المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, وصلّى الله على سيِّدنا محمّدٍ وآلِ بيته الطاهرين الذين أذهبَ الله عنهم الرِّجسَ وطهَّرهم تطهيراً.

إنّ إحياءَ أمرِ أهلِ البيتِ عليهم السلام الذي أمرَ به الإمامُ الصادقُ عليه السلام - فيما رُوي عنه أنّه قال لفضيلِ بنِ يَسار: تجلسون وتحدّثون؟ قال: نعم جُعلتُ فداك، قال عليه السلام: "إنّ تلك المجالسَ أُحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيلُ، فرحم الله مَنْ أحيا أمرنا.."1- لا يقتصر كما هو واضح على إمام دون إمام, ولا أمر من أمورهم دون أمر آخر, بل إنّ ما أُصيب به سائر الأئمّة عليهم السلام يُعدُّ التذكيرُ به والاعتناءُ بشأنه مصداقاً من مصاديق هذا الإحياء, وتلك المجالس التي يحبّها الإمام عليه السلام , وتُحقّق شكلاً من أشكال التولّي والارتباط بأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا، واختارَ لنا شيعة يَنصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا, ويبذلون أموالَهم وأنفسَهم فينا، أولئك منّا وإلينا"2. ومن هنا ورد في الروايات الأجرُ العظيمُ والثواب الكبير, لمن تأثّر قلبه على مصيبة من مصائبهم أو جرت دموعه لرزيّة من رزاياهم, فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "نفس المهموم لِظلمنا تسبيح، وهمُّه لنا عبادة.."3. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: أيُّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله تعالى بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيُّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّيه فيما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا، بوّأه الله منزلَ صدق، وأيُّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة أو أذى فينا, صرف الله من وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النّار4.

ومن هنا فمن اللازم على المحبّين والموالين أن يجعلوا من أيّام شهادات الأئمّة عليهم السلام ووفَيَاتِهم أيّامَ حزن وحداد, وتحويلُ تلك الأيّام إلى مناسبات للتذكير بحقّهم وفضلهم, وبيانُ ما نالوه من الظلم في حياتهم, وربطُ الناس بهم وبسيرتهم وتوجيهاتهم وإرشاداتهم, عسى أن يكون في ذلك بعضٌ من الوفاء لهم, والأداء لحقّ المودّة, الواجب على هذه الأمّة بنصّ التنزيل:
﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى5

ومن الواضح أنّ لخطباء المنبر الحسينيّ الدورَ الأساسيَّ على هذا الصعيد, حيث يتحمّلون هذه المسؤوليّةَ الكبيرةَ والمهمّةَ, ويشكّلون النواةَ الأولى لمجالس العزاءِ التي تُقام إحياءً لأمرهم.

هذا الكتاب:
وفي هذا السياق قمنا في معهد سيّد الشهداء عليه السلام بإعداد هذا الكتاب: "مجالس الأئمّة المعصومين عليهم السلام " في إصداره الثاني, ليكون عوناً ومساعداً للاخوة القرّاء في إحياء هذه المناسبات الأليمة.

وقد راعينا في هذا الإصدار الأمورَ الآتية:
• اقتصرنا على ذكر مجلس واحد لكلّ إمام من الأئمّة عليهم السلام.
• لم نقم بذكر محاضرة أو كلمة ضمن المجلس, بل اكتفينا ببعض الروايات لأجل الربط أو التخلّص للمصيبة فقط.
• أدرجنا بعضَ الأبيات الدارجة والمفهومة إلى حدٍّ ما.

وفي الختام نسأله تعالى أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه, ويرزقنا شفاعة محمّدٍ وآلِ بيته الطيّبين الطاهرين, إنّه سميع مجيب.


معهد سيّد الشهداء عليه السلام
للمنبر الحسينيّ

  هوامش

1- المجلسي: بحار الأنوار ج 71 ص 351.
2- المجلسي: بحار الأنوار ج 44 ص 287.
3- المجلسي: بحار الأنوار ج 2 ص 64.
4- الصدوق: ثواب الأعمال ص 83.
5- سورة الشورى الآية 23.