المحاضرة الأولى: روحيّة الجهاد

الهدف:
بيان فضل الجهاد والمجاهدين, والروحيّة التي يفترض أن يحملها المجاهد.

تصدير الموضوع:
"إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي"1.


95


مقدّمة: الجهاد قتال مشروع هادف
إنّ الجهاد في معناه الشرعيّ والعرفيّ هو القتال في سبيل الله. ولذا فإنّ معنى الجهاد مقرون بكونه مشروعاً, وهذا معنى كونه قتالاً في سبيل الله، فأوّلاً لا بدّ من الالفات إلى أنّه ليس كلّ قتال هو جهاد بل لا بدّ ليكون جهاداً أن يكون مشروعاً، ولذا فإنّ الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يشير إلى مشروعيّة خروجه الجهاديّ بقوله عليه السلام: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي".

وفي سبيل الله يكون لردع المعتدي، ورفع الظالم، والدفاع عن المظلومين والمضطهدين ونشر العدل وإزالة الفساد ولمقاومة المحتلّ، لكن بشرط أن يكون بإذن من له ولاية أمر الجهاد إلّا في الدفاع عن النفس والأوطان.

ولعلّه لالتباس مفهوم الجهاد في زمن الإمام الحسين عليه السلام كما هو ملتبس عند كثيرين في زماننا كان نفي الإمام الحسين عليه السلام كون خروجه طغياناً ولأغراض شرّيرة أو للظلم والإفساد، بل لأجل نشر الصلاح في الأمّة.


96


محاور الموضوع
فلسفة الجهاد:

قال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ2.
هاتان الآيتان في أوائل ما نزل قرآنيّاً في تشريع الجهاد فذكرتا الإذن الإلهيّ بالقتال, ثمّ بيّنتا بعض بركاته ودوره في رفع الظلم بل دفعه وضمان الحرّيّة العباديّة وحفظ المعابد واسترداد الحقوق إضافة إلى الاقتصاص من المعتدين، إذ لولا وجود الإذن الإلهيّ لما بقي لعبادة الله دُور يُعبد فيها, وبالتالي فلا دين ولا متديّنون، على أن نشير لما نشر مع الجهاد من آثار في بناء منعة الأمّة وعزّتها ويشكّل رادعاً للأعداء والمتربّصين بها عن الاعتداء بل حتّى مجرّد التفكير بشنّ الحروب على الأمّة الإسلاميّة, ولعلّه لذلك كان ختام الآيتين بإسمين لهما علاقة ماسّة بالجهاد, الأوّل: هو القوي فكأن الله القويّ ومصدر كلّ قوّة إنّما أذن بالجهاد وقتال الأعداء ليفيض القوّة على المجاهدين وعلى المسلمين, والاسم


97


الثاني: العزيز ربّما ليبيّن أنّه بالجهاد تبنى عزّة الأمّة وكذلك عزّة الأفراد, والقرن بين الاسمين إشارة إلى كون الجهاد بانٍ لقوّة الأمّة المانعة لها من أعدائها.

وقد ذكرت بعض الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله أعزّ أمّته بسنابك خيلها"3.

فضل الجهاد والمجاهدين:

وردت كلمة الجهاد وما يرادفها معنى في القرآن الكريم وكذلك في الروايات عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام مرّات كثيرة. بعضها في بيان أصل مشروعيّة الجهاد وأحكامه, وبعضها في آثاره وبركاته, وبعضها في ثواب ومقام المجاهدين, وبعضها يتعلّق بآداب الجهاد والمجاهدين, إضافة إلى العديد من الأدعية والتي منها دعاء الإمام زين العابدين لأهل الثغور.

وقد جاء في فضل الجهاد ما عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته المسمّاة خطبة الجهاد حيث قال: "أمّا بعد, فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه, وهو لباس التقوى, ودرع الله الحصينة, وجنّته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ, وشمله البلاء, وديث بالصّغار والقماءة, وضرب على قلبه بالأسداد, وأديل الحقّ منه بتضييع الجهاد"4.


98


فالملخّص من هذا النصّ أمور منها:
1- الجهاد باب وطريق إلى الجنّة لصفوة من المؤمنين هم خاصّة الأولياء.
2- للجهاد أثر في حماية دين المجاهدين وتقواهم بل دين النّاس وتقواهم.
3- الجهاد حصن وحرز للأفراد وللأمم.
4- ترك الجهاد يؤدّي إلى:
أ- مذلّة المتخاذلين.
ب- الإصابة بالبلاء.
ج- موت الغيرة والحميّة.
د- عمى البصائر عن إصابة الرشاد.

ومن أروع ما جاءت به الروايات عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ثواب الجهاد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان في جهنّم"5.

وأمّا عن فضله وقيمته فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أعمال العباد كلّهم عند المجاهدين في سبيل الله إلّا كمثل خطّاف أخذ بمنقاره من ماء البحر"6.


99


وأمّا عن مال المجاهدين يوم القيامة فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: "للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه, فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم"7.

الجهاد اختبار:

قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
8. قد يظنّ المؤمنون والمسلمون أنّ جواز مرورهم إلى الجنّة هو إسلامهم وإيمانهم لكنّ الله تعالى في هذه الآية وكذلك في قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ9.

يقول إنّ الجنّة تنال بالاستحقاق لا بالتمنّي, وكذلك درجات الجنّة فإنّ رقيّها يكون لمن ينجح في الامتحان في مواطن الجهاد وخصوصاً عندما لا تكون الغلبة للمؤمنين كما حصل مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في معركة أحد.

فالمعيار في النجاح هو الجهاد مع تحمّل مشاقّه والصبر على خوض غماره وتحمّل آثاره، وبمعنى آخر فإنّ الجهاد المتلازم مع


100


الثبات والرسوخ وعدم التزلزل هو المعبر إلى الجنّة ودرجاتها العالية التي أعدّها الله للمجاهدين.

آداب الجهاد:

قد يظنّ بعض أهل الإنحراف والبدع في الإسلام وكما يروّجون أنّ الجهاد هو باب للقتل وإظهار الوحشيّة والقساوة وحتّى لكأنّك عندما تسمع أقوالهم وترى أو تصلك أخبار أفعالهم أنّ الإسلام دين توحّش وهمجيّة يدعو أبناءه إلى افتراس النّاس والتشبّه بالوحوش الضارية, وهذا ما شوّه الجهاد بل شوّه الإسلام ونبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وبغّضهم إلى النّاس والحقيقة مغايرة تماماً لما يفعله هؤلاء ويقولونه ويصوّرونه ويقدّمونه للبشريّة، فإنّ الإسلام بيّن مجموعة من الأحكام والآداب للجهاد نلخّصها بما يلي:
1- حرمة قتل من أظهر الإسلام من الأعداء: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا10.
2- النهي عن قتل الأشخاص للحصول على الغنائم كما كان يحصل في الجاهليّة.
3- إخلاص النيّة في الجهاد: قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
11.


101


4- عدم الإجهاز على الجرحى واتّباع المدبر.
5- احترام الأموال الخاصّة والعامّة: (الزرع والبيوت) مع عدم وجود ضرورة عسكريّة خصوصاً فيما لو كانت لمسلمين.
6- عدم التمثيل بجثث القتلى.
7- حسن معاملة الأسرى.
8- الانضباط وإطاعة أوامر القيادة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ
12.

خاتمة روحيّة الجهاد:

يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
13.

هذه الآية يظهر التصوير الإلهيّ للجهاد في سبيل الله أنّه بيع المجاهدين أنفسهم وأموالهم لله مع أنّ الله هو مالكها أوّلاً وأخيراً، فالبائع هنا هو العبد والمبيع في هذه النفس التي قد تكون منخورة مهترئة ملوّثة بالمعاصي والآفات بثمن هو الجنّة والوعد الإلهيّ بالبيع قديم مثبت في كتبه السماويّة لأولي العزم من الرسل، والشاري هو الله الذي وعد بقبول هذه النفوس وإيفائها الثمن


102


الذي وعدها به وهو الجنّة.

فالمجاهد عليه أن يرى ساحات الجهاد مكاناً يعرض فيها نفسه على الله لعلّه يشتريها كما وعد كما أنّ كلّ صاحب سلعة يزين سلعته لتغري الزبائن بالشراء، على المجاهد أن يزيّن نفسه بما يجعلها تجذب نظر الله ليقبلها وليست تلك الزينة سوى الشجاعة والإقدام والأخلاق السامية والنيّة الخالصة لله وعشق لقائه والصدق في الاستعداد لبذل النفس والتضحية.

ولذا علينا عندما يبتلينا الله بجهاد الأعداء أن نستبشر لأنّه بذلك فتح لنا سوق الكرامة نبيع بها نفوسنا بأغلى أثمانها.


103


هوامش
1- بحار الأنوار، ج 44، ص 329.
2- سورة الحجّ, الآية: 39- 40.
3- أمالي الصدوق, ص 673.
4- وسائل الشيعة, ج 15, ب 1, ص 16- ح 18.
5- مستدرك الوسائل، ج 11، ص 13.
6- سورة محمّد, الآية: 31.
7- الكافي، ج 5، ص 2.
8- سورة محمّد, الآية: 31.
9- سورة التوبة, الآية: 16.
10- سورة النساء, الآية: 94.
11- سورة الأنفال, الآية: 47.
12- سورة الصفّ, الآية: 4.
13- سورة التوبة, الآية: 111.