الليلة الرابعة: مجلس شهادة الأصحاب (رضوان الله عليهم)

هَذِي رُبُوعُ مُحَمَّدٍ سَاحَاتُهَا

قَد أَقفَرَتْ وَاستَوْحَشَتْ أَعلَامُهَا

خَرَجَ الحُسَينُ خُرُوجَ مُوسَى خَائِفاً

مُتَرَقِّباً مَا أَضمَرَتهُ لِئَامُهَا

فَتَعَاهَدَتْ فِي حِفْظِ ذِمَّةِ أَحْمَدٍ

سَادَاتُ أَنْصَارِ الإِلَهِ كِرَامُهَا

حَتَّى إِذَا ضَرَبُوا القِبَابَ وَطُرِّزَتْ

بِالسُّمْرِ وَالبِيضِ الرِّقَاقِ خِيَامُها

قَامَتَ تَحُوطُ المُحْصَناتِ كَأَنَّها

أُسْدٌ وَهَاتِيكَ القِّبَابُ أُجَامُها

فَأَتَتْ جُيُوشُ أُمَيَّةٍ تَرْجُو بَأَنْ

يُعْطِي المَذَلَّةَ وَالقِيَادَ هُمَامُهَا

فَأَبَى أَبِيُّ الضَّيْمِ إِلَّا أَنْ تُرَى

شَعْوَاءَ يَلْحَقُ بِالنُّجُومِ قَتامُها

فَهُناكَ بَانَ مِنَ الكِرَامِ حِفَاظُها

وَلَظَى الحُرُوبِ قَدْ اسْتَطارَ ضِرَامُها

قَوْمٌ إِذَا عَبَسَ المَنُونُ تَهَلَّلَتْ

تِلْكَ الوُجُوهُ وَلَمْ تَطِشْ أَحْلَامُها

يَتَسَابَقُونَ لِورْدِ مَشْرَعَةِ الرَّدَى

فَكَأَنَّـمَا قَطَعَ الحَيَاةَ مَرَامُهَا


35


شعبي:

دون احسين بذلوا ذيك الارواح

اويلي او گضوا كلهم فرد مصباح

او تم احسين مفرد يصفگ الراح عگبهم ويل گلبي او تهمل العين
هووا كلهم يويلي على الوطيه او صارت هدف لسهام المنيه
اراضيهم بگت وحشه وخليه اظلمت عگب البدور المزهرين

أبوذية:

يبو اليمه شرف حبك شملنا

اشكتبنا على القلب تدري شملنا

وحق ربي الذي جامع شملنا للموت ما نعوفك يبن حامي الحميه


36


قال ابن أبي حديد: قيل لرجل شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرّيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فقال: عضضت بالجندل، إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنّا فاعلين لا أمّ لك!

وكانوا كما وصفهم السيّد محسن الأمين:

يَتَسَابَقُونَ إِلَى الوَغَى فَكَأَنَّهُمْ

سَيْلٌ تَدَفَّقَ فِي بُطُونِ بِطَاحِ

مَا عَابَهُمْ فِي الحَرْبِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ مَقَالَةَ النُّصَّاحِ
قَدْ تَاجَرُوا رَبَّ السَّمَا بِنُفُوسِهِمْ فَحَظُوا لَدَيْهِ بِأَغْنَمِ الأَرْبَاحِ

ومن هنا فإنّ كلّ زائر حينما يقف على قبور أصحاب الحسين يقول كما يعلّمنا الإمام الصادق عليه السلام: بأبي أنتم وأمّي, طبتم وطابت الأرض التي فيها دُفنتم وفزتم فوزاً عظيماً, فيا ليتني كنت معكم فأفوزَ معكم. نعم, هؤلاء عرفوا مقام الحسين فتقدّموا وقاتلوا وقُتلوا بين يديه, فلم يجد أصحاب الإمام الحسين ما


37


يخيفهم, ولذلك لما أصبح يوم العاشر من المحرّم عبّأ عمر بن سعد جيشه لقتال الحسين عليه السلام, ثمّ صاح: يا دريد, أدْنِ رايتك, فأدناها فوقف تحتها وأخذ سهماً ووضعه في كبد قوسه ورماه نحو معسكر الحسين وقال: اشهدوا لي عند الأمير بأنّي أوّل من رمى فتبعه الجيش على ذلك فلم يبق أحد من أصحاب الحسين إلّا وأصابه من تلك السهام شيء, فقال الحسين لأصحابه: قوموا رحمكم الله, قوموا يا كرام إلى الموت الذي لا بدّ منه, هذه السهام رسل القوم إليكم, فحمل أصحاب الحسين حملة واحدة واقتتلوا مع القوم, فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعاً من أصحاب الحسين عليه السلام, وكان من بينهم مسلم بن عوسجة فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر فوقف الحسين عند رأسه وقرأ قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا, وكان بمسلم رمق من الحياة فقال له حبيب: لقد عزّ عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنّة, فأجابه مسلم: بشّرك الله بخير يا أخي, فقال حبيب: لو لم أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك, ففتح مسلم عينيه وقال: يا حبيب, أوصيك بهذا الغريب خيراً- وأشار بيده إلى


38


الإمام الحسين- قاتل دونه ولا تقصّر عن نصرته…

وصلت يبن ظاهر منيتي

ما وصيك بعيالي وبيتي

بالحسين واولاده وصيتي  


فقال حبيب: لأنعمنّك عيناً…

ولله درّ الشاعر حينما يقول:
 

نَصَرُوهُ أَحْيَاءً وَعِنْدَ وَفَاتِهِمْ

 يُوصِي بِنُصْرَتِهِ الشَّفِيقُ شَفِيقَا

أَوْصَى بْنُ عَوْسَجَةٍ حَبِيباً قَائِلاً تُقَاتِلُ دُونَهُ حَتَّى الحِمَامَ تَذُوقَا


وهكذا تجد غلاماً صغيراً عمره أحد عشر عاماً نظرت إليه أمّه وقالت له: بنيّ ما وقوفك إلى جانبي؟ إذهب إلى الحرب وبيّض وجهي عند فاطمة الزهراء, ثمّ جاءت إليه وألبسته لامة الحرب وأعطته السيف, وقالت له: امضِ إلى الحسين, جاء الغلام وسلّم على الإمام فردّ عليه السلام, وقال الإمام: هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأولى, ولعلّ أمّه لا ترغب بقتال ولدها, لمّا سمع الغلام ذلك قال: لا يا سيّدي, إنّ أمّي هي التي بعثتني إليك, فقال: بنيّ, عد إليها لعلّها تأنس بك, عاد الغلام إلى أمّه, لما رأته أمّه, قالت: بنيّ أراك رجعت, قال: بلى أمّاه, قالت: لعلّ الحسين قد استصغر سنّك, أقبلت به إلى الإمام الحسين,


39


 سلّمت عليه, قالت: سيّدي أبا عبد الله, أَفتُثكَلُ أمّك الزهراء بولدها ولا أُثكل بولدي؟! سيّدي, دع ولدي يقاتل بين يديك. أذن له الإمام, برز هذا الغلام وهو ينشد الشعر:

أَمِيرِي حُسَيْنٌ وَنِعْمَ الأَمِيرِ

سُرُورُ فُؤَادِ البَشِيرِ النَّذِيرِ

عَلِيٌّ وَفَاطِمَةٌ وَالِدَاهُ فَهَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ مِنْ نَظِيرِ؟!

وجدّ بالقتال إلى أن قُتل وإذا بأمّه تركض تريد القتال, فقال الإمام الحسين لولده الأكبر: بني عليّ, إمضِ إلى الغلام وأنا آتي بالأمّ, فتقدّم الإمام إليها: أمة الله ارجعي إلى الخيمة, ولكنّ عليّ الأكبر جاء إلى الغلام ورأى شفتيه تتحرّكان وإذا بالغلام يقول: سيّدي حوّلوا رحل أمّي إلى رحالكم, إنّها صارت غريبة وحيدة.

والله يشبان بالله لا تونون

 تصدعون گلبي من تونون

شبان مثل الورد يزهون يوسفه وعلى الغبره ينامون

وهكذا تجد وهب النصرانيّ وقد تعلّقت به زوجته, وهي تسأله إلى أين تمضي يا وهب وتتركني هنا؟ يقول لها إرجعي, فتقول له أمّه: لا تلتفت إليها يا وهب, اذهب وبيّض وجهي عند


40


فاطمة الزهراء. يتوجّه وهب ناحية الإمام الحسين, وإذا بصوت يصدح من خلفه يناديه: يا وهب, قاتل دون الطيّبين, فداك أبي وأمّي. نظر وهب وإذا بزوجته تركض خلفه, عاد إليها وهو يقول: أمة الله قبل قليل كنت تمنعينني عن القتال وأراك الآن تحثّينني, ما الذي جرى؟ قالت: يا وهب, لا تلمني إنّ واعية الحسين كسرت قلبي, فقال لها: ماذا سمعتِه يقول؟ قالت: رأيته بباب الخيمة واقفاً ينادي: هل من ناصر ينصرنا لوجه الله؟ هل من معين يعيننا؟

يگلها هالساعه كنت تمنعيني

 يهل الحره ولفيتي تشجعيني

وصوتك بالحرب زيد ونيني وعلى الخدين سالت دمعة العين
تگله لا تلوم الگلب لو هم يحگ لحسين تجري دموعنا دم

والله ابو السجاد شفت بباب الخيم ينادي ولا حصله بكربلا امعين

نادى وهب: سيّدي أبا عبد الله, خذ زوجتي إليك, أقبل الإمام الحسين إليها وقال: أمة الله كُتب القتل والقتال علينا ارجعي, قالت: سيّدي أخاف أن يُقتل زوجي وأُسبى من بعده,


41


فقال لها الإمام: أمة الله أو ما ترضين أن يكون مصيرك كمصير زينب وعائلتي؟ قالت: سيّدي, أَوَتُسبى زينب؟! قال: بلى, من مجلس إلى مجلس ومن مكان إلى مكان...
أقول: سيّدي أبا عبد الله, أنت كنت ترعى النساء والأرامل وتهدّئ من روعهنّ وتسلّي مصائبهنّ, ولكن سيّدي أنا لا أدري ما حالك عندما خرجت الحوراء زينب وهي تنادي: وا أخاه واسيّداه واحسيناه...

نعم أقبلت عليها السلام حتّى وصلت إلى مصرع المولى رأته يجود بنفسه وجراحاته تشخب دماً, جلست عند رأسه وأخذت تخاطبه وتكلّمه: أخي أبا عبد الله, كلّمني بحقّ جدّنا رسول الله, بحقّ أبينا عليّ, بحقّ أمّنا فاطمة كلّمني, فتح الإمام عينيه قال: أخيّة زينب لقد كسرت قلبي وزدت كربي, ارجعي إلى المخيّم واحفظي لي العيال والأيتام...

تگله:

خويه انا بعيني لباريلك عيالك

وبروحي لسكتلك اطفالك

خويه الموت لو يرضى بدالك نروح كل احنا فدا لك

42


قالت: أخي أبا عبد الله إلى من نلتجئ, إلى من نفزع من بعدك؟ أخي حسين, مات جدّنا رسول الله ففزعنا إلى أبيك عليّ, مات أبونا عليّ ففزعنا إلى أخيك الحسن, مات أخوك الحسن ففزعنا إليك, فإلى من نفزع من بعدك يا أبا عبد الله؟

أَخِي إِنَّ قَلْبِي قَدْ تَفَطَّرَ لَوْعَةً

وَعَيْنَيَّ مِن حُزْنِ الفِرَاقِ سَحَابُ

حَبِيبِيَ كَلِّمْنِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ  وَهَلْ فِي الشِّفَاهِ الدَّامِيَاتِ جَوَابُ
فَيَا لَيْتَ عُدْنَا فِي مَدِينَةِ جَدِّنَا وَهَيْهَاتَ مَا لِلذَّاهِبِينَ مَآَبُ


 

دحاكيني يخويه او رد لي الروح

امغمض ليش واعله الگاع مطروح

أظن ما تگدر امن الجروح عمت عيني عليك اوبلت روحي
خوي انادي وما يشجيلك نداي ولا تسمع عتابي ونخواي
انا المن بعد يحسين شكواي خوي ظني انقطع وانقطع رجواي

 

مَنْ لِي حِمًى بَعْدَ الحُسَيْنِ وَمُعْتَصَمْ

إِنْ جَلَّ خَطْبٌ فَادِحٌ وَبِنَا أَلَمْ

نَادَيْتُ لَمَّا غَابَ بَدْرُ سَمَا الكَرَمْ يَا غَائِباً عَنْ أَهلِهِ أَتَعُودُ أَمْ
تَبْقَى إِلَى يَوْمِ المَعَادِ مُغَيَّبَا؟  


43