المحاضرة الثانية: حرمة إشاعة الفاحشة

تصدير الموضوع:

قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ1.

الهدف:

التنبيه إلى الآثار القاتلة للفرد والأمة التي يعمد أبناءها على إشاعة الفاحشة بينهم.


69


المقدمة

لمّا كان صدور الخطأ والزلل من الإنسان أمراً لم يعصم الله منه إلا الأنبياء والأولياء كان من الطبيعي أن يكون من واجب المسلم تجاه أخيه المسلم أن يستر عوراته ويعينه للتخلص منها ويمد له يد العون كما يأمل كلٌ منا من إخوانه حين صدور الخطأ منه، ولذلك حرّمت الشريعة أي شكل من أشكال إشاعة الفاحشة وحديث السوء والطعن بالآخرين معتبرةً ذلك من أشنع الرذائل وأقبحها لما لها من أثرٍ سيّء على المستوى الفردي والعام في الدنيا كما توعدت صاحبها بأليم العذاب في الآخرة.


التعريف بإشاعة الفاحشة

والمراد بإشاعة الفاحشة في النصوص أن يُحدّث الإنسان عن سيئةٍ أو أمرٍ حرام رآه أو سمعه يقيناً عن أخٍ له في الدين فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال في مؤمن ما رأته


70


عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ2.

وشدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النهي عن ذلك معتبراً حكم المذيع كحكم مقترف السيئة إبتداءً فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عيَّر مؤمناً بشيئٍ لم يمت حتى يركبه"3.

ما يجب فعله بدل إشاعة الفاحشة

الستر: فقد أمرنا الله تعالى بالستر على إخواننا وحملهم على الأحسن متوعداً مذيع الفاحشة بالهتك يوم القيامة فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "من ستر عورة مؤمن ستر الله عز وجل عورته يوم القيامة ومن هتَكَ سِترَ مؤمن هتكَ الله ستره يوم القيامة"4.

ومن الواضح أن جعل الستر في مقابل الهتك كاشف عن أن الواجب تجاه سيئات الآخرين هو الستر.

النصح: وذلك بأن يقّدم أحدنا النصيحة لأخيه سرّاً لا


71


 علانية، وخادماً لا معلماً، ومشفقاً محباً لا شامتاً، ودون أن يعلمه بما يعرفه عنه، ويمد له يد العون والمساعدة ويقف إلى جانبه ويمنع ذكره بالسوء، فالكل معرض للخطأ وليس منّا من ليس بحاجة إلى من يستر عليه سيئاته وأخطاءه وزلاته.

وما أجمل حديث الحسين بن علي عليه السلام لأصحاب عمر بن سعد الذين اجتمعوا على قتله: "أيها الناس إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحقّ لكم علي وحتى أعذر إليكم"5.

وفي مقام آخر يقول لهم: إن حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة وعلى دينٍ واحد وملةٍ واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل6.

فالحسين عليه السلام يرى أنه ما زال للنصيحة مكانها ختى ولو قبل إقدامهم على معصيتهم وجريمتهم بقتله بلحظاتٍ قليلة.

الدعاء له بالتوبة: فإن من حق أخينا علينا أن نطلب له التوبة والهداية، بل لعل دعاءنا له بظهر الغيب أرجى له في اقلاعه عمّا يقترفه من ذنوب، ففي حديث الإمام الباقر: "يا


72


 ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيراً. واستكينوا إلى الله في توفيقهم وسلوا التوبة لهم. فكل من قصدنا ووالانا ولم يوال عدونا وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة".

الآثار السيئة لإشاعة الفاحشة

تفكك المجتمع: لأن النفوس إذا امتلأت بالحقد والكراهية واستعرت في القلوب نار الحمية والبغضاء وتفشت في المجتمع القطيعة وعدم التواصل عمّ الفسق والفجور، وغابت المحبة والمودة والوئام وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالتبرؤ من هؤلاء الذين يمزقون المجتمع إذ قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ7.

العذاب في الآخرة: ذلك أن تفكك المجتمع دعوة إلى التفرقة والتمزق والإبتعاد عن روح الجماعة والإتحاد وهو من أكبر الأخطار التي توعّد الله تعالى عليها بالعذاب إذ


73


 قال: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ8.

إعانة الأعداء: فإن إشاعة الفاحشة بين الناس لا سيما بين المؤمنين يقدّم مادة مهمة وخطيرة بين يدي الأعداء في التعرف على نقاط الضعف في المسلمين وإمكانية تسعير الخلافات بينهم والإيقاع بهم كما من شأنه أن يسهّل عليهم السيطرة على مجتمعاتهم الممزقة التي تضيع وقتها بإشاعة فواحش المؤمنين بدل التعريف بفواحش الأعداء وسيئاتهم.

ولا يخفى أن هناك الكثير من الآثار السيئة الأخرى التي لا يسع المقام لذكرها كتشويه صورة المجتمع الإسلامي والحط من مقام المسلمين وبهائهم وهيبتهم في نظر الشعوب والأمم الأخرى، بالإضافة إلى إفقاد أفراد المجتمع حالة الأمان الإجتماعي نتيجة سوء الظن التي تتركه رذيلة إشاعة الفاحشة، ناهيك عن تخفيف قوة الردع عن المعصية لدى


74


 أبناء الأمة مما يشجع أصحاب النفوس المريضة إلى ممارسة رغباتهم وتنفيذ شهواتهم بالطرق المحرمة وغير الأخلاقية دونما رادعٍ أو وازع.


75


هوامش

1- النور 19.
2- النور 19.
3- الكافي، ج2، ص 356.
4- مستدرك الوسائل، ج10، ص 109.
5- الارشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 97.
6- معالم المدرستين، ج3، ص98
7- الانعام 159.
8- آل عمران 105.