مجلس حال بنات الرسالة ورضّ الجسد الشريف

أَرُوحُكَ أَمْ رُوحُ النُّبُوَّةِ تَصْعَدُ
وَرَأسُكَ أَمْ رَأسُ الرَّسُولِ عَلَى القَنَا
وَصَدْرُكَ أَمْ مُسْتَوْدَعُ العِلْمِ وَالحِجَى
فَأَيُّ شَهِيْدٍ أَصْلَتِ الشَّمْسُ جِسْمَهُ
وَأَيُّ ذَبِيْحٍ دَاسَتِ الخَيْلُ صَدْرَهُ
أَلَمْ تَكُ تَدْرِيْ أَنَّ رُوحَ مُحَمَّدٍ
فَلَوْ عَلِمَتْ تِلْكَ الخُيُوْلُ كَأَهْلِهَا
لَثَارَتْ عَلَى فُرْسَانِهَا وَتَمَرَّدَتْ
وأَعْظَمُ ما يُشْجِي الغَيُورَ حَرَائِرٌ
فَمِنْ مُوثَقٍ يَشْكُو التَّشَدُّدَ مِنْ يَدٍ
مِنَ الأَرْضِ لِلفِرْدَوْسِ والحُورُ سُجَّدُ؟
بِآيَةِ أَهْلِ الكَهْفِ رَاحَ يُرَدِّدُ؟
لِتَحْطِيْمِهِ جَيْشٌ مِنَ الغَدْرِ يَعْمَدُ؟
وَمَشْهَدُهَا مِنْ أَصْلِهِ مُتَوَلِّدُ؟
وَفُرْسَانُهَا مِنْ ذِكْرِهِ تَتَجَمَّدُ؟
كَقُرْآنِهِ في سِبْطِهِ مُتَجَسِّدُ؟
بِأَنَّ الَّذِيْ تَحْتَ السَّنَابِكِ أَحْمَدُ
عَلَيْهِمْ كَمَا ثَارُوا بِهَا وَتَمَرَّدُوا
تُضَامُ وَحَامِيْهَا الوَحِيْدُ مُقَيَّدُ
وَمُوْثَقَةٍ تَبكِيْ فَتَلْطِمُهَا اليَدُ

17


شعبي:

خويه انعمت عيني ولا شوفك
واصحابك وأهل بيتك
عساها تعثّرت هالخيل
ويلي نادى بن سعد يا خيلنا وين
يرض صدره والظهر زين
ركبت له من الفرسان عشره
ذبيح ويجري دم نحرك
ضحايا مطرّحة بجنبك
ولا داست على صدرك
من يركب يرض ضلوع الحسين
ويرض الباقي لعظامه ويسدر
ولعبت خيلهم ويلي على صدره

أبوذيّة:

امصابك يسعر ابقلبي وناراك
صدك جسمك يرضونه وناراك
صفيت من الحزن علّه وناراك
امعفّر عاري امسلّب رميّه

18


بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام نادى عمر بن سعد بنداءين يحرقان القلوب:
النداء الأوّل: أحرقوا خيام الظالمين!! ففرَّتْ بنات رسول الله في البيداء بلا حامٍ ولا معين وهنَّ يصحن: وا محمّداه !واعليّاه!.

يقول حميد بن مسلم: لمّا أحرقوا الخيام على بنات رسول الله فررن في البيداء, وبينما أنا أنظر إلى الخيام الملتهبة رأيت امرأة جليلة واقفة بباب الخيمة, وأحياناً تدخل في داخل الخيمة الملتهبة وتخرج, فأسرعت إليها وقلت: يا هذه ما وقوفك ههنا والنّار تشتعل من جوانبك وهؤلاء النسوة قد فررن وتفرّقن؟ ولمَ لم تلحقي بهنّ؟ وما شأنك؟ فبكت وقالت: يا شيخ إنّ لنا عليلاً في الخيمة وهو لا يتمكّن من الجلوس والنهوض, فكيف أفارقه وقد أحاطت النّار به؟!

ويقول حميد بن مسلم أيضاً: ورأيت طفلة من أطفال الحسين عليه السلام قد فرّت في البيداء والنّار تلتهب في أذيالها وهي فزعة مرعوبة فاقتربتُ منها وقلت: بنيّة النّار كادت أن تلتهمك, فالتفتت إليَّ وهي تظنّ بأنّي من معسكر ابن سعد وقالت: يا شيخ أنت لنا أم علينا؟ قلت: سيّدتي أنا لا لكم لا عليكم.


19


قالت: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قلت: بلى, قالت: هل قرأت هذه الآية: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ, قلت: بلى, قالت: يا شيخ أنا يتيمة الحسين عليه السلام, قلت: بنيّة إلى أين ذاهبة؟ قالت: ذكرت لي عمّتي زينب أنّ لنا قبراً في النجف وهو قبر جدّي أمير المؤمنين أريد أن أمضي وألوذ به. قلت: بنيّة إنّ بينك وبين النجف مسافة, قالت: إذاً يا شيخ دلّني على جسد والدي (الحسين عليه السلام)..

يقول: أخذت بيدها إلى جسد أبيها, لمّا رأته جثّة بلا رأس رمت بنفسها عليه, واعتنقته وهي تقول: أبه يا حسين! من الذي قطع الرأس الشريف؟ من الذي خضّب الشيب العفيف؟ من الذي أيتمني على صغر سنّي؟

يا والدي والله هظيمه
أتاري الأبو يا ناس خيمه
أنا صير من صغري يتيمه
يفيي على بناته وحريمه

والنداء الثاني: حينما نادى اللعين: ألا من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل صدره وظهره! فانتدب عشرة أفراس وداسوا بحوافر خيولهم صدر الحسين وظهره..

ما حال بنات رسول الله وهنّ ينظرن إلى هذا المشهد, ما


20


حال زينب ساعد الله قلبها:

أنا أرْد انشد الخيّالة المقبلين
بعده يون لو بطّل احسين
ولا راعوا لعد جدك ولا بوك
لعبت على بن امي الميامين
ويلي بعد الذبح يا خوي داسوك
كنت ذخري وتحت الخيل خلوك

ساعد الله قلبها, ما حالها والنساء قد تفرّقن عنها يميناً وشمالاً, والأطفال فرَّتْ في البيداء بعد هجوم الخيل على الخيام, خرجت زينب عليها السلام تتفقّدهم فوجدت طفلين ميتين على الثرى,لا يُدرى هل ماتا من العطش؟! أم من دهشة خوف العدوّ؟!

خويه تحيرت والله ابيتاماك
                  ما ينحمل يحسين فرگاك
والمثل هذا الوگت ردناك

وعن بعضهم: لمّا خمدت النيران افتقدت زينب عليها السلام طفلين من الأطفال فجعلت تدور في المعركة وتبحث عنهما إلى أن وجدتهما وقد جعلا صدرَيْهما على الرمل, ولمّا حرّكتهما وإذا بهما ماتا من شدّة العطش..


21


فجعل العسكر يوبّخ ابن سعد فأمر السقّائين أن يحملوا القرب ويعرضوا على الأطفال الماء, فجاء السَّقَّاؤون بالماء إلى الأطفال وهم ينادون: هلمّوا اشربوا الماء, لكنّ هؤلاء الأطفال لمّا رأوا الماء وقد أبيح لهم تصارخوا وأخذوا ينادون: نحن لا نشرب الماء وسيّدنا الحسين قتل عطشانَ.

هالماي والله ما نشربه
او فوق العطش طعنة الحربه
وحسين ظل عطشان قلبه
او گطعوا علينه الگوم دربه

ولمّا أمسى الليل وجاءت ليلة الحادي عشر من المحرّم, قامت الحوراء زينب عليها السلام بجمع العيال والأطفال في مكان واحد, أخذ الأطفال ينظر بعضهم إلى بعض, هذه تنادي: عمّه أين أبي؟ وذاك ينادي: أين عمّي؟ وآخر ينادي: عمّه أين أخي؟

صاحت يبو اليمه ابدمع جاري
يخويه المن أسكّت يو أباري
بناتك زيِّدن عگبك مراري
او تدري اشكم طفل عگبك تيتّم

وجاء أحد الأشخاص من معسكر ابن سعد ودنا من المخيّم, قالت: يا هذا ماذا تريد؟ قال: لقد أرسلني ابن سعد لحراستكم,


22


قالت: أَوَ بعدَ عين أبي عبد الله وأبي الفضل أنت تحرسنا؟!

توجّهت إلى جهة النجف إلى أبيها أمير المؤمنين..

بويه عليَّ الليل هوّد
وشيّال حملي راح وبعد
بالحسين هالعندي مدّد
وآنه حرمه وغريبه مالي أحد
بيمن يبويه القلب يضمد
وبن والدي العباس ما رد

وفي هذه الليلة افتقدت الحوراء زينب عليها السلام الرباب زوجة الإمام الحسين عليه السلام, فأخذت تبحث عنها بين النساء فلم تجدها, فنزلت إلى ساحة المعركة, (رباب أين أنت؟) لعلّها تجدها عند جسد الحسين عليه السلام, فلمّا صارت قريبة من الجسد سمعت أنيناً وحنيناً, فعرفت زينب أنّها الرباب, قالت: رباب! ما الذي جاء بك إلى هنا؟! قالت: يا بنت رسول الله, إنّه لمّا أباح لنا القوم الماء درَّ اللبن في صدري فجئت لأرضع ولدي..

يبني يعبد الله اعلى فرگاك
يا دين گلي لحرمله وياك
صبري انفنى ودرّن ثداياك
للماي حين اشبحت عيناك

23


نيشن عليك ابسهم ورماك                                                         اوخيّب ارجاي الكان برباك

بُنَيَّ أَفِقْ مِنْ سَكْرَةِ المَوْتِ وَارْتَضِعْ                                               بِثّدْيَيْكَ عَلَّ القَلْبَ يَهْدَأُ هَائِمُهْ


24