اليوم الخامس

أهميّة الأخوة والصداقة

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

شَهدَ الحسينُ بأنّهم أنصارُ                 خطّوا سبيلاً للوفاءِ وسَاروا

هُم صَفوةُ الأقوامِ بعضُ شُيوخِه           هُم قِلّةٌ لكنّهم أحرارُ

هُم قُدوةُ الأنصارِ في يَومِ الوَغَى          أرَأيتَ إنْ جَلَّتِ الأخبارُ

أقوى مِن الإعصارِ عِندَ هُبوبِِه              ولِمثلِهم قَد يَنحَني الإعصارُ

أحلَى مِن الأقمارِ يَومَ تمامِها              فَتَناثَرت مِن فِعلِهم الأنوارُ

أغلَى مِن التِذكَارِ فوحُ عَبيرِهِم            شَهِدَ الحُسينُ بأنَّهم أنصارُ


33


اعلم أيّها العزيز أنّ الأخوة على قسمين:

1- الأخ من الوالدين.


2- الأخ في الدين
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.

وحديثنا سيكون في القسم الثاني.

إنّ الإنسان المؤمن الناجح هو الذي يبني العلاقات الإجتماعية بشكل سليم ويجعل الأصدقاء من حوله بل يكثر منهم، فعن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استكثروا الإخوان، فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة".

وقد سمّي الأخ والصديق بذلك لنزاهتهم وأمانتهم، قال حبيبنا ومولانا الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة، وسمّوا أصدقاء لأنّهم تصادقوا حقوق المودة"، فالصديق هو سندٌ وعونٌ عند الشدائد، بل هو المسكن والملجأ كما ورد عن صادق أهل البيت عليه السلام: "لكلّ شيءٍ شيءٌ يستريح إليه، وإنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن، كما يستريح الطير إلى شكله"، ومن منّا لا يرغب بهذه الراحة التي لو لم يكن لها فائدة غيرها لكفت، فكيف إن كان هناك العديد من الفوائد والثمرات التي يبشّرنا بها أهل البيت عليهم السلام فقد جاء في الحديث الشريف: "من استفاد أخاً في الله عزّ وجلّ استفاد بيتاً في الجنّة"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "النظر إلى الأخ تودّه في الله عزّ وجلّ عبادة".


34


وعليه فالتآخي والصداقة في الإسلام من الأمور المرغوبة والمطلوبة، والذي لا يتخذ أصدقاء وإخوة له يعيش في خسارة ووحدة، بل يكون كما وصفه أمير المؤمنين عليه السلام: "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم".

ولكن هل نكثر من الأصدقاء أياً كانوا هؤلاء الأصدقاء؟ والجواب: أنّه لا بدّ لنا من الإلتزام بالضوابط والموازين التي حدّدها لنا الإسلام عبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام في عمليّة اختيار الإخوة والأصدقاء، كما قال مولانا وحبيبنا وسيدنا الإمام الصادق عليه السلام: "واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيّين، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم".

دور التآخي في المجتمع المؤمن:

يعتبر الإسلام أنّ المؤمنين يجب أن يكونوا كالجسد الواحد، فحينما يمرض عضو تتأثّر باقي الأعضاء لمرضه، فعن سيدنا ومولانا وطبيب قلوبنا الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح


35


واحدة، وإنّ روح المؤمن أشدّ اتصالاً من اتصال شعاع الشمس بها".

وعليه فإنّ تأثير الأخوّة والصداقة على الحالة الإيمانيّة العامّة كبير جداً، فمن فوائدهما:

القدرة على تجاوز الأزمات والصعاب التي تواجه المؤمنين.

تنميّة روح التعاون والإيثار والبذل والعطاء بين المؤمنين.

تقوية روح الجماعة وتخفيف الروح الفرديّة والأنانيّة.

أصناف الإخوان:

جاء في الحديث الشريف عن سيّد العالمين بعد رسول الله أمير المؤمنين عليه السلام: "الإخوان صنفان: إخوان الثّقة، وإخوان المكاشرة1، فأمّا إخوان الثقة، فهم الكفّ والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حدّ الثّقة، فابذل له من مالك وبدنك، وصاف من صافاه وعاد من عاداه، واكتم سرّه وعيبه، واظهر منه الحسن، واعلم أيّها السائل انّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، وأما إخوان المكاشرة، فإنّك تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان".


36


أصحاب الإمام الحسين عليه السلام:

إنّ أرقى نموذج للأخوّة والصداقة وأسمى علاقة بين الأصحاب هي تلك العلاقة التي جسّدها أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في وقفتهم معه في كربلاء، حتى وصل الأمر أن يضحّوا بأنفسهم من أجله، فكانوا خير الأصحاب وخير الأوفياء، فقد قال فيهم مولانا الإمام الحسين عليه السلام: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي.. ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي.. فجزاكم الله عنّي خيراً.. ألا وإنّي لأظن لنا يوماً من هؤلاء.. ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام.. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري". فوقف أصحابه الأبطال أمثال حبيب بن مظاهر، وزهير بن القين، وسويد بن أبي المطاع، ونافع بن هلال البجليّ، وجون مولى أبي ذر، وغيرهم، يرفضون التخلّي عنه بل يستعدّون للشهادة بين يديه، فهذا مسلم بن عوسجة بطل معارك أذربيجان والذي بسيفه وسيوف أمثاله كان الفتح قال: "أنحن نخلّي عنك؟! ولم نعذر إلى الله في أداء حقّك، لا


37


والله، لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك، حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك أو أموت معك". وذاك سعيد بن عبد الله الحنفيّ يقول: "مولاي... والله لو علمت أنّي أقتل فيك، ثمّ أحيا، ثمّ أحرق حياً، ثمّ أذرى، يفعل بي ذلك سبعون مرّة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة".

النعي:

نعم هؤلاء هم أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، هؤلاء هم الأبطال، هم أهل الإيثار، الذين بذلوا الغالي والنفيس فداءً للحسين وأهل بيته عليهم السلام .

في اليوم العاشر من شهر محرّم، بدأ الأصحاب يتقدّمون للقتال بعد استئذانهم من الإمام عليه السلام تارة فرداً فرداً وأخرى إثنان وأحياناً ثلاثة، حتى يستشهدوا رضوان الله عليهم، إلى أن سقط مسلم بن عوسجة، فمشى نحوه الإمام الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر، وكان ما يزال حيّاً، فقال الإمام عليه السلام: "رحمك الله يا مسلم، وتلا قوله تعالى:
﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. ثمّ دنا منه حبيب، وقال له: "لولا


38


أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصيني بجميع ما أهمّك". نعم ماذا يوصي مسلم في حاله هذه؟ نعم، الله أكبر، ما أعظمها من وصيّة، التفت مسلم إلى حبيب وقال: "أوصيك بهذا الغريب- وأشار إلى الحسين عليه السلام- فقاتل دونه حتى الموت". وهكذا فعل حبيب، قاتل حتى استشهد بين يدي سيّدي ومولاي الإمام الحسين عليه السلام، نعم مات مدافعاً عن حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندها مشى الإمام عليه السلام واتجه نحو حبيب فبكى وقال: " لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة".

نعم، هذا حال أصحاب الحسين عليه السلام... وعندما استشهدوا بأجمعهم نادى الإمام الحسين عليه السلام: "يا حبيب بن مظاهر، يا زهيربن القين، يا مسلم بن عوسجة، يا فرسان الصفا، وأبطال الهيجا، ما لي أدعوكم فلا تجيبون وأناديكم فلا تسمعون".

يا حبيبَ القلوبِ رِزؤكَ مَهمَا       ذَكَرَتْهُ الرَاثُون شَقَّ القُلُوبا

يا وَحِيداً حَامَيتَ دون وحيدٍ        حيثُ لا نَاصِرٌ يُرى أو مُجيبَا

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.


39


هوامش

1- المكاشرة في اللغة: من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك، وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه.