اليوم الرابع

العبادة

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.


القصيدة:

لو كان ينفعُ للعليلِ غليلُ                فَاضَ الفُراتُ بِمَدمَعِي والنِيلُ

كيفَ السُلُوُ وَلَيسَ بَعدَ مُصِيبَةِ          ابنِ عَقِيلٍ لِي جَلَدٌ وَلا مَعقُولُ

أفديهِ مِن فَادٍ شَريعةَ أحمَدٍ               بِالنَفسِ حَيثُ النَاصِرونَ قَليلُ

حَكَمَ الإلهُ بِِما جَرَى فِي مُسلِمٍٍ            واللهُ لَيسَ لِحُكمِهِِ تَبدِيلُ

خذلوهُ وانقلبُوا إلى ابنِ سُميّةٍ          وعن ابنِ فَاطِمةٍ يزيدُ بَديلُ

آوَتهُ طَوعَةُ مُذْ أتَاهَا والعِدَى           مِن حَولِهِِ عَدْواً عليهِ تَجُولُ


27


مكانة الصلاة:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننّ أحدهم وجه دينه". وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين".

ثواب الصلاة:

عن سلمان الفارسي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ظلّ شجرة، فأخذ غصناً منها فنفضه فتساقط ورقه، فقال: "ألا تسألوني عن ما صنعت"؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ العبد إذا قام إلى الصلاة تحاتت عنه خطاياه كما تحاتّ ورق هذه الشجرة".

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الإنسان إذا كان في الصلاة فإنّ جسده وثيابه وكلّ شيء حوله يسبّح".

- الصلاة في أوّل وقتها:

إنّ الصلاة في أوّل وقتها هو الأمر المطلوب، فالإنسان الذي يؤخر صلاته ولا يبالي لأدائها ويسهى عنها يكون من الذين توعّدهم الله بالويل، قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ.


28


- صلاة الجماعة:

إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يترك صلاة الجماعة حتى في كربلاء، ففي ليلة العاشر من المحرّم قال الإمام الحسين لأخيه العبّاس عليه السلام: "إرجع إليهم واستمهلهم هذه العشيّة إلى غد، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له، وتلاوة القرآن وكثرة الدعاء، والاستغفار".

وفي يوم العاشر من المحرّم، نظر أبو ثمامة الصائدي في السماء وأخذ يقلّب وجهه فيها، ثمّ توجّه نحو الإمام الحسين عليه السلام، وقال: نفسي لنفسك الفداء، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك والله لا تقتل حتى أقتل معك، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فأجابه الحسين عليه السلام: "ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين، وأقاموا الصلاة".

فالصلاة هي عمود الدين، هي التي صالح لأجلها الحسن عليه السلام، وخرج دفاعاً عنها الإمام الحسين عليه السلام، وقتل بسببها مسلم بن عقيل ذاك البطل الشجاع، وكان أوّل من استشهد في ثورة الإمام الحسين عليه السلام. مسلم ذاك السفير الأمين الذي لم يهب الموت، بل ذهب لأخذ


29


البيعة للحسين عليه السلام، وكان يصلّي في المسجد مراراً وتكراراً، ولكن في صلاته الأخيرة بدأ جماعته وخلفه صفوف كثيرة ولكنه أتمّ صلاته وحيداً فريداً، عندما خذله الناس،كما فعلوا بالإمام الحسين عليه السلام. مسلم ابن عقيل لم يجد معيناً سوى طوعة، تلك المرأة التي أعانته إكراماً له ولأهل البيت عليهم السلام . ولكن بعد أن انكشف أمره وقبض عليه تألّم مسلم، وكان أكثر ما يؤلمه تلك الرسالة التي بعثها إلى الإمام الحسين عليه السلام والتي تتحدّث عن بيعة أهل الكوفة له. هذه الرسالة أبكت مسلماً، فحينما كانوا يقتادونه إلى قصر ابن زياد، قال له أحدهم: إنّ الذي يطلب ما تطلب لا يبكي إذا نزل به ما نزل بك. فقال مسلم: لست لنفسي أبكي، إنّما أبكي لأهلي المقبلين، أبكي لحسين وآل حسين.

النعي:

ولمّا أدخل مسلم إلى قصر بن زياد، أمر بأن يؤخذ إلى أعلى القصر فيقطع رأسه، ويرمى به من أعلى القصر، ففعلوا ذلك، ولكنّهم لم يكتفوا بذلك بل ربطوا رجليه بحبلٍ وجرّوه في أزقّة وشوارع الكوفة، والناس تنظر وترى ما حلّ به ولا تحرّك ساكناً.

وبعدما قتل مسلم وجرى له ما جرى، وصل الخبر إلى الإمام


30


الحسين عليه السلام، وكان لمسلم بنت صغيرة تسمى حميدة، ذهب إليها الحسين عليه السلام بعدما طلب من العقيلة زينب إحضارها إليه. فوضعها في حضنه الشريف وراح يمسح على رأسها، أدركت حميدة عند ذلك ما يريد الإمام عليه السلام أن يخبرها به، لأنّه مسح على رأسها، ومسح الرأس يكون لليتيم. فقالت له: هل قتل أبي؟.

فجرت دموع الإمام على خدّيه، فعلا بكاء ونحيب النساء، فقال الإمام عليه السلام لحميدة: "بنيّة إن قتل أبوك فأنا أبوك، وبناتي أخواتك".

ولهُ ابنةٌ مسحَ الحسينُ برأسِها      واليتمُ مسحُ الرأسِ فيه دليلُ

لمّا أحسّت بيُتمِها صَرَخَت ألا      يا والدي حُزني عليك طويلُ



إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.


31