الليلة التاسعة

شِبلُ الزَكِيِّ المُجتَبَى بَدرُ الهُدَى

شَمسُ المَنَاقِبِ والعُلَا وَالسُؤدَدِ

وَعَلى البَسَالَةِ قدْ تَعوَّدَ نَاشِئَاً

أَسَدٌ لِغَيرِ البَأسِ لم يَتَعَوَّدِ

لم أَنسَهُ مُذْ أَشجَاهُ وِحدَةُ عَمِّهِ

بَينَ الأَعَادِي مَا لَهُ مِن مُنجِدِ

طَلَبَ القِتَالَ مِن الحُسينِ وَقَلبُهُ

مُتَوَقِّدٍ بِالحُزنِ أَيَّ تَوَقُّدِ

فَتَدَفًّقًت عَبَرَاتُ بَدرِ سَنَا الهُدَى

سِبطِ النَبِيِّ على شَقيقِ الفَرقَدِ

فَانصاعَ نَحوَ القومِ يَخطُبُ فِيهُمُ

بِلِسانِ صَمْصَامٍ وَأسَمَرَ أَملَدِ

وَيِكِرُّ فِيهِم قِائِلاً إن تُنكِرُوا...

إسمِي فَإنِّي ابنُ الزَكِيِّ الأَمجَدِ

فَأبَادَ شُجعَانَ الوَغَى وَسَقَاهُمُ

مُرَّ الطِعانِ بِكَأسٍ لِهَذمِهِ الصَدِي


59


وَعليهِ أشقَى الخَلقِ شَدَّ مُقَنِّعَاً

في سَيفِهِ رَأسَاً لأكرمِ سَيِّدِ

وَدَعَا أَيَا عَمَّاهُ أدرِكنِي فَقَد

أَوْرَى الظَمَا كَبِدِي وَبَانَ تَجلُّدِي

فَأتَاهُ غَوثُ المُستَغيثِ مُبَادِرَاً

وَإذَا بِهِ بِالرِجْلِ يَفحَصُ وَاليَدِ

وَأتَى بِهِ نَحوَ المُخَيَّمِ نَادِبَاً

يَبكِي وَيَرثِيهِ بِقَلبٍ مُكمَدِ

 

ضلع احسين إعلى الجاسم محنَّه

يا عمي بموتتك زادت محنََّه

شاله احسين وابدمه محنَّه

آه اشلون حال أمّه الزكيه

شاله وللمخيم بيه سدر

وحط جاسم يا ويلي بصف علي الأكبر

گعد ما بينهم والدمع فجّر

تشب ناره وعليه تراكم الهم

بعد شهادة عليّ الأكبر عليه السلام، تقدّم ابنُ عمّه القاسم بن الحسن عليه السلام، إلى عمّه الحسين عليه السلام، بعد أن سمع من عمّه استصراخه للقوم طالباً للنصرة والإعانة، فلم يكن من بدٍّ أن يلبّي دعوته، لا سيّما لمّا نظر القاسم عليه السلام إلى القِلّة في الناصر، بعد كثرة الشهداء.


60


نادى عمّه: السلام عليك يا عمّاه، ردّ الإمام: "وعليك السلام يا ابن أخي".

قال: عمّاه لقد ضاق صدري، وسئمت الحياة، فأْذن لي في القتال بين يديك، فأبى الحسين عليه السلام أن يأذن له، لأنّه بقيّة أخيه الحسن عليه السلام، بالإضافة إلى أمّه رملة، كان جُلُّ اهتمامها بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام ولدَها القاسم، فلا زال يتوسّل القاسم بعمّه يقبّل يديه حتّى أذن له.

جاء به إلى الخيمة، عمّمه بعمامة أخيه الحسن عليه السلام، وقد أرخى نصفها على عارضيه وصدره، وقد ألبسه ثوباً على صورة الكفن، ثمّ نظر إليه نظرة رأفة ورحمة، فلم يملك عبرته حتّى أرخى عينيه بالدموع، حتّى اعتنقا وبكيا معاً بكاءً شديداً، ثمّ أقبل إلى أمّه فرحاً مسروراً منادياً: يا أمّاه إنّ عمّي قد أذن لي في الحرب والقتال.

هز الرمح وناداها

يا والده إدعيلي

رايح أنا يا ولده

من غير ما تگليلي

أوصيك يمّه وصيّه

تسمعين لفظ اجوابي

شبان لو شفتيهم

بالله ذكّري شبابي

فودعته أمّه وضمّته إلى صدره، وهي تقول: ولدي بلّغ سلامي


61


إلى والدك الحسن عليه السلام، وقد تعلّقت به عمّاته وأخواته، ثمّ انحدر نحو الميدان ودموعُهُ جاريةٌ على خدّيه، وهو يرتجز ويقول:

إنْ تُنكِرونِي فَأنَا نَجلُ الحَسَن

سِبطِ النَبِيِّ المُصطَفَى وَالمُؤتَمَن

هَذا حُسينٌ كَالأسيرِ المُرتَهَن

بَينَ أُنَاسٍ لا سُقُوا صَوْبَ المُزُن

وراح يقاتلهم ببأس شديد..
يقول حميد بن مسلم: بينما هو يقاتل، إذ انقطع شِسْعُ نعله (اليسرى)، توقّف وانحنى ليشدّها (غير مكترث بحتفه وكثرة عدوّه عليه)، فقال عمرو بن نفيل الأزديّ (لعنه الله)، والله لأشُدَّنَّ عليه ولأثكلنّ عمّه به، فما انصرف عنه حتّى ضرب رأس القاسم بالسيف ففلق هامته، وقع إلى الأرض منادياً، عمّاه أبا عبد الله أدركني، فأتاه الحسين عليه السلام مسرع، رآه مشقوق الرأس مخضّب بدمه، وهو يفحص برجليه، انحنى عليه باكياً..

بكه وناداه يا جاسم اشبيدي

يا ريت السيف گبلك حز وريدي

هان الكم تخلوني اوحيدي

واعلى اخيمّي يعمي الخيل تفتر

جلس عند رأسه، وقال: "بُعداً لقوم قتلوك، خصمهم يوم القيامة جدُّك وأبوك، ... عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، هذا يوم والله كَثُرَ


62


واترُه، وقلّ ناصرُه". ثمّ حمله وقد كان صدره على صدر عمّه الحسين عليه السلام، ورجلا القاسم تخطّان الأرض، لأنّ مقتله هدَّ ظهر عمّه الحسين عليه السلام، فلا يقوى على حمله إلّا مُنحَنيَ الظهر، حتّى جاء به إلى المخيّم فألقاه بجوار ولده عليّ الأكبر عليه السلام، والقتلى من أهل بيته، ثمّ جلس عندهم

جابه الخيمة اعياله

و حطه بصف علي الأكبر

گعد ما بينهم يبچي

او عـلـيهــــم گــام يتحــــسّر

نوبه ايعاين اوليده

او نار الحزن بيه تسعر

ونوبه ايعاين الجاسم

يكله والدمع ساجم

يا عمي اعلى الترب نايم

وانت زهرة اخيامي

أو بدر السعد واهلاله

وقد ألقى عليهما نظرة الوداع؛ لأنّه لم يأت إليهما بعد ذلك، ينظر إلى ولده وينادي: "واعليّاه" ونظرة ثانية إلى ابن أخيه وينادي: "واقاسماه".

جابه اومدده ما بين اخوته

وبكه عدهم يا ويلي وهم موته

بس ما سمعن النسوان صوته

إجت رملة تصيح الله أكبر


63


نعم لمّا رأته أمُّه مخضّباً بدمه، مشقوق الرأس، انكبّت عليه منادية:

أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال

تحضرني لو وگع حملي ولا مال

يا بني يا جاسم خابت اظنوني ولا مال

عند الضيگ يا بني اگطعت بيه

نعم جعلت تنوح عليه وترثيه...

ربيتك بماي العين

يا بني واحسب اسنينك

وأتفكر لعد طولك

وعيني شابحه العينك

لبّالي أفرح ابعرسك

وإحني بيمنتي ايمينك

وانصب حوفك بيدي

وأعيّد وافرح ابعيدي

ابدال العرس يوليدي

أشوفنك اعلى التربان

يمدلل ابها الحاله

 

لَهفِي على وَجَنَاتِهِ

بِدِمِ الوَريدِ مُخَضَّبَاتِ

وَلَقَد بَِنَى يَومَ الطُفوفِ

على المَنِيِّةِ لا الفَتَاةَ

حَنَّاؤهُ مِن دَمِ رَاسِهِ

وَالشمعُ أطرافُ القَناةِ


64