الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
ميزان المعرفة ونبذ الغلو والتقصير
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

يلاحظ في التوصية القرآنية عن الوقوع في كلّ من جانبي زيغ الغلوّ وزيغ التقصير، وكذلك لسان الروايات المتضمّن لاصطلاح الغلوّ والغلاة والتقصير والمقصّرة، هو تخطئة كلا المنهجين والأمر بمنهج آخر يعتمد فيه نفي الغلوّ الذي هو إفراط ونفي التقصير الذي هو تفريط، وأنّ هذا النهج الوسط من الدقّة بمكانة يصعب المحافظة على تجنّب الوقوع في الطرفين. ومن ثمّ يُلاحظ رسوخ هذا الاصطلاح في ذهنية علماء الطائفة الأقدمين والمتقدّمين والمتأخّرين، وتشدّدهم على توخّي نهج المعرفة والعارف بالأئمّة (عليهم السلام)، وهو النهج الوسط، ومحاذرة الوقوع في طرفي الغلوّ والتقصير، فلا غلوّ ولا تقصير بل معرفة عارف بحقّهم (عليهم السلام). وهذا ميزان أطّره لنا الكتاب والسنّة المطهرة، نظير لا تعطيل ولا تشبيه بل توصيف بما وصف به نفسه وهو التوحيد، نظير لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين.

 وكما أنّ الغلوّ ذو درجات، كذلك التقصير شدةً وضعفاً، وأنّ محذور التقصير لا سيّما في بعض مراتبه ليس هو بأدون من محذور الغلوّ، وأنّ النجاة في سلوك نهج التعرّف وكسب المعرفة بكيفية مقاماتهم ومراتبهم والتسليم الإجمالي أثناء ذلك السلوك.

 هذا وقد وقف أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) قبالة ظاهرة التقصير في معرفة الأئمّة (عليهم السلام)، نظير وقوفهم أمام ظاهرة الغلاة، حتّى فشى وانتشر عند أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) أنّ التقصير والغلوّ والتفويض في الزيغ عن جادة سواء الحقّ، وهذا المعيار تلقّاه شيعتهم بتعليم منهم (عليهم السلام)، وقد ورد مكرّراً تأكيدهم على زيارة قبورهم بحال كون الزائر عارفاً بحقّ الإمام حقّ معرفته، أو عارفاً بحقّه، وإنّ أدنى حقّ معرفة الإمام كونه منصوباً منتجباً من قبله تعالى لهداية الخلق. ومحذور التقصير كونه يؤدّي بصاحبه إلى الإنكار والجحود، وبالتالي إلى نقص الإيمان أو المروق منه، ومن ثمّ قد ورد مستفيضاً[1] أو متواتراً الحثّ على التسليم، وأنّها من صفات الإيمان الكبرى، بل في بعضها أنّها من أعظم صفات الإيمان ولوازمه، وإليه تشير الآية الكريمة: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما[2]، كما قد أُطلق عليه في الروايات الإخبات، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ[3].

 ومن هذا الباب أيضاً ما ورد من حرمة الردّ للأحاديث المرويّة وإن كانت ضعيفة السند، وهذا الحكم وإن لم يكن بمعنى حجّية واعتبار الروايات الضعيفة، إلاّ أنّه يعني فيما يعنيه وجوب التسليم الإجمالي لما صدر عنهم (عليهم السلام) فضلاً عمّا يتولّد من الأخبار الضعيفة نتيجة تراكم حساب الاحتمالات من تولّد المستفيض والمتواتر أو الموثوق بصدوره. وهذا الحكم قد اتّفق عليه علماء الإمامية الأصوليون منهم والأخباريون، فاللازم في الخبر الضعيف ردّ علمه إليهم والتسليم إجمالاً بالواقع وحقائق الدين وإن لم نعلمها تفصيلاً، ولا يسوغ الردّ والإنكار ولا المبادرة بالنفي والإنكار.

وهذا المفاد ممّا قرّره الحكماء بقولهم: كلّما قرع سمعك ممّا لم يزدك واضح البرهان فذره في بقعة الإمكان، ويشيرون بذلك إلى هذا المنهج المنطقي الفطري من أنّ الإثبات كما يحتاج إلى دليل كذلك النفي والإنكار يحتاج إلى دليل. ولك أن تقول: إنّ الفحص والتنقيب عن الأدلّة في الشبهات الحكمية من الأحكام الشرعية الفرعية إذا كان لازماً وكان إجراء الأُصول النافية للتكليف قبل الفحص التامّ البالغ في أبواب الأدلّة غير سائغ، فكيف يسوغ في المعارف العقائدية حول شؤونهم ومقاماتهم ومراتبهم المبادرة إلى النفي والإنكار من دون فحص تامّ ومن دون تضلّع وممارسة علمية ممتدّة، لا سيّما وأنّ أبواب الأدلّة في المعارف هي أضعاف مضاعفة على عدد وكم أبواب أدلّة الفروع، وكذلك الحال في آيات القرآن في المعرفة هي أضعاف آيات الأحكام الفرعية التي عددها خمسمائة ونيف، وهو أقل من عشر آيات القرآن! ويكفي للمتتبّع أن يُلاحظ المجاميع الروائية ككتب الصدوق، فإنّ أغلب أسمائها هي في أبواب وفصول المعارف، وكذلك بقية المحدّثين وأصحاب الجوامع الروائية من متأخّري الأعصار كصاحب البحار، حيث قد وضع لروايات الفروع عشر مجلّدات (الطبعة الحديثة) بينما الغالب في بقية المجلّدات بحوث المعارف، فإذا كانت أدلّة المعارف بهذه السعة والترامي فضلاً عن أهمّية وخطورة أحكام المعارف التي هي مدلول تلك الأدلّة، فكيف يتهاون في الفحص والتنقيب والممارسة العلمية الطويلة؟ وكيف يتسنّى الفحص في كلّ تلك الأبواب في وقت قصير فضلاً عن البحث في الدلالة ومعالجة العامّ والخاصّ والحاكم والمفسّر، وتأليف القرائن العديدة، والتمعّن في الدلالات الالتزامية، وتبويب الأدلّة في طوائف؟ كيف يتمّ ذلك في برهة قصيرة فلا يسوغ المبادرة بالإجابة بنفي ثبوت الأمر الفلاني أو الكذائي أو زعم أنّه لم يقم دليل عليه، ونحو ذلك من التعابير التي تطلق مع عدم إستنفاذ الفحص وعدم المراس والاضطلاع والخبرة المعرفية في تلك الأبواب، ومع عدم الإحاطة بأقوال علماء الإمامية من المتكلّمين والمحدّثين والمفسّرين على اختلاف مبانيهم ومشاربهم، والإحاطة بشتّى الوجوه المذكورة، وربط المسائل بعضها ببعض، فالحريّ والعزيمة في مثل ذلك هو التوقّف قبل استتمام الفحص كما هو ديدن فتاوى وأجوبة الشيخ المفيد في المسائل العقائدية في الموارد التي لم يكمل تمحيصاً ولم يستنفذ الوسع في الفحص والتنقيب عنها، بمثل قوله لم أقف على الروايات في ذلك، أو المسائلة بعد محتاجه إلى التأمّل، ونحو ذلك من التعابير. وهذا منهج السالك المتعلّم من علومهم (عليهم السلام) على سبيل النجاة، وأمّا المبادرة بالنفي والإنكار فهو طابع منهج التقصير والمقصّرة.
 
* آية الله الشيخ محمد سند


[1] - أُصول الكافي 1 / 390 باب التسليم وفضل التسليم.
[2] - سورة النساء 4: 65.
[3] - سورة هود 11: 23.

23-01-2015 | 16-22 د | 1518 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net