الوَداعُ

ولمَّا عَزمَ الحُسينُ عليه السلام عَلَى مُلاقاةِ الحُتُوف، جَاءَ وَوَقَفَ بِبَابِ خَيمةِ النّساءِ مُوَدِّعاً لِحُرَمهِ مُخَدَّراتِ الرِّسَالةِ وَعَقائِلِ النُّبُوَّةِ، وَنَادَى: "يَا زَينبُ، ويَا أُمَّ كُلثوم، ويَا فَاطِمةُ، ويَا سُكينةُ، عَليكُنّ مِنِّي السَّلامُ".

فَنَادته سُكينةُ: يَا أَبَه، استسلَمتَ للِموتِ؟
فَقَال عليه السلام: "كيفَ لا يستسلمُ لِلموتِ مَن لا نَاصرَ لَه ولا مُعينَ؟!"
فَقَالت عليها السلام: رُدَّنا إِلى حَرمِ جَدِّنَا رَسُولِ اللهِ.
فَقَال عليه السلام: "هَيهَاتَ!! لَو تُرِكَ القَطا1 لَغَفَا وَنَامَ.."

فَرفَعتْ سُكينةُ صَوتَها باِلبُكاءِ وَالنّحِيبِ، فَضَمَّها الحُسَينُ عليه السلام ِلى صَدرِه، وَمَسَحَ دُمُوعَها بِكُمِّهِ، وَكَانَ يُحبُّها حُبَّاً شَدِيدَاً، وَجَعَلَ يقولُ:

سَيطولُ بَعدي يَا سُكينةُ فَاعلَمِي          مِنكِ البُكاءُ إِذَا الحِمَامُ2 دَهَانِي


62


لا تُحرقِي قَلـبِي بِدَمـعِكِ حَسرَةً      
فَإِذَا قُتِلـتُ فَأَنـتِ أَولَى بِالَّــذِي      
مَا دَامَ مِنِّي الرُّوحُ فِي جُثمانِي
تَبْكِيــنَه يَا خِـــيرةَ النسـوانِ

63


هوامش

1- القَطَا: طائر معروف في حجم الحمام، وهذا مثل يُضرب لمن حُمل على مكروه من غير إرادته.
2- الحمام: المصرع، كناية عن الموت.