المحاضرة الأولى: إنّي أحبّ الصلاة

الهدف:
الحثّ على الصلاة وبناء العلاقة الجيّدة معها.

تصدير الموضوع:

الإمام الحسين عليه السلام: "... فهو يعلم أنّي كنت أحبّ الصلاة له..."1.


147


مقدّمة: عروج قبل العروج:
في ما حكى الرواة عن مجريات الثورة الحسينيّة تلك العلاقة الرائعة للإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته بالصلاة من ذلك أنّه عليه السلام بعث أخاه العبّاس ليفاوض الأعداء ليمهلوه وصحبه ليلة العاشر ويؤخّروا الحرب إلى صبيحتها قائلاً له: "ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غد، وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي كنت قد أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار"2.

فالحسين عليه السلام لم يطلب تلك المهلة الليلة ليرقد وصحبه في الفراش وليخلدوا إلى الراحة استعداداً للقتال, وهذا مبرّر ومفهوم, وإنّما الملفت والذي يثير العجب أنّهم إنّما طلبوا الهدنة والمهلة لأمر آخر وهو التعبّد لله تعالى. فكأنّه عليه السلام وصحبه أرادوا أن لا يذهبوا ليلاقوا الله تعالى في ساحات الجهاد والقتال إلّا وقد وسموا جوارحهم بآثار الركوع والسجود لله تعالى، وأذاقوا قلوبهم رحيق العبوديّة لله ولتكن آثار ذلك الرحيق المختومة بها حياتهم نوراً على الشفاه والألسن وطيباً تعبق بها الأنفاس من حمأة المنازلة مع الأعداء، أراد الحسين عليه السلام وصحبه أن يكون الليل مركبهم يعرجون فيه عبر براق الصلاة والعبادة إلى


148


مقامات القرب قبل العروج بالشهادة أو ليست "الصلاة قربان كلّ تقيّ"3، وكذلك أليست "الصلاة معراج المؤمن"4.

ولذا فقد وصف الرواة حال معسكر الحسين عليه السلام تلك الليلة قائلين: "وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد"5.

محاور الموضوع
الصلاة رأس مال الحياة الآخرة:

لقد جاء في المرويّات: "الصلاة عمود الدّين"6 فكأنّ الدّين بناء له أساس وله أعمدة تقوم بعمله ليرتفع ويأخذ شكله وينتج نتائجه والصلاة هي بمثابة الأعمدة التي تحمل الدّين ليرتفع بنيانه، فمن لا يصلّي أو يصلّي صلاة فاقدة لشرائط الصحّة والقبول لا ينهض له بنيان دين فهو كمن لا دين له ولذا ورد: "ما بين الكفر والإيمان إلّا ترك الصلاة"7.


149


والأخطر من ذلك أنّ من لا دين له كيف يمكن أن يقبل له عمل، ولا عجب حينها أن تكون تتمّة الرواية: "إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها"، فأوّل ما ينظر إليه هو الصلاة, فإن كان العبد مصليّاً صلاة مقبولة كانت مفتاحاً لتصبغ باقي الأعمال بصبغة القبول والعكس صحيح.

فإذا كان رأس مال الإنسان في الدار الآخرة وزادها هو العمل الصالح بعد الإيمان فإنّ هذا العمل الصالح موقوف قبوله ومؤثّريّته في تلك الحياة على أن يأخذ أسباب ذلك في الصلاة المقبولة. فمهما كان العمل صالحاً يحتاج إلى أن تهبه الصلاة الحياة في الدار الموصوفة بالقرآن: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ
8.

العناية بالصلاة:

إذا كانت الصلاة عمود الدّين وواهبة الحياة لأعمالنا أو لا أقلّ جواز عبور ووصول تلك الأعمال إلى محلّ نظر الله ورضاه وقبوله، فلا يوجد شيء يستحقّ منّا أن نعتني به ونجعل له الأولويّة بعد المعرفة أهمّ وأولى من الصلاة.

وللعناية بالصلاة مظاهر ومراتب، منها أن نعتني بمقدّماتها وشرائطها من طهارة وغيرها.


150


ومن أجلّ تلك المظاهر العناية بأوقات الصلاة، ذلك أنّ العناية بأوقات الصلوات كاشف عن قيمة الصلاة عندنا، وله أثر هو تقوية هذه الرابطة مع الصلاة، ولذا فإنّ معنى العناية بأوقات الصلاة أنّه لا تقدّم عليها غيرها في وقتها، بل نعمل على أن نفرّغ ذلك الوقت للصلاة.

ومن دروس عاشوراء هذه الرواية: "فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان، فيبين ذلك فيهم لقلّتهم، ويقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم... فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداويّ قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله!... نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك، وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة... فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: "ذكرت الصلاة, جعلك الله من المصلّين! نعم إنّ هذا أوّل وقتها". ثمّ قال: "سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي..."9.
 
فهذه الرواية كأنّها تقول إنّ مستوى عناية أصحاب الحسين عليه السلام بالصلاة وخصوصاً بالصلاة في أوّل وقتها بلغ إلى درجة أنّهم رغم ما هم فيه من حرب وقتال لا ينسون أن يراقبوا الشمس وموقعها من السماء لمعرفة وقت الزوال. وهذا كافٍ لنا لنتأسّى بهؤلاء العظماء.


151


خاتمة: بناء العلاقة بالصلاة:
إنّ العناية بالصلاة في الوقت والطهارة جزء من ما هو مطلوب لبناء العلاقة بالصلاة، فمن طرق بناء العلاقة بالصلاة ليس فقط تفريغ الوقت وإنّما أيضاً تفريغ القلب, وهو أن نصرف عن قلوبنا كلّ هم وكلّ شاغل يشغلنا عن الخشوع بين يدي الله وأن نزيل كلّ مانع يشوّش علينا لحظات الأنس بالله في الصلاة.

وعلينا أن نرتقي بالعلاقة مع الصلاة من كونها فرضاً وواجباً وتكليفاً نريد أن ننزله عن كواهلنا إلى لحظة ننتظرها بشوق لأنّ فيها راحة نفوسنا كما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله لبلال آمراً له بالأذان: "أرحنا يا بلال"10.

نعم علينا أن نصل إلى مرحلة تكون راحتنا بالصلاة، لا أن تكون راحتنا من الصلاة بإسقاط الواجب وأداء التكليف.

ولذا فإنّ الإمام الحسين عليه السلام يعبّر عن هذه العلاقة بأنّها علاقة وصلت إلى مستوى الحبّ ولذا قال عليه السلام: "فهو يعلم أنّي كنت قد أحبّ الصلاة له..."11.


152


هوامش
1- بحار الأنوار، ج 44، ص 392.
2- بحار الأنوار، ج 44، ص 392.
3- الكافي، ج 3، ص 265.
4- مستدرك سفينة البحار، ج 6، ص 343.
5- بحار الأنوار، ج 44، ص 394.
6- وسائل الشيعة، ج 4، ص 27.
7- وسائل الشيعة، ج 4، ص 43 .
8- سورة العنكبوت, الآية: 64.
9- بحار الأنوار، ص 45، ص 21.
10- بحار الأنوار، ص 79، ص 193.
11- بحار الأنوار، ج 44، ص 392.