الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

منبر المحراب- السنة العشرون - العدد: 1020-11كانون الأول2012م الموافق 26محرم 1434هـ
الغضب وآثاره على اللسان والجوارح

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

تحميل

بسم الله الرحمن الرحيم

محاور الموضوع:
1. تمهيد في الغضب الممدوح
2. الغضب المذموم
3. كظم الغيظ
4. الآثار السلبيّة للغضب
5. أسباب ودوافع الغضب
6. علاج الغضب

الهدف:
إظهار قبح الغضب وآثاره المدمرة وتبيين أسبابه وعلاجه

تصدير الموضوع:
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
1-﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ1.
2-﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ2.

تمهيد: في الغضب الممدوح:
إنّ الغضب حالة نفسانيّة أودعها الله سبحانه في الإنسان للاستفادة منها في حفظ نفسه والدفاع عنها وعمّا يتعلّق به، ممّا يؤدّي إلى بقاء النوع الإنساني، ولكن هذه الحالة النفسانيّة قد تخرج عن حدّ الاعتدال عندما يُسيء الإنسان الاستفادة منها، فتُصبح صفة مذمومة تؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه.

وقد عرّف علماء الأخلاق الغضب بأنّه: " ثوران القوّة (والنفور) على الغير لقصد الانتقام والتشفّي"3.
يقول الإمام الخمينيّ: "إعلم أنّ غريزة الغضب من النعم الإلهيّة الّتي يُمكن بها عمارة الدنيا والآخرة، وبها يتمُّ الحفاظ على بقاء الفرد والجنس البشري والنظام العائلي، ولها تأثير كبير في إيجاد المدينة الفاضلة ونظام المجتمع. فلولا وجود هذه الغريزة الشريفة في الحيوان لما قام بالدفاع عن نفسه ضدّ هجمات الطبيعة، ولآل أمره إلى الفناء والاضمحلال. ولولا وجودها في الإنسان، لما استطاع أن يصل إلى كثير من مراتب تطوّره وكمالاته...

إنّ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود والتعزيرات لا يكون إلّا في ظلّ القوّة الغضبيّة الشريفة وعلى ذلك فإنّ الّذين يظنّون أنّ قتل غريزة الغضب بالكامل وإخماد أنفاسها يُعدّ من الكمالات والمعارج النفسيّة إنّما يرتكبون خطيئة عظيمة،..4.

فالجهاد في سبيل الله وقتال المعتدين هو غضب مبارك، فالغضب لله الذي يقوم به المجاهدون في المقاومة الاسلامية على اعداء الله والانسانية هو غضب ممدوح ومطلوب، وهو قبس من غضب الانبياء ونبينا محمد والامام علي والامام الحسين عليهم السلام وكل الائمة والاولياء على الظالمين.

الغضب المذموم:
اما الغضب المذموم أي استعمال الغضب في غير محلِّه، فهو مفتاح الشرور ورأس الآثام، وداعية الأزمات والأخطار والبلايا. وحتى أنّ الكثير من السلوكيات الخطرة والجرائم الكثيرة في حركة الإنسان في حياته الاجتماعية تكون بدافع الغضب ويترتب عليه دفع كفّارة وضريبة. إنّ حالة الغضب كالنار المحرقة التي قد تأتي على الأخضر واليابس من حياة الإنسان وتكفي شرارة صغيرة منها إلى إحراق بيوت ومدن كاملة وتحويلها إلى رماد. ومن هنا تضافرت الروايات في ذمّ هذا النوع من الغضب. عن رسول الله (ص): "الغضب يُفسِد الإيمان كما يُفسِد الخلُّ العسل"5.

وعن أبي عبد الله عليه السلام: "مكتوب في التوارة فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى عليه السلام: يا موسى أمسِك غضبك عمّن ملّكتك عليه أكُفّ عنك غضبي"6.

وقال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، املك نفسك عند الغضب حتّى لا تكون لجهنّم حطباً"7.

كظم الغيظ:

وفي المقابل هناك آيات وروايات كثيرة تمدح الحلم وكظم الغيظ نأتي على ذكر بعضها:
يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ8.
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ9.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ألا أُخبركم بأشبهكم بي أخلاقاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله فقال: أحسنكم أخلاقاً وأعظمكم حلماً وأبرّكم بقرابته وأشدّكم إنصافاً من نفسه في الغضب والرضى"10.

للغضب آثار سلبيّة عديدة منها:
1ـ فقدان الصواب والحكم الصحيح:
يفقد الإنسان حين الغضب عقله ويتحوّل إلى كائن غير متّزن التصرُّفات والحركات، بحيث يتعجّب منه من حوله من النّاس، وهو نفسه بعد هدوء غضبه يتعجّب من تصرّفاته.

ولذلك ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الغضب يُفسد الألباب ويُبعد من الصواب"11.. ولهذا السبب ورد في الروايات أنّه إذا أردتم أن تختبروا عقل الأشخاص وحنكتهم ورأيهم فعليكم بالنظر إليهم في حالة الغضب ومدى سيطرتهم على أنفسهم من شرّ هذه القوّة الهائجة، فقد ورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام: "لا يُعرف الرأي عند الغضب"12.

2ـ الغضب خطر على الإيمان:
إنّ الغضب يؤدّي إلى اضمحلال إيمان الشخص وتلاشيه، لأنّ الشخص الغاضب يرتكب الذنوب وهي ترين على القلب ومع الرين يُخشى من زوال الإيمان.فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسِد الصبر العسل"13.

3ـ فقدان الكلام الموزون:
يُفسد الغضب منطق الإنسان وكلامه، ويقوده إلى التلفّظ بالباطل والكلمات غير المسؤولة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "شدّة الغضب تُغيّر المنطق وتقطع مادّة الحجّة، وتُفرِّق الفهم"14.

4 ـ ظهور العيوب:

ويُظهر الغضب عيوب الغاضب الخفيّة،،فعندما تستعر في نفسه نار الغضب، فإنّها تزيل السواتر والأقنعة عن واقع الإنسان وتكسر قيود العقل وتظهر عيوب صاحبها الخفيّة وتؤدّي إلى سقوط شخصيته ومكانته بين الناس. كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس القرين الغضب يُبدي المعايب ويُدني الشرّ ويُباعد الخير"15.

5ـ تسلّط الشيطان:

إنّ الغضب يفتح الطريق للشيطان ليسيطر على الإنسان ويوقعه في شراكه ومصائده، ممّا يؤدي به إلى ارتكاب الذنوب والفواحش. لأنّ الإيمان والعقل يعتبران مانعين مهمّين يصدّان هجمات الشيطان، ولكنّهما في حالات الغضب سينكمشان ويدركهما الضعف..في الحديث: أنّ النبيّ نوح عليه السلام: "لمّا دعى ربّه عزّ وجلّ على قومه أتاه إبليس لعنه الله فقال: يا نوح إنّ لك عندي يداً أُريد أن أُكافيك عليه، فقال له نوح عليه السلام: إنّه ليبغض إليّ أن يكون لك عندي يدٌ فما هي؟ قال: بلى دعوت الله على قومك فأغرقتهم فلم يبق أحد أغويه فأنا مستريح حتّى ينسق قرنٌ آخر وأغويهم فقال نوح عليه السلام: ما الّذي تُريد أن تُكافيني به؟ قال: اذكرني في ثلاث مواطن فإنّي أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في أحدهن: اذكرني إذا غضبت، اذكرني إذا حكمت بين اثنين، اذكرني إذا كنت مع امرأة خالياً ليس معكما أحد"16.


أسباب ودوافع الغضب
إنّ للغضب عوامل وأسباب مختلفة، ومعرفة هذه العوامل ضروريّة في عمليّة الوقاية والعلاج من أخطار هذه الحالة السلبيّة، ومن هذه العوامل:

1ـ التسرُّع:

يسمع الإنسان في حياته الفرديّة والاجتماعيّة بعض الأخبار غير المسرّة وقد يحكم عليها مباشرة من موقع حالة الغضب المستعرة في قلبه، وقد يتصرف تصّرفاً خاطئاً ويرتكب بعض الأعمال الخطيرة وما أكثر ما يتبيّن عدم صحة الخبر لدى التحقيق والتأنّي، وبالتالي فلا مبرر له على الغضب والحدّة.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من طبائع الجهّال التسرُّع إلى الغضب في كلِّ حال"17.

2ـ ضيق الأفق:
إنّ الأشخاص الّذين يعيشون سعة الصدر وكبر الروح وقوّة الشخصيّة وسعة الفكر يتحمّلون الحوادث الصعبة وإساءات الآخرين بحكمة وهدوء، بخلاف ضيّقي الأفق والتفكير الّذين يغضبون لأتفه الأسباب.

3ـ التكبّر والغرور:
إنّ الأشخاص الّذين يعيشون روح التكبّر والغرور، ويرغبون دائماً في أن يحفظ لهم الآخرون كبرياءهم وغرورهم، يغضبون إذا ما توهّموا أنّ الآخرين لا يحترمونهم.

عن السيّد المسيح عليه السلام: إنّ الحواريين قالوا له: "يا معلِّم الخير، علّمنا أيّ الأشياء أشدّ؟ فقال عليه السلام: أشدّ الأشياء غضب الله عزّ وجلّ، قالوا: فيم يُتّقى غضب الله؟ قال: بأن لا تغضبوا. قالوا: وما بِدأ الغضب؟ قال عليه السلام: الكِبر والتجبُّر ومحقرة النّاس وشدّة الحرص على فضول المال والجاه..."18.

4ـ الحسد والحقد:
إنّ الأشخاص الذين يعيشون الحسد والحقد تجاه الآخرين فإنّ المواد الأولية لهذه الحالات الذميمة موجودة في باطنهم كما يخزن البارود والديناميت في مخازن ولا يحتاج إلاّ إلى شرارة خفيفة من الخارج حتى ينفجر بركان الغضب ويستولي على جميع كيانهم، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام: "الحقد مثار الغضب"19.

5ـ الحرص وحبّ الدنيا:
إنّ الّذين يهيمون بحبّ الدنيا ويملأ وجودهم الحرص على تحصيل زخارفها وزبارجها، لا يتحمّلون أيّة مزاحمة وخسارة محتملة لدنياهم، ولذلك يثورون لأتفه الأسباب فيما لو تعرّضوا لخسارة ولو قليلة.

6-العادة:
فاذا تعودت على الغضب صرت غضوبا، فتعود على الحلم لكي تصير حلوما.

علاج الغضب:
1ـ القضاء على الأسباب:
منها: الحسد والحقد، وحبّ الدنيا والجاه، والجهل والتسرُّع في الحكم، والتكبُّر والغرور إلى غير ذلك من الأسباب، فبالقضاء على هذه الأسباب يُمكن معالجة الغضب.

2ـ تذكّر سلبيّات الغضب:
تذكُّر مساوئ الغضب وأخطاره وآثاره، وأنّها تحيق بالغاضب، وتضرّ به أكثر من المغضوب عليه.
ومن الروايات اللطيفة في كظم الغيظ: أن جارية للامام علي بن الحسين عليه السلام جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يدها فشجه، فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية: إن الله تعالى يقول: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس قال: "قد عفوت وقد عفى الله عنك" قالت: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله20.

3ـ ذكر الله تعالى:
ومن الطرق المهمّة لعلاج الغضب ذكر الله تعالى، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، والسجود لله تعالى. وورد في رواية: "أن يضع خدّه على الأرض أو يسجد لله تعالى"21.. والرواية الاخيرة لعلها لعلاج داء التكبر الذي يكون سببا للغضب فبالسجود لله ووضع خده على الارض يعرف قدره وانه مخلوق من التراب ونهايته الى التراب وفي هذا ذكر للموت هادم اللذات.

4ـ تغيير حالة الإنسان:
تغيير الحالة الفعلية للشخص إلى حالة اُخرى حيث تكون مؤثرة في علاج الغضب أيضاً كما ورد في الروايات الإسلامية أنّ الشخص إذا تملّكه الغضب وكان جالساً فعليه أن يقوم، وإذا كان قائماً عليه أن يجلس، أو يعرض بوجهه عن مواجهة الحدث، أو يستلقي على الأرض، أو إذا أمكنه أن يبتعد عن محل الحادثة، أو يشغل نفسه بأمر آخر.

وهذا التغيّر في الحالة الفعلية يوثر كثيراً في تهدئة الغضب والحدّةففي الرواية: "كان النبيُّ إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غيظه"22.

5ـ التبرّد بالماء:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا غضب أحدكم فليتوضّأ وليغتسل، فإنّ الغضب من النار"23.

خاتمة
قال الشاعر:
إيّاك والغضب الذميم فإنّه                نارٌ تُدمِّر أنفساً وقصوراً
وعليك بالحلم الجميل فإنّه               يبني الحياة محبّة وسروراً


1-الشورى: 37
2 - فصّلت: 34
3-شرح اصول الكافي ج4ص227
4 - الاربعون حديثا ص132
5- الكافي ج2ص302
6 - م.ن ص303
7- حكم لقمان محمد الريشهري ص86
ال عمران 134
8 - الاعراف:199
9 - البحارج74ص152
10 - مستدرك الوسائل ج12 ص11
11 - البحار ج75 ص113
12 - م.ن ج7 ص265
13- البحار ج68 ص428
14 - جامع احاديث الشيعة ج13 ص428
15 - بحار الانوار، ج11، ص318.
16 - غرر الحكم ح6325
17 - الخصال الصدوق ص6
18 - ميزان الحكمة ج1 ص648
- بحارالانوار، ج11، ص318.
19 - المحجة البيضاء، ج5، ص308.
المحجة البيضاء، ج5، ص308; بحار الانوار، ج70، ص272.
20 - بحار الأنوار، ج77، ص312.

13-12-2012 | 07-46 د | 3446 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net