الفصل الحادي عشر: التبليغ في ظل حاكمية الإسلام

تمهيد
التبليغ في العهد الذي لا يحكم فيه الإسلام يتفاوت إلى حد بعيد عن التبليغ في عهد حاكمية الإسلام؛ ففي عهد حاكمية الإسلام يمكن أن يكون أي جانب من جوانب الدين في موقعه المناسب، وهو يقع تبليغاً من خلال أي جزء من المجموع الذي تستلزمه إدارة حياة الناس بينما الحال يختلف في الظروف التي لا يحكم فيها الإسلام، حيث تكون الأجزاء منفصلة عن بعضها وغير متكاملة ولا يربط في ما بينها رابط. فرضاً لو أراد أحد التحدث عن الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام، فبامكانه تصنيفها من حيث البحث والدراسة إلى طائفتين: إحداهما طائفة الأحكام الفقهية الخاصة بالفرد؛ وأخرى قد يبحث المرء نفس الحكم الفقهي بما يمثله من فرع صغير أو كبير في كيفية إدارة المجتمع، هذان الموضوعان يختلفان عن بعضهما، بل ويختلف الحكم المستنبط في المورد في الصورتين حتى


131


 في موضوع كالطهارة والنجاسة باعتبارهما جزءً من مجموعة النظم التي تدير الفرد والمجتمع في ظل حاكمية الإسلام. وقد تعرض تارة أخرى بعيداً عن النظام الشامل المجموعي للإسلام وبصفتها حكماً لشخص واحد فقط1...

إن التبليغ في عهد حاكمية الإسلام يمثل الدين فيه نظم الحياة، ومن بينها السياسة وإدارة الحكومة والعلاقات الخارجية، ومواقف المسلمين إزاء التيارات السائدة في العالم، والقضايا الاقتصادية، وعلاقات الأفراد في ما بينهم، والتمسك بالأخلاق في مختلف جوانب الحياة، فالدين هو مجموعة نظم تشتمل على الشؤون الفردية الخاصة وكذا القضايا الواجب تأديتها بشكل جماعي إضافة إلى ما يتعلق بمصير العالم أو مستقبل ذلك البلد وعندما نريد أن نبلغ فالتبليغ يعني كل هذا...

وحينما تريدون ارشاد الناس عليكم بتحري منتهى الدقة في الاختيار، أرشدوهم إلى ما تسألون عنه غداً أمام الله... حذار أن يتصور أحد من العلماء أن لا تكليف عليه في هذه القضايا، ويظن أن للناس أن يفعلوا ما شاؤوا. فأنتم أيها العلماء بإمكانكم مساعدة الناس في هذا الصدد فالناس تثق بالعلماء أكثر من أي شخص فالناس يعتبرون العلماء أمناءهم، وإذا ما ساعدوهم في هذا المضمار يقع كلامهم موقع قبول عندهم2...


132


العلماء ركن أساسي في النظام الإسلامي:
إنّ العلماء ركن أساسي في النظام الإسلامي، فلولا العلماء ولولا طلبة العلوم الدينية، ولولا تحرك وجهاد وهجرة الطلبة بين الأعوام (1962- 1978) في مختلف أنحاء البلاد والتبليغ في المدن والقرى والمناطق النائية، وحتى معسكرات الجيش، لما علم في أي وضع كنا اليوم. فماذا كان يستطيع النظام البهلوي فعله مع طالب علم لا يتجاوز مرتبه الشهري الذي يتسلمه من الحوزة العلمية مرتَّب موظف عادي خمسة أيام؟! من الطبيعي أن يعتقل ويُسجن، فلم يكن تاجراً ليصادروا أمواله، أو موظفاً حكومياً ليصادروا حقوقه، بل يُسجن، فتنشد إليه قلوب الناس أكثر...

العلماء والسلطة:
إن أحد التحاليل الخاطئة، هو أن وصول الدين إلى السلطة وتولي العلماء قيادة الدولة يعني الهزيمة للدين. ويوجد في الداخل من يروّج لهذه الفكرة، أي أن الدين إنما ينتشر وتتوسع رقعته عندما يكون كامناً في القلوب بعيداً عن السلطة والحكومة. وبمجرد وصولكم أنتم يا علماء الدين إلى السلطة، فسوف يزول الدين عن قلوب الناس وسيكون أمراً فوقياً يُجبر عليه الناس، هذا ما يروج له البعض بإسم الثقافة والتنوير، وهو كلام خاطىء مائة بالمائة. والواقع هو أنه إذا كانت السلطة الدينية عادلة والعناصر التي تتولى إدارة الحكم هي


133


 الأخرى عادلة ونزيهة، فإن الدين لن يخرج من القلوب فحسب وإنما سيتجذَّر أكثر وسيزداد رسوخاً.3

تعميق الشعور باقتدار النظام الإسلامي:
إِنني أدعوكم أيها المبلغون إلى أن تعمقوا في قلوب ونفوس أبناء هذا الشعب الشعور باقتدار هذا النظام، والإيمان بالوعد الإلهي، واستشعار الطمأنينة في سفينة الأمن والأمان والسكينة. وأن تعملوا جهد استطاعتكم لتزرعوا في قلوب المؤمنين تلك السكينة نفسها التي أنزلها الباري تعالى في قلوب المؤمنين على عهد الرسول هي في معركتي بدر وحنين وغيرهما من المواقف الأخرى. إن العدو يسعى لإشاعة الاضطراب بين الناس وأحد سبل توفير السكينة والاطمئنان هو الوحدة وتآلف القلوب، ووحدة أبناء الشعب بشتى طبقاتهم، وتقارب القلوب ومحبة الناس بعضهم لبعض. وهذه النقطة معاكسة تماماً لما يريد العدو إشاعته.4

ترسيخ الثقة بين الناس والحكومة الإسلامية:
وأنتم بصفتكم مبلغين للدين يجب عليكم توفير أجواء تنقض ما يريد خلقه من أجواء مثلما فعلتم أنتم الشباب المؤمنين، والمبلغين الشباب، وأنتم علماء الدين والأفاضل الشباب في أيام الثورة وملأتم


134


 كل أرجاء البلد بندائها، وضحيتم أثناء الحرب المفروضة بكل وجودكم في سبيل تعبئة عموم أبناء الشعب، وفي سبيل الدفاع عن حدود البلد وعن الثورة، وفي فترة ما بعد الثورة كانت لكم مشاركة فاعلة حيثما استوجبت الحاجة إليكم وحيثما شعرت الحكومة والمسؤولون بضرورة وجودكم.

... عليكم أن تنتشروا كالملائكة الإلهيين في أرجاء البلاد وبين الناس واعكسوا في كل مكان ما تشعرون به هنا من مشاعر الثقة والسكينة والوحدة والوفاق والتعاطف والمودة، إن بلدنا مستقر بحمد الله، والحكومة مستقرة، والمسؤولون أمناء وموضع الثقة، وحريصون ويعملون بجد وإخلاص، وقد كانت وستبقى رعاية بقية الله (أرواحنا فداه) تحرس - بفضل الله - وقد كانت وسبتقى يد العدو قاصرة بإذن الله - رغم كل جهودها المحمومة - عن الشعب وهذا البلد...5

ترسيخ الاعتقاد بحاكمية الإسلام:
بالإضافة إلى ما ينبغي طرحه اليوم ثمة قضية أساسية هي وجوب العمل على عقائد الإسلام وترسيخها في القلوب والأذهان وأيضاً على ترسيخ الاعتقاد بحاكمية الإسلام، وهو أمر واضح دأب عليه مسلمو العالم على امتداد قرون عديدة ولا سيما المفكرون ابتدأً من السيد جمال الدين - الأسد الأبادي حتى إقبال اللاهوري وحتى كبار


135


 العلماء في بلدنا من أجل تحكيم دين الله في الحياة، امتداداً لنهج الأنبياء. بيد أن هناك أيدٍ وألسنة وكتابات وأمواج دعائية تريد النيل من هذا الأمر البيّن الواضح، وإثارة الشكوك حوله.

وهذا يوجب عليكم ترسيخ هذا المعتقد في الأذهان؛ ليعي الناس أن حاكمية الإسلام تعني حاكمية العدل والعلم على المجتمع الإنساني وهي الحاكمية القادرة على بناء أجسام الناس وقلوبهم وعواطفهم وأخلاقهم، وحياتهم المادية والمعنوية، في الدنيا والآخرة. هذا هو معنى حاكمية الإسلام.6

حكومة الإسلام حجة على المبلغين:
أعزتي إن المرحلة الراهنة مرحلة حكومة الإسلام، فإن ظهر خلل في موضع من عملنا فلن يقبل منا أي عذر. فإذا لم ينهض المجتمع العلمي والديني - أي جماعة علماء الدين - بما يحتاجه العصر والدولة والمجتمع والعالم الإسلامي كما ينبغي، فسوف لا يقبل لهم الله تعالى أعمالهم، وتسألهم الأجيال القادمة سؤالاً جاداً. ولذا ينبغي أن تلتفت إلى هذه الأمور، طبعاً ربما لا يكون كل فرد من الأفراد قادراً على ذلك، إلا أنه حينما يريد ذلك جماعة أو كل الأشخاص فسيغدو بالإمكان اتخاذ الخطوات، ويستحيل أن لا يتحقق ذلك فالمهم هو أن يسعى الجميع لتحقيق ذلك.7


136


هوامش
1- خطاب القائد الوعي السياسي في الإسلام 25/ذي الحجة/1417هـ.
2- خطاب القائد أهمية التبليغ 23 شعبان 1415هـ.
3- أهميّة التبليغ 23 شعبان 1415 هـ.
4- التبليغ أمانة إلهية 24 شعبان 1419 هـ.
5- التبليغ أمانة إلهية 24 شعبان 1419 هـ.
6- التبليغ في العصر الحاضر 24 دي الحجّة 1418 هـ.
7- التبليغ الوظيفة الأولى 25 شعبان 1416 هـ