مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

هَذِهِ دَارُهُمْ تُهِيْجُ شُجُونِيْ
جُوْدِيْ بِالدَّمْعِ فَوْقَ خَدِّيْ جُودِيْ
وَدَّعُونِيْ وَأَوْدَعُوا السَّهْمَ قَلبِيْ
أَيُّهَا اللَّائِمُونَ كُفُّوا وَلَكِنْ
تِلْكَ ذِكرَى بِهَا تَهُونُ الرَّزَايَا
تَرَكَتْ زَيْنَباً تُنَادِيْ حُسيْناً
غَيَّرَتْنِيْ مَصَائِبُ الطَّفِّ حَتَّى
صِرْتُ أَدْعُوْ بَيْنَ العِدَى يَا حُمَاتِيْ
لَيْتَهُمْ شَاهَدُوْا عَنَايَ وَذُلِّيْ
كُنْتُ مَا بَيْنَهُمْ جَلِيْلَةَ قَدْرٍ
فَإِذَا مَا نَدَبْتُ جَدًّا وَعَمًّا
كَيْفَ حَبْسُ الدُّمُوعِ بَيْنَ الجُفُونِ
هَذِهِ دَارُ صَحْبِنَا يَا عُيُونِي
لَيْتَنِيْ مَا بَقِيتُ مُذْ وَدَّعُونِي
بِمُصَابِ ابْنِ فَاطِمٍ ذَكِّرُونِي
وَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ رَيْبِ المَنُونِ
يَا بْنَ أُمِّيْ وَوَالِدِيْ رَوَّعُونِي
إِنَّ مَنْ يَعْرِفُونِيْ لَمْ يَعْرِفُونِي
وَهُمْ رَاقِدُونَ ما سَمِعُونِي
وَسِيَاطَ القُسَاةِ فَوْقَ مُتُونِي
لَكِنِ اليَوْمَ فِي السِّبَا تَرَكُونِي
وَأَباً فِي سِيَاطِهِمْ ضَرَبُونِي

151


شعبي:

يا دارهم وين الميامين
يا دراهم كنتِ زهيّه
راحوا هلي من بين ايديّه
ما كنّي ذيك الهاشميّه
يا دمعتي ظلّي جريّه
العباس وينه ووين الحسين
وكانت قناديلك مضيّه
وظلّيت حرمه وأجنبيّه
عمّت عليّه الغاضريّه

أبوذيّة:

دمعتي احمرّت ابعيني ولا جيت
تصيح اعتب يبو الغيرة ولا جيت
على الهامت بوادي الطف ولا جيت
تحاميني وترد اخيول اميّه

152


ما حال بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا دخلن إلى المدينة وتذكّرنَ ذلك العزّ الذي خرجنَ به يوم خروج الحسين عليه السلام منها..

أمّا أمّ كلثوم فجعلت تبكي وتقول:

مَدِينَةَ جَدِّنَا لَا تَقْبَلِيْنَا
خَرَجْنَا مِنْكِ بِالأَهْلِيْنَ جَمْعاً   
وَكُنَّا فِي الخُرُوجِ بِجَمْعِ شَمْلٍ   
وَمَوْلَانَا الحُسَيْنُ لَنَا أَنِيْسٌ    
فَنَحْنُ الضَّائِعاتُ بِلا كَفِيْلٍ    
أَلَا فَاخْبِرْ رَسُولَ اللهِ عَنَّا    
وَإنَّ رِجَالَنَا بِالطَّفِّ صَرْعَى     
وَأَخْبِرْ جَدَّنَا أَنَّا أُسِرْنَا           
وَرَهْطُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ أَضْحَوْا     
وَقَدْ ذَبَحُوا الحُسَيْنَ وَلَمْ يُراعُوا     
فَلَوْ نَظَرَتْ عُيُونُكَ لِلأُسَارَىْ       
رَسُولَ اللهِ بَعْدَ الصَّوْنِ صَارَتْ    
وَكُنْتَ تَحُوطُنَا حَتَّى تَوَلَّتْ          
فَبِالحَسَرَاتِ وَالأَحْزَانِ جِيْنَا
رَجَعْنَا لَا رِجَالَ وَلَا بَنِيْنَا
رَجَعْنَا حَاسِريْنَ مُسَلَّبِيْنَا
رَجَعْنَا وَالحُسَيْنُ بِهِ دُهِيْنَا
وَنَحْنُ النَّائِحاتُ عَلَى أَخِيْنَا
بَأَنَّا قَدْ فُجِعْنَا فِيْ أَبِيْنَا
بِلَا رُؤُوْسٍ وَقَدْ ذَبَحُوا البَنِيْنَا
وَبَعْدَ الأَسْرِ يَا جَدُّ سُبِيْنَا
عَرَايَا بِالطُّفُوفِ مُسَلَّبِيْنَا
جَنَابَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فِيْنَا
عَلَى قُتُبِ الجِمَالِ مُحَمَّلِيْنَا
عُيُوْنُ النَّاسِ نَاظِرَةً إِلَيْنَا
عُيُونُكَ ثَارَتِ الأَعْدَا عَلَيْنَا

153


ثمّ توجّهت إلى الزهراء عليها السلام:

أَفاطِمُ لَوْ نَظَرْتِ إلَى السَبَايَا
أَفاطِمُ لَوْ نَظَرْتِ إلَى الحَيَارَى
فَلَوْ دَامَتْ حَياتُكِ لَمْ تَزَالِيْ
بَناتِكِ فِي البِلَادِ مُشَتَّتِيْنَا
وَلَوْ أَبْصَرْتِ زَيْنَ العَابِدِيْنَا
إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ تَنْدُبِيْنَا

وبعد أن وصل موكب السبايا إلى المدينة, دخلت العلويّات تتقدّمهنّ العقيلة زينب, حيث توجّهت إلى قبر جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأخذت بعضادتي باب المسجد وصاحت: يا جدّاه إنّي ناعية إليك أخي الحسين..

يجدي گوم شوف احسين مذبوح
يجدي من الطعن ما بگت بيه روح
يجدي مات محّد وگف دونه
يعالج بالشمس منخطف لونه
على الشاطي وعلى التربان مطروح
يجدي من العطش قلبه تفطّر
ولا نغّار غمضله اعيونه
ولا واحد ابحلگه ماي گطّر

وصاحت سكينة: يا جدّاه إليك المشتكى ممّا جرى علينا فوالله ما رأيت أقسى من يزيد ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه


154


 ولا أجفى وأغلظ, فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول: كيف رأيت الضرب يا حسين!

يجدي اعزيزكم منحور نحره
يجدي وهشّمت العدوان ظهره
اولعبت خيل عدوانه اعلى صدره
ولا مفصل ابجسمه موش مكسور


وأقبل عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى قبر جدّه ومرّغ خدّيه وبكى وأنشد يقول:

أُنَاجِيْكَ يَا جَدَّاهُ يَا خَيْرَ مُرْسَلٍ
أُنَاجِيْكَ مَحْزُوناً عَلَيْكَ مُؤَجَّلاً
سُبِيْنَا كَما تُسْبَى الإِمَاءُ وَمَسَّنَا
أَيَا جَدُّ يَا جَدَّاهُ بَعْدَكَ أَظْهَرَتْ
حَبِيْبُكَ مَقْتُوْلٌ وَنَسْلُكَ ضَائِعُ
أَسِيْراً وَمَالِيْ حَامِياً وَمُدَافِعُ
مِنَ الضُّرِّ مَا لَا تَحْتَمِلْهُ الأَضَائِعُ
أُمَيَّةُ فِيْنَا مُكْرَها وَالشَّنَائِعُ

فضجّ النّاس بالبكاء والنحيب وهم يندبون ويصرخون: وا محمّداه وا عليّاه وا حسناه وا حسيناه..
لكن ما هي حالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند هذا النعي؟! لعلّ إلى هذا يشير حجّة آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة الناحية المقدّسة:
"فقام ناعيك عند قبر جدّك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فنعاك إليه بالدمع الهطول، قائلاً: يا رسول الله قُتل سبطك وفتاك، واستُبيح أهلك


155


 وحماك، وسُبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك. فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفُجعت بك أمّك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقرّبين، تعزّي أباك أمير المؤمنين، وأُقيمت لك المآتم في أعلى علِّيّين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكّانها، والجِنان وخزّانها، والهضاب وأقطارها، والبحار وحيتانها، ومكّة وبنيانها، والجنان وولدانها، والبيت والمقام، والمشعر الحرام، والحلّ والإحرام..".

وأمّا الرباب عزيزة الحسين عليه السلام, التي يقول فيها وفي ابنته سكينة:

لَعَمْرُكَ إِنَّنِيْ لَأُحِبُّ دَاراً
أُحِبُّهُمَا وَأَبْذُلُ جُلَّ مَالِي
تَكُوْنُ بِهَا سُكَيْنَةُ وَالرَّبَابُ
وَلَيْسَ لِعَاتِبٍ عِنْدِيْ عِتَابُ

فلمّا رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظلّ تحت سقف حتّى ماتت بعد قتله كمداً سنة 62 هـ.
كانت إذا بزغت الشمس تأتي بابنتها سكينة وتجلس معها تحت الشمس وكانت الحوراء زينب عليها السلام تأتي إليها وتقول لها: رباب قومي عن حرارة الشمس, فتقول لها: سيّدتي زينب


156


 لا تلوميني إنّي نظرت إلى بدن العزيز أبي عبد الله تصهره الشمس على رمضاء كربلاء...

يزينب لا تلوميني على النوح
واعلى الگاع دم اتصبّ الجروح
شفت جسم الولي بالشمس مطروح
وصدره ابخيل اميّه امهشمينه

وكانت تجلس معها ابنتها سكينة فتخاطبها: بنيّة سكينة أين أبوك الحسين؟ فيعلو منها البكاء ثمّ تقول:

وَا حُسَيْناً فَلَا نَسِيْتُ حُسَيْناً
وَا حُسَيْناً فَلا نَسِيْتُ حُسَيْناً
تَرَكُوْهُ عَارٍ عَلَى الرَّمْضَاءِ
خَضَّبُوا شَيْبَهُ بِفَيْضِ الدِّماءِ

وبكت على الحسين عليه السلام حتّى جفّت دموعها, فصنعوا لها السويق لاستدرار الدمع..
وخطبها رجل من بعض الأشراف، فأبت وقالت: ما كنت لأتّخذ حِمىً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولم يسمع واعية مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّ عليهما السلام، وخرجت أمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت بنعي الحسين عليه السلام ومعها أخواتها أمّ هاني وأسماء ورملة وزينب بنت عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها


157


 بالطفّ, حتّى انتهت إلى قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فلاذت به وشهقت عنده ، ثمّ التفتت إلى المهاجرين والأنصار وهي تقول:

مَاذَا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ
بِعِتْرَتِيْ وَبِأَهْلِيْ بَعْدَ مُفْتَقَدِيْ
مَا كَانَ هَذَا جَزَايَ إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ
مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ الأمَمِ؟
مِنْهُمْ أُسَارَىْ وَمِنْهُمْ ضُرِّجُوا بِدَمِ
أَنْ تَخْلِفُوْنِيْ بِسُوْءٍ فِيْ ذَوِيْ رَحِمِيْ

وسمع أهل المدينة في جوف الليل منادياً ينادي يسمعون صوته، ولا يرون شخصه:

أَيُّهَا القَاتِلُوْنَ ظُلْماً حُسَيْناً
كُلُّ أَهْلِ السَّماءِ يَدْعُوْ عَلَيْكُمْ
لَقَدْ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسَانِ ابْنِ دَاوُدَ
أَبْشِرُوا بِالعَذَابِ وَالتَّنْكِيْلِ
مِنْ نَبِيٍّ وَمَلِكٍ وَقَبِيْلِ
وَمُوسَى وَعِيسَى صَاحِبِ الإِنْجِيْلِ

وزينب عليها السلام لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب, وكلّما نظرت إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام تجدّد حزنها وزاد وجدها..
 

كلما تشوفه عمّته يكثر حزنها
تذكر مصايب كربلا والمشت
واتگوم تبكي وتنتحب ويهل دمعها
عنهاذيك العشيرة الگضت بين سيوف اميّه

158


يَا غَائِباً عَنْ أَهْلِهِ أَتَعُوْدُ أَمْ
يَا لَيْتَ غَائِبَنَا يَعُوْدُ لِأَهْلِهِ
لَوْ كَانَ مَجْرُوْحاً لَعُوْلِجَ جُرْحُهُ
تَبْقَى إِلَى يَوْمِ المَعَادِ مُغَيَّبَا؟
فَنقُوْلُ أَهْلاً بِالحَبِيْبِ وَمَرْحَبَا
كَيْفَ العِلَاجُ وَنُورُ بَهْجَتِهِ خَبَا؟

159