المحاضرة الثالثة: نظم الأمر والولاية

الهدف:
بيان أهمّيّة نظم الأمر ودوره في تحقيق الانتصارات, وعلاقة الولاية بنظم الأمر.

تصدير الموضوع:

كان من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم"1.


113


مقدّمة: الإنسان وحبّ النجاح
لا خلاف بل لا نقاش بكون الإنسان فرداً كان أو جماعة يحمل في نفسه حبّاً أصيلاً ومتمكّناً للنجاح والفوز وما يرادف هذين المعنيين ممّا يلائم ميادين الحياة ووجوهها وساحات العمل بمعنى الرغبة الأكيدة في تحقيق الأهداف التي تصبو إليها نفسه ممّا رسمها هو لنفسه أو رسمتها الجماعة التي ينتمي إليها أو الأهداف التي تنسجم مع الفكر والمعتقد الذي يتبنّاه، وقد أشار تعالى إلى هذا التوق النفسيّ عند الإنسان المؤمن والمجاهد خصوصاً في ميادين الجهاد فقال: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ
2، بل إنّ المولى عندما أراد أن يرغّب المؤمنين ببعض الأعمال أو الصفات أشار إلى علاقة هذه الصفات والأعمال بالفلاح والفوز والنجاح ومنها: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ3، بل إنّ حبّ الكمال وسموّ الأنفس يجعلها تطمح إلى أكمل مراتب النجاح وذلك بالوصول إلى أفضل النتائج وأعلى مراتب الأهداف، ولكن ثمّة شروطاً هي التي تشكّل ضماناً لتحقيق هذه الأهداف، لا تقلّ أهمّيّة عن تحديد الأهداف نفسها وتشخيصها وتحديد الطرق والأساليب الموصلة إليها لها علاقة بحفظ الاستقامة على طريق السعي إلى


114


الأهداف وعدم الانحراف أو السقوط عنها، ولها علاقة بحفظ الجهود وعدم ضياعها.

محاور الموضوع
الولاية وتحقيق الأهداف:

إنّنا وبحكم انتمائنا إلى الإسلام، نتبنّى رؤيته للإنسان والإنسانيّة ولدورهما وللأهداف الإلهيّة من الخلق المجموعة في قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
4.

وقد حدّد الله المنظومة التي بها قوام خلافة الإنسان والإنسانيّة فقال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
5.

فما يضمن النجاح في تحقيق الأهداف وحسن أداء مهمّة الخلافة لله في أرضه هي الانتماء إلى منظومة الولاية فيما جاء عن سيّدة نساء العالمين الزهراء فاطمة عليها السلام: "فجعل الله...، وطاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة"6 فطاعة الأئمّة أو أولي الأمر كأنّها خيط وحبل يربط بين أبناء الأمّة أو ينسّق جهود


115


أبناء الأمّة في طرق العمل وميادينه وذلك لأداء الدور والوظيفة التي أنيطت بالبشريّة فكأنّ طاعتهم كالخيط والسلك الرابط لحبّات السبحة لتنتظم هذه الحبّات مشكّلة السبحة ودونه لا سبحة، والقائد لهذه المسيرة البشريّة هو الإمام, ولذا كانت الإمامة ضماناً للوحدة وعدم التشتّت، فالإمام والوليّ والقائد هو قطب رحى هذه الحركة الإنسانيّة باتّجاه كمالها المتحقّق بنجاحها في المهمّة الإلهيّة الموكلة إليها.

النظم والولاية:

إلّا أنّ ما سبق متوقّف على دوام الاستقامة في الحركة باتّجاه الأهداف، وقد أشار الإمام عليّ عليه السلام في وصيّته لولديه عليهما السلام وعبرهما لكلّ الأمّة: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم"7 ويمكن أن نستفيد من هذه الوصيّة أموراً منها:

1- إنّ الإسلام معنيّ بطُرق الوصول إلى الأهداف وضبط السير إليها بقدر ما هو معنيّ بتحديد الأهداف، فكما يفترض كون الأهداف والغايات مشروعة وتتّصف بالنبل والشرف كذلك لا بدّ من أن تحمّل الطُرق والأساليب الموصلة إلى الأهداف صفة المشروعيّة والنبل والشرف، ومعنى التقوى


116


هنا مراعاة كون الأعمال التي نتوسّلها إلى الأهداف النبيلة نبيلة وسامية وشريفة ونقيّة من التلوّثات، فلا قيمة لأيّ نجاح يصل فيه الإنسان إلى الغاية النبيلة إن سلك طرقاً دنيئة ورذيلة وذميمة, ولذا كان من ردود الإمام عليّ عليه السلام عندما جاء جماعة من قريش إليه فقالوا له: يا أمير المؤمنين لو فضّلت الأشراف كان أجدر أن يناصحوك، فغضب أمير المؤمنين، ثمّ قال: "أيّها النّاس تأمروني أن أطلب العدل بالجور فيمن وليت عليه، والله لا يكون ذلك"8.

2- من جهة ثانية فإنّ التقوى تشكّل ضماناً من جهتين, الأولى: مشروعيّة الأهداف والثانية مشروعيّة الأعمال المحقّقة للأهداف، بمعنى أن تضمن الثبات على الأهداف وتضمن الاستقامة في السير نحوها، بمعنى أنّها تحدّد الوجهة وتضبط كون السير باتجاهها على صراط مستقيم.

3- ثمّة أمر آخر يشترط للنجاح غير التقوى وهو ما عبّر عنه الإمام عليّ عليه السلام بنظم الأمر، ومعناه حسن الإدارة للموارد والقوى والطاقات بما يمنع ضياع الجهود وتكرّرها وتعارضها وتصادمها الذي هو الفوضى بعينها، وقد عبّر عنه بالعنوان العام بحسن التدبير أو حسن الولاية كما جاء عن الإمام زين العابدين


117


في دعاء مكارم الأخلاق "وسمني حسن الولاية"9.

فنظم الأمر بمعاونة التقوى يضمن سلامة الوصول إلى الأهداف وبأقصر الطرق وأسرع الأوقات وأكمل وأفضل النتائج.

ولعلّنا نستطيع القول إنّ نظم الأمر هو من مصاديق التقوى التي أوصى بها أمير المؤمنين عليه السلام ولكنّه أفرده لخفاء هذا اللون من التقوى على غالب النّاس، وبيان ذلك أنّ عدم نظم الأمر مضيعة للجهود وإتلاف للمال وإهدار للوقت وزيادة في التكاليف, وبالتالي فهو خلاف التقوى المأمور بها, وعليه فمن لا يقوم بنظم الأمر ويعمل بعشوائيّة ومن لا ينتظم ويعمل منفرداً دون الانضمام إلى الجماعة المنظّمة لديه مشكلة حقيقيّة في تقوى الله.

خاتمة: الولاية تصنع الأفراد والأمم الناجحة:

إنّ أمير المؤمنين في وصيّته الآنفة لم يخصّ أحداً دون أحد, فقد وجّهها أوّلاً إلى ولديه وعبرهما إلى كلّ من يبلغه كتابه هذا، وهذا يعني أنّه يوصينا أفراداً وجماعات بتقوى الله ونظم أمورنا جميع أمورنا، بل إنّ الله تعالى رغّبنا باعتماد النظم في ميادين الجهاد فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ
10.


118


فالإنسان عندما يأخذ موقعه في ساحات المواجهة إذا ما أضيف إليه باقي أبناء الأمّة فأخذ كلّ موقعه المناسب لحاجات الساحات هذه والموائمة مع خبراته وطاقاته سيتشكّل من هؤلاء الأفراد بنيان الأمّة الشامخ المرصوص الذي لا يوجد فيه ثغرات أو نقاط ضعف يسلك منها الأعداء.

ومن جهة أخرى سوف يكتسب خبرات جديدة وتترقى مداركه ومهاراته العمليّة وسيكتشف قوى وطاقات فيه لم تكن ملحوظة عنده. وستتفجّر فيه هذه الطاقات، ومن جهة أخرى فإنّ نظم الأمر في الحياة الفرديّة يؤدّي إلى توفير الوقت والوسع والطاقة لاستثمارها في مجالات أخرى.

وأخيراً نعود لنقول: إنّ كان رأس منظومة الولاية هو القائد الإلهيّ أو الإمام المعصوم. فإنّ مسألة سيرة الأمّة وأفرادها نحو الأهداف في زمن الغيبة لا يفترض أن يتوقّف ولا أقلّ من أن نجمعها تحت عنوان ملاقاة الإمام بأمّة وأفراد جاهزين لنصرته ومعاونته في مهمّته المقدّسة فهل نستطيع ذلك دون امتثال وصيّة الإمام عليّ عليه السلام "تقوى الله ونظم الأمر".


119


هوامش
1- بحار الأنوار, ج 42 ص 256.
2- سورة الصفّ, الآية: 13.
3- سورة المؤمنون, الآيتان: 1 - 2.
4- سورة البقرة, الآية: 30.
5- سورة المائدة, الآية: 55.
6- صحيفة الزهراء جواد القيومي من ص 220 إلى ص 224.
7- نهج البلاغة ج3 ص76.
8- بحار الأنوار ج 41 ص 111.
9- الصحيفة السجّاديّة, ص 109.
10- سورة الصفّ, الآية: 4.