الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
الأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدانمراقباتالإستِعانَة بِالله عَزَّ وجَلّمراقباتإِنَّ مَعِيَ رَبِّي
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1152- 05 رمضان1436هـ - 22حزيران 2015م
الفرز الحسني للأجيال

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

 الهدف:
الحث على الاستفادة من تجربة الإمام الحسن عليه السلام، وتمييز القيم الحقة من الباطلة في ميدان العمل السياسي.
 
المحاور:
- مقدمة
- حكومة الباطل وفرز المعادن البشرية
- الإمام الحسن عليه السلام فيصل بين الحق والباطل
- موقف الإمام الحسن عليه السلام يفرز الأجيال ويبرز معادن النفوس
- خاتمة
 
تصدير:
خطب الحسن بن علي عليه السلام: بعد وفاة أبيه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم وكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا..)1.
 
مقدمة:
لطالما كانت الأرض مسرحاً لصراع الخير مع الشر ولتصادم قوى الحق مع قوى الباطل. ولطالما كان لرايات الباطل وإلى اليوم صولات وجولات، وأهلها حكموا وعمّروا واستعمروا وتمددوا وتجبروا، بل إن هذه الرايات عمرها كان أطول وانتشارها كان أوسع: فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لم تزل دولة الباطل طويلة ودولة الحق قصيرة)2، ولكن راية الحق كانت تعود على مر العصور لتذكّر وتؤكد على سنّة الله عز وجل الثابتة في الكون وفي الخلق: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)3، بأن القوة والبقاء والمآل النهائي هو للحق والخير وأن الباطل مهما امتد وتمدد فهو زاهق وزائل لا محالة: يقول تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)4، ويقول أيضاً: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)5.
 
حكومة الباطل وفرز المعادن البشرية:
إن الذي ينظر إلى تمدد قوى الشر والظلام عبر الأزمان، ويقصر نظره على هذا الشطر من حركة التاريح ومسير البشرية يخرج بنتيجة سوداء ومتشائمة مما خلفته وتخلفه هذه القوى من فساد وهلاك في أرض الله عز وجل. وقد تتوارد إليه بعض الأسئلة بأنه:
- ما الحكمة من إمهال الله لأهل الباطل؟ ولماذا لا يقضي الله عليهم ويريح أهل الحق منهم؟
- أليس الله عز وجل منبع النور والخير والحكمة، فكيف يسمح للشر بأن يتحكم بل ويمتد ويعمر ويهلك على يديه الحرث والنسل؟!!

والجواب عن هذه الأسئلة إنما يتضح فيما إذا وسعنا من زاوية نظرتنا لتشمل المشهد بأكمله، حيث سنجد أن الله عز وجل إنما أمهل هؤلاء لأسباب عديدة وغايات مفيدة أهمها:

1- امتحان واختبار البشرية وإخراج قابليات البشر باختيارهم. فحكومة أهل الباطل ومن ثم صراع أهل الحق معهم هو الكفيل بإبراز البواطن وكشف الحقائق وإتمام الحجج وتحقيق الفرز بين الفريقين.

إن الذي يحصل من فرز بين البشر وباختيارهم منذ آدم عليه السلام وحتى يومنا هذا أشبه بما نفعله مع الصخور التي تحوي المعادن والفلزات، حيث نقوم بفحصها وغربلتها ونقعها وصهرها، كل ذلك لاستخراج وتمييز المعدن الثمين فيها وفرزه عن غيره.

وسنة الابتلاء والامتحان من خلال قوى الباطل والعدوان هي وسيلة ذلك في معادن البشر والخلائق. فجوهر الإنسان المؤمن النقي والطاهر لا يمكن أن يبرز في عالم الدنيا ليأخذ فعليته ويصير لائقاً بجنّة الرضوان إلا من خلال ذلك.

وجوهر الكافر المظلم والمتكدر لا يمكن أن يبرز لتتم الحجة عليه بالعقاب والعذاب إلا بذلك. هذا مع التأكيد مراراً وتكراراً على أن الاختيار محفوظ عند الطرفين، فالامتحان والابتلاء لا يسلب اختيار الانسان وقدرته على التمييز واختيار الطريق الذي يريده.

2- وصول أهل الحق إلى الدرجات العليا والمقامات الرفيعة، بما لا يمكن تحقيقه خارج إطار صراعهم مع قوى الباطل، فعن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيما أفضل: العبادة في السر مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته، مع الامام منكم الظاهر؟ فقال: (يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق..)6.
 
الإمام الحسن عليه السلام فيصل بين الحق والباطل:
الإمام الحسن عليه السلام كان فيصلاً بين الحق والباطل، وكان النور الساطع الذي يُكشف به ضلال الضالين والمضلين، فالنهج الذي سنه والطريق الذي شقه كان في قبال أدهى وأخبث سلطة وهي السلطة الأموية. فهذه السلطة كانت لا تتورع عن استخدام أي وسيلة في سبيل الوصول إلى أهدافها وغاياتها الشيطانية. ولذلك نجد كيف أن أعمالها كلها كانت مصبوغة بالباطل والغدر والتملق وشراء الذمم والكذب والتدليس، وكان بحوزتها إمكانات مالية ضخمة، وكان تستعين بآلة إعلامية وأبواق متزلفة لإبقاء عامة الناس في المملكة الأموية في عماء وبعد عن الحق.

إن الإمام الحسن عليه السلام كان يواجه هذا النموذج، وكان عليه في سياق المواجهة والصراع مع إمبراطورية الباطل أن يقدم حفظ بيضة الإسلام ونواة الدين وحفظ الشيعة المخلصين. وهذا ما جعله يختار وهو الإمام المعصوم والمسدد من الله طريق الصلح.

إن الصلح الحسني هو الحق الخالص في ذلك الزمان وفي ذلك الموقف، وهذا الصلح كان يمثل النور المبين في غمرة الباطل الأموي آنذاك. وهذا النور الحسني المواجه للباطل الأموي كان مقتضياً لفرز الأمة، وهو لا يزال يفرزها حتى يومنا هذا.
هو يفرزها حتى يومنا هذا لأن النور الحسني والباطل الأموي لم يعودا موقفين متقابلين في حدود ذلك الزمان وضمن أطر تلك الأحداث التاريخية، بل أصبحا مثالين للحق والباطل تستلهم البشرية الهداية من الأول وتستعبر من الثاني، تماماً كما صار صراع آدم عليه السلام مع الشيطان اللعين نموذجاً تخطى أطر الزمان والحدث التاريخي ليصبح مثالاً وعبرة خالدة للإنسانية.
 
موقف الإمام الحسن عليه السلام يفرز الأجيال ويبرز معادن النفوس:
إن الصلح الحسني فرز الأمة في الأمور الآتية:

1- امتحان العقيدة والإيمان: فالمسلمون انقسموا في ذلك الوقت بين من يعرف مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهله بيته عليه السلام، ويحرص على ما وصى به النبي الخاتم في أمر عترته، وبين من تنكر لذلك واختار معاداة الله ورسوله في أهل بيته وفي تعاليمه وأوامره. إن فيلق الباطل تعامى عن قول رسول صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامين الحسن والحسين عليه السلام: (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا)7، وفي نص آخر: (الحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيهما)8.

وعلى رأس هذا الفيلق معاوية بن أبي سفيان، ومجمل أهل الشام الذين لم يعرفوا أو تجاهلوا فضل وجهاد وزهد وعلم علي عليه السلام وأولاده، وتشربوا الإسلام الاموي المعادي للإسلام المحمدي الأصيل، وهذا ما عاد وبرز بأجلى صوره على لسان يزيد بن معاوية بعد واقعة كربلاء حينما قال:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل9

إن ما أراد أن يفرزه ويكشفه الإمام الحسن عليه السلام لأهل زمانه وللأجيال الآتية، هو ما صرح به معاوية ونطق به يزيد، ليكون خطهم ونهجهم مثالاً للباطل الذي لا لبس فيه ولا ريب.
 
2- امتحان المال والمغريات الدنيوية: وكمثال على ذلك ما حصل مع من كان أقرب الناس إلى الإمام الحسن عليه السلام، وواليه على اليمن، وابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو عبيد الله بن العباس، الذي خانه عليه السلام ولحق بمعاوية في ثمانية آلاف، لقاء مئة ألف درهم10. وكذلك ما وقع من اهل الكوفة طمعاً في الدنيا ومقتاً لأن يضحوا بشئ من أجل الدين، حتى كتب بعضهم (أي أهل الكوفة) إلى معاوية: (أنّا معك، وإن شئت أخذنا الحسن أسيراً وبعثناه إليك)11.
 
3- امتحان الخوف والتذبذب: وهذا ما نجده في قسم مهم من أهل الكوفة وبعض جيش الإمام الحسن عليه السلام، حتى وصل الأمر بالإمام عليه السلام لأن يقول لحجر بن عدي: (والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا والله الا مائتي رجل لا والله إلا في سبع نفر لما وسعني تركه)12، أي ترك معاوية الذي جاء في مئة ألف حسب نص تلك الرواية نفسها.
 
4- إمتحان الوعي والبصيرة: فقد انطلت حيل معاوية على شرائح عديدة من المجتمع الكوفي، وأثر ذلك حتى في جيش الإمام عليه السلام، وفعلت إشاعاته الأفاعيل. ولم يكن لأنصار الإمام عليه السلام وعي وبصيرة بإمامهم وقدرته على إدارة هذه الحرب ضد معاوية، ولم يكونوا يفقهون مقامه وموقعيته وما عنده من علم وفراسة وحكمة. لقد كان الإمام الحسن عليه السلام وهو الإمام المعصوم المختار من قبل رب السماوات، مجهولاً ومظلوماً بين أغلب أنصاره، تماماً كما كان أبوه عليه السلام.
 
5- امتحان التبعية والعصبيات العشائرية: فقد جاء في وصف جيش الإمام الحسن عليه السلام: (ثم خف معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه عليهما السلام، وبعضهم محكمة13 يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين)14.
 
خاتمة:
يحتاج جيلنا وكل الأجيال القادمة إلى قراءة تجربة الإمام الحسن عليه السلام المريرة بتمعن وتأمل للاستفادة من كل جوانبها. فالإمام الحسن عليه السلام لم يكن يبغي مما فعله تسطير موقف في حدود زمانه وواقعه، بل كان يريد أن يكشف لنا نحن الأجيال الآتية عن الوجه القبيح للتيار السفياني وكل مثيل له، وأراد أن يبصرنا مساوئ حب الدنيا عند الأتباع والنتائج التي يؤدي إليها الابتعاد عن تعاليم الدين باتباع الأهواء والعصبيات.

أراد الإمام أن يعلمنا ماذا يتمخض عن السلطة الفاسدة وكيف يمكن التحسب لها. إن تجربة الإمام الحسن عليه السلام هي تجربة القائد الذي كان يشهد أقسى مراحل تفكك الأمة وتراجعها عن القيم الحقة، خصوصاً في ميدان العمل السياسي والاجتماعي..

فما أحوجنا في زماننا هذا للتعلم من هذه التجربة، خصوصاً وأن ما يمكن أن نسميه التيار المتصل بالمنهج السفياني يستخدم نفس الأساليب اليوم مع أهل الحق والمقاومة.


1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - ص 21
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 224.
3- سورة فاطر، الآية 43.
4- سورة الإسراء، الآية 81.
5- سورة الأنفال، الآية 7 – 8.
6- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 333.
7- علل الشرائع، الصدوق، ج 1 ص 2011.
8- فرائد السمطين للحمويني، ج 1، ص 55.
9- الغدير، الاميني، ج 3، ص 261.
10- راجع: البحار ج 44، ص 60 عن الكشي.
11- الخرائج والجرائح، ج 2، ص 574
12- الهداية الكبرى،  الحسين بن حمدان الخصيبي، ص 192.
13- وهم الخوارج
14- الإرشاد للمفيد، ج 2، ص 10.

29-06-2015 | 15-51 د | 2700 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net