مجلس الخروج من كربلاء

وَأَعْظَمُ خَطْبٍ زَلزَلَ الكَوْنَ شَجْوُهُ
هُجُوْمُ الْعِدَى بَغْياً عَلَىْ حُجُبِ أَحْمَدٍ
فَبيْنَا بَناتُ الوَحْيِ فِيْ الخِدْرِ إِذْ بِهَا
فَفَرَّتْ مِنَ الأَعْدَاءِ حَسْرَىْ مَرُوْعَةً
تُجِيْلُ بِطَرْفٍ لِلحُمَاةِ فَلَا تَرَىْ
وَنَادَتْ وَقَدْ عَضَّ المُصَابُ فُؤَادَهَا
أَيَا سَائِقَ الأَضْعَانِ قِفْ لِيْ هُنَيْهَةً
أُغَسِّلُ أَجْسَاداً لَهُمْ بِمَدَامِعٍ
فَمَرُّوْا بِهَا وِالهَاشِمِيُّوْنَ كُلُّهُمْ
فَنَادَتْهُمُ قُوْمُوا عُجَالاً فَمَا العَرَىْ
فَمَاجَتْ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيْدِ جُسُومُهُمْ

وَدَكَّ الرَّوَاسِيْ فَهْيَ مِنْهُ رِمَامُ
وَلَمْ تُرْعَ فِيْهَا لِلنَّبِيِّ ذِمَامُ
أَحَاطَتْ لِسَلبِ الطَّاهِرَاتِ لِئَامُ
لَهَا الصَّوْنُ سِتْرٌ والعَفَافُ لِثَامُ
سِوَىْ جُثَثٍ قَدْ غَالَهُنَّ حِمَامُ
وَشَبَّ لَهَا بَيْنَ الضُّلُوعِ ضِرَامُ
فَهَا إِخْوَتِيْ فَوْقَ الصَّعِيْدِ نِيَامُ
أُكَفْكِفُهَا بِالرَّاحِ وَهْيَ سِجَامُ
ضَحَايَا عَلَىْ شَاطِي الفُرَاتِ نِيَامُ
بِدارٍ وَلا هَذا المُقَامُ مَقامُ
وَلَوْ أَذِنَ اللهُ القِيَامَ لَقَامُوا

43


شعبي:

يحادي الركب گلّي وين تردون
يحادي الركب لا تبخل علينه
يمّه تگعد سويعه سكينه
مر بينه نودّع حسين ساعه
مهو حسين الكسر قلبي وراعه
على جثة ولينه ما تمرّون
تمر بينه على عزنه وولينه
تشمّه وتلثم جروحه وتشيلون
يسر قبلي ويرد روحي وداعه
وخلّه القلب طول الدهر محزون

أبوذيّة:

حدا حادي الفلا بركبه وظعنه
تسلّبنا وتيسّرنا وظعنه
الدهر من عقب رفعتنه وظعنه
بعد عبّاس حماي الحميّه

44


لمّا مرّوا بالنساء على أرض المعركة, أرادت زينب عليها السلام أن ترمي بنفسها من على ظهر النّاقة, فناداها السجّاد عليه السلام: عمّة ارحمي حالي, ارحمي ضعف بدني إذا رميت بنفسك من يركّبك وأنا مقيّد؟ قالت: يا بن أخي أريد أن أودّع أخي الحسين عليه السلام, فقال لها: عمّة ودّعي أخاك وأنت على ظهر النّاقة, فجعلت تنادي:

أودعتك الله السميع العليم, يا بن أمّ, أخي لقد جاؤونا بالنّياق مهزولة لا موطّأة ولا مرحولة, والله لو خيّروني بين المقام عندك أو الرحيل عنك, لاخترت المقام عندك ولو أنّ السباع تأكل لحمي..ولكن هذه نياق الرحيل تجاذبنا بالمسير..

اشلون أمشي وخلّي حسين وحده
يا ريت خدي معفّر دون خدّه
ودعتك الله يا ذبيح الما شرب ماي
يا مقطع الأوصال لو يحصل على هواي
طريح ويابس من العطش كبده
وقلبي دون قلبه كان مطعون
وعنك ينور العين سافرت بيتاماي
ما فارقت جسمك يبو روح الحنينه

45


ودعتك الله سفرتي صعبة وطويلة
ما بقى منكم واحد يخوتي اشتكيله
يحجاب عزّي ناقتي عجفه وهزيله
بس العليل وفوق ناقه مقيدينه


وأمّا الإمام زين العابدين فروي عنه أنّه قال:
"إنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا، وقتل أبي عليه السلام، وقتل من كان معه من ولده وإخوته وساير أهله، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى، ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري، يشتدّ لِما أرى منهم قلقي, فكادت نفسي تخرج، وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب بنت عليّ الكبرى، فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرّعين بدمائهم مرمّلين بالعراء، مسلّبين لا يكفّنون ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!

(فأخذت تسكّنه وتسلّيه) فقالت: لا يجزعنّك ما ترى, فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه


46


الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء عليه السلام لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور اللّيالي والأيّام, وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً وأمره إلّا علوّاً..".
 

حيّرني الدهر بحسين
لا أگدر أعوفنّه
شلون امشي وخلي حسين
بحر الشمس عاري
يا هو يغسله خلافي
ويا هو يوسده بلحده
وعليَّ ثقل همّه
ولا أگدر أظل يمّه
جسمه موسّد الغبره
ودمه يسيل من نحره
ويا هو ينزله بقبره
ويشيل سهم البكبده


وأمّا أمّ كلثوم فلمّا نظرت إلى أخيها الحسين عليه السلام, وقعت


47


على الأرض وحضنت جسده, وهي تقول ببكاء وعويل: يا رسول الله انظر إلى جسد ولدك ملقىً على الأرض بغير غسل, وكفّنه الرمل السافي عليه, وغسله دمه الجاري من وريديه, وهؤلاء أهل بيته يُساقون أسارى في سبي الذلّ, ليس لهم محامٍ يمانع عنهم, ورؤوس أولاده مع رأسه الشريف على الرماح كالأقمار..
 

يحادي الظعن بالله الظعن وانه
يظل عاري على التربان وانه
ما تسمع ولينه كثر وانه
أروح ابيسر للطاغي هديّه

وهكذا وقعتِ النسوة على مصارع قتلاهنّ ينحن ويبكين ويندبن وأطلن المقام والنياحة على جسوم القتلى, فأتاهنّ زجر بن قيس وصاح بهنّ, فلم يقمن, فأخذ يضربهنّ بالسوط, واجتمع عليهن النّاس حتّى أركبوهنّ على الجمال قهراً..

وسيّروا النسوة إلى الكوفة سبايا على أقتاب المطايا, وهنَّ على تلك الحالة التي ينكسر لها القلب ويدمى لها الحشا..
لكنّ زينب عليها السلام تنظر بعينها وتودّع كربلاء, تترك أحبّتها على الثرى, أجساداً بلا رؤوس, وتفارق معهم جسد أخيها الحسين عليه السلام..


48


أنا لو ينشرى الموت اشتريته
وذبّاح اخيي رافقيته
أنا مشيت درب الما مشيته
شتم والدي وانكر وصيته

خرجت من كربلاء وقلبها نصفان, نصف بقي مع جسده الملقى بالعراء, ونصف مع رأسه الذي سبقها إلى الكوفة, ولم تَرَ وجه أخيها منذ ليلتين..
خرج الركب من كربلاء وأدخلوه إلى الكوفة, زينب عليها السلام تنظر, وإذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام وهو رأس زهريّ قمريّ أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ووجهه دارة قمر طالع والريح تلعب به يميناً وشمالاً, فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فضربت جبينها بمقدّم المحمل، حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها, وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

يَا هِلَالاً لَمَّا اسْتَتَمَّ كَمَالاً
مَا تَوَهَّمْتُ يَا شَقِيْقَ فُؤَادِيْ
غَالَهُ خَسْفُهُ فَأَبْدَىْ غُروبَا
كَانَ هَذَا مُقَدَّراً مَكْتُوبَا

49