الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
مقاربة أولية لمفهوم العدل في الاسلام والأنظمة الوضعية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

العدل لغة:
العدل في اللغة هو التوسط بين الافراط والتفريط، على نحو لا يكون فيه زيادة ولا نقيصة، والفرق بينه وبين الانصاف أن الثاني اعطاء النصف، واما العدل فيكون في ذلك وفي غيره1، ويتحدد معناه بملاحظة القرائن الحافة به، اذ قد يكون في الحكم وفي غيره.
 
العدل في الحكم:
ان العدل في الحكم عبارة عن اعطاء كل ذي حق حقه، فقد يكون عن طريق المساواة، وقد لا يكون، بل قد تكون المساواة جورا، اذا اشتملت على اخذ شيء من صاحب الحق، واعطائه الى غيره، لأنه يكون اعطاء بغير حق، وهذا المعنى لازم للمعنى اللغوي كما هو ظاهر.
 
مستند العدالة:
وهذا يدعونا الى البحث عن المستند الذي يجب الاستناد اليه، في تحقيق مفهوم العدل، على مستوى الواقع، ليمكن تطبيقه على افراده ومصاديقه.

ذلك ان كل نظام اجتماعي، وكل امة من الامم، تحث على إقامة العدل وتسعى اليه، ولا نجد فئة من الناس تقبل ان تتصف بعدم العدل في الحكم، حتى الانظمة الاستبدادية (الدكتاتورية)، بل هي تدّعي الحكم بالعدل من وجهة نظرها.

ان منشأ الاختلاف في مفهوم العدالة، في الأنظمة الاجتماعية والسياسية، هو المنطلق الذي تنطلق منه هذه الأنظمة في تشريعاتها، ونظرتها الى مفهوم الحق وتطبيقاته. ولهذا فقد نرى حكما على انه عادل ومستند الى الحق، في نظام معين، أو في بلد معين، من وجهة نظر أصحابه، ولكنه ظالم ومستند الى الباطل، في نظام آخر، أو بلد آخر، ومن وجهة نظر أخرى.

وهذا يدعو الى التساؤل: هل الحق والعدل أمران نسبيان، يختلفان باختلاف الزمان والمكان وثقافة الجماعة، أو الجماعات الانسانية، أم أن له حقيقة وحيزا في عالم الواقع، تكون هي المستند والمرجع في الأحكام.
 
الحق والواقع:
ان القول بنسبية الحق والعدل يستلزم عدم وجود ضابطة يصح الاستناد اليها، وبالتالي عدم امكان الحديث عن العدل في أي زمان أو مكان، ويصير مفهوما خاليا من أي معنى، لأن أفراده ستتكثر، بناء على ذلك، بتكثر بني البشر، لأن لكل فرد ذهنيته، ومنطلقاته، وتركيبه الذهني والفكري، وحاجاته ومشاكله، وآماله وآلامه، ولذلك سوف يكيّف نظرته الى الحق والعدل، استنادا الى هذه النوازع التي تتقاذفه على مدى حياته، بل يمكن القول بأن مفهوم الحق والعدل سوف يتغير لدى كل فرد تبعا لتغير الحالات التي يواجهها في هذه الحياة، ومن الظاهر أن مقتضى ذلك سيادة شريعة الغاب.

وما دام الحق والعدل يتمتعان بنحو من الواقعية، يستند اليه أي نظام من الأنظمة، فلا بد من البحث عن مصدرها والكشف عنه، والرجوع اليه، هل هو الانسان –كما تفترضه الأنظمة الوضعية – أم هو الله تعالى، كما يقوله الاسلام، بل الدين بشكل عام.
 
العدل في الأنظمة الوضعية:
أما ما تفترضه الأنظمة الوضعية، فيرجع في الحقيقة الى دعوى أن العقل الإنساني قادر على ادراك ما يصلح الناس وما يفسدهم، في حاضرهم ومستقبلهم، إما مباشرة، ومن خلال التأمل العقلي المجرد، أو من خلال التجربة والممارسة في الزمان والمكان والجماعة.
ولكن ذلك لا ينطبق على الواقع والحقيقة، لأن ادراك العقل لما يصلحهم وما يفسدهم موقوف على معرفته بجميع أبعاد النفس الإنسانية، في ظاهرها وباطنها، وتفاعلاتها وانعكاساتها، فإن أدرك ذلك، وهو غير قادر على ادراكه، بدليل أنه كلما تقدمت العلوم اكتشف بعدا أو ابعادا جديدة للنفس، لم تكن معروفة من قبل، مع انها ثابتة في أفق النفس، إذا أدرك ذلك انتقل الى ملاحظة وتحليل النفس الاجتماعية، من خلال دراسة المجتمع وعلاقات أفراده بعضهم ببعض، وبالتالي ملاحظة مشاكلهم ووضع الحلول المناسبة لها.

ولهذا، فإن كافة الأنظمة الوضعية، وعلى مختلف مذاهبها ومشاربها، دائمة الوقوع في الأخطاء، وهي دائمة التعديل في دساتيرها وقوانينها، نتيجة اخفاق هذه القوانين في مقاربة المصالح الواقعية للمجتمع البشري، وظاهر ما في هذه التعديلات من الظلم والحيف الذي يصيب الذين طبق القانون الذي ثبت خطؤه وبطلانه بحقهم.

إن من أبرز مظاهر الإخفاق في تحقيق الحق وإقامة العدل، لدى الأنظمة الوضعية، هو الخلط بين مفهوم العدل ومفهوم الإنصاف، في الحضارة الغربية الحديثة، التي استندت إلى العقل وحده في تصوير العدل، فتوهموا أن العدل يعني المساواة من جميع الجهات، مع غض النظر عن سائر الخصوصيات، التي يتمتع بها أصحاب الحقوق، كما حصل بالنسبة الى المساواة بين الرجل والمرأة، في جميع الشؤون، دون الإلتفات إلى خصوصيات ووظائف كل منهما، حسبما تقتضيه الفطرة والغريزة البشرية من فوارق بينهما، مما انعكس سلبا عليهما معا، وبالتالي على الأسرة والأجيال القادمة بكاملها، فحولت الانسان من كائن متعدد الأبعاد، متكامل في ذاته، من الناحية العقلية والعاطفية وسواهما من النواحي التي تحقق انسانية الانسان، الى مجرد آلة تعمل ميكانيكيا لخدمة المال والثروة، فضاعت الأخلاق والقيم، وانتشر الفساد والانحلال والجريمة، وتفصيل ذلك لا يسعه هذا المقام.

والمظهر الآخر من مظاهر إخفاق الأنظمة الوضعية، والذي لا يقل أهمية وخطورة عن المظهر المذكور، وهو نتيجة طبيعية لتعدد العقول وادراكاتها، هو تقسيم المجتمع البشري الى مجتمعات، بل جماعات ودول، تختلف في مصالحها، وقوى النفوذ والتسلط فيها، ونشأت الحدود بين الدول، مما أدى الى بروز مختلف مظاهر التمييز بين أفراد المجتمع البشري، على أساس الانتماء وعدمه، فنشبت الحروب والنزاعات بين الدول على المصالح والنفوذ، والسيطرة على مصادر الثروة، وصار العالم رهينة بأيدي الأقوياء منهم، يتنافسون على التحكم بمصادر الثروة، فانتشر الظلم والحرمان في آفاق المعمورة.
 
العدل في الإسلام:
 وأما في الإسلام، فإن الحق والعدل يختلفان فيه عنهما في الأنظمة الوضعية، إذ هو ينطلق من ارادة الله تعالى وأوامره، وهو المطلع على حقائق الأشياء، والعالم بكل ما في هذا الكون من خفايا وأسرار، بما فيها النفس الإنسانية، الفردية والجماعية على حد سواء، وبالتالي فهو العالم بما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، وما يفسدهم كذلك.

وأما العقل الإنساني فغير قادر، وبمعزل عن التشريعات الإلهية، على إدراك تفاصيل شؤون حياتهم، لعدم إحاطته بكل كيانهم، كما سبقت الاشارة اليه،ولهذا نرى كثيرا من التشريعات الحديثة والمعاصرة قد أخذت الكثير من الشريعة الإسلامية، رغم الموقف السلبي الذي وقفته من الإسلام.

فقد قرن القرآن الكريم بين بعثة الأنبياء وإقامة العدل، دون أن يغفل أنه تعالى هو المصدر في التشريع، قال تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط2"، وبيّن أن إقامة العدل المستند إلى الميزان الإلهي بيد الأنبياء أولا وبالذات، قال تعالى على لسان النبي الأعظم: "وأمرت لأعدل بينكم3"، وربط العدل بما أنزل تعالى من ميزان، حيث جعل الحكم المخالف له ظلما وفسقا وكفرا، كما ورد في عدد من الآيات الكريمة، كذلك ربطه بالتقوى، فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى4"، وجعل الخلوص فيه مقترنا بالشهادة لله تعالى، فيقول: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا5".

والحاصل أن الإسلام قد أكد وشدد على إقامة العدل بين الناس في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، والسنة النبوية المطهرة، مبينا تفاصيل الحقوق وما تقتضيه هذه الحقوق، ومظهرا ملاكاتها، ولم يستخدم عنوان المساواة لعدم ملازمتها للعدالة، فقد يلتقيان وقد يفترقان، بل قد تكون المساواة ظلما وجورا، كما أشرنا إليه، ولهذا فقد وزّع الحقوق والأعمال والوظائف ومستحقاتها تبعا لما تقتضيه طبيعة العمل، والعامل، والظروف المحيطة به، على نحو لا يؤدي إلى طروء أي خلل في النظام الاجتماعي العام، لو التزم كل فرد بما حثه الاسلام عليه، فوزّع الأعمال بين الرجل والمرأة مثلا، تبعا لما تقتضيه طبيعة وغريزة كل منهما، على نحو لا يكون له أي تأثير سلبي على شخصية كل منهما، فحفظ للمرأة حق الأمومة، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وشرع لها من الأعمال ما يناسب أنوثتها، دون أن يحرمها من طرق أي باب من أبواب العمل الأخرى، ان رأت أنه لا يؤثر على مهمتها الأساسية، شرط عدم الإخلال بالنظام العام للمجتمع، ونفس هذا الكلام يجري بالنسبة للرجل.

ومن جهة أخرى، فقد حرص الإسلام على عدم التمييز بين أفراد البشر، استنادا إلى الانتماء الجغرافي، أو العرقي، أو الديني، بل جعل "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"، كما جعل الاستفادة من الثروات حقا لجميع الناس، فلم يفضل فئة على فئة في الرزق، أو الحصول على الثروة، غاية الأمر أنه نظم العلاقات فيها، والناس هم الذين يعتدون، ويظلمون، ويسلبون الحقوق.

وبهذا قطع الإسلام مادة الفساد والحروب للتسلط والهيمنة من جذورها، حيث جعل الأرض ذلولا لكل الناس، يأكلون منها بقدر ما يمشون في مناكبها، ولهذا فإن دولة آخر الزمان الموعودة تعم الأرض كلها، ولا تشمل اقليما دون اقليم،ولا فئة من الناس على حساب فئة أخرى، على مقيمها أفضل الصلاة والسلام، فإنه عجل الله تعالى فرجه الشريف "يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا"، وهو وعد غير مكذوب، والحمد لله رب العالمين.

* سماحة الشيخ حاتم إسماعيل


1- التحقيق في كلمات القرآن الكريم ج8 ص56-57، مادة عدل
2- سورة الحديد:25
3- سورة الشورى:15
4- سورة المائدة: 8
5- سورة النساء: 135

28-06-2014 | 10-39 د | 1842 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net