الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه جمعاً من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه جمعاً من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم وعوائل شهداء حزب الجمهورية الإسلامية  25-06-2016
في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك في حسينية الإمام الخميني (رضوان الله عليه)

بسم الله الرحمن الرحیم[1]

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحب بكم أجمل ترحيب, أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، ويا عوائل الشهداء الكرام، ولا نبالغ حين نقول بأن بقاء الثورة وأمن البلاد وتقدّمها من جميع الجوانب مرهون بصبر هذه العوائل الكريمة واستقامتها وبدماء أولئك الشهداء الأبرار.
"ثار الله", الله ديّته كذلك فإن هذه الأيام تتناسب بشكل كبير مع هذا اللقاء؛ فهي أيام شهادة مولى المتقين، الذي هو أكبر شهيد في تاريخ الإسلام، بل في تاريخ البشرية. فكما تم التعبير عن سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بـ«ثار الله»؛ أي الشخص الذي يكون الله ديّتَه - هذا هو معنى ثار الله، فإن لديّته من العظمة ما لا يوازيها قدراً إلا الله - فقد ورد التعبير نفسه بحق أمير المؤمنين أيضاً، حيث تقرأون: «یا ثارَ اللهِ وَابنَ ثارِه»[2]، وقوله: «وَابنَ ثارِه» يعني أنّ أمير المؤمنين أيضاً يتحلى بنفس المرتبة والعظمة في هذا الجانب. فقد تجلّت بالكامل من خلال هذه العبارة عظمة هذا الشهيد العظيم.. شهيد المحراب، وشهيد سبيل الحق، وشهيد العزم والحسم، وشهيد الاستقامة.

الاستمداد من أرواح شهدائنا..
حسناً, إنها أيضاً أيام دعاء وتضرّع وتوسّل ونحو ذلك. إن إحدى أدوات التوسّل والتقرّب إلى الله، هي التوجّه إلى أرواح الشهداء المطهّرة. فلو أردنا في هذه الليالي - سواء ليالي القدر، أو غيرها من ليالي شهر رمضان، حيث إن لكل ليلة من هذه الليالي مكانتها وقصتها المفصّلة  - أن نتوسّل ونتضرّع إلى الله، وأن تكون لنا دعوة مستجابة، علينا أن نستشفع بالأرواح المتعالية، وأن نجعلها شفيعة لنا عند الله، ومنها أرواح شهدائنا الأعزاء هؤلاء. وهذه الفرصة متوافرة لعوائل الشهداء - سواء الآباء والأمهات أو الأولاد والزوجات وسائر الأقرباء- كي يستمدوا من أرواح شهدائهم الأحباء الذين تعلّقت قلوبهم بهم، للتقرب إلى الله.

7 تير؛ حادثةٌ مليئة بالدروس[3]
إن عوائل الشهداء عزيزة جداً. ولطالما ذكرتُ بأن الذي يقف في الخندق الأمامي للدفاع عن المبادئ والدفاع عن الثورة والدفاع عن الإسلام والدفاع عن القرآن، هم الشهداء ويليهم بلا فصل عوائلهم، من الآباء والأمهات والزوجات والأولاد، وهذا ما لا بد من معرفة قدره. ذلك أن الآثار التي تتركها هذه الشهادة على الإسلام والمسلمين ليست بالقليلة. فاليوم وبعد مضي 35 عاماً على حادثة السابع من تير، وشهادة أولئك الأعزة، ما زالت هذه الحادثة ملهمة لنا. فإن جماعة إرهابية خبيثة قاسية في داخل البلد، تطاولت على جمع من الأعلام الكبار ومن الشخصيات الرئيسة ومن أركان النظام، وقامت باغتيالهم، وحرمت البلاد من وجودهم، ثم هربت من هنا وارتمت في أحضان البلدان التي ملأ ادّعاء مناهضتها للإرهاب الدنيا. ناهيك عن الدول الآسيوية وعن بلدان المنطقة الرجعية التي لا تستحق الذكر، فإن الدول الأوروبية التي تصدح بالتبجّح في محاربة الإرهاب ومناصرة حقوق الإنسان وأمثال ذلك، وتعتبر نفسها هي الأساس في هذه القضية، لم تجب عن هذا السؤال: لماذا فتحت أذرعها واحتضنت قَتَلة هذا الشعب؟ ولماذا آوتهم؟ ولـِمَ لم تسلّمهم لدولة الجمهورية الإسلامية من أجل أن تقوم بتنفيذ حكم الله في حقهم؟ لماذا؟ إن هذه الفضيحة الكبرى التي مُنيت بها الدول الأوروبية وأمريكا في هذه القضية، تمثل حَدَثاً تاريخياً على جانب كبير من الأهمية، ولا يمكن التغاضي عنها بهذه السهولة، والتاريخ لا يغض الطرف عنها. هذا جانب من القضية. والجانب الآخر هم الإرهابيون أنفسهم، فإنهم قاتلوا بعنوان الكفاح دفاعاً عن الشعب، والبعض منهم حتى دفاعاً عن الإسلام، وسجّلوا في سجلّ أعمالهم هذه الفضيحة وهذه الجريمة، ثم لجأوا بعد ذلك إلى شخص مثل صدّام. فإن هؤلاء الذين كانوا يتبجحون بمعاداة أمريكا، لجأوا إلى صدام، واليوم أيضاً يعيشون تحت ظل الرعاية الأمريكية، سواء في العراق، أو في بعض البلدان الأوروبية التي نُقلوا إليها. فقد كانت حادثة السابع من تير سنة 1360 ه.ش (1981) حادثة مذهلة وكبيرة فيها الكثير من الدروس والعبر.

..أين العمل الفني والفيلم والرواية؟!
ونحن مقصّرون في هذا المجال بالطبع. وعلى الرغم من قول السيد شهيدي بأننا نمارس أعمالنا في مؤسسة الشهيد، إلا أنّ العمل لا يتلخّص في تكريمنا وتعظيمنا وإجلالنا لعوائل هؤلاء الشهداء. كلا، بل يجب إحياء هذه الحادثة. وإنّ هذا الشعب وما يتمتع به من روح ثورية، هو الذي أبقى هذه الأحداث حية حاضرة، وإلا فنحن لم نقم بإنتاج فيلم واحد حول هذه الحادثة الكبرى، ولم نقدم أثراً فنيّاً واحداً يكشف حقائق حادثة السابع من تير، ويبيّن لنا من كان هؤلاء؟ وكيف كانوا؟ ومن هم أولئك الذين استشهدوا؟ ومن هو الشهيد بهشتي؟ ومن كان أولئك الوزراء المخلصون المؤمنون المضحون الذين نزلوا إلى الساحة بكل كيانهم، ونحن قد عايشناهم، وعملنا معهم، وعرفناهم عن كثب، وكيف كانوا؟ ليس عندنا عمل فني أو فيلم سينمائي واحد، أو عرض مسرحي وعمل تشكيلي واحد، أو رواية جيدة واحدة. هذه أعمال لم ننجزها وعلينا إنجازها. هذا ما يتعلق بهذه المجموعة.

وأما بالنسبة لشهداء زمان الدفاع المقدس، فقد تم تقديم أعمال في هذا المجال، لكن مهما أُنجز من عمل فهو قليل. فإن آلاف الشهداء من أوضاع وحالات متعددة، ومن شتى المدن، ومختلف الفئات والمستويات، من الفتيان بأعمار الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، حتى الشيوخ ذوو الستين أو السبعين، كلهم هبّوا إلى ساحات القتال، وحوّلوها إلى حرب شعبية، وأخرجوها من إطار القوات الرسمية. إن أي عملٍ يصطفّ فيه الناس خلف القوات الرسمية ويوجدون فيه جنباً إلى جنبها ويؤدونه بحيوية واندفاع، ينجح ويتقدم إلى الأمام. وهذه هي توصيتنا في زماننا الحالي أيضاً لمسؤولي الحكومة في جميع القطاعات - في القطاع الاقتصادي وغيره -. وهذا ما حدث في الحرب المفروضة، حيث هبّ الناس، وعرّضوا أنفسهم لهذا الامتحان المذهل، وليس هذا بمزاح، فإننا نسمع بعض الشيء عن الحرب، ولكن عليكم بقراءة الكتب التي تناولت تفاصيل هذه العمليات، بدءاً من المستويات العليا، والمقرات الرئيسية في ساحة الحرب التابعة للجيش والحرس الثوري، ومروراً بالمستويات الأدنى، ووصولاً إلى مستوى السرية والفصيلة والكتيبة. فإن سيرة هؤلاء الشباب فرداً فرداً، تلهمنا الدروس. أفعال كل واحد من هؤلاء الشباب الذين نالوا الشهادة، وأقوالهم، وحركاتهم، نافذة مشرعة نحو عالمٍ من المعرفة، توقظ الإنسان وتجعله بصيراً واعياً.

تركوا الأهل والعيال.. واستشهدوا بغربة!
اليوم قد طُرحت قضية شهداء الدفاع عن حريم أهل البيت، وهي واحدة من أحداث التاريخ العجيبة. ففي فترة الحرب كنّا نحث الشباب ونشجعهم على التوجه لساحات القتال، وكانوا يلبّون دعوتنا ويهبّون إليها بخطاب واحدٍ للإمام الخميني، ينطلق جمع الشباب للالتحاق بالجبهات، اليوم لا نشجعهم بنفس الشكل على ذلك، ومع ذلك, فما أقوى هذا الدافع، وكم هو شفاف هذا الإيمان، الذي يدفع بالشاب من إيران ومن أفغانستان ومن بلدان أخرى إلى النهوض والمبادرة، تاركاً زوجته الشابة، وطفله الصغير، وحياته المريحة، وقاصداً بلداً غريباً وأرضاً غريبة، لأن يجاهد في سبيل الله وينال الشهادة. فهل هذا أمر بسيط؟ لقد شهد تاريخ الثورة الإسلامية في جميع مراحله من هذه العجائب الصانعة للتاريخ، إنها أمورٌ مدهشة.

عزائم وإرادات صنعت الثورة والجمهورية!
أنا أعتبر أنّ هذه القضية تنطوي على ثلاثة أبعاد: الأول هو صبر الشهيد نفسه والدافع الذي يدفعه والإيمان الذي يتحلى به، والبعد الآخر هو صبر العوائل وتحمّلهم، إذ كان بمقدور هذه الزوجة الشابة أن تعمل على عدم ذهاب زوجها، وكان بمستطاع هذا الأب وهذه الأم أن يقفا حائلاً أمام التحاق ولدهما الشاب، ولكنهم صبروا على ذهابه، وكذلك صبروا عند عودة جثمانه الطاهر، وعلى ما بعد فترة استشهاده كذلك. البعد الثالث هو الحادثة بذاتها التي تسطّر تاريخ الثورة الإسلامية؛ فهذه هي الثورة، وهذا هو النظام الإسلامي. ذلك أن هذه المحفزات، وهذا الإيمان، وهذه القدرات الروحية، وهذه العزائم والإرادات هي التي صنعت الجمهورية الإسلامية، فهل يمكن الاستهانة بالجمهورية الإسلامية؟ وماذا يظن الأعداء بشأن النظام الإسلامي؟ بنية عظيمة، كلها قوة واقتدار وطاقة؛ تشكل الجمهورية الإسلامية.

نعم، يوجد في الزاوية الفلانية ضعف ما، وهناك إنسان ضعيف الهمة وخائر الإرادة، يُصاب بالإدمان على المخدرات، أو يقع في هاوية الفساد، يُبتلى بأنواع الإشكالات، هذا موجود في كل مجتمع، والمهم أن يتمتع المجتمع بأركانٍ واقية، تمضي به قُدماً، وتصونه أمام الأحداث، وتحافظ عليه كالصخرة الصلبة. هؤلاء الشهداء والعوائل والمضحّون والمؤثرون على أنفسهم، هم الذين يمثلون تلك الدعائم الصخرية. بفضل هؤلاء أيضاً، تتغلب الجمهورية الإسلامية على التحديات المختلفة التي تواجهها في الأغلب.

نتقدم.. مع القيم والروح الثورية
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! لعلي كرّرتُ هذا الكلام لعشرات المرات-أو أكثر أو أقل بقليل-  وأعيده الآن أيضاً: كلما كنا نعتمد على الثورة وعلى الروح الثورية، كنا ننجح ونتقدم، وحيثما قصّرنا في التمسك بالمبادئ والقيم، وتجاهلنا الثورة، وتسللنا من هنا وهناك، وأوّلنا وبرّرنا، والتزمنا الصمت استرضاءً لعناصر الاستكبار الذين يمثلون أعداء الإسلام وأعداء النظام الرئيسيين كنا نفشل ونتخلف؛ هذه هي المعادلة. إن سبيل تقدم إيران الإسلامية، هو إحياء الروح الثورية وإحياء روح الجهاد.

﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
للجهاد ساحات كثيرة،؛ وبالطبع فإن كل ساحات الجهاد تتسم بالخطر. انظروا إلى شهداء التقدم النووي! كيف تصدوا للعمل في ساحة العلم، ولكنهم رغم ذلك تعرضوا لحقد الأعداء. هذا هو الجهاد. ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً[4]، وهذا هو السبب الذي أدّى إلى أن يجعل الله تعالى للمجاهدين فضلاً ودرجة عالية. فكم سنعيش نحن في هذه الدنيا؟ مر على الدنيا مليارات السنوات قبلنا وستبقى كذلك بعدنا، نصيبنا أنا وأنتم ما بين هذه المليارات، ليس سوى خمسين أو ستين أو سبعين عاماً، فلا بد لنا خلال هذه المدة أن نغتنم هذه الفرصة، وأن نعدّ أنفسنا للحياة الحقيقية، ف ﴿إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ[5]. البعض يجاهد في هذه الفترة، ويوصلهم جهادهم هذا إلى المقامات العليا، ولا يبني لهم آخرتهم فحسب، بل يبني دنيا الآخرين ويصوغها ويقويها أيضاً. وعندها فإن نصيب الجهاد ونصيب الشهداء، هو ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ[6]. هكذا هي القضية؛ هذا كلام الله، وهذه هي بشرى الله بأن هؤلاء أحياء عند ربهم، يحظون بلطف الله ورزقه، وهم في فرحة وسرور، ويقولون لي ولكم: بأن المنزل الذي ستبلغونه إذا ما سرتم في هذا الطريق، لا خوف فيه ولا حزن: ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. هذا هو الطريق. فإنهم قد اختاروا الطريق السليم، وساروا بشكل صحيح.

أما أنتم العوائل فقد تحمّلتم العناء، وأصابكم الحزن والأسى، ولكم الحق في ذلك، فإن فقدان الشابّ - سواء أكان ذلك الشابّ زوجاً، أو كان ولدكم، أو صهركم، أو أخاكم - صعبٌ جداً على عائلته، ولكن اعلموا أنهم يعيشون في بهجة وسرور، ويستظلّون بظلّ النعيم الإلهي.

ما يقومون به هو الدفاع عن البلاد!
 يجب التصدي لمواجهة الأعداء المستكبرين بهذه الطريقة. فإن العدو المستكبر جاهل بهذه الحقيقة، ولا يمكنه إدراكها في حساباته. لقد سمعتم بالحرب غير المتكافئة، فهي تعني أن لقوات أحد الطرفين قدرات لا يمتلكها الطرف الآخر، وأن ما يملكه أحد الجانبين من أسلوب ومنهج وإمكانيات، بل وحتى مصادر قوة، مجهولة لدى الجانب الآخر.. هذه هي الحرب غير المتكافئة. فإنهم لا يعلمون أي قدرة كامنة في الإيمان بالله وفي العقيدة بالجهاد، سوى أنهم يشهدون آثارها، ولا يمكنهم تحليلها بشكل صحيح، ولذلك يلجأون إلى أعمال جنونية. إن قضية داعش والجماعات الإرهابية التكفيرية وأمثالهم تدخل في هذا الإطار. فإنهم في الحقيقة أسسوا هذه الجماعات لإلحاق الهزيمة بالجمهورية الإسلامية، ولم تكن أحداث العراق والشام سوى مقدمة ليتمكنوا من التأثير على هذا البلد، لكن قوة الجمهورية الإسلامية هزمتهم ورمت بهم أرضاً في تلك البلدان، وإلا فقد كان هذا هو هدفهم. إن الشاب الذي ينطلق من هنا، قاصداً العراق أو سوريا للوقوف في وجه التكفيريين دفاعاً عن حريم أهل البيت، إنما يدافع في الحقيقة عن مدينته وبلده، بالطبع إن نية هؤلاء الشباب هي الله، ولكن الذي يقومون به في الواقع، هو الدفاع عن إيران وعن المجتمع الإسلامي. وهذا لا يختص بالشيعة، أولئك التكفيريون لا يفرّقون بين شيعيّ أو سنيّ، ويقتلون أبناء السنة أيضاً. ففي داخل بلدنا، كم من علماء السنة - كالمرحوم شيخ الإسلام[7] في سنندج، والمرحوم حسين بُر[8] في بلوشستان وغيرهم من العلماء - قد تم اغتيالهم على يد هؤلاء التكفيريين أنفسهم، وأريقت دماؤهم على الأرض ظلماً وعدواناً. إنهم لا يميّزون بين سنيّ وشيعي، وإنما يستهدفون كل من يقف مناصراً للثورة، ومناهضاً للاستكبار، ومعادياً لأمريكا، ومع ذلك يسمونها زوراً حرباً بين الشيعة والسنة.

البحرين.. أقلية تتحكم بـ 80%!!
لاحظوا اليوم أحداث البحرين! إن القضية البحرينية ليست حرباً بين الشيعة والسنة، وإنما هي قضية سيطرة جائرة حمقاء لأقلية مستكبرة أنانية مستأثرة على أكثرية ساحقة. هناك أقلية صغيرة تحكم سبعين أو ثمانين بالمئة من شعب البحرين. واليوم أيضاً قد تطاولت أيديهم على العالم المجاهد الشيخ عيسى قاسم، وهذا يدل على حماقتهم وبلاهتهم. فلقد كان الشيخ قاسم إلى هذا اليوم، وإلى اللحظة التي يمكنه التحدث مع الناس، يقف حائلاً أمام أي حركة عنيفة ومسلحة للشعب. إنهم لا يفهمون على من تطاولوا؟ ولا يدركون أن الاعتداء على الشيخ قاسم يعني إزالة المانع أمام الشباب البحريني المتحمس والمتوثب للقيام ضد النظام الحاكم، بهذا العمل لم يبق لديهم بعد أي وسيلة لإسكات هؤلاء الشباب. وهذا مثالٌ ونموذج على قولي بأن حساباتهم خاطئة. وهذه الحسابات الخاطئة ناجمة عن جهلهم بأوضاع المجتمع وأوضاع الناس وإيمانهم، وتدل على عدم معرفتهم بالشعب.

السبيل الصحيح هو درب الإسلام، مسير التوكل على الله، في طريق التوسل بعَتَبَة العزّ الإلهي، الطريق هو طريق  الإيمان. هذا هو السبيل الصحيح. وبمستطاع الشعب عبر الإيمان والجهاد والعزم الراسخ أن يزيل كل هذه العقبات عن طريقه. المؤمنون المجاهدون الناشطون ليسوا قلّة في زماننا الحالي والحمد لله، سواء في بلدنا، أو في بلدان أخرى. وتلاحظون اليوم الناس قد هبّوا من مختلف البلدان للوقوف أمام هجوم مرتزقة أمريكا وإسرائيل، وها هم قد ثبتوا واستقاموا في هذا الطريق، على الرغم من أنهم ليسوا في بلدهم.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! اعرفوا قدر هذه الليالي وهذه الساعات، وادعوا فيها لأنفسكم واسألوا الله بتوجّه وتضرّع، وادعوا كذلك لغيركم واطلبوا من الله أن يستجيب دعاء الناس الآخرين. ففي مثل هذه الليالي - كالليلة الماضية، وليلة غد، والليلة الثالثة والعشرين - قد علت الأصوات تضرّعاً من أطراف العالم الإسلامي وكل أرجائه، ومن كل مكان يوجد فيه الاعتقاد بهذا المعنى: «إِلَیكَ عَجَّتِ الأَصواتُ بِصُنوفِ اللُّغات»[9]، الأصوات مرتفعة بالبكاء والاستغاثة، تدعو لنفسها ولغيرها. لتكن إحدى دعواتكم أن يستجيب الله سبحانه وتعالى دعاء المؤمنين الذين يدعونه في هذه الليالي، اطلبوا هذا الأمر من الله.

... قرآنٌ صاعد
ينبغي الدعاء بحضور القلب. وأقولها هنا: إن بعض هذه الاجتماعات التي تُعقد لقراءة الأدعية، هي لقاءات جميلة جذابة للقلب حقاً؛ أي إن قارئ الدعاء، لا يقرأ الدعاء للمستمع وحسب، وإنما يقرأه لنفسه أيضاً. هكذا هو حال البعض، حيث يتأثر هو أيضاً بالدعاء. فإن عمد قارئ الدعاء إلى قراءته بالطريقة التي تدل على أنه يتحدث بنفسه مع الله، ويرى نفسه ماثلاً أمام رب العالمين، واستحضر في ذاته حال الدعاء، سيتولّد حال الدعاء لدى المستمع أيضاً. وأحياناً لا يكون القارئ في أجواء عالم الدعاء أصلاً، وهذا بالطبع ما يشهده الإنسان بندرة، ويرى في بعض الأوقات على شاشات التلفاز أن القارئ يتغنّى بالدعاء ليس إلا!. لا يتوجّه بنفسه ولا يتحلى بحال الدعاء، وعندها فإن مستمعه أيضاً لا يصل إلى حال الدعاء. لا تسيل دموعه، ولا يستطيع أن يُسيل دموع المستمع. لا يتأثر قلباً، ولا يمكنه أن يترك التأثير في قلب المستمع. ينبغي ألا تتم قراءة الدعاء بهذه الطريقة.

الدعاء هو التحدث إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى حدّ تعبير إمامنا الخميني الجليل: «الدعاء هو القرآن الصاعد»[10]، وهو التحدث مع الله. حين تقرأ القرآن, فإن الله هو الذي يكلّمك، حين تدعو الله فأنت الذي تكلّمه. ذلك أن قراءتك للقرآن، تعني القرآن النازل؛ أي إن الله يتحدث إليك، ويبيّن لك الحقائق التي تنزل من الأعلى. ودعاؤك، يعني أنك تتكلم مع الله، وصوتك يرتقي صعوداً. بالتأكيد, إن الدعاء إن صدر بشكل جيّد، فسوف يكون دعاءً "يُسمع"، كما نقرأ في المناجاة الشعبانية: «وَاسمَع دُعائي إِذا دَعَوتُك وَاسمَع نِدائي إِذا نادَیتُك»[11]. وهناك أدعية لا يسمعها الله، كما نقرأ في الدعاء: «أَعوذُ بِكَ مِن نَفسٍ لا تَشبَع وَمِن قَلبٍ لا یَخشَع وَمِن دُعاءٍ لا یُسمَع»، أي الدعاء الذي لا يعبأ به الله، «وَمِن صَلاةٍ لا تَنفَع»[12]. فإن «الصَّلاة قُربانُ کُلِّ تَقيّ»[13]، بمعنى أنها تقرّب إلى الله، وإن لم تفعل ذلك، فهي لا تنفع. وبالطبع فإن عدم نفعها لا يؤدي الى أن نتركها قائلين بأننا لا نصليها ما دامت لا تنفع.. كلا، بل لا بد من الصلاة وأداء هذا التكليف، ولكن اعملوا على أن تكون هذه الصلاة صلاة نافعة، وأن نؤديها بتوجه وحضور قلب.

فرصة الصيام هي فرصة قيّمة للغاية لكم؛ بوسعها أن تجعل قلوبكم ليّنة وخاشعة كي تتمكنوا من الحديث مع الله؛ يجب الدعاء بهذه الطريقة. إن الأدعية الواردة في أسحار شهر رمضان وفي لياليه، أو المختصة بليالي القدر، أو العامة التي تُقرأ في جميع الليالي، لها قيمة بليغة. وفضلاً عن المعارف والعلوم التي تنطوي عليها هذه الأدعية، فإن التضرّع والخشوع نفسه الذي يحصل للإنسان أثناء الدعاء، له قيمة عالية جداً.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشر شهداءنا الأعزاء، شهداء السابع من تير، وكذلك شهداء  التقدم النووي، وشهداء الدفاع المقدس، وشهداء الدفاع عن الحرم، وشهداء الثورة الإسلامية من البداية وحتى الآن، والشهداء الذين نالوا الشهادة أثناء القيام بتكليفهم، أن يحشر جميع هؤلاء الشهداء مع النبي الأكرم، وأن يوفيكم أنتم العوائل وعائلة الشهادة الكبيرة في جميع أرجاء البلاد الأجر والثواب والوافي، وأن يلهم قلوبكم الصبر والسكينة والطمأنينة.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌


[1] في بداية هذا اللقاء, قدّم حجة الإسلام السيد محمد علي شهيدي محلاتي، ممثل الولي الفقيه ورئيس مؤسسة الشهيد وأمور المضحين (الجرحى والاسرى والمقاتلين) تقريراً حول عمل المؤسسة .
[2]  الكافي، ج4، ص575.
[3]  (٢٨/٦/١٩٨١)؛ يصادف السابع من تير في التقويم الفارسي ذكرى استشهاد 72 من خيرة رجالات الثورة الإسلاميّة وعلى رأسهم الشهيد المظلوم آية الله بهشتي- رئيس المجلس الأعلى للقضاء آنذاك- في التفجير الذي طال المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي عام 1981؛ وبهذه المناسبة سُمّي هذا الأسبوع في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة بأسبوع السلطة القضائيّة.
[4]  سورة النساء، جزء من الآية 95.
[5]  سورة العنكبوت، جزء من الآية 64.
[6]  سورة آل عمران، الآيات 169، 170.
[7]  الشيخ ماموستا محمد شيخ الإسلام (عضو مجلس خبراء القيادة) الذي اغتيل قرب مسجد السيد قطب في كردستان .
[8]  الشيخ مولوي فيض الإسلام محمد حسين بر (من العلماء الكبار في منطقة سيستان وبلوشستان) وقد اغتيل سنة 1360هـ. ش (1981م)
[9]  إقبال الأعمال، ج1، ص346.
[10]  من جملتها ما ورد في الوصية السياسية – الإلهية, صحيفة الإمام، ج21، ص396.
[11]  إقبال الأعمال، ج2، ص685.
[12]  الكافي، ج2، ص586.
[13]  الكافي، ج3، ص265.

01-07-2016 | 10-31 د | 2126 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net