حول قم وفضلها

قال ياقوت: قمّ: بالضمّ، وتشديد الميم..وهي مدينة مستحدثة إسلاميّة لا أثر للأعاجم فيها، وأوّل من مصّرها طلحة بن الأحوص الأشعريّ.. ثمّ حكى عن البلاذريّ قوله: لمّا انصرف أبو موسى الأشعريّ من نهاوند إلى الأهواز فاستقراها ثمّ أتى قمّ فأقام عليها أيّاماً وافتتحها، وقيل: وجّه الأحنف بن قيس فافتتحها عنوة، وذلك في سنة 23 للهجرة، وذكر بعضهم أنّ قمّ بين أصبهان وساوة، وهي كبيرة حسنة طيّبة وأهلها كلّهم شيعة إماميّة، وكان بدء تمصيرها في أيّام الحجّاج بن يوسف سنة 83، وذلك أنّ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس كان أمير سجستان من جهة الحجّاج ثمّ خرج عليه وكان في عسكره سبعة عشر نفساً من علماء التابعين من العراقيّين فلمّا انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزماً كان في جملته إخوة يقال لهم: عبد الله والأحوص وعبد الرحمن وإسحاق ونعيم وهم بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعريّ وقعوا إلى ناحية قمّ وكان هناك سبع قرى اسم إحداها كمندان، فنزل هؤلاء الإخوة على هذه القرى حتّى افتتحوها وقتلوا أهلها واستولوا عليها وانتقلوا إليها واستوطنوها واجتمع إليهم بنو عمّهم وصارت السبع قرى سبع محال بها وسمّيت باسم إحداها وهي كمندان فأسقطوا بعض حروفها فسمّيت بتعريبهم قمّاً، وكان متقدّم هؤلاء الإخوة عبد الله بن سعد وكان له ولد قد ربي بالكوفة فانتقل منها إلى قمّ وكان إماميّاً فهو الذي نقل التشيّع إلى أهلها1..

وأوّل من انتقل من الكوفة إلى قمّ من السادات الرضويّة كان أبو جعفر


37


موسى بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم السلام في سنة ستّ وخمسين ومائتين وكان يسدل على وجهه برقعاً دائماً فأرسلت إليه العرب أن اخرج من مدينتنا وجوارنا، فرفع البرقع عن وجهه فلم يعرفوه فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجليّ فرحّب به، وألبسه خلاعاً فاخرة، وأفراساً جياداً ووظّفه في كلّ سنة ألف مثقال من الذهب وفرساً مسرجاً. فدخل قمّ بعد خروج موسى منه أبو الصديم الحسين بن عليّ بن آدم ورجل آخر من رؤساء العرب وأنّبهم على إخراجه فأرسلوا رؤساء العرب لطلب موسى وردوه إلى قمّ واعتذروا منه وأكرموه..فأتته أخواته زينب، وأمّ محمّد، وميمونة بنات الجواد عليه السلام ونزلن عنده فلمّا متن دفنّ عند فاطمة بنت موسى عليهما السلام وأقام موسى بقمّ حتّى مات ليلة الأربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخر سنة ستّ وتسعين ومائتين، ودفن في داره وهو المشهد المعروف اليوم2.

وقد وردت في فضل قمّ وأهلها روايات كثيرة نقلها العلّامة المجلسيّ قدّس سرّه في البحار عن كتاب تاريخ قمّ تأليف الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي نذكر بعضاً منها:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقمّ وحواليها ونواحيها، فإنّ البلاء مدفوع عنها".
وعنه عليه السلام أيضاً قال: "إذا عمّت البلايا فالأمن في كوفة ونواحيها من السواد وقمّ من الجبل، ونعم الموضع قمّ للخائف الطائف".


38


وعنه عليه السلام أيضاً قال: "أهل قمّ أنصارنا".

وعنه عليه السلام أيضاً قال: "إذا أصابتكم بليّة وعناء فعليكم بقمّ، فإنّه مأوى الفاطميّين، ومستراح المؤمنين وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبّونا عنّا ويبعدون منّا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم. وما أراد أحد بقمّ وأهله سوءاً إلّا أذلّه الله وأبعده من رحمته".

وعن سليمان بن صالح قال: كنا ذات يوم عند أبي عبد الله عليه السلام فذكر فتن بني عبّاس وما يصيب الناس منهم فقلنا: جعلنا فداك، فأين المفزع والمفرّ في ذلك الزمان؟ فقال: "إلى الكوفة وحواليها وإلى قمّ ونواحيها". ثمّ قال: "في قمّ شيعتنا وموالينا، وتكثر فيها العمارة، ويقصده الناس ويجتمعون فيه حتّى يكون الجمر بين بلدتهم". وفي بعض روايات الشيعة أنّ قمّ يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم.

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال -في حديث - لرجل: "أهل قمّ مغفور لهم". قال: فوثب الرجل على رجليه وقال: يا ابن رسول الله هذا خاصّة لأهل قمّ؟ قال: "نعم ومن يقول بمقالتهم".

وعن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: "سلام الله على أهل قمّ. يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدّل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة".

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "تربة قمّ مقدّسة وأهلها منّا ونحن منهم لا يريدهم جبّار بسوء إلّا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم! فإذا


39


 فعلوا ذلك سلّط الله عليهم جبابرة سوء! أما إنّهم أنصار قائمنا ودعاة حقّنا". ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: "أللهم اعصمهم من كلّ فتنة ونجّهم من كلّ هلكة".

وعن صفوان بن يحيى بيّاع السابريّ قال: كنت يوماً عند أبي الحسن عليه السلام فجرى ذكر قمّ وأهله وميلهم إلى المهديّ عليه السلام فترحّم عليهم وقال: "رضي الله عنهم". ثمّ قال: "إنّ للجنّة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قمّ، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم".

وعن أبي الحسن الأوّل (الكاظم) عليه السلام قال: "قمّ عشّ آل محمّد ومأوى شيعتهم...".
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: "إنّ للجنّة ثمانية أبواب، ولأهل قمّ واحد منها، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، ثمّ طوبى لهم".

وتشير بعض الروايات إلى دور قمّ وأهلها أيضاً في بعض الأحداث الهامّة فقد جاء عن أبي الحسن الأوّل (الكاظم) عليه السلام أنّه قال: "رجل من أهل قمّ يدعو الناس إلى الحقّ، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكّلون، والعاقبة للمتّقين".

قال بعض المحقّقين: ولم تذكر الرواية متى يكون هذا الرجل المبشّر به وأصحابه، ولكن لم يعهد في تاريخ قمّ وإيران رجل وقومه بهذه الصفات قبل الإمام الخمينيّ وأصحابه3.
وروى بعضهم أنّه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً إذ قرأ هذه


40


الآية ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً فقلنا: جعلنا فداك، من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرّات: "هم والله أهل قمّ"4.

قال بعض المحقّقين: وقد وردت في قمّ وفضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام يظهر منها أنّ لقمّ مكانة خاصّة عندهم عليهم السلام بل إنّ قمّاً مشروع أسسه الأئمّة في وسط إيران على يد الإمام الباقر سنة 73 هجريّة، ثمّ رعوها رعاية خاصّة، وأخبروا بما عندهم من علوم جدّهم رسول الله أنّها سيكون لها شأن عظيم في المستقبل، ويكون أهلها أنصار المهديّ المنتظر أرواحنا فداه. وتنصّ بعض الأحاديث على أنّ تسميتها بقمّ جاءت متناسبة مع اسم المهديّ القائم بالحقّ أرواحنا فداه، ومتناسبة مع قيام أهلها ومنطقتها في التمهيد له ونصرته5.

فعن عفّان البصريّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: "أتدري لم سمّي قمّ؟" قلت: ألله ورسوله وأنت أعلم. قال: "إنّما سمّي قمّ لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمّد- صلوات الله عليه- ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه"6.


41


حول الأشعريين من أهل قّم وفضلهم:

وكان أكثر أهل قمّ من الأشعريّين، وقد روي عن رسول الله أنّه قال في حقّهم: "أللهم اغفر للأشعريّين صغيرهم وكبيرهم".
وعنه: "الأشعريّون منّي وأنا منهم".

ومن مفاخرهم أنّ أوّل من أظهر التشيّع بقمّ موسى بن عبد الله بن سعد الأشعريّ.

ومنها أنّه قال الرضا عليه السلام لزكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعريّ: "إنّ الله يدفع البلاء بك عن أهل قمّ كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بقبر موسى بن جعفر عليهما السلام".

ومنها أنّهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمّة عليهم السلام.

ومنها أنّهم أوّل من بعث الخمس إليهم.

ومنها أنّهم عليهم السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد وغيرهم ممّن يطول بذكرهم الكلام، وشرّفوا بعضهم بالخواتيم والخلع..

ومنها أنّ الصادق عليه السلام قال لعمران بن عبد الله (الأشعريّ): "أظلّك الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه"7.


42


 هوامش

1- الحمويّ ياقوت: معجم البلدان ج 4 ص 397- 398.
2- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 50 ص 160- 161. نقله عن الحسن بن عليّ القمّي في ترجمة تاريخ قمّ نقلاً عن الرضائيّة للحسين بن محمّد بن نصر.
3- الكوراني الشيخ علي: عصر الظهور ص 165.
4- المجلسي: بحار الأنوار ج 57 ص 216.
5- الكوراني الشيخ علي: عصر الظهور ص 166.
6- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 216.
7- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 212- 221.