الخطبة الرابعة: فضائل أهل البيت عليهم السلام

ونَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ1، ويَعْرِفُ غَوْرَهُ ونَجْدَهُ، دَاعٍ دَعَا ورَاعٍ رَعَى، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي واتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.

قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ، وأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ، وأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ
2، ونَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، نَحْنُ الشِّعَارُ3 والْأَصْحَابُ والْخَزَنَةُ والْأَبْوَابُ، ولَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.

(منها) فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ
4، وهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا5، فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، ولْيُحْضِرْ عَقْلَهُ، ولْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ، فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ


117


مَضَى فِيهِ، وإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، والْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائِرٌ هُو أَمْ رَاجِعٌ، واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ، ومَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ صلى الله عليه وآله: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ6 ويُبْغِضُ عَمَلَهُ ويُحِبُّ الْعَمَلَ ويُبْغِضُ بَدَنَهُ"(*)، واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً، وكُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ، والْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وحَلَتْ ثَمَرَتُهُ، ومَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.


118


هوامش

1- ناظر القلب، استعارة من ناظر العين: وهو النقطة السوداء منها، والمراد بصيرة القلب بها يدرك اللبيب أمده أي غايته ومنتهاه، والغور ما انخفض من الأرض. والنجد ما ارتفع منها، أي يدرك باطن أمره وظاهره.
2- أرز يأرز- بكسر الراء في المضارع- أي انقبض وثبت، وأرزت الحيّة لاذت بحجرها ورجعت.
3- ما يلي البدن من الثياب والمراد بطانة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
4- الضمير لآل النبيّ والكرائم: جمع كريمة، والمراد أنزلت في مدحهم آيات كريمات. والقرآن كريم كلّه وهذه كرائم من كرائم.
5- لم يسبقهم أحد إلى الكلام وهو سكوت أي يهاب سكوتهم فلم يجرؤ أحد على الكلام فيما سكتوا عنه.
6- أنّ الله يحبّ الخ أي يحبّ من المؤمن إيمانه ويبغض ما يأتيه من سيئات الأعمال ولا يفيده ذلك الحبّ مع هذا البغض إلّا عذاباً يتطهرّ به من خبث أعماله، ويحبّ من الكافر عمله إن كان حسناً ويبغض ذاته لالتياثها بدنس الكفر، ولا ينتفع بالعمل المحبوب إلّا نفعاً مؤقّتاً في الدنيا وله في الآخرة عذاب عظيم، فلا يكمل للإنسان حظّه من السعادة إلّا إذا كان مؤمناً طيّب العمل.
(*)- يوجد بهامش الأصل: ( المؤمن إذا صدرت منه صغيرة فالله يحبّه ويبغض عمله،والكافر إذا أحسن فالله يحبّ عمله ولا يحبّه).