المحاضرة الثانية: الشائعة قاتلة الأمم

الهدف: 
بيان خطورة الشائعات وكيفيّة التعاطي معها والتحذير من الانسياق لها.

تصدير الموضوع:

﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ
1.


51


مقدّمة:
الشائعة قاتلة مسلم بن عقيل

من أهمّ الوسائل والأسلحة التي استخدمها ويستخدمها شياطين الجنّ والإنس في حربهم على الحقّ وأهله الإشاعة والتي تعني إذاعة خبر ما والعمل على انتشاره وغالباً ما يكون كاذباً ومدسوساً للنيل من المعنويّات وتثبيط العزائم وإدخال الشكوك إلى النفوس أحياناً بالقدرة على النجاح والانتصار, وأحياناً بالقيم والمبادئ التي يحملها الأفراد والمجتمعات.

وفي حوادث النهضة الحسينيّة نرى هذا اللون من الأسلحة الخبيثة التي استخدمها الظلمة وأعوانهم وأبرز ذلك ما حدث مع سفير الحسين عليه السلام إلى الكوفة وأهلها مسلم بن عقيل حيث إنّ شائعات منها قدوم جيش من الشام إلى الكوفة أدّت إلى أن ينفضّ النّاس من حول مسلم رضوان الله عليه ويتركوه وحيداً في مواجهة ابن زياد وجلاوزته.

محاور الموضوع
1- أنواع الشائعات:

إذا راقبنا واقعنا الذي نعيشه ونظرنا إلى التجارب التي عاشتها الإنسانيّة وخصوصاً أصحاب المبادئ المحقّة والأهداف النبيلة والقادة الربّانيّون نجد أنّ الشائعات لم تترك مجالاً إلّا مسّته وذلك تبعاً لأغراض وأهداف الطواغيت والظالمين ومن هم على شاكلتهم.


52


ويمكن أن نجد من أنواعها:
أ- الإشاعة الأخلاقيّة:

ومنها ما في التاريخ من قصّة النبيّ يوسف عليه السلام وما حاول قارون أن ينسبه إلى النبيّ موسى عليه السلام والهدف إدخال الشكّ في شخصيّة القائد الإلهيّ لإسقاط مشروعه بإسقاطه أخلاقيّاً.

ومنها ما لا يتعلّق بالقائد مباشرة وإنّما بمن هو لصيق به ليصلوا إلى شخص القائد بمسألة النيل من عرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حادثة الإفك.

وأحياناً تكون الشائعة مصوّبة سهامها إلى أبناء الأمّة لغرض ضرب صورته وتلويثها, وأيضاً لأجل نشر الفساد فيه بنشر حصول موبقة ما إمّا افتراءاً وإمّا صدقاً, وإنّما يعمل على نشرها لتلوّثها الألسن وتطرق بها الآذان.

كما في مسألة قذف المحصنات حيث نهى تعالى عن نشرها فقال عزَّ من قائل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
2.

ب- الإشاعة الأمنيّة:

والتي تستخدم عادة لإرباك حياة النّاس وإرعابهم, وأحياناً يكون الهدف منها هو ضرب الروح المعنويّة للجنود وللمجاهدين


53


وإيجاد حالة التردّد والضعف والوهن في ساحات المواجهة والقتال. والتي من صورها المبالغة في تصوير قوّة العدوّ وأسلحته وعدده وعديده وعتاده بالمقابل تشويه صورة الفئة المجاهدة والمقاومة.

وبعضها يهدف إلى النيل من معنويّات المجتمع الذي ينتمي إليه هؤلاء المجاهدون ليدخل إليه الخوف ويتسرّب عبره إلى المجاهدين وعلى الأقلّ إن لم يؤدِّ ذلك إلى إعراض المجاهدين عن القتال والجهاد فليقاتلوا ولكن بأيدٍ مرتجفة ونفوس متردّدة وهذا ما كان يفعله المنافقون والذين في قلوبهم مرض في المدينة زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
﴿وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا
3.

وكذلك قوله تعالى:
﴿
لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا4.

هـ- الإشاعة السياسيّة:

والتي يستخدمها البعض في المنافسات الانتخابيّة من فضائح تنال منافسيهم أو ما ينشره بعض الأعداء عن مساومات يجريها القادة الجهاديّون مع الأعداء كما فعل معاوية في مكّة عندما


54


طلب من الحسين عليه السلام وعبد بن العبّاس وغيرهما البيعة ليزيد فأبوا ذلك ولكنّه أشاع بين النّاس قبولهم, فسألهم النّاس عن ذلك فقالوا: إنّا لم نبايع, فقال لهم النّاس: لا بل بايعتم.

ح- أنواع أخرى من الشائعات:

منها الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة التي تهدف إلى سلوك استهلاكيّ ما أو غير ذلك.

2- خطورة وأثار الشائعات:

يكفي في تلمّس أخطار الشائعات والانقياد لها أنّها في التاريخ كانت سلاحاً لضرب الحركات الثوريّة وسمّاً أدخله الظلمة وأعوانهم في جسد البشريّة ليفتك بآمالها ويصنع آلامها ويسمّم أخلاقها ويفشلها ولا أقلّ يبطّئ حركتها نحو التحرّر والرقيّ.

ومن نتائج الشائعات:

1- سقوط الأفراد وانسحابهم من ميادين العمل والمواجهة.

2- سقوط المجتمعات وهزيمة الأمم.

3- إسقاط الروح المعنويّة وانتشار الانهزام النفسيّ ونشر الخوف والرعب, كأنّ الشائعات جيش يجتاح النفوس ممهّداً لاجتياح الجيوش للأوطان والأنفس والأموال والأعراض.

4- فقدان الأمن النفسيّ والاجتماعيّ فضلاً عن الأمن


55


السياسيّ والاقتصاديّ وكلّ أنواع الأمن وإشاعة البلبلة والاضطراب بكلّ ألوانه ونواحيه.

5- على الصعيد الأخلاقيّ انتشار سوء الظنّ وتسهيل ارتكاب المعاصي ممّا يؤدّي إلى صيرورتها من قيم المجتمع بعد كونها من الموبقات والفواحش.

3- كيف نعالج الشائعة:

لقد وصف الله في كتابه الكريم جملة من المعالجات للإشاعات بكافّة أنواعها ومن هذه العلاجات:
أ- التروّي في نقل الأخبار:
قال تعالى:
﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا...
5.
فعلى المؤمن قبل نقل الأخبار أن يتروّى ليعرف أوّلاً مقدار صدقها, وثانياً على فرض صدقها ما هي أثار إذاعة هكذا أخبار، وبصراحة إنّ المذيع للأخبار حتّى لو كانت صادقة ذات الآثار السيّئة هو من حيث يشعر أو يشعر جنديّ إمّا عند إبليس كما في الشائعات الأخلاقيّة, أو عند الأعداء ولننتبه في زماننا هذا إلى ما حدث ويحدث من ذلك في وسائل الاتصال الذكيّة وعلى ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعيّ.


56


ب- التثبّت من الخبر والمخبر:
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
6.
فالآية تأمرنا بأمرين الأوّل التأكّد من موثوقيّة الخبر والمخبر, والثانية الالتفات إلى آثاره.

هـ- تحكيم حسن الظنّ واجتناب السيّء منه:

وأبرز ما يكون ذلك في الموارد الأخلاقيّة وقد قال تعالى عن اجتناب الظنّ السيّء:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
7.

وفي تحكيم حسن الظنّ في مجتمع المؤمنين ما جاء في قصّة الإفك وهو قوله تعالى:
﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا8.

ح- الرجوع إلى المعنيّين وأهل الاختصاص:

وهذا يجري خصوصاً في الموارد الأمنيّة حيث إنّ الأخبار قد تنطوي على مخطّطات للأعداء لا بدّ من إيصالها إلى المعنيّين لأنّهم أقدر على فهم أبعادها وتحليلها وقد قال تعالى عن ذلك:


57


﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ9.

خاتمة:
أيّها المؤمنون إنّ من أهمّ أسباب فشل الكثير من خطط الصالحين وحركات الثائرين هو الشائعات، وفي كربلاء فعلت الشائعات فعلها بالمجتمع الكوفيّ فخذّلت النّاس عن نصرة ابن بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بل هي التي كثّرت الجمع الآتي من الكوفة لقتاله، فعلينا أن نتّقي الله ونستفيد من دروس عاشوراء ولا نجعل في ألسنتنا وأصابعنا التي تلعب على الهواتف الذكيّة جنوداً في جيوش أهل الضلالة والطواغيت, وإلّا فإنّ من لا يتقي الله في المجاهدين وأسرارهم وفي مجتمع المؤمنين وعفّته وسمعته وطهارته لا شكّ أنّه قد يأتي يوم القيامة ليحشر في صفّ أعداء الله والدّين وأعداء الحسين عليه السلام. فحذار ثمّ حذار.


58


هوامش
1- سورة النور, الآية: 15.
2- سورة النور, الآية: 19.
3- سورة الأحزاب, الآية: 13.
4- سورة الأحزاب, الآية: 60.
5- سورة النور, الآية: 16.
6- سورة الحجرات, الآية: 6.
7- سورة الحجرات, الآية: 12.
8- سورة النور, الآية: 12.
9- سورة النساء, الآية: 83.