دهر الخان بيه
أنا امنين إجتني الغاضرية راحوا هلي من بين إيديه
إن صحت بويه يشتموني وإن گلت خويه يضربوني
وإمن الضرب ورمن إمتوني وإمن البكا عمين عيوني

أنادي هلي وما يسمعوني

من شدّة ظلم الرعيّة لنفسها ولإمامها وسبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضيّقوا الخناق، وشدّوا الحصار على مخيّم سيّد الشهداء عليه السلام ليلة العاشر, لدرجة ما بقي عندهم قُلَّة ماء في تلك الليلة في المخيّم, ولمّا اشتدّ الحصار على الحسين عليه السلام وأهله، اشتدّ حرص أصحابه عليه، حتّى عيّنوا واحداً منهم يقوم بحراسته وبخدمته وملازمته, لا يفارقه أينما يذهب ويخرج معه.


28


وكانت مسؤوليّة نافع بن هلال البجليّ أن يرافق الإمام في تلك الليلة, فتسايرا حول الخيام يتحدّثان, حتّى وصل الحسين عليه السلام إلى خيمة أخته زينب عليها السلام فدخل...، صار نافع بظهر الخيمة ووقف ينتظر خروج الحسين عليه السلام يقول:
إستقبلته ووضعت له متّكأً، فجلس عليه، وصار يحدّثها بكلام لم أفهمه.

بينما أنا كذلك منتظر، إذ سمعت العقيلة مختنقة بعبرتها وهي تقول: "أخي هل اختبرت من أصحابك نيّاتهم, إنّي أخشى أن يسلموك يوم الوثبة واصطكاك الأسنّة". فقال الحسين عليه السلام : "إي والله ... بلوتهم ... فما وجدت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني إستيناس الطفل بلبن أمّه".

فلمّا سمع نافع هذه الشهادة في حقّهم، قال: إي والله, يا سيّدي, إستئناس الطفل بلبن أمّه، ثمّ ترك الخيمة وأقبل إلى خيمة حبيب، فوجده جالساً يصلح سيفه، فذكر له نافع ما جرى بين الإمام الحسين عليه السلام وأخته زينب عليها السلام إلى أن وصل إلى قول الإمام الحسين عليه السلام : في حقّهم, فقال حبيب: أي والله, يا نافع لولا انتظار أمر سيّدي ومولاي الحسين عليه السلام لعاجلتهم في سواد هذا الليل بسيفي هذا ما ثبت قائمه بيميني.


29


فقال نافع: نعم يا حبيب، ولكن ظهر لي أنّ أخت سيّدنا غير مطمئنّة منّا، فهل لك أن تجمع أصحابك في هذه الساعة لنواجه زينب بكلام يسكِّن روع قلبها؟

فقال حبيب: نعم يا نافع, ثمّ خرج منادياً: يا أبطال الصفا وليوث الحميّة، فتطالع الأصحاب والهاشميّون, يقدمهم أبو الفضل العبّاس عليه السلام وهو رامي العمامة عن رأسه، يده على قائم سيفه وهو يقول: "ما تريد يا بن مظاهر, لمثل هذا اليوم ادَّخرني والدي عليّ عليه السلام ".

إلتفت حبيب إلى بني هاشم وقال: إرجعوا ساداتي, لا سهرت عيونكم وإنمّا حاجتي مع الأنصار، ثمّ التفت إلى الأنصار، وقال: اخبروني عن نيّاتكم لماذا جئتم إلى كربلاء؟!

قالوا: يا حبيب إنّك تعلم إنّا ما طلّقنا حلائلنا, ولا أعرضنا عن زهرة دنيانا, إلّا لكي نفدي الحسين عليه السلام وآل الحسين عليهم السلام .

فقال حبيب: هذا نافع يخبرني عن كيت وكيت، هذا يعني أخت سيّدكم غير مطمئنّة منكم، أقبل حبيب يهرول أمامهم وهم وراءه, حتّى وقفوا على خيمة الحوراء عليها السلام وصاحوا بأجمعهم، السلام عليكم يا عزّنا، السلام عليكم يا فخرنا، السلام عليكم يا بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذه أسنّة غلمانكم, آلوا أن لا يُركزوها إلّا في


30


صدور أعدائكم، وهذه سيوف فتيانكم, آلوا ألّا يغمدوها إلّا في نحور من أراد السوء بكم.
التفت الحسين عليه السلام إلى زينب عليها السلام وقال: أخيّه زينب كلّميهم، فوقفت الحوراء زينب عليها السلام على باب خيمتها وهي ملتحفة بأزار أمّها فاطمة, ونادت: أنسبوني من أنا... أنا ابنة الضارب بالسيفين... أنا ابنة الطاعن بالرمحين ... أنا ابنة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، حاموا عنّا يا محيي الليل بالعبادة.
فضجّوا بالبكاء والنحيب وقالوا: يا سيّدتِنا, نفوسُنا لكم الوقاء، أرواحُنا لكم الفدا.

ويلي... تدرون بيّه هاشمية وكلمة عدو صعبه عليّه
أنا شبيدي على دهر الخان بيّه أنا إمنين إجتني الغاضرية

لذلك حبيب لمّا جاء وجلس أمام خيمتها متحسّراً باكياً, وهو يقول: آهٍ لوجدك يا زينب؛ يوم تحملين على بعير ضالع, ورأس أخيك الحسين عليه السلام على رأس الرمح، تحفّ به رؤوس أهل بيته وأصحابه، وكأنّي برأسي معلّق في عنق الفرس يضربه الفرس بركبتيه، لمّا سمعت زينب قالت: يا حبيب لقد أخبرني بهذه


31


المصائب ابن أمّي الحسين البارحة...
وَلَوَدَدْتُ أنّي عمياء ولا أرى هذه المصائب.

يا اهل الشيم هذا محلكم للموزمة ندّخر هممكم
شنهو العذر يا كرام منكم تخلّون بالذلة حرمكم

 

بِأبِي مَن شَرَوا لِقَاءَ حُسينٍ بِفِرَاقِ النُفوسِ وَالأَروَاحِ
أَدرَكُوا بِالحُسينِ أَكبَرَ عِيدٍ فَغَدَوا في مِنَى الطُفوفِ أَضَاحِي

32