اليوم الثاني

العلاقة مع القرآن

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

وقَفَ الحُسينُ مُسَلِّمَاً وَمُوَدِّعاً                   قَبرَ الرسولِ وسيِّدِ الأطهارِ

وعلى الخُدودِ تَحدَّرت دمعاتُهُ                   يَشكُو الأسَى مِن صَولَةِ الكُفّارِ

ناجاهُ يا جدَّاه ُ يا خَيرَ الوَرَى                   كيفَ السَبيلُ لِطاعَةِ الغَفَّارِ

وعلى البِلادِ تَسَلَّطَت فُجَّارُها                    والدينُ أضحَى لُعبةَ الأشرارِ

ناداهُ مِن خَلفِ الغُيوبِ مُواسِياً                 وَلدي فَديتُكَ يا هُدى الأبرارِ

قد شاء ربُكَ أن تكونَ مُجَدِّداً                    شَرعَ الرسولِ وقُدوةَ الأخيارِ

صَبراً على حُكمِ الإلهِ وأمرِهِ                     لتكونَ دَوماً قِبلةَ الأحرارِ


15


قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1.

القرآن الثقل الأكبر:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". فالتمسّك بالقرآن الكريم تمسّك بالثقل الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نتمسّك به لنصل إلى السعادة الحقيقيّة.

وتكمن أهميّة القرآن الكريم أنّه كلام الله عزّ وجلّ الذي أرسله لنا عبر أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما تكمن عظمة القرآن الكريم في أنّه نزل في أفضل الشهور- شهر رمضان-، وأفضل الليالي- ليلة القدر-.

فضل تلاوة القرآن الكريم:

إعلم أيّها العزيز أنّ الله تعالى وعد الإنسان الذي يقرأ القرآن ويتدبّر آياته أجراً عظيماً وقد ذكر تعالى ذلك في كتابه الكريم.

قال تعالى
:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ 2.


16


جاء عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "عدد درج الجنّة عدد آي القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنّة قيل له:اقرأ وإرقأ، لكلّ آية درجة، فلا تكون فوق حافظ القرآن درجة".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنّه كلام الرحمان وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان".

آداب تلاوة القرآن الكريم

توجد آداب على المسلم أن يلتزم بها حينما يريد قراءة القرآن وهي:

- الوضوء: قال تعالى:
﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 3.

- تنظيف الفم قبل التلاوة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: " نظّفوا طريق القرآن، قيل يا رسول الله: وما طريق القرآن؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفواهكم.

قيل: بماذا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: بالسواك".

- البدء بالاستعاذة من الشيطان الرجيم: قال تعالى:
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 4.


17


- القراءة بهدوء وتمعّن وخشوع وترتيل: قال تعالى:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ5.

- الابتعاد عن الأصوات المنكرة والألحان الهزلية: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتهم، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يُرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم".

- الإصغاء والإنصات وحضور القلب والخشوع والتدبر: قال تعالى:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ6.

وقال تعالى:
﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 7.

الحسين عليه السلام خرج لحفظ القرآن:

إنّ خروج الحسين كان لهدف عظيم وهو حفظ الإسلام، وممّا خرج


18


لحفظه عليه السلام القرآن الكريم، فالإمام خرج ليحفظ دين جدّه صلى الله عليه وآله وسلم من الضلال والإنحراف، لأنّ يزيد وأمثاله قاموا بتفسير القرآن على غير حقيقته بحيث يناسب غاياتهم، وجعلوه طريقاً لمنافعهم الشخصيّة، لذلك ثار الإمام الحسين طالباً الإصلاح في أمّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم.

فالإمام الحسين عليه السلام أراد بخروجه أن يحافظ على القرآن ويحفظ معانيه، فقدّم الغالي والنفيس في سبيل ذلك.

النعي:

وقبل أن يخرج من مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، زار الحسين عليه السلام قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم يشكو حاله وما أصابه من خذلان الناس، وراح يصلّي ويبكي، ويدعو الله، فوضع رأسه على قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم فغفا، فرأى في المنام أنّ جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين جماعة من الملائكة عن يمينه وعن يساره، وبين يديه، فضمّ الحسين عليه السلام، وقبَّل ما بين عينيه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كربلاء بين عصابة من أمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.. حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ، وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك


19


في الجنان لدرجات لا تناهلها إلّا بشهادتك".

نعم يا شيعة علي، ويا أحبّة المهدي عليه السلام ، إنّ الحسين لم يصل إلى هذا المقام إلّا بالشهادة، لذلك قتل في كربلاء ظمآناً عطشاناً، ذبيحاً وقد قطعوا رأسه عن بدنه، وتركوا جسمه على الثرى وهو مخضب بدمه.

ضُمَّني عندَكَ يا جَدّاهُ في هذا الضَريحِ        علّّني يا جَدُّ مِن بَلوَى زَماني أستَريحُ

فَعَلا مِن دَاخِلِ القَبرِ بُكاءٌ ونَحيب              ُونِداءٌ بافتجاعٍ يا حبيبي يا حُسين


إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.


20


هوامش
1- إبراهيم: 1
2- فاطر:29
3- الواقعة: 79

4- النحل: 98
5- الأنفال:2
6- الأعراف:204
7- الحشر: 21