الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1240 - 03 جمادى الثانية 1438 هـ - الموافق 02 آذار 2017 م
ليكون المرض رحمة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

تصدير:
عن ابن عبّاس: لمّا علم اللّه أنّ أعمال العباد لا تفي بذنوبهم خلق لهم الأمراض ليكفّر عنهم بها السّيّئات.[1]
 
الأهداف:
بيان علة خلق الله الامراض وكيف نجعله فرصة للتكامل.
 
المحاور:
1-  لماذا خلق الله المرض
2- كيف نتعامل مع امراضنا
- عدم التمرض من غير علة
- العلاج حق وواجب
- الصبر وعدم الشكاية
3- اغتنم مرضك وعش مع ربك
 
مقدمة: لماذا خلق الله المرض؟:
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن طبيعة المخلوق لا سيما البشر هو الضعف والإحتياج. ولذا فإن من لوازم ذلك إسراع الآفات إليه، وإقبال العلل عليه، وكونه ذا صحة ومال وقوة فهذا منة وتفضل من خالقه وصانعه ومن ألطافه حتى يستكمل الله الحجة عليه من خلال إنعامه وتفضله، فالإنسان بطبعه وطبيعته ضعيف فقير وقوته وغناه تفاض عليه من خالقه وبارئه بمقتضى حكمته، وذلك أن الله لم يخلق الإنسان وأنزله إلى دار الدنيا لتكون له دار مقام وخلود، وإنما هي دار مؤقتة لا بد من الرحيل عنها وقد شاءت الحكمة الإلهية والإبداع الإلهي أن يكون ذلك بالموت وما عبر عنه تعالى بالوفاة: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[2] ولكن أيضاً شاءت حكمته أن يكون استيفاء الأنفس وخروجها عن عالم الدنيا بأسباب منها المرض.

فالمرض وسيلة لما هو محتوم ومعلوم حتميته وهو الموت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[3].

وأيضاً فإن المرض بآلامه من وسائل اختبار العباد يمتحن به المؤمن وغيره من جهة للثواب كما سيأتي ومن جهة أخرى لإختبار حسن ظنه بالله وأمله به ولأجل إمتحان مدى صبره على البلاء وفي ذلك تربية لهذه الكمالات النفسية الأخلاقية وهو بهذا المعنى للناجحين تحفة يتحف الله بها عباده المؤمنين وهذا ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إن الله إذا أحب عبداً نظر إليه. وإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث: إما حمى أو وجع عين أو صداع".[4]

فضلاً عن أن المرض يذّكر المريض وعائديه ومن علم به بضعفهم وفقرهم ويؤدي إلى تواضعهم وقمع توثبهم نحو التكبر كما نص عليه الحديث الشريف القائل عن النبي(صلى الله عليه وآله): " لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيئ: المرض ، والموت ، والفقر ، وكلهن فيه وإنه لمعهن لوثاب".[5]

وكذلك لكي لا يغفل الإنسان عن الآخرة وعن الله وتأخذ سنة الغفلة فالمرض كالموت وسيلة تذكر الإنسان بربه وبآخرته وتحثه على اغتنام فرصة وجوده الدنيوي لإعداد الزاد لما بعد الدنيا وليوم الفاقة الحقيقي.

والمرض كذلك يشكل معضلة أمام الإنسان تتحداه فتعجز طاقاته الإبداعية ليجد العلاجات وعبر بحثه عن العلاج يستكشف إبداعات الخالق في نفسه والموجودات من حوله فيعرف نفسه ويعرف ربه.

ولنا أن نكتفي بما ذكرنا لنقول إن المرض وإن كان ظاهره البلاء والألم إلا أن باطنه الرحمة، وعليه فلا تتعجب ولا تندهش لبيان ما روي من أن نبياً من الأنبياء مر برجل قد جهده البلاء، فقال: "يا رب أما ترحم هذا مما به؟، فأوحى الله إليه :كيف أرحمه مما به أرحمه".[6]

والمرض وسيلة مع ذلك كله لغفران الذنوب، فعن ابي عبد الله عليه السلام: "حمى ليلة، كفارة لما قبلها وما بعدها"[7].
 
كيف نتعامل مع أمراضنا؟:
هناك أمور عقلائية يمضيها الشرع الحنيف في تعامل الإنسان مع حالة مرضه وهناك كذلك أمور ندبت إليها الشريعة السمحاء وجاءت بها السنة الشريفة ومنها:

1- عدم التمرض من غير علة:
بمعنى عدم ادعاء المرض كأن يتظاهر بالمرض ويتمارض ويشكو ويئن بغرض استعطاف الناس أو لاستدرار عطف عائلته وحنوهم عليه وليحصل على المزيد من اهتمامهم؛ وبعض الناس يصاب بالوسوسة في المرض، ويكون مرضه الحقيقي هو الوسواس بالمرض لا المرض حقيقة، فهؤلاء ربما يلجأون إلى تناول هذا الدواء وذاك لظنهم بأنهم مرضى.

ولذا جاء الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "من ظهرت صحته على سقمه فيعالج بشيئ فمات فأنا إلى الله منه بريء".[8] فالمفروض كما تنص الرواية على ترك المداواة مع عدم الحاجة إليها.
 
2-   العلاج حق وواجب:
صحيح أن الثابت لدى فقهائنا استحباب الصبر على الداء مع عدم الضرورة للمعالجة، لأن بعض الأدوية ربما عالج مرضاً ولكنه قد يوجب آخر كما يفهم من ما جاء عن الإمام الكاظم (عليه السلام): "ليس من دواء إلا ويهيج داء..".[9] وهذا يحصل بترك ما يضر وفعل ما ينفع من عمل ومأكل ومشرب لا أن يترك الإنسان المداواة مطلقاً بل أن يقوم بتقديم ترك ما يضره على تناول العقاقير.

وإلا فإن على المريض واجب معالجة نفسه باللجوء إلى الأسباب فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إن نبياً من الأنبياء مرض، فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله إليه: لا أشفيك حتى تتداوى، فإن الشفاء منّي".[10]

فالمعنى أنه وإن كان حسن الظن بالله تعالى والتوكل عليه تعالى من ما ينبغي على المريض، إلا أنه تعالى جعل شفاء الأمراض بشرط التداوي والمعالجة، نعم قد تحصل حالات شفاء بغير معالجة بواسطة الدعاء والأمور المعنوية الأخرى، لكن القاعدة هي أنه مع الدعاء والتوكل وحسن الظن به تعالى لا بد من الأخذ بالأسباب وعدم المعاندة، وعنه (ص): "تداووا فإن الله تعالى لم ينزل داءً إلا وقد أنزل الله له شفاءً، إلا السأم والهرم".[11] لكن ليحذر من اللجوء الى المشعوذين والدجالين.

وكما أنه يجب على المريض اللجوء إلى الأطباء ذوي الإختصاص كذلك له حق على مجتمعه وخصوصاً ذوي الإختصاص أن يعالجوه ولا يحجموا عن المعالجة طلباً للمال أو غير ذلك وإلا كانوا شركاء في ما يصيبه وقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): "كان المسيح - عليه السلام - يقول: إن التارك شفاء المجروح من جُرحه، شريك لجارحه لا محالة وذلك أنّ الجارح أراد فساد المجروح، والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطراراً.."[12].
 
3- الصبر وعدم الشكوى:
لقد ورد في الكثير من الروايات ما يدعو إلى أن يكتم الإنسان مرضه وفي بعضها أن من كتم وجعاً أصابه ثلاثة أيام للناس وشكا إلى الله عز وجل كان حقاً على الله أن يعافيه منه، وقد مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلاً بقوله: "..وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه..".[13]

وعلماؤنا حملوا الشكاية هنا ليس على إعلام الناس بمرضه بل حملوها على ما إذا كانت تستبطن استعظام الأمر الذي نزل بالمريض، الذي قد يكون في بعض وجوهه تشكيكاً بعدل الله ولطفه ورحمته فمثل هذه الشكوى مرفوضة حتماً فلا بد من الصبر والتسليم لله فعن الصادق (عليه السلام): "من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها و أدى إلى الله شكرها كانت له كعبادة ستين سنة، قال أبي: فقلت له : ما قبولها ؟ قال: يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها ، فإذا أصبح حمد الله على ما كان . ".[14]

وعنه (عليه السلام): "أيما رجل اشتكى فصبر واحتسب كتب الله له من الأجر أجر ألف شهيد".[15]

وقد جاء منه (عليه السلام) ما يفسر الشكاية المذمومة من قبل المريض حيث قال (عليه السلام): "إن الرجل يقول: حممت اليوم وسهرت البارحة، وقد صدق وليس هذا شكاية، وإنما الشكوى أن يقول: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، ويقول: لقد أصابني ما لم يصب أحدا...".[16]

فهذا هو التفسير للشكاية، فليست الشكاية عدم الإخبار بالمرض مطلقاً بل هي استعظام المرض والمصاب.
 
خاتمة: اغتنم مرضك وعش مع ربك:
إن الإنسان في الوقت الذي يعاني فيه ألم المرض عليه أن يشعر بضعفه وحاجته وضعته وحقارته، وليكن في تلك الظروف متوجهاً إلى الله بارئه يعيش لحظات معاناته مع ذلك الرب القوي الغني القادر القاهر لعل مرضه يكون وسيلة تخرجه من أمراضه الروحية، فيخرج من المرض بروحية جديدة تؤثر على مجمل أخلاقه وسلوكه، وليكن ذلك التأثير ممتداً على طول مسيرة حياته، لعله يترقى روحياً ويتكامل، فيزرع المرض فيه روح التسليم وخلق التواضع وبذرة الزهد، وصفة القناعة.

ليكن المرض فرصة تربي فينا روح التوكل والأمل بالله تعالى وننمي فيها الإحساس بآلام ذوي الأمراض ونجد في دواخلنا ماء الرحمة لبعضنا لننزع من أرض قلوبنا كل جفاف روحي وعاطفي. وهذا ما ربما يستفاد مما ورد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي (ص) لعلي عليه السلام قال: "يا علي أنين المؤمن تسبيح وصياحه تهليل، ونومه على الفراش عبادة، وتقلبه من جنب جهاد في سبيل الله، فان عوفي مشى في الناس وما عليه من ذنب".[17]


[1] مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج2 ص 57.
[2]  سورة الزمر - الآية - 42
[3]  سورة العنكبوت - الآية - 57
[4] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص358.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج69،ص:53.
[6]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج78،ص:192.
[7] الكافي 115
[8] وسائل الشيعة(آل البيت)-الحر العاملي-ج2، ص:409.
[9] وسائل الشيعة(آل البيت)- الحر العاملي، ج2، ص408.
[10] وسائل الشيعة(آل البيت)- الحر العاملي، ج2، ص410.
[11] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص940.
[12] الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص:345.
[13] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج64، ص:314.
[14] وسائل الشيعة(آل البيت)- الحر العاملي، ج2، ص406.
[15] وسائل الشيعة(آل البيت)- الحر العاملي، ج2، ص403.
[16] وسائل الشيعة(آل البيت)- الحر العاملي، ج2، ص410.
[17] (الوافي)175

01-03-2017 | 14-48 د | 2838 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net