إيجاد عزة النفس في سيرة الإمام الحسين عليه السلام - عبد الكريم باك نيا

تعتبر عزة النفس من جملة لوازم الحياة الناجحة والموفقة. والشخص الذي يرغب في إزاحة كافة المشكلات والموانع عن طريق وصوله للأهداف المتعالية، والوصول إلى مراحل التكامل والتعالي، ينبغي له أن يبدأ ذلك من مرحلة عزة وكرامة النفس وأن يعتقد بهذه الموهبة الإلهية في نفسه. وأما عدم امتلاك عزة للنفس ووجود عقدة حقارة الذات، فهُما أصل الكثير من أشكال الحرمان وعدم النجاح واختيار الطرق المخالفة للشرع والعرف عدا عن كونهما سبباً في تجاوز التقاليد الاجتماعية المقدسة وأنواع الخيانات والجرائم. يقول الإمام علي عليه السلام: "من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية"1.

من هنا يمكن القول إنه لا يمكن الاعتماد والثقة بالذين يعيشون عقدة حقارة الذات والذين لا يعتقدون بقيمة لأنفسهم وبالتالي لا يمكن إيكال أيّ من أمور المجتمع إليهم، عدا عن أن الآخرين لن يكونوا بمأمن منهم.

يقول الإمام الهادي عليه السلام: "من هانت عليه نفسه فلا تأمننَّ شره"2.

إن الذي لا يهتم بشخصيته لن يبالي في اذلال الآخرين. لذلك وبهدف الحفاظ على اجتماع المسلمين وتقوية العلاقة الدينية والعاطفية والثقافية بين أفراد


183


المجتمع والحؤول دون شيوع المعاصي وأنواع الانحرافات، يجب تنمية وتطوير روحية العزة وكرامة النفس في المجتمع.

يَعْتَبر الإمام الحسين عليه السلام أنّ وجود عزة النفس من الصفات الضرورية للمؤمنين ويقول: "إياك وما تعتذر منه فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر"3.

هناك الكثير من المحطات في سيرة وكلام الإمام الحسين عليه السلام التي ندرك من خلالها ما كان يسعى إليه الإمام عليه السلام من تنمية وتقوية لعزة النفس عند الأفراد. سنحاول في هذا المختصر الإطلالة على بعض أساليب الإمام الحسين عليه السلام في تنمية عزة النفس فيكون نموذجاً يوصل إلى السعادة والإيمان الحقيقيَّيْن.

احترام الأطفال

عندما يحظى الأطفال باحترام الكبار بالأخص الوالدين، فسيكونون في المستقبل أشخاصاً أصحاب عزة ونجاح وثقة بالنفس، لأن احترام شخصية الأطفال ـ أصحاب الأرواح اللطيفة والحساسة ـ يقوي من روحية الاعتماد على النفس والثقة بها ويُهيِّئ الأرضية، للنمو الأخلاقي وإيجاد الصفات الحسنة عندهم، ممّا يجعل منهم في المستقبل أشخاصاً ذوي عزة نفس بعيدين عن كل أشكال احتقار الذات. فيما يلي نشير إلى عدة نماذج من احترام شخصية الطفل في سلوك الإمام الحسين عليه السلام:
1- ينقل عبد الله بن عتبة وهو من مشاهير فقهاء أهل السنة: قال: كنت عند الحسين ابن علي عليهما السلام إذ دخل عليُّ بن الحسين الأصغر، فدعاه الحسين عليه السلام وضمه إليه وقبل ما بين عينيه ثم قال: "بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلقك"4.


184


2- يقول جعيد بن همدان وهو أحد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام: أتيت الحسين بن علي وعلى صدره سكينة بنت الحسين فقال (لأهله): يا أخت كلب خذي ابنتك عني. ثم بدأ يحدثني عن أنواع الناس5.

احترام أفكار وآراء الآخرين
من جملة الأساليب الفاعلة في المسائل التربوية والتبليغية، احترام أفكار وآراء الآخرين.

يتمكن المربي والمبلغ بهذا النحو من إضفاء الشخصية على المخاطبين فيتمكن من النفوذ إلى أعماقهم. يمكن إحياء روحية الثقة بالنفس لدى المخاطب من خلال الالتفات إلى أفكاره واحتياجاته وبالتالي تقوية عزة النفس لديه.

في أحد الأيام تقدم "الحسن المثنى" ابن الإمام المجتبى عليه السلام طالباً الزواج من إحدى بنات عمه الإمام الحسين عليه السلام. خاطبه الإمام عليه السلام قائلاً: "اختر يا بني أحبها إليك". سكت "الحسن المثنى" حياءً ولم يتحدث بشيء. فقال له الحسين عليه السلام: "فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"6.

التحية والسلام

من جملة الأساليب القرآنية ذات العلاقة بعزة النفس بين الأفراد، إلقاء التحية والسلام عليهم. وأراد الله تعالى في القرآن الكريم اظهار عظمة المؤمنين، لذلك أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالسلام على أهل الإيمان: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ7.

ويشاهد وبوضوح وجود هذا الأسلوب القرآني في سيرة الإمام الحسين عليه السلام.


185


يقول الإمام عليه السلام في ثواب إلقاء السلام: "للسلام سبعون حسنة، تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد"8.

ويؤدي إلقاء السلام إلى تقوية الإحساس بالعزة والكرامة النفسية عند الشخص الذي يلقى السلام عليه ويرفع من مقامه عند الآخرين.

تبرز أهمية هذا الأسلوب وقيمته إلى مستوى نجد الإمام الحسين عليه السلام ينهى عن الشروع بالكلام من دون السلام حتى إنه خاطب الشخص الذي شرع السؤال عن أحواله من دون القاء السلام قائلاً: "السلام قبل الكلام عافاك الله. لا تأذنوا لأحد حتى يسلم"9.

وقد تحدث الإمام الحسين عليه السلام عن الشخص الذي لا يستفيد في علاقاته الاجتماعية والعائلية من هذه السنة القرآنية قائلاً: "البخيل من بخل بالسلام"10.

بناءً على سرة أهل البيت عليهم السلام فإن للسلام على المسلمين العصاة تأثيراً مطلوباً. يقول الإمام الحسين عليه السلام: "إنّ ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين تسلم على مذنب هذه الأمة؟ فقال عليه السلام: يراه الله عزَّ وجلَّ للتوحيد أهلاً، ولا تراه للسلام عليه أهلاً!"11.

العلاقة الكلامية بعبارات لطيفة

إنّ كافّة أبناء البشر، أعم من الصغير والكبير، النساء والرجال، حساسون جداً في علاقاتهم الاجتماعية من ناحية الارتباط الكلامي مع بعضهم البعض، حتى إنّ نوع اللحن والصوت واختيار العبارات، ذَوَا أهمية كبيرة في جلب انتباههم. إن الكلام المنطلق من المحبة واللطيف والرقيق، يترك تأثيراً عميقاً في أرواح


186


المخاطَبين ويقوّي الاحساس بعزة النفس لديهم. إن الذين يحافظون في عباراتهم على كمال الأدب والعفة، هم في نظر المخاطب أعزاء مكرمون ينظر إليهم كافة الناس نظرة احترام وتعظيم.

في الحقيقة فإن رعاية الأدب والعفة في الكلام تؤدِّيان إلى عزة النفس عند المتكلم والمخاطّب. ومن خلال العبارات اللطيفة والرقيقة يمكن علاج كافة أشكال المشاكل والعصبيات والأمور التي تنطلق من الاحتقار والمذلة. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج عنه كربته، لم يزل في ظل الله الممدود، عليه الرحمة ما كان في ذلك"12.

فيما يلي نشير إلى بعض نماذج العلاقات الكلامية في سيرة الإمام الحسين عليه السلام.

1- عندما أراد الإمام الحسين عليه السلام الخروج من المدينة، وبعد أن ركب الجميع، نادى: "أين أخي؟ أين كبش كتيبتي؟ أين قمر بني هاشم"؟ عند ذلك أجاب العباس: "لبيك، لبيك، يا سيدي"13.

2- عندما سأل القاسم عليه السلام عن شهادته، خاطبه الإمام الحسين عليه السلام على النحو الآتي: "أي والله، فداك عمك إنك لأحد من يُقْتَل من الرجال معي"14.

3- عندما وَدّع ابنته سكينة، خاطبها بكلمات تُهدِّئ من روعها بعد فراقه: "يا نور عيني! كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين"15؟!


187


4- عندما أرسل الإمام الحسين عليه السلام أخاه العباس عليه السلام ليستطلع سبب حركة جيش العدو، بدأ الكلام معه قائلاً: "يا عباس! إركب، بنفسي أنت يا أخي، حتى تلقاهم، فتقول لهم: ما لكم؟! وما بدا لكم؟!"16.

5- ودّع الإمام الحسين عليه السلام ابنه السجاد عليه السلام في يوم العاشر من المحرم وقد ضم ابنه إلى صدره وخاطبه بكلمات رقيقة لطيفة: "يا ولدي! أنت أطيب ذريتي وأفضل عترتي وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال"17.

الاحترام والتشجيع

إنّ احترام الآخرين وتشجيعهم لما قاموا به من أعمال مقبولة ومطلوبة، مؤثر في مستوى تقوية روحية الثقة بالنفس، وبالتالي تنمية الإحساس بالعزة لديهم. وتبرز أهمية هذا العامل إلى مستوى يمكن القول إنّ الاحترام والتشجيع هما الأساس في ايجاد الخصال الحسنة وتقوية الثقة بالنفس. إنّ التشجيع يؤدي إلى ظهور الاستعدادات الخفية عند الإنسان ووصولها إلى فعلياتها الحقيقية ممّا يؤدي إلى تفتح وظهور الإبداعات الداخلية. وللتشجيع مظاهر كثيرة، من جملتها: الثناء، التقدير، الاحترام، التجليل، إعطاء الجوائز المادية والمعنوية، بذل العاطفة والمحبة والشكر. فيما يلي نشير إلى بعض نماذج التشجيع عند الإمام الحسين عليه السلام.

1- احترام المعلّم

كان جعفر أحد أبناء الإمام الحسين عليه السلام يدرس عند معلم في المدينة باسم "عبد الرحمان السلمي". في أحد الأيام عَلّم المعلم سورة الحمد للطفل. عندما قرأ الطفل السورة على مسامع الإمام الحسين عليه السلام، قام الإمام عليه السلام بما من


188


شأنه تجليل واحترام المعلم مقابل هذا العمل القَيّم ثم أهداه ألف دينار وألف حلّة. وعندما سألوا الإمام عليه السلام عن سبب هذا العطاء، أجاب: "وأين يقع هذا من عطائه"؟ ثم قرأ الأبيات الآتية:
إذا جاءت الدنيا عليك فَجُد بها      على الناس طُراً قبل أن تتفلت
فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أَقْبَلت      ولا البُخْلُ يُبقيها إذا ما تولَت


2- التشجيع على العمل الحسن

في أحد الأسفار، أضاع الإمام الحسن عليه السلام الطريق. وفي الليل صادف في طريقه راعياً. استضاف الراعي الإمام عليه السلام عنده ثم أرشده إلى الطريق عند الصباح. فقال له الحسن عليه السلام: "إني ماضٍ إلى ضيعتي ثم أعود إلى المدينة ووقت له وقتاً. وقال له: تأتيني به. فلما جاء الوقت شغل الحسن عليه السلام بشيء من أموره عن قدوم المدينة، فجاء الراعي وكان عبداً لرجل من أهل المدينة فصار إلى الحسين عليه السلام وهو يظنه الحسن عليه السلام فقال: أنا العبد الذي بت عندي ليلة كذا، ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت، وأراه علامات عرف الحسين عليه السلام أنه الحسن، فقال الحسين عليه السلام له: لمن أنت يا غلام؟!

فقال: لفلان، فقال عليه السلام: كم غنمك؟ قال: ثلاثمائة، فأرسل إلى الرجل فرغبه حتى باعه الغنم والعبد، فاعتقه ووهب له الغنم مكافأة لما صنع مع أخيه. وقال عليه السلام: إن الذي بات عندك أخي وقد كافأتك بفعلك معه"18.

3- تحرير الأَمة

يقول أنس بن مالك كنت عند الإمام الحسين عليه السلام عندما قامت إحدى إمائه بإهدائه وردة. أخذ الإمام عليه السلام الوردة وقال لها: "أنتِ حرة لوجه


189


الله". ثم إنّ أنس بن مالك سأل الإمام عليه السلام عن تحريرها وأنّ وردة تدفعه إلى ذاك العمل! أجاب الإمام عليه السلام مستحضراً ما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا19. ثم قال: "وكان أحسن منها عتقها"20.

احترام الاسم الحَسَن

إن الاسمَ الحَسَن يدفع الآخرين لاحترام صاحبه، لا بل قد يتفاءلون باسمه. ويؤدي هذا العمل إلى تقوية شخصيته وزيادة الإحساس بالعزة لديه. من هنا يمكن القول إنّ الاسم الحسن يؤدي إلى نشاط وسرور صاحبه. وعلى هذا الأساس يجدر بالأهل الالتفات والدقة في مسألة إطلاق الاسم على الأبناء. عندما سقط الحر شهيداً وكان في آخر لحظات حياته، جاء الإمام الحسين عليه السلام ووقف عند رأسه ثم كان يمسك بيديه المباركتين وجه الحر، يمسح التراب والدم عنه، عند ذلك تحدث الإمام عليه السلام قائلاً: "بخ بخ لك يا حر، أنت حُرّ كما سميت في الدنيا والآخرة" ثم إن الإمام عليه السلام تحدث عن والدته قائلاً: "والله ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً، فأنت والله حُرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة"21.

الكلام الباعث على العزة

كان الإمام الحسين عليه السلام يسعى وبشكل عملي لإحياء الاطمئنان والثقة بالنفس في وجود الأشخاص عدا عن أنه عليه السلام كان يعمل وبشكل جاد في مساعدة المحرومين والمستضعفين والحفاظ على حيثياتهم وماء وجوههم وعدم التعرض لذلك بأي شكل من الأشكال. وكان عليه السلام يولي أهمية خاصة في أقواله لإحياء الكرامة الإنسانية والعزة الشخصية. وننهي المقال بعبارات تحكي عن روحية


190


عزة النفس عند الإمام عليه السلام والتي كانت بوجه الظالمين والمعتدين على حقوق المسلمين.

هناك الكثير من الناس ممن يفرون من الموت ويلتجئون إلى أنواع الملذات، وذلك لأجل يومين من الحياة الدنيوية السريعة الانقضاء، مما يجعلهم يضحون بعزتهم وكرامتهم. يقول الإمام الحسين عليه السلام في هذا الشأن: "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"22.
 


191


هوامش

1- عيون الحكم والمواعظ، ص439.
2- تحف العقول، ص483.
3- حياة الإمام الحسين عليه السلام، ج1، ص181.
4- كفاية الأثر، ص234، معجم رجال الحديث، ج12، ص82.
5- ترجمة الإمام الحسن عليه السلام، ص159.
6- مقاتل الطالبين، ص122، كشف الغمة.
7- سورة الأنعام، الآية: 54.
8- تحف العقول، ص248.
9- مستدرك الوسائل، ج8، ص358.
10- تحف العقول، ص248.
11- مستدرك الوسائل، ج8، ص359.
12- الكافي، ج2، ص206، وسائل الشيعة، ج16، ص376.
13- ثقافة عاشوراء، ص386، معالي السبطين، ج1، ص220.
14- مدينة المعاجز، ج4، ص214.
15- ناسخ التواريخ، ج2، ص360.
16- تاريخ الطبري، ج4، ص315.
17- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، ص486.
18- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، ص921.
19- سورة النساء، الآية: 86.
20- بحار الأنوار، ج44، ص195.
21- لواعج الأشجان، ص147، اللهوف، ص192.
22- اللهوف، ص180.