الليلة الخامسة

المحاضرة الأولى:


يا ليتنا كنّا معكم

الهدف: التعرّف على معنى ما ورد في الروايات والزيارات من قول: "يا ليتنا كنّا معكم", وربطها بمفاهيم أخرى من قبيل حركة الحقّ والباطل ومسيرة الولاء لأهل الحقّ والبراءة من أعدائهم.

تصدير الموضوع

عن الإمام الرضا عليه السلام في حديثة للريّان بن شبيب: "..يا بن شبيب، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً"1.

123


وفي بعض الزيارات ورد فيها مخاطبتهم: "بأبي أنتم وأمّي, طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم, وفزتم فوزاً عظيماً، فيا ليتني كنت معكم فأفوز معكم"2.

المقدّمة:

لا تقتصر مسيرة الحقّ والباطل على حدودها الزمانيّة والمكانيّة, بل تمتدّ عبر التاريخ لتصنّف الناس على أساس التأييد والرفض إلى صنفين: أنصار الحقّ وأنصار الباطل. لذا نجد أنّ اللعن في باب الزيارات لم يقتصر على أولئك الذين قتلوا الإمام الحسين عليه السلام بل شمل فئة أخرى وهم الراضون بذلك: "..لعن الله أمّة قتلتك ولعن الله أمّة ظلمتك ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به..".

محاور الموضوع

الدخول في فعل الآخرين:

يستطيع الإنسان أن يكون شريكاً في عمل الآخرين, وذلك من خلال الرضا القلبيّ الذي يظهره في مقام العمل والتأييد لفعله وتولّيه حتّى وإن كان غائباً عنه أو سبقه بمئات السنين.
وقد دلّت العديد من الروايات على هذا الأمر:
 

124


عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وسلم: "من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه, ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده"3.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّما يجمع الناس الرضا والسخط، فمن رضي أمراً فقد دخل فيه، ومن سخطه فقد خرج منه"4.

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كلّ داخل في باطن إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضا به"5.

وعن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن علىّ عليه السلام، أنّه قال: "العامل بالظلم، والراضي به، والمعين عليه شركاء ثلاثة"6.

شواهد من الدخول السلبيّ في فعل الغير:

1- قوم نوح عليه السلام:

عن عبد السلام بن صالح الهرويّ عن الرضا عليه السلام، قال: قلت له: لأيّ علّة أغرق الله- عزَّ وجلّ- الدنيا كلّها في زمن نوحعليه السلام وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟ فقال عليه السلام: "ما كان فيهم الأطفال، لأنّ الله- عزَّ وجلّ- أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم،

125


ما كان الله ليهلك بعذابه من لا ذنب له، وأمّا الباقون من قوم نوح فأغرقوا بتكذيبهم لنبيّ الله نوح عليه السلام، وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذّبين، ومن غاب عن أمرٍ فرضي به كان كمن شاهد وأتاه"7.

2- قوم ثمود عليه السلام:

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أيّها الناس، إنّما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمَّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا, فقال- سبحانه: ﴿ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ 8.

3- أصحاب الجمل:
وفيه أيضاً في خطبة يذكر فيها أصحاب الجمل: "فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلاً واحداً معتمدين لقتله، بلا جرم جرّه، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه إذ حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد، دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم"9.

4- قتلة الإمام الحسين عليه السلام:

عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: قلت لأبي الحسن


126


علي ابن موسى الرضا عليه السلام: يا بن رسول الله, ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: "إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟", فقال عليه السلام: "هو كذلك", فقلت: فقول الله عزَّ وجلّ: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ما معناه؟ فقال: "صدق الله في جميع أقواله, لكنّ ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها, ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه, ولو أنّ رجلاً قُتل في المشرق فرضي بقتله رجلٌ في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل, وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.. "10.

شواهد من الدخول الإيجابيّ في فعل الغير:

1- معركة الجمل:

لمّا أظفر الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام بأصحاب الجمل, قال له بعض أصحابه: وددت أنّ أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك. فقال له عليه السلام: "أهوى أخيك معنا؟" فقال: نعم، قال عليه السلام: " فقد شهدنا, ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان, ويقوى بهم الإيمان"11.


127


2- زيارة جابر بن عبد الله الأنصاريّ يوم العشرين من صفر:

فبعد أن خاطب الحسين عليه السلام بزيارته المعروفة تقول الرواية: ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّها الأرواح التي حلت بفناء قبر الحسين وأناخت برحله. أشهد أنّكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين، والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. قال عطيّة: فقلت لجابر: كيف؟ ولم نهبط وادياً، ولم نعل جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطيّة, سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: "من أحبّ قوماً حُشر معهم، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمّداً بالحقّ إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه.. "12.

وهكذا هو نداء الموالي في كلّ زمان, ما جاء في بعض الزيارات: ".. لبيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك, ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري.."13.


128


المحاضرة الثانية:


التفقُّه في الدّين

الهدف: التعريف بقيمة "التفقّه في الدّين"، وأين هو موضعه من شخصيّة المؤمن وحقيقة العمل الصالح، وآثار ذلك على صحّة العمل وعدم صحّته.

تصدير الموضوع

عن الإمام الكاظمعليه السلام: "تفقّهوا في دين الله فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرُّتب الجليلة في الدّين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملاً"14.


129


المقدّمة:

إنّ ترك التفقّه في الدّين يؤدّي بالمرء إلى التغرّب عن الأحكام الشرعيّة، وبالتالي، إلى تحكيم المزاج والأهواء في تطبيق الدّين, بل في فهم الدّين، وهذا يفسح في المجال أمام الأعراف والعصبيّات والمصالح والاستحسانات، في سبيل فهم الدّين وتطبيقه، وبالمحصِّلة، يدفع إلى الابتعاد عن الأصول وتنكّب طريق الدّين القويم والصراط المستقيم، وإلى اتّباع طريق الجاهليّة, ولذلك أكّدت الشريعة وحثّت على التفقّه في الدّين, منعاً من تأثيرات الجهل والرجوع إلى الجاهليّة.

محاور الموضوع

التفقّه تعلُّم الدّين:
التفقّه الوارد في آية : ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ 15.

والفقه هو: "العلم في الدّين والتفقّه هو تعلّم الفقه"16.

فيكون معنى التفقّه دائراً بين "تعلّم أحكام الشريعة، وبين تعلّم الدّين" ومسائله وما يتعلّق به. وممّا يشير إلى هذا المعنى قول


130


الإمام الصادقعليه السلام: "سارعوا إلى طلب العلم، فوالّذي نفسي بيده، لحديث واحد في حلال وحرام تأخذه من صادق، خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضّة"17.

قيمته وبركات التفقّه في الدّين:

طلب العلم فريضة:

إنّ طلب العلم فريضة يتعبّد المسلمون بها ويطيعونه في السعي في سبيلها، ففي الحديث عن رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم: "اطلبوا العلم ولو بالصّين، فإنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم"
18.
ومن خطبة لأمير المؤمنينعليه السلام خطبها من على منبر مسجد الكوفة: "أيّها الناس, اعلموا أنّ كمال الدّين طلب العلم والعمل به، وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال"
19.

والتفقّه في الدنيا هو أوجب من غيره من العلوم التي يحتاج إليها في المعاش وفي تطوير وسائل الحياة.

2- من أفضل العبادات:

عن رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم: "ما عُبد الله تعالى بشي‏ء أفضل من الفقه في الدّين"
20.


131


3- أساس بنيان الدّين:

وعنه صلى الله عليه و آله وسلم: "إنّ لكلّ شي‏ء دعامة، ودعامة هذا الدّين الفقه"21.

4- التفقّه في الدّين توفيق إلهيّ:

إنّ الله إنّما يحبّ عباده جميعاً، ويرحم جميع مخلوقيه ولكن قد نجد أنّ هناك نعمةً خاصّة يحبو الله تعالى بها بعض عباده دون سواهم، وهذا - دون شكّ - توفيق منه سبحانه.
وفي هذا المجال، يمكن أن نفهم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً، فقّهه في الدّين، وزهّده في الدنيا، وبصّره عيوبه"
22.

وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً، فقّهه في الدّين، وألهمه اليقين"
23.

لا تكونوا كجفاة الجاهليّة:

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليتأسَّ صغيركم بكبيركم، وليرأف كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهليّة: لا في الدّين يتفقّهون، ولا عن الله يعقلون"
24.


132


وقد ذمّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلممن لا يخصّص وقتاً لتعلّم أحكام الشريعة والتفقّه في الدّين.

عنه صلى الله عليه و آله وسلم: "أفٍّ لكلّ مسلم لا يجعل في كلّ جمعة يوماً يتفقّه فيه أمر دينه، ويسأل عن دينه"25.

قال العلّامة المجلسيّ تعقيباً على الحديث: "المراد بالجمعة الأسبوع، تسميةً الكلّ باسم الجزء"
26.

أي يجعل في كلّ أسبوع يوماً ليتعلّم فيه أحكام دينه ومسائله. وإلّا تحوّل إلى الجاهليّة وضلالتها، بعد أن حباه الله بنعمة الإيمان، وهداه ظلال رحمته.

وقال الشهيد الثاني: "إنّ مجرّد تعلّم هذه المسائل المدوّنة ليس هو الفقه عند الله تعالى، وإنّما الفقه عند الله تعالى بإدراك جلاله وعظمته، وهو الذي يورث الخوف والهيبة والخشوع، ويحمل على التقوى ومعرفة الصفات المخوفة فيجتنبها والمحمودة فيرتكبها..."
27.

وهذا يدلّ على أمرين:

1. أنّ الفقه لا يقتصر على تعلّم الأحكام الشرعيّة، بل هو تعلّم كلّ مسائل الدّين، وفي مقدّمتها العقيدة الحقّة والخصال الحميدة.


133


2. أنّه ليس فقط تعلّم الأحكام والمسائل، إنّما لا بدّ من تطبيقها أيضاً.

حيث يصدّق الأمرين ما ورد عن أبي عبد اللهعليه السلام: "لا يقبل الله عملاً إلّا بمعرفة، ولا يقبل المعرفة إلّا بعمل، فمن عرف دلّته معرفته على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، إنّ الإيمان بعضه من بعض"28.


134


المحاضرة الثالثة:


المرأة والحجاب الشرعيّ في الإسلام‏

الهدف: نشر ثقافة الحجاب المراعي للشرائط الشرعيّة والتحذير من الآثار السلبيّة الناتجة عن التبرّج.

تصدير الموضوع

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 29.


135


المقدّمة:

لقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلاميّ عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفّتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان، وإنّ الشروط التي فرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلّا لسدّ ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرّج بالزينة.

محاور الموضوع

1 - فضائل الحجاب:

أ – الحجاب طاعة لله عزَّ وجلَّ وطاعة للرسولصلى الله عليه و آله وسلم:

أوجب الله طاعته وطاعة رسول فقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا 30.

وقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب فقال تعالى: ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا 31.

ب – الحجاب طهارة:

قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء


136


حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ 32.

فوصف الحجاب بأنّه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأنّ العين إذا لم تر لم يشته القلب، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأنّ الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ 33.

ج – الحجاب تقوى:

قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ 34.

د- الحجاب غيرة:

يتناسب الحجاب أيضاً مع الغيرة التي جُبل عليها الرجل السويّ الذي يأنف أن تمتدّ النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حرب نشبت في الجاهليّة والإسلام غيرة على النساء وحميّة لحرمتهن، قال الإمام عليّ عليه السلام: "بلغني أنّ نساءكم يزاحمن العلوج- أي الرجال الكفّار من العجم- في الأسواق ألا تغارون؟ إنّه لا خير فيمن لا يغار"35.


137


2- قبائح التبرّج:

أ – التبرّج معصية لله وللرسول:

ومن يعص الله ورسوله فإنّه لا يضرّ إلّا نفسه، قال رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم: "كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا من أبى، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى"36.

ب – التبرّج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله تعالى:

عن رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم: "سيكون في آخر أمّتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنّهن ملعونات"37.

ج – التبرّج من صفات أهل النّار:

عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "صنفان من أهل النّار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات.."38.

د – التبرج تهتّك وفضيحة:

عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم: "أيّما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عزَّ وجلّ"39.


138


هـ - التبرّج من الجاهليّة:

قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى 40.

التبرّج يؤدّي إلى العواقب الوخيمة ومنها:

• فساد أخلاق الرجال خاصّة الشباب ودفعهم إلى الفواحش المحرّمة.
• المتاجرة بالمرأة كوسيلة للدعاية أو الترفيه في مجالات التجارة وغيرها.
• الإساءة إلى المرأة نفسها باعتبار التبرّج قرينة على سوء نيّتها ممّا يعرّضها لأذيّة الأشرار.
• تسهيل معصية الزنا بالعين: قال صلى الله عليه و آله وسلم: "العينان زناهما النظر"41.

3 – شروط الحجاب الشرعيّ هي:

أ – أن يكون ساتراً لجميع البدن:
تسالم أئمّة المسلمين كلّهم على أنّ ما عدا الوجه والكفّين من المرأة داخل في وجوب الستر أمام الأجانب، إلّا إذا دعت لذلك ضرورة كالطبيب المعالج، ونحوه...


139


ب – ألّا يكون زينة في نفسه، أو ذا ألوان جذّابة تلفت الأنظار، لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا 42، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز إبداؤه، ولا يسمّى حجاباً، لأنّ الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب. فيجب أن يراعى فيه أن يكون من لون بعيد عن الزينة والفتنة، كما يجب أن يكون خالياً ممّا يلفت النظر.

ج- أن يكون سميكاً لا يشفّ ما تحته من الجسم، لأنّ الغرض من الحجاب الستر، فإن لم يكن ساتراً لا يسمّى حجاباً لأنه لا يمنع الرؤية، ولا يحجب النظر.

د – أن يكون فضفاضاً غير ضيّق ولا يجسّم مفاتن البدن، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم.

هـ - ألّا يكون الثوب فيه تشبّه بالرجال، أو ممّا يلبسه الرجال، فقد لعن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل، وقالصلى الله عليه و آله وسلم له: "لعن الله المخنّثين من الرجال، والمترجّلات من النساء"
43
أي المتشبّهات بالرجال في أزيائهن وأشكالهن، كبعض نساء هذا الزمان.

و- ألّا يكون ثوب شهرة، لقوله صلى الله عليه و آله وسلم: "من لبس ثوب شهرة


140


في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلّة يوم القيامة"44 وثوب الشهرة هو الثوب الذي إذا لبسته المرأة أشير إليها بالبنان.

4 – نصوص أصل الحجاب وتشريعه وآثاره:

ورد في القرآن الكريم آيات صريحة تدلّ على وجوب الحجاب منطوقاً ومفهوماً، قال تعالى:

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ... 45.

ويقول سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى...﴾, ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَات ِ﴾ إلى آخر الآيتين 32 و 33 من سورة الأحزاب، إلى العديد من آيات الكتاب العزيز التي تؤكّد على تشريع الحجاب ووجوبه على النساء باعتباره حكماً شرعيّاً ملزماً وجزءاً من الإسلام والإيمان، كما أنّ الإخلال به عمليّاً مبطل للصلاة والحجّ والطواف..

وفي مواجهة الأمراض النفسيّة والأخلاقيّة يأتي تحريم الخضوع بالقول واللين المريب والمغري بالريب، وفجور النفوس وأهوائها ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 46 خالياً


141


من الميوعة، ورقّة المقول المؤدّية أو المغرية بالتجاوب المشبوه، مع التأكيد على الاستقامة ﴿ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 47.

5 – أهداف الحجاب:

إنّ تشريع الحجاب في الإسلام معناه وهدفه السامي الحقيقي هو منع الخلاعة بكلّ ما لها من صور وأشكال، وبكلّ ما فيها من مفاسد وأضرار، وغلق كلّ منافذ الانحلال الأخلاقيّ، ووقاية المجتمع البشريّ من الانحدار إلى مهاوي الشرّ وحضيض الفساد المدمّر للحياة بكاملها، وقد أثبتت الشواهد بأنّ التبرّج والاختلاط الجنسيّ هو العامل الأكبر في حصول التمرّد الأخلاقيّ، والمزلق الخطر الذي طالما قاد الأفراد والجماعات لتدمير الأخلاق والقيم، وتدمير وتجاوز نفس القوانين الوضعيّة التي وضعها الإنسان بوحي من شهواته وفلسفاته الماديّة الجنسيّة المتمرّدة يقول تعالى: ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ 48.


142


هوامش

1- أمالي الصدوق: ص 193.
2- المزار لابن المشهوي: ص 465.
3- تهذيب الأحكام, ج 6 ص 170.
4- المحاسن للبرقي, ج 1 ص 262.
5- نهج البلاغة, الحكمة 154.
6- وسائل الشيعة, كتاب الجهاد, باب 80 من أبواب جهاد النفس, ح 1.
7- الصدوق: التوحيد ص 392.
8- نهج البلاغة, الخطبة رقم 201.
9- نهج البلاغة, الخطبة رقم 172.
10- الصدوق: علل الشرائع الباب 165 الحديث 1.
11- نهج البلاغة الخطبة رقم 13.
12- المجلسي: بحار الأنوار ج 98 ص 196.
13- المجلسي: بحار الأنوار ج 98 ص 337.14- بحار الأنوار، ج‏78، ص‏321، ح‏19.
14- بحار الأنوار، ج‏78، ص‏321، ح‏19.
15- التوبة، 122. معناه "طلب التخصّص بالعلم بأحكام الشريعة" المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
16- ترتيب كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي، ج‏3، مادة فقه، ص‏1410.
17- المحاسن للبرقي، ج‏1، ص‏356.
18- روضة الواعظين، ص‏11.
19- الكافي، ج‏1، ص‏30، ح‏4.
20- كنز العمّال، ح‏28752.
21- كنز العمّال، ح 28768.
22- كنز العمّال، ح 28689.
23- غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، الحكمة 4133.
24- نهج البلاغة، الخطبة 166.
25- بحار الأنوار، ج‏1، ص‏176، ح‏44.
26- نفس المصدر.
27- كتاب "منية المريد في أدب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني، ص‏157.
28- المحاسن للبرقيّ، ج‏1، ص‏315، ح‏623.
29- سورة الأحزاب: آية 59.
30- سورة الأحزاب: آية 36.
31- سورة النور: آية 31.
32- سورة الأحزاب: آية 53.
33- سورة الأحزاب: آية 32.
34- سورة الأعراف: آية 26.
35- الشرح الكبير, ج 8 ص 144.
36- الغدير, ج 10 ص 118.
37- الدرّ المنثور, ج 6 ص 36.
38- ميزان الحكمة, ج 1 ص 530.
39- كنز العمّال, ج 16 ص 381.
40- سورة الأحزاب: آية 33.
41- رياض الصالحين, ص 640.
42- سورة النور: آية 31.
43- الجامع الصغير, ج 2 ص 397.
44- كنز العمّال, ج 15 ص 318.
45- إلى آخر الآيتين 30 و31 من سورة النور.
46- سورة الأحزاب: آية 32.
47- سورة الأحزاب: آية 32.
48- سورة النور: آية 30.