عصر الظهور - خدامراد سليميان

تعتبر المهدوية واحدة من الأفكار المتجذرة في ثقافة الإسلام الغنية والتي طرحها بداية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ثم أصبحت الأمل الذي يترقبه مظلومو العالم حيث حاكمية المستضعفين. من هنا، يتساءل المسلمون: متى يظهر الموعود؟ حتى إنّ هذا السؤال كان يُطرح قبل ولادة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث كانوا يسألون المعصومين عليهم السلام حول عصر ذاك التحول العالمي الكبير.

طبعاً أشار المعصومون عليهم السلام إلى أنّ المسائل المتعلقة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هي واحدة من الأسرار الإلهية حيث كذّبوا الموقّتين.

عند مطالعة الكلام الإلهي وكلمات الأئمة الأطهار عليهم السلام تصادفنا عدة مسائل من أبرزها:
1- إنّ العلم الدقيق بزمان ظهور الإمام هو من الأمور التي خَصّ الله تعالى بها نفسه.

2- كان المعصومون عليهم السلاميحذّرون الناس من تعيين زمان خاصّ للظهور.

3- تحدثت بعض الروايات عن أنّ الظهور أمر مفاجئ وأشار العديد من الروايات إلى أنّ اصلاح أمر الفرج عبارة عن شبه قيام الساعة المفاجئ، وطبعاً هذا يتعارض مع تعيين وقت للظهور.

4- على الرغم من أن غموض زمان الظهور هو من الأسرار الإلهية وأن الحكمة


257


الإلهية اقتضت أن تكون المعرفة بزمان الظهور من الأمور المجهولة والمكتومة عند الناس، إلا أن بعض الروايات أشارت إلى الحكمة من ذلك حيث يظهر من ذلك تعيين الحدود الزمانية للظهور.

5- بعد الرجوع إلى كلام المعصومين عليهم السلام يمكن الاطلاع على كيفية معرفة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بزمان الظهور وهذا ما سنشير إليه.

سنحاول في هذا المقال الإشارة إلى النقاط المتقدمة بالاختصار.

العلم عند الله فقط

من جملة الروايات التي خصّصت العلم بزمان الظهور بالله تعالى فقط يمكن الإشارة إلى ما يلي:
ـ "عن عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول لما أنشدت مولاي الرضا عليه السلام قصيدتي التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج     يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل       ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا عليه السلام بكاء شديداً ثم رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟... وأما متى؟ فأخبار عن الوقت ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مثله مثل الساعة (لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض ولا يأتيكم إلا بغتة"1.


258


وبما أن الإمام عليه السلام اعتبر خفاء زمان الظهور شبيهاً بزمان القيامة يمكن الاستنتاج:
ـ مع خفاء القيامة تظهر حالة من الحرية في العمل عند الجميع ومن جهة أخرى بما أن وقت ذلك غير معلوم بشكل دقيق فهو محتمل في كل زمان، النتيجة هي وجود حالة استعداد دائمة وهكذا هو الحال فيما يتعلق بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لأنه لو تم تحديد التاريخ وكان زمان الظهور بعيداً، لغرق الجميع في الغفلة والغرور وعدم الاطلاع وإذا كان ذاك الزمان قريباً، فمن الممكن أن يفقد الناس الحرية في العمل وتصبح أعمالهم اضطرارية.

ـ بما أن العلم ـ بزمان القيامة محصور بالله تعالى فقط، فالعلم بزمان ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف خاص بالله تعالى أيضاً. وقد أشارت بعض الروايات إلى ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى جانب حصول القيامة.

ـ تشير أجزاء الآية الشريفة المتقدمة إلى نفي العلم بالقيامة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث تقول الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ.

من هنا يمكن الاستنتاج أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم الزمان الدقيق لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً وأمّا الذين يتجرأون على تحديد الوقت بشكل دقيق ففيه تأمل.

صحيح أنّ السؤال المتقدم طرح بين يدي المعصوم الأول وأجاب بأن العلم بزمان الظهور هو عند الله تعالى، فبالإضافة إلى ذلك عندما سُئل الإمام الأخير هكذا سؤال أجاب ضمن توقيع قائلاً: "... وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقاتون"2.

وأشار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في آخر توقيع له إلى سفيره الأخير إلى الظهور: "ولا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى"3.


259


يتضح مما تقدم أن زمان بداية الظهور هو واحد من الأسرار الإلهية التي يعجز الفكر البشري من الاحاطة بها.

هل يعلم المختارون ذلك؟

اتضح أن العلم بزمان الظهور مسألة علاقة بالله تعالى فقط، ولكن هل وضع الله تعالى هذا العلم عند المختارين والمصطفين لديه أم لا؟
أشرنا إلى أن العلم بالظهور شبيه بالعلم بالقيامة وهما مختصتان بالله تعالى، إلا أن بعض الروايات وضحت أنّ جزءاً من هذه المعرفة قد وضعها الله تعالى عند النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي نقلها إلى ورثة علمه الذين أمروا أن لا يضعوها تحت إرادة أيّ إنسان على الاطلاق، لا بل أُمِر الشيعة بتكذيب الموقتين.

ـ عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عبد أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو؟ فقال: "يا مهزم كذب الوقاتون"4.

وتحدث الإمام عليه السلام أيضاً في جواب أبي بصير فقال: "إنّا أهل بيت لا نوقت".

وذكرت المسألة عينها في عبارات الإمام الباقر عليه السلام مع التأكيد الشديد. سأل فضيل بن يسار الإمام عن زمان الظهور فأجاب: "كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون"5.

ممّا لا شكّ فيه أنّ المقصود من تعيين الوقت هو تحديد السنة واليوم بشكل دقيق وإلا فقد أشرنا إلى أن بعض الروايات تحدثت عن ذلك بشكل مجمل فحددت بعض الحدود ذات العلاقة بزمان الظهور.


260


أشرنا فيما تقدم إلى أنّ بعض الروايات تحدثت عن ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنه أمر مفاجئ والواضح أنّ الفجائية تتنافى مع تحديد وقت للظهور بشكل مسبّق، لأنه عندما يتم تحديد وقت خاص، فلا معنى ليكون فجائياً. طبعاً الذين يحددون وقتاً خاصّاً ، فكلامهم منافٍ لهذه المجموعة من الروايات.

يمكن تصنيف بعض الروايات على النحو الآتي:
أ- اصلاح أمر الظهور في ليلة.

يقول الإمام علي عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المهدي منا أهل البيت يُصلح الله له أمره في ليلة"6.

وإلى هذا الأمر أشار الإمام الباقر عليه السلام: "يُصلح الله له أمره في ليلة"7.

ب- المجيء كالشهاب الثاقب

يقول الإمام الباقر عليه السلام بعد بيان غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "ثم يبدو كالشهاب الوقاد"8. ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فعند ذلك يَقْبَلُ كالشهاب الثاقب"9.

طبعاً لا يمكن اعتبار تشبيهات المعصومين عليهم السلامعبثية. ثم إنّ مجيئه كالشهاب هو أمر مفاجئ لا يسبقه أيُّ توقُّع.

زمان الظهور في الروايات

ذكرت بعض الروايات بعض الأحداث والحالات التي تحدد زمان الظهور.

هنا نقسم الروايات إلى عدة مجموعات:
1- الروايات التي تحدثت عن أن يوم الجمعة هو يوم الظهور: يقول الإمام الصادق عليه السلام: "يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة"10.


261


2- الروايات التي أشارت إلى أن يوم الظهور مرادف ليوم عاشوراء: يقول الإمام الباقر عليه السلام: "... وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم"11.

وذلك ضمن حديثه عن يوم عاشوراء.

3- الروايات التي تحدثت عن أن الظهور هو في السنة الفرد: يقول الإمام الصادق عليه السلام: "لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين"12.

4- تحدثت بعض الروايات عن أن السبت هو يوم الظهور: يقول الإمام الباقر عليه السلام: "يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء"13.

صحيح أن القرائن تشير إلى أن يوم الجمعة هو يوم الظهور إلا أنه يمكن فهم ذلك باعتبار أن يوم الجمعة هو اليوم الأول للظهور الذي يترافق مع أحداث كثيرة لذلك تقع بعض تلك الأحداث يوم السبت.

طريق معرفة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

قد يسأل: إذا كان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف غير عالم بزمان الظهور بشكل دقيق، فكيف سيطلع على ذلك؟

هنا ذكرت العديد من الروايات التي بينت طرق علم الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بزمان الظهور، نشير إلى بعضها:
1- المعرفة عن طريق الإلهام

ممّا لا شكّ فيه أنّ المعصومين يمتلكون الهاماً إلهياً، وإذا كان الوحي قد اختتم برحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن الالهام يحصل لأهل البيت عليهم السلام.

هنا يمكن الإشارة إلى بعض الروايات التي وضحت معرفة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بزمان الظهور عن طريق الالهام. يقول الإمام الصادق عليه السلام ذيل الآية الشريفة


262


﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: "إنّ منا إماماً مستتراً فإذا أراد الله إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر ـ فقام بأمر الله تعالى"14.

2- المعرفة عن طريق ارتفاع علم الظهور

أشارت بعض الروايات إلى أنه إذا اقترب عصر الظهور وحان وقته يرتفع العلم الذي يحمله الإمام أثناء الظهور بإذن الله، فيعلم الإمام أن عليه الظهور. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... له عَلَمٌ إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم بنفسه فناداه العلم اخرج يا ولي الله واقتل أعداء الله فلا يحل لك أن تَعْقُدَ عن أعداء الله"15.

3- المعرفة عن طريق خروج السيف من غمده

يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "له سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف اخرج يا وليَّ الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج"16.

الحكمة في خفاء زمان الظهور

في النهاية من المناسب الاشارة إلى مسألة وهي أن خفاء زمان ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يخلو من حكم من جملتها:
1- الابقاء على روح الأمل والانتظار حية في المجتمع طوال غياب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلو عُلِم وقت الظهور لأصبح الانتظار غير ذي معنىً.

2- يصبح هناك معنى لاختبار الشيعة في عصر الغيبة.

3- مفاجأة المعارضين والأعداء.


263


بما أن السعي للقضاء على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف هو أحد أسباب الغيبة، لذلك فإن اتضاح زمان الظهور يساعد الأعداء في التهيُّؤ لقتاله ومحاربته، أمّا مفاجأة الأعداء فتتطلب أن يبقى زمان الظهور غير معلوم.


264


هوامش

1- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، انتشارات جهان، 1378هـ.ش، ج2، ص266 وكمال الدين، الشيخ الصدوق، دار الكتب الإسلامية، ج2، ص372.
2- كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ص291.
3- الخرايج والجرايح، قطب الدين الراوندي، مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، قم، 1409هـ.ق، ج3، ص1128 وكتاب الغيبة، ص395.
4- كتاب الغيبة، ص426 والكافي، ثقة الإسلام الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش، ج1، ص368.
5- الكافي، ج1، ص368.
6- كمال الدين، ج1، ص152.
7- الغيبة للنعماني، محمد بن إبراهيم النعماني، مكتبة الصدوق، طهران، 1397هـ.ق، ص163.
8- كتاب الغيبة، ص159 وكمال الدين، ج1، ص324.
9- كمال الدين، ج1، ص287.
10- الخصال، الشيخ الصدوق، انتشارات جامعة المدرسين، قم، 1403هـ.ق، ج2، ص394، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت، ج56، ص26.
11- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش، ج4، ص300.
12- كتاب الغيبة، ص453 وروضة الواعظين، محمد بن حسن الفتال النيشابوري، انتشارات رضى، قم، ص263.
13- التهذيب، ج4، ص333 وكمال الدين، ج2، ص653.
14- الكافي، ج1، ص343، كتاب الغيبة، ص164 ورجال الكشي، محمد بن عمر الكشي، انتشارات جامعة مشهد، 1348هـ.ِش، ص192.
15- كمال الدين، ج1، ص155، الخرايج والجرايح، قطب الدين الراوندي، ج2، ص550.
16- كمال الدين، ج1، ص155.