الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1367 - 06 ذو الحجة 1440 هـ - الموافق 08 آب 2019م
مسؤوليّة الأب تجاه الأسرة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

محاور الخطبة
- مسؤوليّات الأب ووظائفه
- الأب قدوة
- مخاطر تقصير الأب
- مصاديق من تقصير الأب
- بين الأب والأمّ
- قيمة ما يفعله الأب عند الله

مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
قال الله -تعالى- في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[1].

مسؤوليّات الأب ووظائفه
أيّها الأحبّة،
إنّ للأسرة في الثقافة الإسلاميّة أهمّيّة عظمى؛ ذلك أنّها أساس بناء المجتمع، ومن خلالها يتحدّد أفق مستقبل أبنائه ومعالمه على جميع الأصعدة والميادين.
ولهذا، فقد أولى ديننا الحنيف اهتماماً بالغاً بها، سواء أكان بما يتعلّق بأساس تكوينها، ألا وهو الزواج، من حيث كيفيّة وشروط اختيار الزوج أو الزوجة الصالحين، أم بما يتعلّق بعلاقة الزوجين فيما بينهما والحقوق والواجبات المتبادلة، أم بعلاقة الآباء والأمّهات بأولادهم.

ونجد في طريق تنظيم الحياة الأسريّة وتحديد المسؤوليّات على أفرادها، أنّ للأب النصيب الأوفر من تلك المسؤوليّات، ولنا أن نقول في ذلك من خلال تتبّع الأحاديث الواردة في هذا الشأن: إنّ المسؤوليّة تجاه الأولاد تُلقى على الأب منذ اختيار الزوجة التي يجد فيها الصفات الطيّبة والصالحة، لأن تكون أمّاً لأبنائه في المستقبل؛ ولذلك ورد الأمر بحسن الاختيار، وأن يكون ضمن معايير معيّنة، أوّلها أن تكون من بيت صالح، كما عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: " تزوّجوا في الحجز[2] الصالح؛ فإنّ العرق دسّاس"[3].

وهكذا أيضاً بالنسبة للمرأة، حيث ورد عدد من الصفات التي ينبغي أن تختار زوجها على أساسها لتكوين أسرة صالحة.

وحيث إنّ للأب دوراً في تأمين متطلّبات الأسرة المادّيّة والمعنويّة على حدّ سواء، فلا بدّ من النظر -ولو قليلاً- في تلك الوظائف والمسؤوليّات، منها:

1- البناء الإيمانيّ والأخلاقيّ: وذلك من خلال تربية أبنائه، وحثّ أهل بيته على الإيمان بالله وتقوى الله والالتزام بطاعته وعبادته، وهو بذلك كغيره من عباد الله الذين وُجّه الأمر إليهم بالدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله -تعالى-: {يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[4].
وفي آية أخرى، وُجّه الخطاب له مباشرةً، بقوله -تعالى-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[5].
وقد ورد أنّه لما نزلت هذه الآية جلس رجل من المسلمين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي، وكُلّفت أهلي! فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك"[6].
ولنا أن نذكر ضمن البناء الإيمانيّ أنّ على الأب أن يستخدم أسلوب الوعظ والإرشاد مع أبنائه، وله في ذلك أسوة حسنة ما ذكر القرآن الكريم عن لقمان الحكيم، كيف كان يخاطبه قائلاً: {إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[7].

2- البناء الثقافيّ والفكريّ: حيث إنّ له دوراً بارزاً في توجيه أفراد أسرته وأولاده على ملازمة الثقافة، وتحديد بوصلة اهتماماتهم الفكريّة الأصيلة، أكان بما يتعلّق بالأمور الدينيّة أم السياسيّة أم غيرهما.

3- تنظيم الأوقات وتحديد الأولويّات: صحيح أنّ للأمّ في ذلك دوراً في تنظيم وقت الأسرة وتحديد الأولويّات التي يسير عليها أفراد الأسرة، إلّا أنّ للأب أيضاً دوراً تكامليّاً مع الأمّ في ذلك، خاصّةً في ما يتعلّق بأوقات الفراغ، وكيفيّة استغلالها في صالح الأبناء.

4- المراقبة الحثيثة: وهي بأن يعمد إلى مراقبة تحرّكات وأفعال أفراد أسرته، بشكل سلس ومدروس، في أن يتأمّل ألفاظهم وأفعالهم، والأماكن التي يقصدونها، وصفات أصدقائهم وما شاكل ذلك من أمور هي على تماس بأبنائه، فإذا ما كان على اطّلاع بها، فإنّه بذلك يستطيع تحديد الصالح لهم من الفاسد، فينهاهم إذا ما كان فاسداً ويدعمهم إذا ما كان صالحاً.

5- العدالة بين الأولاد: إنّ من المسائل الهامّة التي ينبغي لكلّ أب أن يتنبّه لها، فيما لو كان متعدّد الأولاد، أن يكون عادلاً فيما بين أولاده، في أن لا يظهر ميله وحبّه لولد دون غيره.

وقد ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما أنّ لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك"[8].

وهذه العدالة تشمل مظاهر الحبّ بالقول والفعل.

الأب قدوة
لا ينبغي أن يقتصر دور الأب مع أولاده بالوعظ والإرشاد باللسان فحسب، بل لا بدّ أن يكون بمثابة القدوة لهم بأفعاله وتصرّفاته، وإنّ لهذا كبير الأثر في بناء سلوكهم وسيرهم في الطريق الصحيح.
وإنّ ها هنا أنّ الأولاد سيلحقون آباءهم، أكان في حال حياتهم أم بعد مماتهم، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقوق الأبناء: "وأمّا حقّ ولدك، فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب، والدلالة على ربّه -عزّ وجلّ-، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه [9].

مخاطر تقصير الأب
إنّ لتقصير الأب تجاه أفراد أسرته مخاطر عديدةً، ربّما تكون في بعض الأحيان والحالات قاسيةً ومدمّرةً للغاية، خاصّةً فيما إذا كانت النتيجة هي تفكّك الأسرة وضياع أفرادها!

إنّ تقصير الأب، وخاصّةً من الناحية العاطفيّة تجاه أبنائه، فتيةً كانوا أم إناثاً، ينتج عنه العديد من المشكال الاجتماعيّة والنفسيّة، وخاصّةً البنات اللاتي يجدن في حضن آبائهنّ ملاذاً للاطمئنان والثقة، فإذا كان الأب غير متنبّه لهذه المسؤوليّة، فهذا يعني أنّ خطورة ضياع الفتاة صارت أعظم وأكبر. ومن هنا، لا بدّ من الأب أن يبرز عاطفته بالفعل والقول في آن معاً، وأن لا يبخل بذلك مع أبنائه وفتياته، هذا ولا بدّ أن يراعي في ذلك حدّ الاعتدال؛ كي لا يكون الإفراط بالمحبّة والعاطفة أيضاً، أثراً سلبيّا على شخصيّتهم.

ولذلك نجد في أحاديث النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) أحاديث عديدةً تتعلّق بإظهار العاطفة مع الأولاد، والتي من مصاديقها الفعليّة التقبيل، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "أكثروا من قبلة أولادكم؛ فإنّ لكم بكلّ قبلة درجة في الجنّة مسيرة خمسمئة عام"[10].

مصاديق من تقصير الأب
أيّها الأحبّة،
إنّنا في زمن كثُرت فيه الانشغالات الدنيويّة، نتيجة الوله والانبهار بالمال تارةً، ونتيجة السياسات الاقتصاديّة في أكثر بلدان العالم تارةً أخرى، وكذلك نتيجة تخلّي بعض الآباء عن مسؤوليّتهم كآباء تارةً ثالثةً، فنرى بعضهم يقضون أكثر أوقات نهارهم خارج منازلهم، وهذا طبعاً له ما له من الآثار السلبيّة على أكثر من صعيد، ومنها ما له علاقة بدور الأب في أسرته، فبعض الآباء، ولكثرة انشغالاتهم خارج المنزل، تصبح علاقتهم بأبنائهم مقطوعةً أو شبه مقطوعة، فتقتصر أحياناً على السلام والتحيّة فحسب، وإنّ هذا من أعظم المشاكل الأسريّة التي تواجهها العديد من أُسر مجتمعنا.

بين الأب والأمّ
أيّها الأحبّة،
إنّ الحديث عن دور الأب في الأسرة قد يأخذنا في كثير من الأحيان إلى تسليط الضوء على ما بينه وبين الأبناء فحسب، إلّا أنّ علاقة الأب مع الأمّ بنفسها هي أيضاً جزء من تلك المنظومة التربويّة التي ينبغي العمل ضمن دائرتها، وذلك بسببين:

السبب الأوّل: إنّ الأمّ هي جزء من هذه الأسرة، وهي وإن كان عليها أيضاً مهمّة التربية، إلّا أنّها شريكة الأب في العمليّة التربويّة، وإدارة شؤون البيت والأسرة، فإنّ ما بينهما تكامليّ إلى أبعد الحدود.

السبب الثاني: إنّ علاقة الأب مع الأمّ في الأسرة لها تأثير معنويّ كبير على الأبناء، فإذ ما كانت قائمةً على المودّة والرحمة؛ فإنّ لذلك كبير الأثر في نفوس الأبناء، ربّما يستمرّ معهم طوال حياتهم، وهكذا أيضاً في الجهة المقابلة، فيما لو كانت هذه العلاقة علاقة غير مستقيمة، فإنّ لذلك أثرًا سلبيّاً كبيراً عليهم.

قيمة ما يفعله الأب عند الله
إنّ ما يبذله الأب في سبيل تربية أبنائه، وتأمين متطلّبات حياتهم المعيشيّة المختلفة، لا تضيع عند الله -سبحانه وتعالى-، فقد ورد أنّ للأب أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً على ما يقدّمذه بين يدي أبنائه في طريق تربيتهم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"[11].
 
[1] سورة التحريم، الآية 6.
[2] أو الحجر.
[3] الجامع الصغير، السيوطيّ، ج1، ص 505.
[4] سورة التحريم، الآية 6.
[5] سورة طه، الآية 132.
[6] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسيّ، ص 217.
[7] سورة لقمان، الآية 13.
[8] كنز العمال، الهنديّ، ج 16، ص445.
[9]  الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 454.
[10] وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 21، ص 485.
[11] المصدر نفسه، ج17، ص 67.

07-08-2019 | 15-35 د | 1214 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net