المقدمة

ليس من السهل الحديث عن عاشوراء أو الكتابة واستخلاص الدروس والعبر منها كما هي, فكثيرون تحدّثوا وكتبوا من زوايا نظرهم هم وحسب آفاق اطِّلاعهم, فما أكثر الأبحاث التي تطرّقت إلى عاشوراء كحادثة, أسبابها, نتائجها وتفاصيل حوادثها, لكن النظر إلى عاشوراء من زاوية مقاصد الدّين والحكومة واستمرار الرسالة أمر مختلف, كما إنّ ملاحظة مختلف أبعادها وتفاصيل أحداثها ودقائق حركات أصحابها - ما قبل وما بعد وفي الأثناء - هي شيء آخر. فالنظر إليها كواقعة مستمرّة بنتائجها وأهدافها, تطال عصرنا كما طالت عصوراً مضت, وتطال النّاس بخواصّهم وعوامّهم في كلّ عصر, لهو أمر بالغ الأهميّة ويدخل في متن الواقعة, فهي لم تحدث مرّة وحسب, بل هي مستمرّة بكلّ عناصرها وأهدافها وبأسبابها نفسها, هكذا تكون عاشوراء متّصلة بكلّ شيء في الإسلام, وقد اختصرها الإمام الخميني قدس سره بكلمتين: "كلّ ما عندنا هو من عاشوراء".

ما أروع أن يتحدّث عن عاشوراء أهلُها وخلّصُ السائرين في ركبها, فلها في كلّ عصر رايةٌ ومجدّدون, وهنا لبّ المسألة!

وما أروع أن يحلّل أبعادها, ويفصّل دروسها ويظهّر نتائجها, وليٌّ من أولياء عصرنا, قائدٌ عاشورائيّ شجاع, اقتفى أثر إمامه حذو النعل للنعل, فيشخّص مسؤوليّات تاريخيّة وواجبات شرعيّة وإلهيّة, فترى حديثه حسينيّاً ينقلك إلى ساحة كربلاء, فتسمع تحليلاً فريداً, مستخرِجاً وقائع عاشوراء من بطون الكتب والتاريخ وواضعها في مواضعها, محلّلاً لمواقف وعارضاً لمشاهد قد لا توجد في كتاب وعلى لسان آخر, مشاهد مفعمة بالألم والمشاعر الصادقة, ابتداءً من مقدّمات الثورة (البعيدة والقريبة) ومآل الخلافة, ولوم بعض الأصحاب للإمامعليه السلام وتخلّفهم عنه, لهم من الوزن قلّما يتجرّأ الخطباء وأهل المنبر على الحديث عنهم, ربّما خوفاً من فهم القدح والذمّ. لكنّ الواقع هو واقع والحقّ حقّ, هكذا يعرضه الإمام الخامنئيّ بوضوح وبساطة. نعم لقد تخلّف عنه جمع من الصحابة المتقدّمين في اتّباع الرسالة, بل بعضهم لامه وعاتبه. لماذا؟ لأنّهم لم يمتلكوا الخطّة والرؤية, وربّما ركنوا إلى شيء من الدنيا, وتكفي الإشارة إلى ذكره لمُهُور بنات بعضهم التي فاقت مهر السنّة بكثير, دليلاً.. وهنا تبرز جرأة الحديث عن هذه الشخصيّات, فذِكرُ مواقف صحابة كبار - كالعبادلة الثلاثة مثلاً - يحتاج إلى جرأة وفيه نتيجة وخلاصة يريد إيصالها إلى كثيرين من الخواصّ والمقرّبين في زماننا وساحتنا..

كما أنّ فصلاً عميقاً من الحديث عن الإمام السجّاد عليه السلام وكذلك السيّدة زينب عليها السلام وتصوير شخصيّتهما ومواقفهما التي تجلّى فيها العشق والعاطفة والحكمة والتدبير, لَأَمْرٌ مدهش.. نحن نسمع عن زينب (ما بعد كربلاء) وتحمّلها للمصائب والآلام, لكن حكمة زينب, معرفتها, إدراكها للظرف والتكليف, صبرها, قيادتها لركب السفينة المضروبة بالطوفان- كما عبّر الإمام الخامنئيّ- لهي شيء آخر.

عندما تقرأ "دروس عاشوراء" بلسان الإمام الخامنئيّ تشعر أنَّك أمام قائد عاش حوادث كربلاء لحظة بلحظة, فكما يشعرك كلامه بالحزن على آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, تخال نفسك أيضاً أنّك أمام نبع فوّار من عشق الحسين وآله, وبركان ملتهب من الحماس والثورة على الباطل ورفض الذلّ, تقرأ مجلس عزاء من نوع آخر, مجلس عزاء وثورة, فتتراءى أمامك - عندها - مظاهر الحكمة والبصيرة والاستقامة والشجاعة والفداء والإيثار والثبات على الموقف الحقّ وتحمّل المصائب وقيادة الركب والمعرفة بالله ومناجاته, في جبهة كلّما اقتربت لحظات الفداء من رجالها اشتدّ الوصال وفُتحت أبواب السماء.

يحلّل الإمام الخامنئيّ أحداث عاشوراء, بكلّ أبعادها المتّصلة بالدّين وحفظ الرسالة والحكومة, وساحاتها المتّصلة بمظاهر الفداء والشهادة والإيثار والعبادة والعشق لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وزواياها المتّصلة بمتن الدّين والحياة والمجتمع, وأبطالها الثابتين الشجعان المطيعين العارفين بالظرف والزمان.

عاشوراء مدرسة ودروس لا عدّ لها ولا حصر, هكذا يعبر الإمام الخامنئيّ, وكلّ درس فيه حياة وعلم ورشاد, ودروس عاشوراء خالدة مدى الدهر, فكيف نتعلّم منها؟ هذا هو الدرس الأوّل والأساس.

دروس عاشوراء للجميع, للعوامّ والخواصّ, وقد يكون درس الخواصّ هو الأبلغ لدورهم الأبرز في توجيه الرأي العامّ وتثبيت النّاس وإرشادهم- فقد شكّلوا رؤوس القبائل سابقاً ووجوه النّاس حاضراً على الأغلب- فهم الذين ساهموا في الوصول إلى النتيجة الثانية- أي الشهادة- كما عبّر سماحته, إذ لم يكن هدف الإمام الحسين الشهادة ولا الانتصار حتماً, فهما نتيجة وليستا هدفاً, وكان الهدف أداء الوظيفة وحسب.

حول الكتاب:

١- "دروس عاشوراء", كلمات الإمام الخامنئيّ حول عاشوراء وكلّ ما يتّصل بها, وقد جاءت في مناسبات عديدة ذات صلة.. وتمّ جمعها وتنظيمها بأسلوب موضوعيّ في عناوين ودروس.

٢- هذا الكتاب صادر باللغة الفارسيّة عن مؤسّسة "نشر الثورة الإسلاميّة" وقد تمّ تعريبه في معهد سيّد الشهداءعليه السلام للمنبر الحسينيّ.

٣- ولا بدّ من التنويه أنّه تمّت المحافظة على نصّ الفقرات وتنظيم الكتاب بدون التصرّف بالعبارات أو المعاني, ما عدا بعض الصياغات اللّازمة وحذف بعض الفقرات المتكرّرة أو العناوين القليلة التي ليس لها صلة بالموضوع.

٤- وتمّ في الكتاب الأصل تحقيق الروايات والمنقولات والأخبار كلّها التي اعتمد عليها الإمام الخامنئي دام ظله في كلماته وخطاباته, وقد حافظنا عليها في النسخة العربيّة, كما هي.

٥- وتتميماً للفائدة, أضفنا في نهاية الكتاب فقرة مهمّة كملحق, تتحدّث عن أوضاع المدينة والكوفة قبيل واقعة عاشوراء.

نسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل من نتائج ثورة كربلاء وبركاتها, يستلهم منه عشّاق الحسين وخدّام المنبر الحسينيّ دروسهم, كما استفاد منها وليّ أمر المسلمين دروسه بيقين وها هو يقولها للعالمين.

نشكر كلّ من ساهم في هذا العمل ليبصر النور بهذه الحلّة.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام
للمنبر الحسيني