المحاضرة الأولى:
آفاق الفتح الحسينيّ
الهدف: التعرّف على
معالم الفتح الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام وأهمّ
دلالاته على مستوى التغيير الذي أحدثته نهضته على مدى
العصور, وصولاً إلى عصر ظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه
الشريف.
تصدير الموضوع
في الرواية أنّ الإمام الحسين عليه السلام بعث برسالة إلى
أخيه محمّد بن الحنفيّة ومن قبله من بني هاشم يقول فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم, من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن
عليّ ومن قبله من بني هاشم, أمّا بعد: فإنّ من لحق بي
استشهد, ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح, والسلام"1.
المقدّمة:
يمهّد الشهداء عادةً للفتح بدمائهم الزاكية, إلّا أنّ
الإمام الحسين عليه السلام امتاز بأنّ شهادته تلازمت مع
الفتح في الدّين, فكان: "الشهيد الفاتح", فما هو
هذا الفتح الحسينيّ؟ وما هي آثاره وتداعياته على المقاطع
الزمانيّة المختلفة؟
محاور الموضوع
ما هو الفتح الحسينيّ؟
لقد أخبرعليه السلامالأسرة النبويّة بأنّ من لحقه منهم سوف
يظفر بالشهادة, ومن لم يلحق به فإنّه لا ينال الفتح, فأيّ
فتح هذا الذي عناه الإمام؟ إنّه الفتح الذي لم يحرزه غيره
من قادة العالم وأبطال التاريخ, فقد انتصرت مبادؤه,
وانتصرت قيمه, وتألّقت الدنيا بتضحيته, وأصبح اسمه رمزاً
للحقّ والعدل, وأصبحت شخصيّته العظيمة ليست ملكاً لأمّة
دون أمّة ولا لطائفةٍ دون أخرى, وإنّما هي ملك للإنسانيّة
الفذّة في كلّ زمان ومكان, فأيّ فتح أعظم من هذا الفتح وأيّ
نصر أسمى من هذا النصر2.
فلم يرد بالفتح إلّا ما يترتّب على نهضته وتضحيته من نقض
دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المطهّرة
وإقامة أركان العدل والتوحيد, وأنّ الواجب على الأمّة
القيام
في وجه المنكر. وهذا معنى
كلمة الإمام زين العابدينعليه السلام لإبراهيم بن طلحة بن
عبيد الله لمّا قال له حين رجوعه إلى المدينة: من الغالب؟
فقال السجّاد عليه السلام: "إذا دخل وقت الصلاة فأذّن
وأقم تعرف الغالب"3.
الفتح الحسينيّ في مقاطعه الزمانيّة:
1- مقطع عصر عاشوراء: وفي هذا المقطع هناك آفاق فتح
حسينيّ أهمّها:
أ- الفصل بين الأمويّة والإسلام: فقد قدّم معاوية الإسلام
الأمويّ للناس وحاول أن يقنعهم بأنّه هو الإسلام, وقد حطّم
الإمام الحسين عليه السلام بدمائه الزكيّة هذا الإطار
المزيّف.
ب- عاشوراء بداية نهاية الحكم الأمويّ: وتمثّل ذلك بالعديد
من الثورات والانتفاضات التي قامت ضدّ الحكم الأمويّ وأدّت
إلى زواله وانتقاضه, وكان لعاشوراء الأثر المباشر أو غير
المباشر فيها, ويظهر ذلك بوضوح من خلال شعار: "يا
لثارات الحسين" الذي رفعته العديد منها.
2- مقطع ما بعد عاشوراء:
حيث يتجلّى في هذا المقطع معنى ما قيل إنّ: "الإسلام
محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء", فقد صار هناك وحدة بين
الدعوة إلى
الإسلام المحمّديّ والدعوة إلى الحسين عليه السلام, ومن
هنا يتضح سرّ من أسرار تأكيد الأئمّة عليهم السلام على
عزاء الحسين عليه السلام وزيارته.
3- مقطع عصر الظهور:
صاحب الفتح العالميّ من ذريّة الحسين عليه السلام:
عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "ومن ذرّية هذا
- وأشار إلى الحسين عليه السلام - رجل يخرج في آخر الزمان
يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.."4.
وعن الإمام الحسين عليه السلام: "منّا اثنا عشر مهديّاً،
أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من
ولدي، وهو القائم بالحقّ، يحيى الله به الأرض بعد موتها،
ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولو كره المشركون.. "5.
امتداد المواجهة في فصول بين أهل الحقّ وأهل الباطل:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّا وآل أبي سفيان أهل
بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق اللّه. وقالوا: كذب
اللّه. قاتَلَ أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه و آله
وسلم، وقاتَلَ معاوية عليّ بن أبي طالب عليه السلام،
وقاتَلَ يزيد بن معاوية الحسين بن عليّعليهما السلام،
والسفيانيّ يقاتل القائم عليه السلام"6.
المهديّ عجّل الله تعالى فرجه
الثائر للحسين عليه السلام:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لما ضُرب الحسين بن
عليٍّعليهما السلام بالسيف ثمّ ابتُدِر ليُقطع رأسه نادي
منادٍ من قبل ربّ العزّة تبارك وتعالى من بطنان العرش
فقال: ألا أيّتها الأمّة المتحيّرة الظالمة بعد نبيّها، لا
وفّقكم الله لأضحى ولا فطرٍ. قال: "ثمّ قال أبو عبد الله
عليه السلام: لا جرم والله ما وفّقوا ولايوفّقون أبداً
حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السلام"7.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "لمّا قُتل جدّي الحسين
عليه السلام ضجّت الملائكة إلى الله عزَّ وجلّ بالبكاء
والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيّدنا، أتصفح عمّن قتل صفوتك
وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله عزَّ وجلّ إليهم
قرّوا ملائكتي، فوعزّتي وجلالي، لأنتقمنّ منهم ولو بعد
حين. ثمّ كشف الله عزَّ وجلّ عن الأئمّة من ولد الحسين
عليه السلام للملائكة، فسرَّتِ الملائكة بذلك، فإذا أحدهم
قائم يصلّي، فقال تعالى: بذلك القائم أنتقم منهم"8.
القائم عجل الله فرجه الشريف الطالب بدم المقتول في
كربلاء:
وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى:
﴿
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
﴾:
"إنّ العامّة يقولون نزلت في رسول الله صلى الله عليه و
آله وسلم لمّا أخرجته قريش من مكّة، وإنّما
هي
للقائم عليه السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه
السلام، وهو قوله: نحن أولياء الدم، وطلاّب
الدِّية.."9.
خروج القائم عجل الله فرجه الشريف يوم عاشوراء:
عن الإمام الباقر عليه السلام: "يخرج القائم
عليه السلام يوم السبت، يوم عاشوراء، يوم الذي قتل
فيه الحسين عليه السلام"10.
الشعار: (يا لثارات الحسين):
ورد في بعض الروايات أنّ الملائكة تخرج عند ظهور
الحجّة عجّل الله تعالى فرجه من عند قبر الإمام
الحسينعليه السلام وشعارهم: يا لثارات الحسينعليه
السلام11.
القائم عجل الله فرجه الشريف يقتل ذراري قتلة
الحسين عليه السلام لرضاهم بفعال آبائهم:
عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: قلت لأبي
الحسن عليٍّ بن موسى الرضا عليه السلام: يا ابن
رسول الله، ما تقول في حديث رُوي عن الصادق عليه
السلام أنّه قال: "إذا خرج القائم قتل ذراري
قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟", فقال
عليه السلام: "هو كذلك". فقلت: فقول الله عزَّ وجلّ:
﴿
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
﴾
ما معناه؟ فقال: "صدق الله في جميع أقواله، لكنّ
ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون
بها، ومن رضي شيئاً كان
كمن
أتاه، ولو أنّ رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجل
في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل،
وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.."13.12
المحاضرة الثانية:
مقدّسات المسلمين وقدسيّة الدفاع عنها
الهدف:
معرفة مقدّساتنا وأنّ واجبنا تجاهها تعظيمها
واحترامها والدفاع عنها بكلّ الوسائل حتّى الأرواح
والدماء.
تصدير الموضوع
قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ
الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ...﴾14.
المقدّمة:
هناك في مختلف الأديان والمذاهب مجموعة من الأمور
التي تعتبر مقدّسة تبعاً لعلاقة تلك الأشياء
بالدّين أو المذهب وارتباطها بالخالق أو الأنبياء
أو الكتب السماويّة أو الأماكن الدينيّة.
محاور الموضوع
1 - معنى المقدّس والقداسة:
القدس والقداسة والتقديس في اللغة والكتاب
والاستعمال العرفي بمعنى التطهير، والتنزيه عن
النقص والعيب، ولازم هذا كمال المقدّسات،
واحترامها وتعظيمها، ووجوب الدفاع عنها بالغالي
والنفيس لأنّها تمثّل الكيان المعنويّ والإيمانيّ
للبشر.
فقد ورد في اللغة العربية:
قَدُسَ قدْساً وقُدُساً طَهُر وتبارك، وتقدّس أي
تطهّر، والقداسة الطهارة، يقال: قدّس الله فلاناً:
طهّره وبارك عليه، والقدوس من أسماء الله الحسنى،
أي المنزّه عن كل نقص وعيب15..
والتقديس: التطهير الإلهيّ الوارد في قوله تعالى:
﴿
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
﴾16.
وقد
ورد في الكتاب العزيز ما يؤكّد هذا المعنى، قال
تعالى:
﴿
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ
الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ
﴾.
قيل: إنّها الجنّة، وقيل: الشريعة، وكلاهما صحيح،
فالشريعة حظيرة منها يُستفاد القدُس، أي الطهارة،
وقال تعالى:
﴿
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
﴾17،
أي نطهّر الأشياء ارتساماً لك، وقيل نقدّسك، أي
نصفك بالتقديس18.
2 - المقدّسات في الإسلام والشرائع السماويّة:
تشترك الشرائع السماويّة في أصولها ومبانيها،
وتتفق على قداسة هذه الأصول وحرمتها ووجوب الدفاع
عنها، ولمّا كانت الشريعة الإسلاميّة هي خاتمة
الرسالات، والنبيّ محمّدصلى الله عليه و آله وسلم
هو سيّد الرسل وخاتمهم، سنكتفي بتحديد المقدّسات
من خلال ما جاء في الشريعة الإسلاميّة مع الالتفات
إلى أن المقدّسات لا تنحصر في الأصول دائماً، بل
فقد يكون المسُّ ببعض الفروع أحياناً هتكاً
للمقدّسات.
يمكن تصنيف المقدّسات في الإسلام إلى الأصناف
الآتية:
أ - قداسة الإله (الله تعالى):
فيما يتعلّق بذاته وتوحيده سبحانه وصفاته وعدله...
الخ.
قال
تعالى:
﴿
اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ...19﴾.
والآيات والروايات والمصنّفات كثيرة ومفصّلة في
هذا المجال.
ب - قداسة الشريعة والدّين:
بمعنى قداسة وخصوصيّة الدّين الإسلاميّ بكلّيته
وكيانه الكامل، وأنّه دين إلهيّ من عند الله تعالى.
قال الله تعالى:
﴿...الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِينًا...20﴾.
وقال تعالى:
﴿
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...21﴾.
وقال تعالى:
﴿
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ
22﴾.
ج - قداسة القرآن الكريم:
وأنّه كلام الله الموحى على نبيّه محمّد صلى الله
عليه و آله وسلم: قال الله تعالى:
﴿
ذَلِكَ
الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
23﴾.
﴿
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي
ِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ
24﴾.
﴿
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي
وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
﴾25.
د - قداسة الوحي والرسل والأنبياء والأئمّة عليهم
السلام:
فالوحي واسطة بين الله ورسله، قال تعالى:
﴿
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ
لِّلْمُشْرِكِينَ
﴾26.
﴿
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا
أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ
أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا
إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ
﴾27.
والأنبياء والرسل يمثّلون النبوّة التي هي
سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده وقد
بعثهم الله تعالى لهداية البشريّة وتعليمها.
قال الله تعالى:
﴿
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
﴾28.
وقال تعالى:
﴿...فَبَعَثَ
اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ..﴾29.
خصوصيّة النبيّ محمّدصلى الله عليه و آله وسلم بين
الأنبياء والرسل:
لا يمكن فصل الحديث بين قدسيّة وعظمة شخصيّة النبيّ
صلى الله عليه و آله وسلم وبين عظمة نبوّته
ورسالته العالميّة الخالدة؛ وموقعه في السماء
والأرض قبل وبعد الإسلام، ونشير فيما يلي إلى بعض
خصوصيّات النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله وسلم،
الذي عرف قبل الإسلام، بالصادق الأمين.
هدف بعثته ورسالته: الرحمة بالبشر والتزكية
والتربية لهم، قال تعالى:
﴿
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَة َ﴾30.
وقال تعالى:
﴿
وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
﴾31.
الأسوة الحسنة وصاحب الخلق العظيم: قال
الله تعالى:
﴿
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ
﴾32.
﴿
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
﴾33.
سيّد الرسل وأعظمهم وخاتمهم: قال تعالى:
﴿
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن
رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمًا
﴾34.
وقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لعليّ عليه
السلام "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا
أنّه لا نبيّ بعدي"35.
تخصيصه بالإسراء والمعراج:
﴿
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى...﴾36.
الأمر الإلهيّ بوجوب طاعته واحترامه، قال تعالى:
﴿
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ
تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...﴾37.
هـ - الأماكن المقدّسة عند المسلمين:
هي المساجد بشكل عامّ، والمسجد الحرام، ومسجد
النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم والمسجد الأقصى،
ومسجد الكوفة بشكل خاصّ، قال تعالى:
﴿
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ
اللَّهِ أَحَدًا
﴾38.
وأيضا المقامات المقدّسة للأئمّة المعصومينعليهم
السلام وأبنائهم.
3 - ما هو واجب المسلمين تجاه مقدّساتهم:
أجمع فقهاء الإسلام بالإجمال على وجوب الدفاع عن
بيضة الإسلام، بل إنّ فلسفة تشريع الجهاد في
الشريعة الإسلاميّة قائمة على مبدأ الدفاع عن
الشريعة وحفظ مقدّساتها وكيانها من كلّ ما يهدّده
بالخطر أو التشويه ونحوه، ولهذا:
• على المسلمين أنفسهم المحافظة على كلّ مقدّساتهم
بالقول والعمل الدؤوب والدائم، وعدم الإساءة إليها
من خلال احترام مقدّسات الآخرين وخصوصيّاتهم.
•
عليهم مواجهة كلّ من يمسّ المقدّسات الإسلاميّة
أيّاً كان موقعه أو الجهة التي ينتمي إليها ضمن
الضوابط الشرعيّة.
• تنويع وسائل المواجهة والردع، من ثقافيّة،
إعلاميّة، سياسيّة، قانونيّة، إداريّة، اقتصاديّة،
إلى حدّ الجهاد والشهادة.
• تربية مجتمعاتنا على احترام المقدّسات، والسعي
الدائم لنقل هذه الثقافة إلى الآخرين.
خاتمة:
إنّ المسّ بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله
وسلم وتصويره بالرسوم الكاريكاتوريّة المهينة، أو
الأفلام المسيئة فيه إساءة لكلّ الأديان السماويّة
والأنبياء والكتب المقدّسة، فضلاً عن الإساءة إلى
مليار وأربعمائة مليون مسلم في العالم.
المحاضرة
الثالثة:
شروط النصر
الهدف: التعرّف
إلى شروط النصر في الإسلام وقيمته.
تصدير الموضوع
قال الله تعالى:
﴿ وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
﴾39.
المقدّمة:
إنّ صناعة النصر بالتضحية والدم والشهادة، ثقافة
محمّديّة علويّة حسينيّة تعلّمها المجاهدون من بدر
وخيبر وعاشوراء حيث القوّة والثبات، والعزيمة
والشجاعة؛ وانتصار الدم على السيف، والعزّة على
الذلّة، والثبات والإرادة على الهزيمة والانقياد
أمام الظالمين.
محاور الموضوع
الثوابت الفكريّة لصناعة النصر:
تعتمد هذه الثقافة في مواجهة الظالمين والمستكبرين
على مجموعة من الثوابت أهمّها:
الأوّل: الإيمان بالله وطاعته:
يقول تعالى في كتابه العزيز:
﴿
إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ
﴾40.
ويقول:
﴿
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
﴾41.
ويقول الله تعالى:
﴿
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
﴾42.
ويقول الله تعالى:
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ
وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
﴾43.
الثاني: قوّة
العقيدة وسلامتها:
تلاحظ أهمّيّة هذا العنصر في الوقت الذي كان فيه
رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم بين قومه
يبلّغهم دعوته قرابة خمس عشرة سنة وكان أصحابه
يلاقون الذلّ والهوان وأشكال العذاب وصنوف البلاء
من أعدائهم طوال بقائهم في مكّة، وكانوا يتحمّسون
لردّ العدوان الواقع عليهم ولكن القرآن لم يأذن
لهم في ذلك لأنّها كانت فترة تربية على العقيدة
وترسيخ لمبادئ الإيمان في نفوسهم، حتّى إذا ما
تغلغل اليقين الذي لا يخالجه شكّ واطمأنّت نفوسهم
بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر أذن لهم بعد
ذلك بالقتال
﴿
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا
أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ
اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ
يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
﴾44.
وحينما ثبت الإيمان في قلوبهم وثبتت العقيدة في
صدورهم رأينا الإيمان يعمل عمله حينما التقوا
بأعدائهم فما ثبتت للكفر قوّة أمام هذا اليقين
الراسخ بل صار الكفار أمامهم كالهباء المنثور.
ولقد كان الجيش الإسلاميّ لا يعتمد على كثرة العدد
لأنّه لم ينظر إلى الكمّ بل كانت نظرته إلى اليقين
المؤمنين به
والداخلين فيه إذ
كانوا يندفعون إلى المعركة بدافع من إيمانهم سواء
في ذلك الشباب والشيوخ والرجال والنساء لأنّهم
كانوا جند الله الذين تخاذلت أمامهم قوّات الكفر.
الثالث: التوكل على الله والأخذ بالأسباب:
التوكل على الله مع إعداد القوّة من أعظم عوامل
النصر؛ لقول الله تعالى:
﴿
وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ
﴾45
وقال سبحانه:
﴿
إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم
مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ
الْمُؤْمِنُونَ
﴾46.
وقال تعالى:
﴿
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ
اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
﴾47.
وقال تعالى عزَّ وجلَّ:
﴿
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى
بِاللَّهِ وَكِيلًا
﴾48.
ولا بدّ في التوكّل من الأخذ بالأسباب؛ لأنّ
التوكّل يقوم على ركنين عظيمين:
الركن الأوّل: الاعتماد على الله والثقة
بوعده ونصره تعالى.
الركن الثاني: الأخذ بالأسباب الطبيعيّة
كالتخطيط والتدريب والتجهيز ومعرفة العدوّ وخططه
وتقنيّاته، والاستفادة من مختلف التقنيّات
العسكريّة الممكنة قال الله تعالى:
﴿
وَأَعِدُّواْ
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
﴾49.
والقوّة هنا تشمل القوّة الماديّة، والقوّة
العلميّة، والقوّة الروحيّة، والقوّة الأخلاقيّة،
حتّى يكون أهل الإيمان أقوى من أعدائهم
لِيُرْهِبُوا أولئك الأعداء.
الرابع: استشعار روح الجهاد والشهادة:
بالاعتقاد بأنّ الجهاد والدفاع واجب كبقيّة
الواجبات، بل من أهمّها، وقد فرضه الله على كلّ
قادر دفاعًا عن المقدَّسات والحرمات، وعن العقيدة
والمبدأ، وعن الحِمَى والوطن، عن رسول الله صلى
الله عليه و آله وسلم "مَنْ قُتل دون ماله فهو
شَهيدٌ، ومَنْ قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل
دون دينه فهو شهيد، ومَنْ قُتل دون دمه فهو شهيد"50
وقد جاء في القرآن آياتٌ كثيرة تحثُّ على
استشعار روح هذا الجهاد فقال:
﴿
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
﴾51.
وقال:
﴿
وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ
﴾52
ولا بدّ من الاعتقاد التامّ بأنّ الشهادة حياة
وأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم: قال الله تعالى:﴿
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي
سَبِيلِ اللّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ
﴾53.
وقال تعالى:
﴿
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ
اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ
تَشْعُرُونَ
﴾54.
كما ينبغي إضافة للإيمان والاعتقاد النظريّ، تربية
النفس وتهيئتها للشهادة، وقد صرّح النبيّ صلى الله
عليه و آله وسلم وأمير المؤمنين بحبّ الشهادة
والقتل في سبيل الله, ورد عنه صلى الله عليه و آله
وسلم أنّه قال: (والذي نفسي بيده لوددت أن أغزو في
سبيل الله فأقتل, ثمّ أغزو فأقتل, ثمّ أغزو فأقتل)55.
وعن عليّ عليه السلام "...فوالله إنّي لعلى حقّ
وإنّي للشهادة لمحبّ".
الخامس: الاعتقاد بالوعد الإلهيّ بالنصر:
وعد الله المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم،
وذلك بإظهار دينهم، وإهلاك عدوّهم وإن طال الزمن،
قال تعالى:
﴿
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَادُ * يَوْمَ
لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ
وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
﴾56
وقال سبحانه:
﴿
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
﴾57
والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بقوله
تعالى:
﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ
عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ
رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
﴾58.
وقال الله تعالى:
﴿
وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
﴾59
السادس: نصر دين الله تعالى:
من أعظم أسباب النصر: نصر دين الله تعالى والقيام
به قولاً، واعتقادًا، وعملاً، ودعوة. قال الله
تعالى:
﴿
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ
أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ
﴾60.
وقال تعالى:
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا
اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
* وَالَّذِينَ كَفَرُوا
فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
﴾61.
السابع: الشجاعة والبطولة والتضحية:
من أعظم أسباب النصر: الاتصاف بالشجاعة والتضحية
بالنفس والاعتقاد بأنّ الجهاد لا يقدّم الموت ولا
يؤخّره، قال الله تعالى:
﴿
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ
وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ
﴾62
قال الشاعر:
من لم يمت بالسيف
مات بغيره |
تعدّدت الأسباب والموت
واحد |
ولهذا كان أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة
هو إمامهم النبيّ محمّدصلى الله عليه و آله وسلم، وقد ظهرت
شجاعته في المعارك الكبرى التي قاتل فيها ومنها على سبيل
المثال:
أوّلاً: شجاعته البطوليّة الفذّة في معركة بدر، قال
الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "لقد رأيتنا يوم
بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو
أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأسًا"
وقال عليه السلام: "كنّا إذا حمي البأس ولقي القوم
اتقينا برسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم فلا يكون أحد
أدنى إلى القوم منه".
ثانيًا: في معركة أحد قاتل قتالاً بطوليًّا لم
يقاتله أحد من البشر.
|