الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

روضة المبلغين
إنجازات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام خلال عشر سنوات في المدينة المنوّرة - أحمد زماني (*)
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق
مقدّمة


يعتبر كتاب "الحقائق الخفية" لمؤلّفه أحمد زماني واحداً من الكتب التي تناولت الحياة السياسيّة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام بالبحث والتحقيق. يتألّف الكتاب من مقدّمة بقلم آية الله السبحاني ومجموعة أخرى من المطالب المتنوّعة. من أبرزها: القيادة في الإسلام، إطلالة على مرحلة طفولة الإمام عليه السلام ومرحلة ما بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، مسؤوليّات الإمام الحسن عليه السلام في مرحلة حكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، الإمامة والقيادة، أسباب الصلح، العودة إلى المدينة، مسموميّة الإمام عليه السلام وعناوين أخرى...

المقالة التي بين أيدينا عبارة عن خلاصة بحث إنجازات الإمام الحسن عليه السلام خلال عشر سنوات في المدينة المنوّرة.1


العودة إلى المدينة المنوّرة

بعد أيام قليلة على توقيع معاهدة الصلح مع معاوية وجد الإمام الحسن عليه السلام أنّ المصلحة هي في الانتقال من الكوفة إلى مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

تحرك الإمام الحسن عليه السلام برفقة الإمام الحسين عليه السلام وعائلتيهما وأصحابهما نحو المدينة. أسرع أهل الكوفة لتوديع الإمام الحسن عليه السلام وفي قلوبهم غصّة الفراق2.

لقد قرّر سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأكبر السير بسفينة الإسلام نحو النجاة رغم الأمواج العاتية التي أوجدها معاوية، وكلّ ذلك بما كان يحمله من صبر وتحمّل وتواضع، وبهذا الشأن أراد الإمام عليه السلام أن يمنع بني أميّة من جَعْل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث أمير المؤمنين عليه السلام والصحابة الصالحين، على أساس أنّ الجاعلين أرادوا من خلال عملهم القضاء على الصورة الحقيقيّة للإسلام، ساعين بذلك وراء أهدافهم الشيطانيّة.

أقام الإمام الحسن عليه السلام عشر سنوات في المدينة فكان كأبيه وجده طبيباً ومعلّماً وملجأً لأهل المدينة والمظلومين فيها، وقد جمع في سلوكه فضائل أسلافه المعصومين الأطهار، فقاد مسلمي العالم لمواجهة جبهة الكفر.

فيما يلي نقدّم شرحاً مختصراً لأعمال الإمام عليه السلام خلال السنوات العشر التي أقامها في المدينة مع العلم أنّ مؤامرات معاوية لم تنقطع على الإطلاق.


إنجازات الإمام الحسن عليه السلام في المدينة المنوّرة

1ـ تربية وتعليم أصحاب الاستعدادات

أسرع المحدّثون والراوون والعلماء إلى المدينة بعد انتقال الإمام الحسن عليه السلام إليها بهدف النهل من علمه والحصول على فيضه. وقد ساهم الإمام عليه السلام في هداية الكثير من الذين ضلّوا الطريق، حيث تعلّموا أصول الإسلام من سبط الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ذكر ابن عساكر والمرحوم العلّامة المجلسي3 والميرزا محمّد تقي سبهر، وابن شهر آشوب... أخبار الرواة والمحدّثين بالتفصيل.

ويمكن تصنيف الرواة والمحدّثين الذين نهلوا من علم الإمام عليه السلام ضمن مجموعتين:

1ـ بعض صحابة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام.

2ـ التابعين والأشخاص الآخرين الذين تتلمذوا على الإمام عليه السلام، وفيما يلي نشير إلى أبرز تلك الشخصيّات:


المجموعة الأولى:

1ـ الأحنف بن قيس: يعتبره الشيخ الطوسيّ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والحسن بن عليّ عليه السلام.

2ـ الأصبغ بن نباته: من الرواة وخواصّ أصحاب الإمام عليّ عليه السلام والإمام الحسن وقد نقل حوالي 56 رواية.

3ـ جابر بن عبد الله الأنصاري: من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام وكذلك الإمامان الحسنان عليهما السلام والإمام علي بن الحسين عليه السلام والإمام الباقر عليه السلام. شارك في بدر وثماني عشرة غزوة أخرى ونقل 17 رواية. توفي عام 78 للهجرة.

4ـ جعيد الهمدانيّ: من أهل الكوفة وهو من صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام والحسين وزين العابدين.

5ـ حبّة بن جوين العرفي: من اليمن ومن أصحاب الإمام علي عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام.

6ـ حبيب بن مظاهر: من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام وهو واحدٌ من "شرطة الخميس"4 وقد استشهد في كربلاء.

7ـ حجر بن عديّ بن حاتم الكنديّ الكوفيّ.

8ـ رشيد الهجريّ: من خواصّ أصحاب الإمام عليّ عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام. استشهد في مسيرة وفائه للإمام عليّ عليه السلام. نُقل عنه العديد من الروايات.

9ـ رفاعة بن شدّاد: من أصحاب الإمامين الأوّل والثاني.

10ـ زيد بن أرقم: كان فاقداً للبصر أدرك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الأوّل والثاني والثالث ونقل عنهم العديد من الروايات.

11ـ سليمان بن صرد الخزاعي: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدرك الإمام الأوّل والثاني.

12ـ سليم بن قيس الهلاليّ: من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام وقد نهل العلم من الإمام المجتبى عليه السلام. لاحقه الحجاج ليقتله فالتجأ إلى "إبان بن أبي عياش". وعند دنوّ أجله أعطاه كتاباً ليحفظه عنده على سبيل الأمانة فيه الكثير من الروايات5.

13ـ عامر بن واثلة بن أسقع: كان يكنى بـ "أبي الطفيل". نقل العديد من الروايات عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الأوّل والثاني.

14ـ عباية بن عمرو بن ربعيّ: من أصحاب الإمام الأوّل والثاني.

15ـ عمرو بن حَمِقْ الخزاعيّ: هو من جملة أفراد شرطة الخميس وحارب إلى جانب الإمام عليّ عليه السلام في حربي الجمل وصفّين. كان إلى جانب الإمام الحسن عليه السلام حتى استشهد على يدي معاوية.

16ـ قيس بن عبّاد: من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام.

17ـ كميل بن زياد النخعي: من أهل اليمن وكان من جملة الأشخاص الموثوقين عند الإمام علي عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام.

18ـ الحارث بن الأعور بن بنان المنقري من الموثوقين عند الإمام الأوّل والثاني.

19ـ المسيّب بن نجبه الفزاريّ: من جملة الزهّاد في ذاك الزمان ومن أصحاب الإمام الأوّل والثاني. اشتغل بالكتابة عند الإمام الحسين عليه السلام.

20ـ ميثم بن يحيى التمار المعروف بـ "ميثم التمّار"6. هو من كبار صحابة الإمام عليّ عليه السلام ومن جملة أفراد شرطة الخميس.


المجموعة الثانية:

تتلمذ بعض هؤلاء الرواة على يدي الإمام عليه السلام ونقلوا عنه العديد من الروايات. ومن جملة هؤلاء الأشخاص: أبو الأسود الدؤليّ، أبو إسحاق بن كليب السبيعي، ابن الجوزي، أبو صادق "كسان بن كليب"، أبو المخنف (لوط بن يحيى الأزديّ)، أبو يحيى (عمير بن سعد النخعيّ)، إسحاق بن يسار، الأشعث بن سوار، جابر بن خلد، جارود بن منذر، حبَّابَة بنت جعفر الوالبية، حذيفة بن أسيد الغفاريّ، سفيان بن أبي ليلى الهمداني، سفين بن ليل، سويد بن غفله، الشعبيّ، طحرب العجليّ، عبد الله بن جعفر الطيّار، عبد الله بن عبّاس، عبد الرحمان بن عوف، عمر بن قيس المشرفيّ، عيسى بن مأمون زرارة، فاطمة بنت حبابة الوالبية، محمّد بن إسحاق، مسلم بن عقيل، مسلم البطين مولى أبي وائل (أبو رزين بن مسعود)، نفاله بن مأمون، هبيرة ابن مريم، هلال بن نساف.

الأسماء المتقدّمة مجموعة من تلامذة وأصحاب الإمام الحسن عليه السلام الذين اجتمعوا من أماكن متفرّقة. وقد عمل هؤلاء على نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة ومواجهة البدع وبعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام تعرّض العديد من الصحابة هؤلاء للتعذيب فاستشهد البعض منهم على يدي معاوية، والتحق البعض منهم بركاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام لمواجهة الطاغية يزيد بن معاوية7. وقد قام أولاد الإمام الحسن عليه السلام بدَوْرٍ مهمّ في نقل الأحاديث عن الإمام وبالتالي العمل على نشر المعارف الإسلامية ومن جملة أولاد الإمام:

الحسن بن الحسن المعروف بالحسن المثنّى رحمه الله، زيد بن الحسن، عمرو بن الحسن، عبد الله بن الحسن، القاسم بن الحسن.


2- ترويج الثقافة الإسلامية الأصيلة

اهتمّ الإمام المجتبى عليه السلام بنشر الثقافة الإسلامية فكان يؤدّيها على أحسن وجه، وذلك لمواجهة التحريفات الثقافية التي كان يبثها الأمويّون وبالأخصّ معاوية بن أبي سفيان على أساس أنّ هذه العائلة كانت تقف وبكل قوّتها في مواجهة الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لقد عمل أبو سفيان ومن خلال تحريك قريش على إيجاد حروب بدر وأُحد والأحزاب و... لمواجهة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين. وهكذا فعل ابنه معاوية الذي قاد حرب صفين لمواجهة أهل البيت عليهم السلام ولم يتوانَ عن التدخّل في حربي النهروان والجمل.

لقد بدأ معاوية حربه ضدّ أهل البيت عليهم السلام فعمل وبشكل جادًّ على إزالة ثقافة الرسالة والإمامة. ومن جملة مصاديق الحرب التي قادها معاوية:

أ- البدعة في الدين

1ـ ترك أيّام خلافته الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمدّة أربعين يوماً في صلاة الجمعة. وعندما سُئل عن السبب اعتبر أنه لن يصلّي على النبيّ كي لا يَعْظم أهل البيت عليهم السلام في أعين الناس8.

2ـ أجاز المعاملات الربوية وقد عارضه في ذلك أبو الدرداء وقال له: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل" لم يهتم معاوية

بحديث أبي الدرداء واستمرّ بعمله ممّا دفع أبا الدرداء وكان قاضياً في دمشق، إلى التوجّه نحو المدينة معتبراً أنه لم يبقَ أيّ مجال للتعاون مع معاوية لأنه قد عمل برأيه في مقابل نصّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم9.

3ـ عطّل الحدود الإلهية حيث كان يمنع الحدّ عن السارق من خلال الوساطة10. واعتبر صاحب البداية والنهاية أنّ هذا الحدّ هو أوّل الحدود التي عُطِّلت في الإسلام11.

4ـ غَيّر بعض أحكام الحجّ عندما استعمل العطر عند الطواف12.

5ـ لم يكن يهتمّ بالأحكام الإلهية الأخرى. وقد أضاف الآذان والإقامة في صلاتي الفطر والأضحى، مع أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ليس في العيدين آذان ولا إقامة"13.

6ـ قرأ خطبتي صلاة عيد الفطر قبل الصلاة وقد استمرّ بنو أميّة بهذا العمل خلافاً لسنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم14.

7ـ كان يشرب الماء بوساطة وعاء مصنوع من الذهب والفضّة وكان يتناول الطعام فيه أيضاً، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا العم ل15.

8 ـ كان يلبس الحرير (وهو حرام على الرجال) وكان لا ينتهي عن المحرّمات الإلهية16.

9ـ كان بنو أميّة يتبعون حكامهم أمثال معاوية في الجلوس للاصغاء لخطبة صلاة العيد وصلاة الجمعة الأولى ويقفون للاصغاء للخطبة الثانية17.

ب ـ تشجيع جاعلي الأحاديث

عمل معاوية بشكل جادًّ على التقليل من عظمة أهل البيت عليهم السلام وإخراج محبتهم من قلوب الناس وطلب من جاعلي الأحاديث وضع ما يشير إلى مناقبه ومناقب عثمان... وقد أراد بهذا التقليل من الأحاديث التي تؤكّد على عظمة أهل البيت عليهم السلام وبالأخصّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. كتب معاوية إلى عمّاله بعض الأحكام التي كانت على مراحل:

ـ المرحلة الأولى

كتب معاوية: "انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته"18.

ـ المرحلة الثانية:

كتب معاوية: "إنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا أتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته"19.

على هذا الأساس بدأ عمّال معاوية جَعْل الأحاديث. وقد برز أشخاص عملوا في هذا الشأن من جملتهم أبو هريرة وعمرو بن العاص وكعب الأحبار. وامتلأت كتب السنّة بالإسرائيليّات ولم تستثنِ الصحاح من ذلك.

لعل الإمام الباقر عليه السلام من جملة الذين تصدّوا لهذه العمليّة، وقد حذّر الناس من هذه الأحاديث وقال: "هي والله كلّها كذب وزور"20 ويقول الإمام عليه السلام في مكان آخر: "ويروون عن عليّ عليه السلام أشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور"21.

ج ـ علنيّة المنكرات

مثال ذلك نسب معاوية زياد بن عبيد (أبيه) إلى والده أبي سفيان وكان يناديه بعبارة أخي. وكتب في إحدى رسائله: "من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد ابن أبي سفيان...".

وكانت والدة زياد معروفة في مكّة بفسادها حيث كان يتردّد إلى منزلها المفسدون. وقد اعترض الصحابة على عمل معاوية هذا. ومن جملة الذين اعترضوا على هذا الأمر الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام ويونس بن عبيد وعبد الرحمان بن الحكم وأبو العريان وأبو بكره والحسن البصريّ... وقد ذكروا عبارة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيها: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"22.

وعلى هذا الأساس يجب أن نطلق على زياد، زياد بن سميّة وليس زياد بن أبي سفيان وقد شهد أبو مريم السلوليّ بوجود علاقة غير شرعية بين أبي سفيان وسميّة. صحيح أنّ معاوية بذل جهوداً كبيرة في الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام إلّا أنه لم يوفق في ذلك, لأنّ العمل الذي قام به الإمام المجتبى عليه السلام والذي يتمحور حول تربية طلّاب يدركون الإسلام الصحيح قد قطع الطريق على تلك المحاولات، لا بل ترك طلّاب الإمام آثاراً كبيرة في قلوب الناس.

وكتب الإمام الحسن عليه السلام إلى بعض الأشخاص النافذين غير المطّلعين على ما كان يقوم به معاوية مبيّناً لهم الانحرافات التي يمارسها، وأرسل طلّابه إلى القرى والمدن لتوضيح دين الله للناس.

في أحد الأيّام سأل معاوية رجلاً من أهل المدينة: أخبرني عن الحسن بن عليّ، قال: يا أمير المؤمنين إذا صلّى الغداة جلس في مصلّاه حتّى تطلع الشمس، ثمّ يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل له شرف إلا أتاه فيتحدثون حتّى إذا ارتفع النهار صلّى ركعتين ثمّ نهض فيأتي أمّهات المؤمنين فيسلم عليهنّ فربّما أتحفنه ثمّ ينصرف إلى منزله، ثمّ يروح فيصنع مثل ذلك23.

ويقول ابن صبّاغ المالكيّ (المتوفى عام 855هـ.ق) حول النشاطات الثقافية للإمام الحسن عليه السلام: "وكان إذا صلّى الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلس في مجلسه، يذكر الله حتّى ترتفع الشمس، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يحدّثهم.

قال ابن صبّاغ: ويجتمع الناس حوله، فيتكلّم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج المجادلين"24.

وقد ساهم نشاط الإمام الحسن عليه السلام خلال عشر سنوات في إحياء الإسلام من جديد، ولولا نشاط الإمام عليه السلام لم يكن ليتوانى معاوية عن القضاء نهائياً على الإسلام وأهل البيت عليهم السلام.

3ـ الاهتمام بالمحتاجين

كان الإمام الحسن عليه السلام كأبيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لجهة الاهتمام بالمحتاجين والفقراء... كان شديد الاهتمام بهم وكان يقوم بعمله بدون علم أحد من الناس، وكان بذلك مصداقاً للآية الشريفة: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ25.

قيل للإمام الحسن المجتبى عليه السلام: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً وإن كنت على فاقة؟ فقال: "إني لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردَّ سائلاً، وإنّ الله تعالى عوّدني عادة أن يفيض نِعَمِه عليّ، دعوته أن أفيض نِعَمِه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة، أن يمنعني العادة، ثمّ أنشد يقول:

إذا ما أتاني سائلٌ قلت: مرحباً بمن فضلُه فرضٌ عَلَيَّ معجَّلُ
ومَنْ فضلُه فضلٌ على كلِّ فاضلٍ وأفضلُ أيّامِ الفتى حين يُسأل26


ونُسبت الأبيات الشعريّة الآتية إلى الإمام عليه السلام:

إنّ السخاء على العبادِ فريضةٌ للهِ يُقْرَأ في كتابٍ مُحْكَمِ
وَعَدَ العبادَ الأسخياءَ جِنانَه وأَعَدَّ للبخلاءِ نارَ جهَنَّمِ27


أمّا الموارد التي تشير إلى اهتمام الإمام الحسن عليه السلام بالفقراء والمحتاجين فكثيرة، نشير هنا إلى ثلاثة منها:

أ- جاءت إحدى الإماء تحمل باقة ورد للإمام عليه السلام. قَبل الإمام عليه السلام الهدية وقال: "أنت حرّة لوجه الله" وقد ردّ الإمام عليه السلام الذين اعترضوا على عمله هذا وقال: "أدبنا الله فقال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا28، وكان أحسن منها إعتاقها"29.

ب ـ في أحد الأيام كان الإمام عليه السلام يسير في بعض أزقَّة المدينة فسمع أحد الأشخاص يطلب من الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم لرفع مشكلاته، التفت الإمام عليه السلام إليه وأرسل له المبلغ على الفور30.

ج ـ كان الإمام عليه السلام بعض الأحيان يحقّق حاجات الأشخاص ويعلّمهم في الوقت عينه بعض المسائل. قيل إنّ محتاجاً طلب المساعدة من الإمام عليه السلام أجابه الإمام عليه السلام قائلاً: "إنّ المسألة لا تصلح إلّا في عزم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مقطعة".

فقال له السائل إنّ حاجته هي لواحد من هذه الأمور الثلاثة. فأعطاه الإمام مائة دينار. ثمّ إنّ السائل عرض حاجته على الإمام الحسين عليه السلام فأعطاه 99 ديناراً (احتراماً للإمام الحسن عليه السلام) ثم ذهب وسأل عبد الله بن عمر فأعطاه سبعة دنانير. وعندما استوضح السائل من عبد الله بن عمر عن سبب الفارق بين ما أعطاه الإمامان الحسنان وما أعطاه هو، فكان جوابه بأنه لا يمكن المقارنة بينه وبين الأئمة المعصومين عليه السلام الذين هم أهل البذل والعطاء31.

4ـ الدفاع السياسيّ والاقتصاديّ عن الموالين

ازداد ظلم معاوية لأتباع أهل البيت عليهم السلام عندما استولى على العراق، وكان يزداد عدد الفارّين يوماً بعد آخر بسبب الظلم الكبير الذي مارسته حكومة الشام، والنماذج كثيرة ولعلّ من أبرزها ما حصل مع أبي الدرداء (عويمر بن مالك ابن قيس بن أميّة الخزرجيّ) وهو صاحبيّ وقاضي دمشق المعروف.

لم يتوانَ الإمام عليه السلام في تقديم الدعم السياسيّ لأتباعه. ويعتبر سعيد بن أبي سرح الكوفي واحداً من الأشخاص الذين شملهم غضب واليها زياد ابن أبيه. أحضره زياد، ولكنه فَرّ من الكوفة متوجّهاً إلى المدينة حيث التجأ إلى الإمام الحسن عليه السلام. أمّا زياد فعمد إلى عائلة سعيد وقام بسجنهم ومصادرة أموالهم وهدم منزلهم... وطلب استرجاع سعيد.

وصل خبر ما يقوم به زياد إلى الإمام الحسن عليه السلام، فكتب إليه وقال: "أمّا بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وحبست أهله وعياله فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه ماله، وشفّعني فيه فقد أجرته والسلام"32.

تتضمّن رسالة الإمام عليه السلام أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودفاعاً صريحاً عن سعيد بن أبي سراح، وقد طلب فيها الإمام إعادة الأمور إلى ما كانت عليه وإرجاع الحقّ إلى سعيد.

وصلت رسالة الإمام عليه السلام إلى زياد فغضب وأظهر كلّ ما يحمله من كراهية على أهل البيت عليهم السلام وكتب إلى الإمام عليه السلام رسالة جوابيّة، قال فيها: "من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد: فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سوقة، وتأمرني فيه بأمر المطاع المسلّط على رعيته كتبت إليّ في فاسق آويته إقامة منك على سوء الرأي ورضا منك بذلك، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن نلت بعضك ففيه رفيق بك ولا مدع عليك، فإنّ أحبّ لحم عليَّ أن آكله اللحم الذي أنت منه، فسلّمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوت عنه لم أكن شفّعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلّا لحبّه أباك الفاسق، والسلام".

استمرّ الإمام عليه السلام في دفاعه عن سعيد بن أبي سرح وكتب رسالة إلى معاوية ارفقها برسالة زياد، فكتب معاوية إلى زياد قائلاً: "أمّا بعد فإنّ الحسن بن عليّ بعث إليَّ كتابك إليه جواب كتابه كان إليك في ابن سرح فأكثرت التعجّب منه وقد علمت أنّ لك رأيين، رأي من أبي سفيان، ورأي من سميّة فأمّا رأيك من أبي سفيان فحِلم وحزم، وأمّا رأيك من سميّة فكما يكون رأي مثلها ومن ذلك كتابك إلى الحسن تسمّيه وتعرض له بالفسق ولعمري لأنت أولى بذلك منه، فإن كان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عنك فإنّ ذلك لن يضعك وأمّا تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك فخط دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك فإذا أتاك كتابي فخلّ ما بيدك لابن سرح ولا تعرض له فيه فقد كتبت إلى الحسن يخيره إن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلى بلده وأنه ليس لك عليه سبيل بيد ولا لسان".

وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه ولا تنسبه إلى أبيه فإنّ الحسن ويحك ممّن لا يرمى به الرجوان أفاستصغرت أباه وهو علي بن أبي طالب أم إلى أمه وكلته وهي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذلك أفخر له إن كنت عقلت والسلام. ثم كتب الأبيات التالية في مناقب الحسن بن علي عليه السلام:

أمّا حسن فابنُ الذي كان قبلَه إذا سارَ سارَ الموتُ حيث يسيرُ
وهل يلدُ الرئبالُ إلّا نظيرَه وذا حسنٌ شِبه له ونظيرُ
ولكنّه لو يوزنُ الحِلم والحِجا بأمر لقالوا يذبل وثبير33


5ـ إظهار الانزعاج من معاوية

من جملة الأمور التي عمل بها الإمام عليه السلام في المدينة إظهار التنفّر والانزعاج من حكومة بني أميّة. فكان لا يترك فرصة إلّا وبَيّن فيها فساد هذه الحكومة، ولم يسمح لإعلام بني أميّة أن يصوّر العلاقة بالإمام عليه السلام على أنّها علاقة حسنة.

في أحد الأيّام وبينما كان الإمام يطوف في البيت الحرام، وقعت عيناه على حبيب ابن مسلمة الفهريّ. التفت الإمام عليه السلام إليه وقال: "يا حبيب! رُبّ مسير لك في غير طاعة الله". فقال حبيب: أمّا مسيري إلى أبيك فليس من ذلك.

فقال له الإمام: "بلى والله لكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك ولو كنت إذ فعلت قلت خيراً كان ذلك كما قال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا34 ولكنك كما قال الله سبحانه: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ"35 ثم تركه الإمام عليه السلام وتابع مسيره36.

6ـ الاعتراض على زواج شيطانيّ

عمل معاوية بن أبي سفيان وبشكل حثيث ليظهر أنّ علاقة حسنة تربطه بالإمام عليه السلام، وذلك بهدف جذب تأييد أتباع أهل البيت عليهم السلام. وفي هذا الإطار عمل على إقامة علاقة قرابة مع بني هاشم، لذلك أرسل مروان بن الحكم والي المدينة ليخطب زينب ابنة عبد الله بن جعفر لابنه يزيد على حكم أبيها في الصداق وقضاء دينه بالغاً ما بلغ... فبعث مروان إلى عبد الله بن جعفر يخطب إليه فقال له عبد الله: إنّ أمر نسائنا إلى الحسن بن عليّ عليه السلام فاخطب إليه. فأتى مروان الحسن عليه السلام خاطباً فقال الحسن عليه السلام: اجمع من أردت، فأرسل مروان فجمع الحيين من بني هاشم وبني أميّة فتكلّم مروان وقال: أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أخطب زينب بنت عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية على حكم أبيها في الصداق وقضاء دينه بالغاً ما بلغ وعلى صلح الحيين: بني هاشم وأمية، ويزيد بن معاوية كفو من لا كفو له، ولعمري لمن يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم، ويزيد من يُستسقى الغمام بوجهه ثم سكت.

فتكلّم الحسن عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: "أمّا ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق، فإنا لم نكن لنرغب عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهله وبناته، وأمّا قضاء دين أبيها فمتى قضت نساؤنا ديون آبائهنّ؟ وأمّا صلح الحيين فإنا عاديناكم لله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا.

"وأمّا قولك من يغبطنا بيزيد أكثر ممّن يغبطه بنا، فإن كانت الخلافة فاقت النبوّة فنحن المغبوطون، وإن كانت النبوّة فاقت الخلافة، فهو المغبوط بنا. وأمّا قولك إنّ الغمام يُستسقى بوجه يزيد، فإن ذلك لم يكن إلا لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد رأينا أن نزوّجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر وقد زوجته منها، وجعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة، وكان معاوية أعطاني بها عشرة آلاف دينار، ولها فيها غنى وكفاية37.

"وعن معاوية بن حذيج قال: أرسلني معاوية بن أبي سفيان إلى الحسن بن عليّ أخطب على يزيد بنتاً له أو أختاً له فأتيته فذكرت له يزيد فقال: إنا قوم لا نزوّج نساءنا حتى نستأمرهنّ، فأتيتها فذكرت لها يزيد فقالت والله لا يكون ذلك حتى يسير فينا صاحبك كما سار فرعون في بني إسرائيل يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم فرجعت إلى الحسن عليه السلام فقلت: أرسلتني إلى فلقة من الفلق تسمّي أمير المؤمنين فرعون. قال: يا معاوية إيّاك وبغضنا فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلّا زيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار"38.

 


1-(*) كاتب إيراني في مجلة مبلغان.
2- الكامل في التاريخ، ج3، ص407.
3- بحار الأنوار، ج42، ص110 ـ 112, حياة الإمام الحسن بن علي، ج2، ص288, تاريخ ابن عساكر، ج12، ص2 وناسخ التواريخ، ج5، ص245 ـ 247.
4- هم مجموعة خاصة عقدت العهد مع الإمام علي عليه السلام حتى آخر لحظة من حياتها.
5- رجال العلامة الحلي، ص83.
6- جنات الخلود، ص20.
7- بحار الأنوار، ج44، ص111, مناقب ابن شهرآشوب، ج4، ص40, ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق، ص6.
8- محمد بن عقيل، النصائح الكافية، ص97.
9- النصائح الكافية، ص94.
10- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1، ص464.
11- أبو الفداء بن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص136.
12- النصائح الكافية، ص100.
13- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج3، ص470, كشف الغمة، الشعراني، ج1، ص123, سنن أبي داود، ج1، ص79.
14- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج3، ص470.
15- المصدر نفسه.
16- المصدر نفسه.
17- المصدر نفسه، ج3، ص470.
18- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج3، ص15 ـ 16.
19- المصدر نفسه، ص16.
20- سليم بن قيس، ص68 ـ 96.
يقول إبان بن تغلب: قلت للإمام الباقر عليه السلام: "أصلحك الله سمّ لي من ذلك شيئاً؟ قال: رووا أن سيّدَيْ كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر، وأن عمر محدث وأن الملك يلقنه وأن السكينة تنطق على لسانه وأن عثمان الملائكة تستحي منه حتى عدَّد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مئة رواية يحسبون أنها حق... (راجع: أسد الغابة، ج3، ص215).
21- المصدر نفسه.
22- بحار الأنوار، ج73، ص350، الحديث 13.
23- ابن عساكر، الإمام الحسن، ص139، الحديث 231.
24- صلح الحسن عليه السلام، ص31, نور الدين علي بن محمد بن صباغ، الفصول المهمة، ص159.
25- سورة البقرة، الآية: 274.
26- الشبلنجي الشافعي، نور الأبصار، ص111.
27- مناقب ابن شهرآشوب، ج2، ص156, ناسخ التواريخ، ص253.
28- سورة النساء، الآية: 86.
29- بحار الأنوار، ج43، ص343، الحديث 15.
30- المصدر نفسه، ص347، الحديث 20.
31- عيون الأخبار، ج3، ص140.
32- نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج4، ص72.
33- المصدر نفسه، ج4، ص73.
34- سورة التوبة، الآية: 102.
35- سورة المطففين، الآية: 14.
36- أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، ج4، ص355.
37- بحار الأنوار، ج44، ص120، الحديث 13.
38- مقتل الخوارزم ي، ج1، ص124, الهيثمي، مجمع الزوائد، ج4، ص278.

10-06-2015 | 15-17 د | 3963 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net