فرسُ الحسينِ عليه السلام

وأقبَلَ فرسُ الحسينِ عليه السلام يدورُ حولَهُ، ويُلطِّخُ عُرْفَهُ وناصيَتَهُ1 بدمِهِ، ويشَمُّهُ ويصهَلُ صهيلاً عالياً، وأقبلَ نحوَ المخيَّمِ بذلكَ الصهيلِ..
"فلمَّا رَأَيْنَ النساءُ جوادَك مَخزِيَّاً، ونظرنَ سَرجَهُ عليهِ مَلوِيّاً، برزْنَ منَ الخدورِ...على الخدودِ لاطمَاتٍ... وبالعويلِ دَاعياتٍ، وبعدَ العزِّ مُذلَّلاتٍ، وإلى مصرعِ الحسينِ مبادِراتٍ".

فخرجَتْ زينبُ عليها السلام ومِنْ خَلفِها النساءُ والأرامِلُ واليتامَى مِنَ الفُسطاطِ إلى أرضِ المعركةِ، وهيَ تنادِي: وامحمَّداهُ، واعليّاهُ، واجعفراهُ، واحمزتاهُ، واسيِّداهُ، هذا حسينٌ بالعراءِ، صريعُ كربلاءِ، ليْتَ السماءَ أَطبقَتْ على الأرضِ، وليتَ الجبالَ تدَكدَكَتْ2 على السهلِ.
 

فواحــدةٌ تحــنُوْ علـــيهِ تضـــمُّهُ      
وأُخرى بفيضِ النَّحرِ تَصْبَغُ وَجْهَهَا   

وأُخـــرى علــيهِ بالرِّداءِ تُظَلِّــلُ
وأُخــرى تُفَدّيهِ وأُخــرى تقبِّلُ

75


وأُخرى على خَوفٍ تلوذُ بجنبِه         وأُخــرى لِمَا قَدْ نالَهَا ليسَ تعقِلُ

وانتهَتْ زينبُ ابنةُ عليٍّ نحوَ الحسينِ، وهو يجودُ بنفسِهِ فصاحَتْ بِعُمَرَ بنِ سَعدٍ -وكانَ قدْ دَنا مِنَ الحسينِ عليه السلام -:
أيْ عُمَرُ! وَيحَكَ، أيُقتَلُ أبو عبدِ اللهِ وأنتَ تنظرُ إليهِ؟ فصرَفَ بوجهِهِ عنْها...
فعندَ ذلكَ صاحَتْ زينبُ عليها السلام بالقومِ: وَيحكُمْ، أَمَا فيكُمْ مسلمٌ؟!، فلمْ يُجِبْهَا أحدٌ.


76


هوامش

1- عُرْف الفرس: شعر عنقه، وناصيته: شعر مقدّم رأسه.
2- تدكدكت الجبال: أي صارت دكاوات، وهي رواب من طين.