الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1277 - 27 صفر 1439هـ - الموافق 16 تشرين الثاني 2017 م
نبيّ الرّحمة والخُلق العظيم

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



الهدف : التعرُّف على معنى الرّحمة وفضلها وتجسُّدها خُلقًا عظيمًا في سيرة النّبي(ص) وسلوكه.

المحاوِر
* معنى الرّحمة
* الرّحمة الإلهيّة
* وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين
* الرّحمة والخُلق العظيم
* رسول الله قدوةٌ وأسوة
* كيف نربّي أنفسنا على الرّحمة؟
 
تصدير: قال تعالى عن النبي (ص): { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[1].

معنى الرّحمة
الرّحمة مِن رَحِمَ رحمَة ومرحَمة؛ أي رقّ له وشَفِق عليه وغفر له، وتراحم القوم أي رحِم بعضهم بعضًا، والرّحمة تعني رقّة القلب، والعطف يقتضي المغفرة والإحسان. و"الرّحمة" عند البشر؛ إنفعال خاصّ يُعرض على القلب عند مشاهدة النّقص أو الحاجة، فيندفع الإنسان إلى رفعِه، فعندما يشاهد الإنسان يتيمًا يرتجف من البرد أو فقيرًا أضناه الجوع، أو مظلوماً يتلّوى تحت سياط الظالمين تعرضُه حالة الرّقة، فيندفع لتغيير هذا الواقع.

الرّحمة الإلهية:
أمّا الرّحمة الإلهيّة فهي نوع العطاء والإفادة الدائمَين الّلذين يفيضهما الله على العباد والمخلوقات، فالله سبحانه ليس محلًّا للحوادث - كما هو حال البشر- ولهذا عندما تُطلق هذه الكلمة على الله تعالى يُراد بها العطاء والإفاضة لرفع الحاجة أو النّقص ونحوه. روي عن أمير المؤمنين(ع): “رحيم لا يوصف بالرّقة”[2]، وعن الإمام الصادق (ع): “إنّ الرّحمة وما يحدث لنا منها شفقة ومنها جود، وإنّ رحمة الله ثوابه لخلقه، وللرّحمة من العباد شيئان، أحدهما يَحدث في القلب: الرّأفة والرّقة لما يرى بالمرحوم من الضُرّ والحاجة وضروب البلاء، والآخر ما يحدث مِنّا بعد الرّأفة والّلطف على المرحوم والمعرفة مِنّا بما نزل به، وقد يقول القائل: 'انظر إلى رحمة فلان'، وإنّما يريد الفعل الّذي حدث عن الرّقة التي في قلب فلان، وإنّما يضاف إلى الله عز وجل من فعل ما حدث عنّا من هذه الأشياء، وأمّا المعنى الّذي في القلب؛ فهو منفي عن الله كما وصف عن نفسه، فهو رحيم لا رحمة رقّة.”[3].

والرّحمة الإلهيّة رحمةٌ عامّة تشمل كلّ الموجودات بلا استثناء؛ من الجماد والنّبات والحيوان والإنسان المؤمن والكافر والمنافق والصّالح والطّالح، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة حيث قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[4] ، وقال أيضاً: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً}[5]، وينقل التاريخ أنّ ضيفًا جاء إلى إبراهيم(ع) فلما مُدّت المائدة لم يَقُل الرّجل "بسم الله"، فسأله إبراهيم(ع) عن ذلك، فقال الرّجل: "إنّني لا أؤمن أصلًا بوجود الله." فلم يرضَ إبراهيم(ع) أن يواكل الرّجل، فقام الرّجل وخرج، فأوحى الله إليه: "يا إبراهيم، إنّني لم أقطع رزقي ورحمتي عن هذا الرّجل منذ أن خلقته، ولم يمنعني كُفره عن ذلك، أفلم تستطع أن تضيفه يومًا واحدًا؟" فقام إبراهيم(ع)، وذهب خلف الرّجل ليُرجعه، فسأله الرّجل عن السّبب، فذكر له إبراهيم(ع) ما أوحى الله سبحانه إليه، وكانت لحظات عاد فيها الرّجل إلى وجدانه، ليسلِّم على يدي إبراهيم(ع).

وما أرسلناك إلّا رحمةً للعالمين
جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين﴾ أي أنّك رحمة مُرسلة إلى الجماعات البشريّة كلّهم - والدّليل عليه الجمع المـُحلّى بالّلام - وذلك مقتضى عموم الرّسالة. وهو (ص) رحمة لأهل الدّنيا من جهة إتيانه بدين في الأخذ به سعادة أهل الدّنيا في دُنياهم وأُخراهم. وهو (ص) رحمة لأهل الدّنيا من حيث الآثار الحسنة الّتي سرَت من قيامه بالدّعوة الحقّة في مجتمعاتهم..[6].

“والآية تشير إلى رحمة وجود النّبي (ص) العامّة، فقالت: (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين)؛ فإنّ عامّة البشر في الدنيا، سواء الكافر منهم والمؤمن؛ مشمولون لرحمتك، لأنّك تكفّلت بنشر الدّين الذي يُنقذ الجميع، فإذا انتفع به جماعة وآخرون لم ينتفعوا، فإنّ ذلك يتعلّق بهم أنفسهم، ولا يخدش في عموميّة الرّحمة.

وهذا يشبه تمامًا أن يُؤسّس جماعة مستشفى مجّهزة لعلاج كلّ الأمراض، وفيها الأطبّاء المــَهَرة، وأنواع الأدوية، ويفتحوا أبوابها بوجه كلّ النّاس بدون تمييز، أليست هذه المستشفى رحمة لكلّ أفراد المجتمع؟ فإذا امتنع بعض المرضى العنودين من قَبول هذا الفيض العام، فسوف لا يؤثّر في كون تلك المستشفى عامّة.

وإنّ التعبير بـ "العالمين" له إطارٌ واسع يشمل كلّ البشر وعلى إمتداد العصور والقرون، ولهذا يعتبرون هذه الآية إشارة إلى خاتميّة نبيّ الإسلام، لأنّ وجوده رحمة؛ وهو إمامٌ وقدوة لكلّ الناس إلى نهاية الدنيا...[7]

الرّحمة والخُلق العظيم
وصف القرآن النّبي(ص) بالخُلق العظيم، في قوله تعالى: ﴿وإنّك لعلى خُلق عظيم﴾[8]، والخُلق هو المـَلَكة النّفسانيّة التي تصدر عنها الأفعال بسهولة؛ وينقسم إلى الفضيلة وهي الممدوحة كالعفّة والشّجاعة، والرّذيلة وهي المذمومة كالشّره والجُبن؛ لكنّه إذا أطلق فهم منه الخُلق الحَسن.

والآية وإن كانت في نفسها تمدح حُسن خلقه (ص) وتعظِّمَه؛ غير أنّها بالنّظر إلى خصوص السّياق ناظرةٌ إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلّقة بالمـُعاشرة؛ كالثّبات على الحقّ؛ والصّبر على أذى النّاس؛ وجفاء أجلافهم؛ والعفو والإغماض وسعة البَذل والرّفق والمـُداراة والتّواضع وغير ذلك، وقد أوردنا في آخر الجزء السّادس من الكتاب ما روي في جوامع أخلاقه (ص)[9].

ولهذا؛ عندما نتتبّع سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع)؛ نجد بأنّهم قد حثّوا كثيرًا على الخُلق والتحلِّي به؛ فكان رسول الله (ص) هو كما قال "إنَّما بُعِثْتُ لاِتِمم مَكارِمَ الاخْلاَقِ"[10] وقال أيضاً " أدَّبَني ربّي فَأحْسَنَ تَأديبي"[11] ولهذا الخُلق العظيم مصاديقٌ تربويّة كثيرة وردت في الأخبار منه:
" أنّ حدّ حُسن الخلق أن تُليّن جانبك وتُطيِّب كلامك وتَلقى أخاك ببِشرٍ حَسن "[12].
و"أنّ المؤمن هيِّن ليِّن سَمِح، له خُلق حَسن"[13].
و"أنّ خيار المؤمنين أحسنهم أخلاقًا، الموطّئون أكنافًا ، الّذين يألَفون ويؤلّفون وتوطأ رحالهم"[14] .
و"أنّ من لم يكن له خُلق يداري به النّاس، لم يَقُم له عمل "[15].
و" أنّ اكمَل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا "[16] ـ

رسول الله قدوةٌ وأسوة
وإذا التفتنا إلى حياته الخاصّة (ص) في بيته ومع أولاده وأهل خاصّته؛ لوجدنا بأنّ الرّحمة والشّفقة من أبرز أخلاقه وخصاله(ص)؛ وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى عن النّبي (ص): [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }[17] .

وكان (ص) يحبّ الأطفال، ويقبّل أولاده، ويعطف عليهم، ويأمر بالمساواة في المحبّة بينهم، كما كان يُحبّ أهله وزوجاته، وهو القائل: "حُبّب إليّ من الدّنيا ثلاث: النّساء والطِّيب، وجُعلت قرّة عيني في الصّلاة"[18]. وقال (ص): "خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"[19]. وكان (ص) رحيمًا بالجميع، بل إنّه يسمع بكاء الصّبي فيسرع في الصّلاة مخافة أنْ تُفتتن أمّه. و كان (ص) يمرُّ بالصّبيان فيسلِّم عليهم. وجاء الحسن والحسين مرّة، وهما ابنا ابنته وهو يخطب النّاس فجعلا يمشيان ويعثران؛ فنزل النّبي (ص) من المنبر، فحملهما حتى وضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله ورسوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [20] نظرتُ إلى هذين الصّبيّين يمشيان فيعثران؛ فلم أصبر حتى قطعتُ حديثي ورفعتهما. وفي رواية "ما ضرب رسول الله شيئًا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلّا أن يجاهد في سبيل الله".

وكان النّبي (ص) يقَبِّلُ ابنه إبراهيم عند وفاته وعيناه تذرفان بالدّموع؛ فيتعجّب بعض الحاضرين ويقول: وأنت يا رسول الله! فيقول النّبي (ص): (يابن عوف، إنّها رحمة، إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي ربنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) [21].

ومِن تواضعه وشكره: قال الإمام علي (ع) “كان النّبي(ص) إذا سُئل شيئًا فأراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد أن لا يفعل سكت، وكان لا يقول لشيء لا”[22]، وأما علاقته بأصحابه: قال تعالى: { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[23] وعن أبي عبد الله(ع) قال: “كان رسول الله(ص) يقسّم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة؛ وقال: ولم يَبسِط رسول الله رجليه بين أصحابه قط، وإن كان ليصافحه الرّجل فما يترك رسول الله(ص) يدَه من يدِه حتى يكون هو التّارك...” [24].

ويستطيع الكافرون والمنافقون أيضًا -إلى جانب المؤمنين - الاستفادة من هذه الرّحمة كذلك، فعندما قيل له: ادعُ على المشركين قال (ص): "إني لم أُبعث لعّانًا، وإنّما بُعثت رحمة"[25].

كيف نربّي أنفسنا على الرّحمة؟
عندما نقرأ النّصوص نجد بأنّها تحدثت عن مجموعة من المقوّمات التي تُوجب الرّحمة.
- عن أمير المؤمنين(ع) قال: "بِذِكر اللّه تُستَنزل الرّحمة[26]".
- وعنه(ع): "بِبذل الرّحمة تُستنزل الرّحمة[27]".
- وعنه(ع): "أبلغ ما تستدرّ به الرّحمة أن تضمر لجميع النّاس الرّحمة[28]".
- وعن النّبي(ص): "تعرّضوا لرحمة اللّه بما أمَركم به من طاعته[29]"

فهذه الرّوايات يُستفاد منها مفاهيم عدة منها:
- تثبيت صفة الرّحمة في النّفس وإقرانها بذِكر الله.
- الرّحمة مع النّفس والذّات، بتعويدها على ممارسة فِعْل التّراحُم.
- إضمار الرّحمة لجميع النّاس (الأولاد- الأخوة- الأب- الأم- الأصدقاء- العاملون).
- الرّحمة مع المجتمع بشكلٍ عام.

[1] سورة الأنبياء، الآية 107.
[2] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص258.
[3] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج3، ص196.
[4] سورة الأعراف، الآية 156.
[5] سورة غافر ، الآية 7.
[6] السّيد الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 14، ص 331، تفسير الآية 107 من سورة الأنبياء.
[7] الشيخ مكارم الشّيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج10، ص265، تفسير الآية 107 من سورة الأنبياء.
[8] سورة القلم، الآية 4.
[9] السّيد الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن، تفسير الآية  4 من سورة القلم.
[10] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج16، ص 210.
[11] المصدر نفسه.
[12] المصدر نفسه، ج71 ، ص389.
[13] الشّيخ الطوسي، الأمالي، ج1 ، ص376 ـ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج8 ، ص511 ـ
[14] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 102.
[15] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71 ، ص392.
[16] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2 ، ص99 ـ الأمالي ، ج1 ، ص139.
[17] سورة آل عمران، الآية 159.
[18] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج79 ،  ص211.
[19] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص443.
[20] سورة الأنفال، الآية 28.
[21] راجع: ابن قدامة، المغني، ج2، ص 411.
[22] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج22، ص294.
[23] سورة التّوبة، الآية 128.
[24] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 671.
[25] صحيح مسلم، ج8، ص24.
[26] الّليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص188.
[27] المصدر نفسه، ص190.
[28] الآمدي، غرر الحكم، ص 216.
[29] ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر، ج2، ص120.

15-11-2017 | 16-15 د | 4609 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net