الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
أسباب النجاح في التبليغ الديني
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

 

باسمه تعالى

أهمية التبليغ:

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا....1

التبليغ هو الركن الأساس في الدين لا بل هو هدف بعث الأنبياء عليهم السلام. لقد أعطى الله تعالى البشر العديد من الاستعدادات التي يكون بعضها موجوداً في الموجودات الأخرى ولكن بشكل محدود إلا أنها تتسع إلى ما لا نهاية في الإنسان. وإذا كانت أرضية الرشد والنمو والتكامل كثيرة عند الإنسان فإن ذلك يحصل من خلال إيصال الاستعدادات إلى كمالها بالتعليم والتربية والبيئة المساعدة والجهد الدؤوب.

وقد أرسل الله تعالى أنبياءه الواحد تلو الآخر لتحقيق هذا الهدف، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول".

هنا يشير الإمام عليه السلام في عبارته إلى أحد أهداف إرسال الرسل وهو استخراج دفائن العقول وإيصال الاستعدادات إلى فعليتها وهكذا فعل الأنبياء عليهم السلام. لقد أرسل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بالرسالة في عصر الجاهلية، وكان الناس في تلك المرحلة متأخرين من الناحية العقائدية والأخلاقية والعلمية، إلا أنهم حصلوا على كل تلك الأمور بعد مجيء الرسول صلى الله عليه وآله، أصبحوا متقدمين في البعد الفكري وفي البعد الأخلاقي أي التزكية وكذلك في البعد الاقتصادي. كان العرب في الجاهلية أمة ضعيفة ليس لها وزن نسبة للمالك التي كانت تحيط بها، ولكنهم دخلوا العالم حتى قلب أوروبا ببركة وجود الرسول صلى الله عليه وآله.

مسؤولية علماء الدين:

لقد تحمل الأنبياء عليهم السلام مسؤولية تبليغ الدين وبعد ذلك انتقلت هذه المسؤولية إلى علماء الدين.

كانت مسؤولية الأنبياء عليهم السلام الإنذار، لذلك جاء في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ2 وقد أوكلت المهمة إلى العلماء أيضاً عندما قال: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ3.

والإنذار يعتمد على التفقه، ففي البداية يجب أن يعمل الشخص ليحيط بالعلوم الدينية ليتمكن من إرشاد وإنذار الآخرين.

وما لم يكن الإنسان متفقهاً في الدين، فلا يمكنه إرشاد الآخرين إلى الدين. والمقصود من الفقه هنا هو المعنى الأعم وليس الفقه بمعنى المعرفة بالأحكام. فالفقه الذي تحدث عنه صاحب المعالم (رحمه الله) قائلاً: "الفقه هو العلم بالأحكام عن أدلتها التفصيلية"، ليس هو المقصود هنا. الفقه بالمعنى الأعم عبارة عن العلم بجميع المعارف الدينية والأخلاقية والفروع الفقهية، وعندما يحيط الإنسان بجميع هذه العلوم يمكنه إخراج الناس من الجهل.

القدوة في التبليغ:

يعتبر الأنبياء عليهم السلام قدوة لنا وهم أشخاص تحملوا مسؤولية التبليغ، لذلك يجب أن نبحث عن الأمور التي اعتمدوا عليها في تبليغ الدين حتى تمكنوا من إيجاد هذا التحول الكبير. وتظهر أسرار موفقية الأنبياء عليهم السلام عند الرجوع إلى القرآن الكريم وحكايته عن دعوة أنبياء الله عليهم السلام.

ـ يوسف عليه السلام في حركة التبليغ:
كان من المقرر أن يقوم النبي يوسف عليه السلام بتبديل أجواء مصر وإزالة جذور الشرك من تلك الأرض، ولم يكن هذا العمل سهلاً أو يسيراً في تلك المرحلة، إذ إيجاد تحول وتبدل جوهري وأساسي يحتاج إلى ذكاء وفطنة وحسن تدبير وسعي دؤوب، وقد تمكن النبي يوسف عليه السلام بما كان يمتلكه من صفات من إصلاح ذلك المجتمع.

ـ أسرار انتصار يوسف عليه السلام:
يمكن الوقوف على أسرار وأسباب انتصار يوسف عليه السلام في مسيرة تبليغ الدين من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم، فماذا فعل النبي يوسف عليه السلام حتى اجتمع حوله الناس بمجرد ترديده عبارة: قولوا "لا إله إلا الله"؟ حيث توجه الناس نحو التوحيد، أسرار هذه الموفقية على النحو التالي:

1- التقوى
لقد عمل يوسف عليه السلام أربعين سنة حتى تمكن من هداية أهل مصر. أما رأس المال الذي اعتمد عليه طيلة هذه المدة فهو التقوى التي كانت حاضرة عنده في أعلى مستوياتها. عندما نتصور شاباً في عنفوان الشباب وتتهيأ له كل أسباب الانجراف إلى وادي الشهوات، ثم يقف بثبات وعزيمة أمام هذا الابتلاء من دون أن يتوجه قلبه وفؤاده إلى غير طاعته تعالى، فهذا ليس عملاً سهلاً. طبعاً من دون أن ننسى أن أنبياء الله عزوجل يستعينون في كل لحظة بالله ويستمدون العون والقوة على الصبر والثبات منه تعالى.

والنتيجة أن الذي لا يلجأ إلى الله تعالى فلن يتمكن من حفظ نفسه. والحفاظ على التقوى في هذه الحالات أمر غير سهل. من جهة أخرى فإن العصمة والصهارة والقداسة هي أفضل الأمور التي تهيئ الأجواء للتبليغ، وقد توفرت في يوسف عليه السلام في أعلى مستوياتها. عندما نرجع إلى قصة النبي يوسف عليه السلام نرى أن زليخا قد اتهمته ولكن الاتهام قد زال على المدى الطويل بعون من الله تعالى ثم اعترفت زليخا بتقصيرها واعترفت بطهارته.4

إذا استعملنا في مسيرة التبليغ أفضل الأساليب وأفضل بيان وأحسن خطاب وكنا نفتقد التقوى، فلن نترك أدنى أثر في المستمع. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا".5

عندما ينزل المطر من السماء تصبح الأرض أكثر استعداداً للعطاء والإنتاج، ولكن إذا نزل المطر على الصخر فإنه يبلله في الظاهر ولمدة قصيرة ثم ينتهي كل شيء، لأن الماء لم ينفذ إلى باطن الصخر ولكنه نفذ إلى باطن الأرض. وإذا لم تنفذ التقوى إلى قلب وباطن المبلغ فإن مواعظه ستكون كالمطر الذي ينزل على الصخر حيث لن يؤثر في قلوب المخاطبين.

لقد شاهدنا الكثير من الأشخاص الذين لا يمتلكون بياناً جميلاً ولكنهم كانوا مؤثرين بتقواهم، فكانت الكلمة التي تخرج منهم وهم على تلك الحال أكثر تأثيراً من مئة محاضرة.

- الميرزا علي الشيرازي القدوة في التقوى
اجتمع الشهيد مطهري (رحمه الله) بالميرزا علي الشيرازي، فترك اجتماعه به تحولاً عجيباً في شخصية الشهيد مطهري. ولكن السؤال: من أين أتى هذا التحول؟ لم يكن الميرزا علي الشيرازي (رحمه الله) خطيباً كالسيد جمال الدين الأسد آبادي (رحمه الله). ولكن تقواه هي التي جعلت كلماته تنفذ إلى أعماق القلوب.

2- خدمة الناس
وضع النبي يوسف عليه السلام لمدة في السجن الانفرادي وتعرض للتعذيب، إلا أن جميع الضغوطات التي مورست عليه لم تؤثر فيه. كان النبي يوسف عليه السلام في السجن وإلى جانبه عشرات السجناء، لذلك عمل جاهداً على حَلّ مشاكلهم، وهدايتهم، وهذا العمل أدى إلى تحول عظيم على مستوى انجذاب السجناء نحوه، وهذا ما نفهمه من الحوار الذي دار بين يوسف عليه السلام وبين الشخصين اللذين رأيا مناماً، قالا: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.6

و"نراك" في اللغة العربية فعل مضارع ومعناه إننا نراك دائماً من المحسنين، وهذا يدل على مقدار إحسانه إليهم.

ونفهم من خلال هذا الأمر أن الإحسان إلى الناس وخدمتهم من جملة أسرار موفقية المبلغين.

ـ المبلغون المعصومون وخدمة الناس
كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام يقدمون خدمات كبيرة وأساسية للناس بغض النظر عن أساليبهم التبليغية، وكانت هذه الخدمات تمهد الأرضية لهداية الناس وتوجههم نحو المعصومين. عندما كانوا يغسلون الإمام السجاد عليه السلام وجدوا بالإضافة إلى المواضع السبعة للسجود، وجدوا على جسده المبارك علامات غيرها، فقد بان على ظهره أثر خاص منها، وهذا يعني أنه يجب السعي والعمل بجد واجتهاد لأجل العبادة، كذلك يجب العمل والسعي لأجل خدمة المجتمع. هذا العمل يجعل التبليغ مؤثراً.

ويحكى عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يهتم بأطفال امرأة عجوز لتقوم هي باعداد الخبز لهم. طبعاً هذه الخدمة التي يقدمها الإمام عليه السلام للعجوز أكثر تأثيراً من مئة محاضرة. وهذا شيء طبيعي "الناس ينجذبون إلى الاحسان".

3- إثبات القدرات العلمية
لعل من الأسرار الأخرى لموفقية النبي يوسف عليه السلام بعد مسألتي التقوى وخدمة الناس، أنه تمكن من إثبات قدراته العلمية. عندما يشعر الناس بأن المتحدث يؤدي كلماته عن علم ودراية، فهذا شيء هام للغاية. يذكر القرآن الكريم ما جرى بين النبي يوسف عليه السلام والسجينين اللذين كانا إلى جانبه: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي.7

عندما يتحدث النبي يوسف عليه السلام ويقول: ذلكما مما علمني ربي، فهذا يعني أنه تمكن من إثبات قدراته العلمية، وأما النتيجة فكانت مشاهدة عزيز مصر لمنام عجيب عجز عن تأويله الكهنة والعلماء والرياضيون... حيث قالوا: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ8 وهذا يدل على الجهل الذي كانوا يعيشونه. في هذه الأثناء عاد أحد السجناء السابقين وتذكر وجود يوسف في السجن، فأخبرهم به وأنه عالم يمكنه معرفة تأويل المنام. جاء إلى يوسف عليه السلام وقال: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ9 عند ذلك أخبره يوسف بتأويل المنام وبأنه سيأتي عليهم سبع سنين شداد بعد سبع وافرة المحصول فيأكلون ما ادخروه. وقد دفع هذا التأويل عزيز مصر للطلب من يوسف عليه السلام إدارة شؤون البلاد: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.10

لقد تمكن النبي يوسف عليه السلام ومن خلال عبارة (حَفِيظٌ عَلِيمٌ) من اثبات أمرين:
أولاً: أثبت أنه إنسان أمين
ثانياً: أنه إنسان عالم، وهذان الأمران هما سر موفقية المبلغين في عملية التبليغ للدين.

*آية الله حسن امامي - بتصرّف


1- سورة فصلت، الآية: 33.
2- سورة المدثر، الآيتان: 1- 2.
3- سورة التوبة، الآية: 112.
4- سورة يوسف، الآية: 51.
5- الكافي، ج1، ص45.
6- سورة يوسف، الآية: 36.
7- سورة يوسف، الآية: 36- 37.
8- سورة يوسف، الآية: 44.
9- سورة يوسف، الآية: 46.
10- سورة يوسف، الآية: 55.

13-10-2011 | 07-10 د | 3391 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net